مجد مستورة لـ«الشرق الأوسط»: «وراء الجبل» أرهقني بدنياً ونفسياً

جائزة «الدب الفضي» حسمت خيارات الفنان التونسي المهنية

جائزة «مهرجان برلين» قادت مستورة إلى أهم قرار في حياته (حسابه في «إنستغرام»)
جائزة «مهرجان برلين» قادت مستورة إلى أهم قرار في حياته (حسابه في «إنستغرام»)
TT

مجد مستورة لـ«الشرق الأوسط»: «وراء الجبل» أرهقني بدنياً ونفسياً

جائزة «مهرجان برلين» قادت مستورة إلى أهم قرار في حياته (حسابه في «إنستغرام»)
جائزة «مهرجان برلين» قادت مستورة إلى أهم قرار في حياته (حسابه في «إنستغرام»)

يجسّد الفنان التونسي مجد مستورة (33 عاماً) شخصية «رفيق»، الذي يعاني ضغوطاً نفسية قادته إلى العنف، ويتماهى مع الدور بأداء قال إنه بذل فيه جهداً بدنياً، وأرخى عليه عبئاً نفسياً طوال تصوير الفيلم التونسي «وراء الجبل» لمحمد بن عطية، المدعوم من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، الذي عُرض خلال فعالياته بجدة.

تدور الأحداث حول (رفيق) الذي يدخل بنوبات انهيار على مدى 4 سنوات، ويُسجَن بسبب تخريب المكتب حيث يعمل، كما أنه يحاول الانتحار. يخرج (رفيق) من السجن، فيخطف ابنه من مدرسته، لتبدأ رحلتهما المثيرة.

يعترف مستورة أنّ الشخصية أرهقته، لافتاً إلى مَشاهد كان يجري فيها وسط الجبال استغرق تصويرها أكثر من 8 ساعات لتظهر على الشاشة بـ5 ثوانٍ فقط. ويتابع في حديثه مع «الشرق الأوسط»: «مَشاهد البطل وهو يخطف طفله ويجري به على مسافة 25 كيلومتراً في الصحراء، مرهقة جداً».

الفنان التونسي مجد مستورة (حسابه في «إنستغرام»)

ويضيف: «الشخصية تنطوي على عنف يطال النظرة والسلوك، وهي تعاني الاكتئاب. لا تبتسم ولا تضحك ولا تبوح بالضغط في داخلها، بل تبدو قابلة للانفجار في أي لحظة. كانت صعبة، ولكن من حُسن الحظّ أنني مع مخرج وفريق عمل يتميّزان بخفّة روح في التعامل».

وعن مفاتيح الشخصية، يقول الممثل التونسي: «لديها خلفيات نفسية، وتحظى بقدر من الغموض. ففي البداية، تحلّى (رفيق) بكل ما يجعله سعيداً، من عمل وعائلة، لكن الظروف تقوده إلى المتاعب، وتجعل كل ما حوله يتداعى».

ويكشف مستورة عن أنّ «التحضير للفيلم استغرق 6 سنوات، منذ كان فكرة حدّثني عنها المخرج محمد بن عطية. أجرينا تمارين لثلاثة أشهر تتعلّق بتفاصيل (رفيق)، مثل مشيته، وطبقة صوته، وأسلوب حديثه، فهو يعبّر بعينيه، وبطريقة تنفسه المُرهقة».

علاقة البطل بطفله في الفيلم بدت الشيء الوحيد الذي يشجّعه على الحياة، فيروي مستورة: «هاجسُه الوحيد ابنُه، فهو يريد أن يصبح أباً فعلياً له، خصوصاً أنه خلال فترة سجنه، أفهمت زوجته ووالدها الطفل بأنّ والده (شيطان)، مما أثّر في نظرة الابن إلى أبيه. لذا؛ أراد استرداد أبوّته، فهي ما يبقى له، ولهذا السبب خطفه».

وعن الطفل الموهوب وليد بوشيوة، الذي شارك في العمل، يقول مستورة: «قابلته وتفاهمنا سريعاً. وُلدت بيننا صداقة هي مزيج من الأبوّة والتصابي من ناحيتي، فليس لديَّ أطفال في الواقع». ويواصل ضاحكاً: «لا يزال طفلٌ في السابعة يسكن في داخلي».

يكتشف (رفيق) قدرته على الطيران، فيقدّم مجد مستورة مَشاهد يطير فيها وسط الجبال، ويوضح أنه جرت الاستعانة بفريق من فرنسا لتنفيذها، مضيفاً: «كنت خائفاً منها، فخيّرني المخرج بين أدائها أو الاستعانة بممثل بديل، فقرّرتُ تأديتها بنفسي، ونفّذت مشهد طيراني مع الطفل، وسط اتّخاذ الاحتياطات، لكنني لم أستطع الارتفاع بالقدر المطلوب في أحد المَشاهد فاستعان المخرج ببديل».

