تجارب فلسفية وفنّية ومناظرات علمية تُثري «مؤتمر الرياض الفلسفي»

شهد حضور أكثر من خمسة آلاف زائر في أيامه الثلاثة

يُنظم المؤتمر سنوياً لترسيخ أسس الفلسفة وأساليبها بين المملكة والعالم (هيئة الأدب)
يُنظم المؤتمر سنوياً لترسيخ أسس الفلسفة وأساليبها بين المملكة والعالم (هيئة الأدب)
TT

تجارب فلسفية وفنّية ومناظرات علمية تُثري «مؤتمر الرياض الفلسفي»

يُنظم المؤتمر سنوياً لترسيخ أسس الفلسفة وأساليبها بين المملكة والعالم (هيئة الأدب)
يُنظم المؤتمر سنوياً لترسيخ أسس الفلسفة وأساليبها بين المملكة والعالم (هيئة الأدب)

واظبت جلسات اليوم الثالث والأخير من «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة» على استمرار وتيرة النقاشات الحيوية بشأن القيم العابرة للثقافات، والتحديات الأخلاقية المُلحّة تجاه تغيرات الوعي الإنساني، وما طرأ في واقعه من تحولات أثّرت في درجة ثبات المعايير، وحتّمت إعادة النظر في قدرتها على إنتاج حياة سويّة تنجو بالإنسان من الشطط والارتباك.

برنامج متنوّع شهدته ثلاثة أيام من «مؤتمر الرياض الفلسفي»، الذي اختتم فعالياته، السبت، بجولة أخيرة من تناول القضايا الفلسفية المتعددة في وجود روّاد المجال الفلسفي والبحثي من حول العالم، واهتمّت محاوره بمفاهيم الجمال والفن والابتكار في سياق العبور الثقافي، وناقشت مفهوم الحياة الطيبة ومستقبل الإنسانية في ضوء التقنية والتواصل والتبادلات الثقافية.

تجارب فلسفية وفنّية ومناظرات علمية تثري المؤتمر (هيئة الأدب)

واختتمت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» يومها الأخير، الذي جاء بعنوان «القيم العابرة للثقافات والتحديات الأخلاقية في العصر التواصلي»، بحصيلة متنوّعة من المُخرجات العلمية والاستراتيجية والبحثية، وبحضور نحو 5 آلاف زائر، خلال أيام المؤتمر.

وقال خالد الصامطي، مدير عام الإدارة العامة لقطاع الأدب في «هيئة الأدب والنشر والترجمة»، إن برنامج المؤتمر في دورته الثالثة اتسم بشمولية التوجه العلمي، ونجح في مناقشة أكثر القضايا الفلسفية المعاصرة إلحاحاً وأهمية، لافتاً إلى أنه شكّل بيئة خصبة تجمع الإمكانات المتفردة التي تحتضنها المملكة بإمكانات العالم من حولها، سعياً لتكون السعودية رائدة في مختلف العلوم، ومحوراً مركزياً لحركة التقدّم والتطوير العالمية.

وأشار الصامطي إلى أن الهيئة تسعى ليكون هذا المؤتمر منصة تقود الحركة البحثية الفلسفية، وحدثاً رائداً على الصعيد الأكاديمي في الشرق الأوسط والعالم؛ تحقيقاً لتوجهات «رؤية السعودية 2023» في القطاع الثقافي.

حظي المؤتمر بنوافذ إثرائية ومعارض فنية كانت جسراً لمجتمع متطلع (هيئة الأدب)

آفاق عميقة لفهم الوجود

في واجهة مقر المؤتمر، مكتبة الملك فهد الوطنية التي تُزيّن الكتب جنباتها، تنتصب قطعة منحوتة ببراعة تجسد أسطورة سيزيف بطل اللاجدوى، الذي حُكم عليه بأن يرفع مراراً وبلا انقطاع صخرة من سفح جبل إلى قمته، ولطالما كانت هذه الأسطورة محطّ تأمل ودراسة الفلاسفة والمفكرين.

ومثلما فتحت معاناة سيزيف آفاقاً عميقة لفهم الوجود، وأثارت كثيراً من التساؤلات الفلسفية حول معنى الحياة، وجدوى الشقاء، وحقيقة السعادة وأوجه العبثية وخفاياها، قدَّمت هذه المنحوتة لزائري مؤتمر الفلسفة في الرياض، لحظة توقف وتريّث لتأمل الأفكار وقوتها في بث الأسئلة داخل وجدان الفرد وعقله.

محطة توقف لكثير من زائري المؤتمر لتأمل التجارب وأصحابها (هيئة الأدب)

وحظي «مؤتمر الرياض للفلسفة» بنوافذ إثرائية ومعارض فنية كانت جسراً لفهم مجتمع متطلع، وناشئين في دروب المعرفة، للإطلالة على عالم واسع من التجربة الفلسفية التي خاضها نوابغ الفكر البشري من مختلف دول وثقافات العالم.

‏واستعرض «مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة»‬⁩ لوحاتٍ وثّقت بورتريهات أبرز الفلاسفة عبر مختلف العصور، وكانت محطة توقف لكثير من زائري المؤتمر، لتأمل التجارب وأصحابها.