لقطة من فيلم «وراء الجبل» (حساب مستورة في «إنستغرام»)

وكان «وراء الجبل» قد شهد عرضه الأول في مهرجان «فينيسيا السينمائي» بدورته الأخيرة. وعن رد الفعل بين الجمهورَيْن الغربي والعربي، يجيب مستورة: «حظي الفيلم باستقبال طيّب، لكن كان له وَقْع خاص عند المشاهدين العرب»، مشيراً إلى أنه «أثار تساؤلات في الغرب حول التعبير عن أزمة اختناق المواطن العربي، لكنّ العمل لا يتكلّم عن الإنسان العربي، بل عن الإنسان عموماً حين يهزمه الواقع».

وحصل الفنان التونسي على جائزة «الدب الفضي»، لأفضل ممثل من «مهرجان برلين» عام 2016 عن دوره في فيلم «نحبك هادي»، الذي جمعه للمرة الأولى بالمخرج محمد بن عطية. عنه، وعن تعاونه مع بن عطية يقول مستورة: «في فيلمنا الأول (نحبك هادي) لم نعرف بعضنا بعضاً، بل التقيته في تجربة أداء. وخلال العمل اكتشفنا تقاربنا، ووجدنا متعة لتفاهمنا على تطوير السيناريو»، لافتاً إلى أنّ «التواصل كان أسهل في الفيلم الجديد، مما جعله فرصة استثنائية في مسيرتي التمثيلية».

جائزة «مهرجان برلين» قادت مستورة إلى أهم قرار في حياته (حسابه في «إنستغرام»)

يضيف أنّ جائزة «مهرجان برلين» جعلته يتخذ «أهم قرار» في حياته: «لدى تصوير الفيلم، كنتُ لا أزال جديداً في هذا العالم، ولم أعرف هل سأتخذ التمثيل هوايةً أم مهنةً، لكن الجائزة أعطتني نوعاً من القبول في تونس وخارجها، وحسمت رأيي تجاه أن يكون التمثيل هو طريقي».


مقالات ذات صلة

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

سينما بطولة جماعية وهجوم مشترك: «ذَ أڤنجرز» (مارڤل ستوديوز)

«هوليوود» تقتل نجومها بمسلسلات ورسوم

أطلقت «هوليوود» منذ مطلع القرن الحالي مئات الأفلام بأجزاء متسلسلة فأصبح اهتمامُ الجمهور بالفيلم وليس بالممثل

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق لقطة تجمع بين طاقم الفيلم وبعض ضيوف العرض   (الشركة المنتجة)

«آخر الخط» نهاية «ميلودرامية» لأبطال «الخطايا السبع»

داخل حافلة تقل سبعة أشخاص تقطع طريقاً وسط ظلام الليل الذي تهطل فيه الأمطار بغزارة، تدور أحداث فيلم «آخر الخط».

انتصار دردير (القاهرة )
سينما «العواصف» (فيستيڤال سكوب)

«العواصف» و«احتفال»

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024).

محمد رُضا
يوميات الشرق هيو غرانت (رويترز)

نوبات الهلع تطارد هيو غرانت خلال تصوير الأفلام

كشف الممثل البريطاني الشهير، هيو غرانت، عن أنه مرَّ كثيراً بنوبات هلع خلال تصوير الأفلام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق إنجي الجمال في مشهد داخل القرية (الشركة المنتجة)

«عبده وسنية» يراهن على نوستالجيا «الأبيض والأسود» والسينما الصامتة

يترقّب المخرج المصري الأميركي عمر بكري عرض فيلمه الأول «عبده وسنية»، متمنياً أن يحوز إعجاب الجمهور في العرض العام.

انتصار دردير (القاهرة )

عامٌ من الاحتفالات بمئوية منصور الرحباني «الشاعر النادر»

منصور الرحباني ترك روائعه قبل الرحيل (أرشيف مروان وغدي الرحباني)
منصور الرحباني ترك روائعه قبل الرحيل (أرشيف مروان وغدي الرحباني)
TT

عامٌ من الاحتفالات بمئوية منصور الرحباني «الشاعر النادر»

منصور الرحباني ترك روائعه قبل الرحيل (أرشيف مروان وغدي الرحباني)
منصور الرحباني ترك روائعه قبل الرحيل (أرشيف مروان وغدي الرحباني)

يحتفي لبنان، السنة المقبلة، بمرور 100 عام على ولادة الكبير منصور الرحباني (1925 - 2025). بهذه المناسبة، أُعلن عن برنامج يستمرّ طوال العام، يشمل أنشطة عدّة؛ من بينها عرض عدد من مسرحياته المصوَّرة في مراكز ثقافية، منها في طرابلس (مركز الصفدي)، وبيروت (المركز الثقافي الفرنسي)، وزحلة (مركز البلدية)، وعجلتون (المركز الثقافي البلدي)، بالإضافة إلى مراكز ثقافية في مناطق أخرى من لبنان.

وأعلن عن البرنامج كاملاً في ندوة صحافية نظَّمتها «لجنة مئوية منصور الرحباني»، أدارها الشاعر هنري زغيب، بحضور أولاد منصور؛ مروان وغدي وأسامة الرحباني، وذلك في «مسرح الأخوين رحباني» بكنيسة مار إلياس - أنطلياس.

«زهرة المدائن» كتبها منصور

كان لبنان قد احتفل عام 2023 بمئوية عاصي الرحباني. وشرح زغيب في الندوة أنه وقد حانت مئوية منصور، فقد «تنادى أبناؤه مروان وغدي وأسامة، وفاءً لذكراه، وشاركوني أمر الاحتفال بمئوية ولادته في أنطلياس يوم 17 مارس (آذار) 1925. وها نحن اليوم، نتيجة اجتماعات متتالية لبرمجة المئوية، نعلن بعض الأنشطة التي هيّأناها طوال 2025، إِلى برامج أخرى في مرحلة التحضير».

كان زغيب قد رافق منصور الرحباني، مما أتاح له التعرُّف إليه وإلى أعماله وشخصيته من قرب. يرى فيه شاعراً كبيراً لا يقلّ مستوى شعره أبداً عن شعر الكبار في لبنان. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «بدليل أنّ كثيرين أحياناً يخلطون بين شعره وشعر سعيد عقل الذي نسبوا إليه قصائد ذاعت مثل (خذني بعينيك واهرب أيها القمر)، أو (زهرة المدائن)، أو (يا شام عاد الصيف متئداً وعاد بي الجناح)، وقصائد أخرى... في حين هي لمنصور. هذا لأقول إنّ قصائد منصور جديرة بالدراسة كما قصائد أي شاعر لبناني كبير».

إنها واحدة من مفاجآت المئوية؛ فهذه القصائد غالباً ما نُسبت لسعيد عقل أو للأخوين معاً. أنْ يُخبرنا هنري زغيب المُقرَّب من منصور وأولاده بهذا الخبر، فهو أمر قد يثير أخذاً ورداً في مقبل الأيام. أما سبَّب ذاك الخلط كما يشرحه زغيب، فهو أنّ «شعر الأخوين رحباني العالي المستوى أخذ اللحن فيه من وهج الشعر، وجاء صوت فيروز حاملاً الشعر واللحن إلى مدى أبعد، فخَفُت نوعاً ما وهج الشعر في الذاكرة الجماعية».

عاصي ومنصور الرحباني اسمان للتاريخ (وسائل التواصل)

كتبٌ تبصر النور

من خلال برنامج المئوية، سيتعرّف الجمهور أكثر على شعر منصور مكتوباً، إذ ستصدر دواوينه على مدار الأشهر المقبلة؛ وهي: «أنا الغريب الآخر»، و«أسافر وحدي ملِكاً»، و«القصور المائية»، و«بحَّار الشتي»، و«الأولى القصائد»... وكلها لدى «منشورات سائر المشرق».

على أي حال، يبقى الفصل بين الأخوين رحباني رغم مرور العقود، عصياً. فلم يكن فراق عاصي بالسهل على منصور، ويصفه زغيب بأنه كان حدثاً «صاعقاً». وإكمال المسيرة الفنّية وحيداً، لم يستسغه منصور بسهولة. «فهو منذ انفجار دماغ عاصي (سبتمبر/ أيلول 1972)، تولّى المواصلة وحده؛ يكتب ويلحّن باسم (الأخوين) حتى إذا عاد عاصي إلى العمل الإبداعي، تابع يتقاسم معه الأعمال كالعادة. وبعد غياب عاصي (يونيو/ حزيران 1986)، شعر بالفراغ الكبير، ونذر أن يكمل وفي قلبه نبض عاصي».