وقدَّم المعرض الفني المصاحب تجربة فلسفية ممتدة عبر تاريخ الفن؛ في محاولة لفهم الإنسان للجمال والتفكير، في حين استعرضت «جدارية الفلسفة» حكاية الفلسفة عبر الزمن، منذ فجرها الذي أظهرته أسئلة الإنسان، وساقه فضولُه، حتى واقعها المعاصر والواعد. وفي «متاهة المعضلات» خاض الزائرون محاكاة واقعية لمعضلات أخلاقية مُحيّرة، واختبار المآزق الفلسفية وتحدي مفاهيم الصواب والخطأ إزاءها.

لوحات قدّمها معرض تقاطعات الفلسفة والفن عبر مختلف العصور (هيئة الأدب)

جولات من المناظرات

استضاف المؤتمر، على مسرحه الرئيسي، الجولة النهائية من المناظرات الفلسفية بين طلاب الجامعات السعودية، التي شارك فيها الفائزون منهم، عقب جولتين سابقتين في يوم المؤتمر الأول.

وأطلق المؤتمر فضاء حيوياً من النقاش لتدريب طلاب الجامعات السعودية على روح الحوار والنقاش الحر والمفتوح، وتفحص مآلات التفكر والتبصر في الأفكار والتساؤلات، انطلاقاً من المحاور التي اتخذها المؤتمر في دورته الثالثة، في العلاقة المتبادلة بين القيم العابرة للثقافات والقضايا الأخلاقية المرتبطة بها في ظل العالم التواصلي بشروطه الجديدة، واستكشاف الطرق التي يمكن للثقافات المختلفة أن تتفاعل وتتواصل من خلالها، مع الحفاظ أيضاً على قيمها وهوياتها الفريدة، ونقاشها من منظور فلسفي أصيل يبحث في انعكاس هذه القيم على طبيعة التصورات الفلسفية الراهنة، كما يرصد كيف عالجت الفلسفات المختلفة مسألة القيم العابرة للثقافات عبر مساراتها المتعددة.

وبحثت المناظرة، في جولتها الأخيرة، أثر العزلة على الهوية والذات، وناقش الفريقان نفع العزلة من عدمه في الحفاظ على هوية الإنسان وأصالتها، وتقرّر فوز الفريق المعارض، الذين تبنّوا حجة أن العزلة غير نافعة للحفاظ على الهويّة والذات، بناء على رؤية اللجنة الاستشارية للمؤتمر.

شهد المؤتمر حضور أكثر من 5 آلاف زائر (هيئة الأدب)

تعزيز مجال الفلسفة سعودياً

يُقام المؤتمر سنوياً في مدينة الرياض؛ وذلك لترسيخ أسس الفلسفة وأساليبها التمكينية وأدواتها بين المملكة والعالم، ويستثمر في حجم وثراء المحاضرات والحلقات النقاشية والحوارات الفكرية، وورش العمل الشاملة التي تتناول موضوعات مختلفة في كل دورة؛ لإثراء المشهدين الفلسفي والثقافي في السعودية، وتعزيز الفكر الفلسفي لدى الأجيال الناشئة، وتزويدهم بالمهارات والمعارف في المجالات الفلسفية المختلفة.

وبإعلان انضمام «جمعية الفلسفة السعودية» إلى «الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية»، والمؤتمر الدولي للفلسفة 2024 في روما، تقترب «هيئة الأدب» خطوة مهمة من سعيها لدعم العمل الأكاديمي والفلسفي السعودي، وتطوير المؤتمر ليكون منصة مهمة تقود الحركة البحثية الفلسفية، وحدثاً رائداً على الصعيد الأكاديمي في الشرق الأوسط والعالم، تحقيقاً لتوجهات «رؤية السعودية 2023» في القطاع الثقافي.


مقالات ذات صلة

منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف بالسعودية لأول مرة خارج «يونيدو»

الاقتصاد صورة للاجتماعات خلال النسخة السابقة من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) في فيينا (يونيدو)

منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف بالسعودية لأول مرة خارج «يونيدو»

تنظّم وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، النسخة الثانية من منتدى السياسات الصناعية متعدّد الأطراف (MIPF) 2024.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق النسخة الأولى من «المؤتمر الدولي للتعليم والابتكار في المتاحف» (هيئة المتاحف)

المؤتمر الدّولي للمتاحف يعزّز دور التعليم والابتكار في تطوير المتاحف

دعا مشاركون إلى أهمية تعزيز دور التعليم وتشجيع الابتكار بقطاع المتاحف لتطوير تجربة الزائرين وتعظيم أثرها في الفضاء العام

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق من جلسات مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة العام الماضي 2023 (هيئة الأدب)

مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة يختار «جودة الحياة» موضوعاً لدورته الرابعة

يعود مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة بدورته الرابعة 2024 تحت عنوان «الفلسفة وجودة الحياة: الوجود، والحقيقة، والخير» ليفتح آفاقاً جديدة للحوار والتفكير.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون شهدت جلسات الفعاليّة حضوراً نوعيّاً ونقاشاتٍ غنيّة (الشرق الأوسط)