مخططات لمسرحيات طيّ الأدراج

يروي لنا الشاعر هنري زغيب حادثتين كان شاهداً بنفسه عليهما: الأولى حين كان يجلس زغيب إليه ليدوّن سيرة الأخوين التي أصدرها في كتابه «طريق النحل» (2000)، وطبعة ثانية بعنوان «في رحاب الأخوين رحباني» (2012). ويضيف: «كان دائماً يقول لي: (كتبنا)، (لحَّنا)، (قدَّمنا)، (هيأْنا)... دائماً بصيغة الجمع (هو وعاصي). ومرتين خلال أحاديثنا توقّف عن الكلام تأَثّراً. كان يتحدّث عن عاصي بصيغة الحاضر حتى كنت أشعر أنه سيدّق الباب ويدخل علينا».

أما الحادثة الأخرى، فوقعت يوم مأتم عاصي، إذ يقول: «في حين كان الشباب يُدخلون نعش عاصي في الضريح، التفت وقال لي: (إنكم الآن تدفنون مع عاصي نصف منصور). وحدها هذه العبارة تختصر ما تركه غيابه في قلبه».

وحين نستفسر عما إذا كانت ثمة تركة فنية لمنصور لا تزال طيَّ الأدراج، ولا نعرفها بعد، يجيب: «لمنصور مخططات ومختصرات لأعمال مسرحية كان ينوي إنجازها، وهي باقية بين أوراقه. ليس في علمي أن لديه غير ذلك شعرياً أو مسرحياً».

ندوتان تبحثان في كنوز منصور

رحل عاصي عام 1986، وبذلك انطوت مرحلة «الأخوين رحباني» التي أنتجت على مدار ثلث قرن تراثاً فنّياً فريداً من الأَعمال الخالدة. بعدها، أكمل منصور وحده نسْج تراثه الرحباني لما يقارب ربع قرن من الكتابة والأعمال الفنّية، من بينها 11 مسرحية، والقداس الماروني، وحلقات تلفزيونية، وأغنيات منفردة، و5 كتب شعرية؛ فكان حتى غيابه عام 2009 ورشة فنّية متواصلة في دأْب عجيب على الإبداع شعراً وموسيقى ونتاجاً لا يهدأ.

وستُبرز احتفالات المئوية غنى هذا المسار الذي قطعه منصور شراكةً مع عاصي، أو منفرداً بعد رحيل الأخير، من خلال الأنشطة؛ من ضمنها ندوتان: الأولى في جلستَين يوم 25 يناير (كانون الثاني) لدى الصالون الأدبي في «معهد فيلوكاليا» بمنطقة عينطورة، يتحدَّث فيهما كلٌّ من الأخت مارانا سعد افتتاحاً، والصحافي رفيق خوري، والشاعر سهيل مطر، والأب يوحنا جحا، والفنان غسان صليبا.

وثانية في جلستين، يستضيفها «مركز التراث اللبناني» في «الجامعة اللبنانية الأميركية»، يوم 17 مارس، يتحدَّث فيهما كلٌّ من الدكتور فيليب سالم (من هيوستن)، والإِعلامية وردة زامل، والأب الدكتور بديع الحاج، والشاعر عبد الغني طليس، والدكتور ناجي قزيلي.

ويتضمَّن برنامج المئوية إِعداد مجموعة حلقات تلفزيونية وبثّها عبر محطات لبنانية وعربية تتحدّث عن منصور وأَعماله. وستُصدر وزارة التربية تعميماً على المدارس الرسمية لتشارك في برامج عن الأخوين رحباني وعن منصور. وخلال «المهرجان اللبناني للكتاب»، في مارس، تُقام ندوة شعرية خاصة بصاحب المئوية.

منصور الرحباني إرثٌ خالد

كتَبَ حتى الرمق الأخير

ولمَن يودّ متابعة سير البرامج والإِعلان عن الآتي منها خلال سنة المئوية، بإمكانه العودة إلى صفحة «يوتيوب» ستنشأ لهذا الغرض باسم «منصور الرحباني». كما سيُطلق «أوراتوريو سمفوني» مع غناء كورالي ومنفرد من تأليف أسامة الرحباني موسيقياً، لقصائد منصور في كتابه «أُسافر وحدي ملِكاً»، على أن يصدر «الأوراتوريو» أيضاً على أسطوانة مدمجة.

وبقي منصور يكتب حتى أيامه الأخيرة، فيروي زغيب: «لا أزال أذكر آخر لقاء لي معه في بيته عشية الميلاد، حين أسمعني قصيدة جديدة كان فرغ من كتابتها. في نهاية السهرة، وكنا وحدنا، أوصاني بأولاده، شاعراً بأن دخوله المستشفى بعد يومين سيكون الأخير. وهكذا كان (توفي 13 يناير 2009). فقدتُ به صديقاً نادراً وشاعراً نادراً».