هل العرب اليوم بحاجة إلى الفلسفة؟

نقاشات غنيّة في تونس للإجابة عن سؤالين محوريّين: هل نحنُ اليومَ كعرب بحاجة إلى الفلسفة؟ وهل نحن قادرونَ على اجتراح تفكّر فلسفي عربي جديد؟

«الشرق الأوسط» (بيروت)
العالم بعض المتحدثين الرئيسيين في مؤتمر «كايسيد» (صورة من برنامج المؤتمر)

مؤتمر «كايسيد» يلتئم في لشبونة تحت عنوان «بناء تحالفات لصيانة السلام»

تستضيف العاصمة البرتغالية لشبونة، هذا الأسبوع، منتدى كايسيد العالمي للحوار، تحت عنوان «الحوار في سياق متحول: لإنشاء تحالفات من أجل السلام في عالم سريع التغير».

«الشرق الأوسط» (لشبونة)

الواقع الافتراضي يمنح ذوي الإعاقة الذهنية استقلالية أكبر

نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)
نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)
TT

الواقع الافتراضي يمنح ذوي الإعاقة الذهنية استقلالية أكبر

نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)
نظارات الواقع الافتراضي تتيح لذوي الإعاقة الذهنية تعلم مهارات حياتية بشكل أسرع (جامعة كالجاري)

أظهرت دراسة أسترالية أن استخدام نظارات الواقع الافتراضي يُمكِن أن يفتح آفاقاً جديدة للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، مما يتيح لهم تعلم مهارات حياتية عملية بشكل أسرع دون الحاجة إلى الاعتماد على مقدمي الرعاية.

وأوضح الباحثون بجامعة «جنوب أستراليا» وجامعة «نيو ساوث ويلز»، أن هذه التقنية يمكن أن تتيح لهؤلاء الأشخاص تعلم مهارات أساسية مثل النظافة الشخصية وإدارة المهام اليومية، ونشرت النتائج، الجمعة، بدورية (Intellectual Disability Research).

ونظارات الواقع الافتراضي (VR) هي أجهزة إلكترونية يتم ارتداؤها على الرأس، مصممة لخلق تجربة غامرة في بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد. وتعتمد هذه النظارات على عرض صور ومقاطع فيديو بزاوية 360 درجة، بحيث يشعر المستخدم وكأنه موجود داخل البيئة الافتراضية.

وتستخدم نظارات الواقع الافتراضي بشكل واسع في الألعاب الإلكترونية، والتعليم، والتدريب المهني، والطب، حيث تتيح للمستخدم التفاعل مع بيئة محاكية للواقع دون مغادرة مكانه. وتوفر هذه التقنية تجربة غنية وحسية تحاكي الواقع، ما يجعلها أداة فعالة لتعلم المهارات والتفاعل مع العالم الافتراضي بطريقة واقعية.

ويواجه معظم الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية تحديات كبيرة في أداء المهارات الحياتية الأساسية مثل الطهي، والاستحمام، والتنظيف دون مساعدة من مقدمي الرعاية، مما يمنعهم من العيش باستقلالية والتمتع بجودة حياة أفضل.

وقام الباحثون بمقارنة فعالية نظارات الواقع الافتراضي الغامرة مع البيئات الافتراضية غير الغامرة مثل التدريب على جهاز لوحي، لتدريب 36 بالغاً من ذوي الإعاقة الذهنية على كيفية فصل النفايات العامة عن النفايات القابلة لإعادة التدوير، والنفايات العضوية من الحدائق والطعام.

وشملت الدراسة، 12 جلسة تدريب افتراضية. وأظهرت النتائج أن المجموعة التي استخدمت نظارات الواقع الافتراضي الغامرة حققت أداءً أفضل بشكل ملحوظ في الحياة الواقعية مقارنة بالمجموعة التي استخدمت جهازاً لوحياً للتدريب.

وأكد الباحثون أن تقنية التدريب باستخدام الواقع الافتراضي الغامر يمكن أن تُستخدم أيضاً لتعليم مهارات أساسية أخرى مثل الطهي وأمان المطبخ، والنظافة الشخصية، والتنقل في وسائل النقل العامة، والمهارات الاجتماعية.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة بجامعة نيو ساوث ويلز، الدكتور ستيفان ميشالسكي، إن «الواقع الافتراضي الغامر يتيح للأفراد تجربة الأنشطة في بيئة آمنة ومتحكم بها وقابلة للتكرار».

وأضاف عبر موقع الجامعة، أن البحث يظهر أن التعلم بالممارسة، المعروف أيضاً باسم التعلم التجريبي، يبدو أكثر فعالية لهذه الفئة مقارنةً بالأساليب التعليمية التقليدية، مشيراً إلى أن هناك أدلة متزايدة على فوائد الواقع الافتراضي، لكننا بحاجة لسد الفجوة بين البحث والتطبيق حتى يتمكن المزيد من الناس من الاستفادة من هذه التكنولوجيا.