الحجر... راوية التاريخ وعاصمة الممالك القديمة

فيليب جونز لـ«الشرق الأوسط»: مهرجان «الممالك القديمة» يسلط الضوء على إرث العلا

شهدت الحجر تعاقب الحضارات المختلفة منذ أكثر من ألفي عام (الهيئة الملكية للعلا)
شهدت الحجر تعاقب الحضارات المختلفة منذ أكثر من ألفي عام (الهيئة الملكية للعلا)
TT

الحجر... راوية التاريخ وعاصمة الممالك القديمة

شهدت الحجر تعاقب الحضارات المختلفة منذ أكثر من ألفي عام (الهيئة الملكية للعلا)
شهدت الحجر تعاقب الحضارات المختلفة منذ أكثر من ألفي عام (الهيئة الملكية للعلا)

أكد فيليب جونز رئيس قطاع السياحة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا لـ«الشرق الأوسط» أن آثار ومعالم الحِجر تمكنت من الصمود عبر الزمن، ويعكس الكشف عنها اليوم عراقة الحضارات التي تعاقبت عليها وأهميتها حتى الآن؛ إذ انتقلت سمات الابتكار والريادة التي ميزت حضارات الأنباط والرومان ممن سكنوا الحِجر عبر ثقافتنا وتراثنا لتتجسد في المجتمع السعودي المعاصر، مؤكداً أن مهرجان الممالك القديمة يسلط الضوء هذا العام على هذا الإرث العريق من خلال سلسلة من الأنشطة والفعاليات عالمية المستوى.

وعلى مساحات شاسعة وسط مدينة العلا في شمال السعودية، تقف «مدينة الحِجر النبطية» كصرح أثري عملاق كان شاهداً على أهم منعطفات التاريخ لأكثر من ألفي عام، عاشت خلالها لتحكي قصة الأنباط ودادان ولحيان لتزيد أهميتها التاريخية عقب تسجيلها كأول موقع تراث عالمي لـ«اليونيسكو» في السعودية، وأهم وجهة في مهرجان «الممالك القديمة» الذي تقيمه العلا هذه الأيام.

تعود شواهد الحياة البشرية في موقع الحِجر الأثري إلى الألفية الأولى قبل الميلاد، التي اشتهرت في عهد الأنباط بآبار المياه والقنوات المائية المحفورة في قلب الصخور بمنتهى البراعة والإتقان، مما أدى إلى تفوقٍ ملحوظ في الممارسات الزراعية وازدهار الحياة المجتمعية.

وتتفرد المدينة بوجود أكثر من 110 مقابر محفورة في قلب التكوينات الصخرية، وتظهر النقوش والكتابات بوضوح على بعض منها لتروي تفاصيل عن الشخصيات التاريخية المدفونة فيها، إلى جانب زخارف فنية وأشكال هندسية فريدة، كما كانت المدينة القديمة وجهةً حضريةً ومركزاً حيوياً للتجارة والتبادل الثقافي حيث كان الأنباط يسيطرون على الطرق التجارية المهمة مثل طريق البخور والتوابل، الذي يربط بين شبه الجزيرة العربية والأردن وسوريا وصولاً إلى البحر المتوسط وبلاد الرافدين.

تعد الحجر من المعالم الأثرية الفريدة بالعالم (الهيئة الملكية للعلا)

وبعد أن أصبحت مملكة الأنباط جزءاً من الإمبراطورية الرومانية عام 106 ميلادية، تمّ إضافة حصن إلى سور مدينة الحِجر ليكون معقلاً للجنود المجتمعين للدفاع عن الحدود الجنوبية للإمبراطورية. ويظهر التأثير العمراني الروماني اليوم على الجدران والبوابات والأبراج التي كانت وسيلة لحماية المدينة في تلك الفترة.

وكان الرحالة العربي ابن بطوطة من بين من زاروا الحِجر في القرن الرابع عشر، وأشار في كتاباته إلى مرور المسافرين والتجار والحجاج لمئات السنين على مدافن الحجر خلال سيرهم إلى مكة.

وبدأ العالم بالتعرف على قصة الحِجر مع انطلاق أعمال التنقيب في بداية الألفية الجديدة والكشف عن كنوز المدينة الأثرية وتراثها المميز؛ إذ بقيت المدينة القديمة عرضةً للتأثيرات المختلفة على مدى أكثر من ألفي عام، ومن ثمّ اقتصر الوصول إليها على عدد قليلٍ من المسافرين والرحالة إلى جانب الخبراء وعلماء الآثار.

وفي العصر الحالي، تفتح السعودية أبواب مدينة الحجر أمام العالم بوصفها أحد المعالم الفريدة في البلاد، وتستقبل الزوار للتعرف على تراث المنطقة وتاريخ حضاراتها القديمة بين الشواهد الأثرية الشامخة في قلب الصحراء، مع توقع تزايد أعداد الزوار في الأسابيع القادمة مع إطلاق «لحظات العلا» الدورة الثانية من «مهرجان الممالك القديمة».

يعمل المهرجان على تقديم تجارب متنوعة مستمدة من تاريخ الحجر (الهيئة الملكية للعلا)

وتجدر الإشارة إلى أن مهرجان الممالك القديمة سيحتفل هذا العام بالذكرى السنوية الخامسة عشرة لإدراج مدينة الحِجر على قائمة «اليونيسكو» لمواقع التراث العالمي، وذلك من خلال تنظيم عدد من الفعاليات المميزة، من بينها «مساء الحجر»، وهي تجربة مغامرة مستمدة من تاريخ المنطقة تصطحب الزوار في رحلةٍ إلى أهم مدافن الموقع، إضافة إلى فعالية «مسرح الحياة»؛ إحدى التجارب الممتعة التي تجمع الرواية التاريخية بالترفيه، إلى جانب «معرض الحياة» في الحِجر، في جبل الأحمر، الذي يتم فيه عرض 15 اكتشافاً أثرياً في المنطقة، بالإضافة إلى «جولة الحياة البرية والطبيعية» التي يمكن من خلالها استكشاف مختلف أشكال الحياة البرية والتضاريس الطبيعية الفريدة.


مقالات ذات صلة

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

المشرق العربي مبنى مقر «اليونيسكو» في باريس (رويترز)

«اليونيسكو» تعزز مستوى حماية 34 موقعاً تراثياً في لبنان

أعلنت «اليونيسكو» أنها منحت عشرات المواقع التراثية المهددة بالغارات الإسرائيلية في لبنان «حماية مؤقتة معززة»، لتوفر لها بذلك مستوى أعلى من الحماية القانونية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق مهرجانات بعلبك حدثٌ فني عمرُه 7 عقود احترف النهوض بعد كل كبوة (صفحة المهرجانات على «إنستغرام»)

من ليالي أم كلثوم إلى شموع فيروز... ذكريات مواسم المجد تضيء ظلمة بعلبك

عشيّة جلسة الأونيسكو الخاصة بحماية المواقع الأثرية اللبنانية من النيران الإسرائيلية، تتحدث رئيسة مهرجانات بعلبك عن السنوات الذهبية لحدثٍ يضيء القلعة منذ 7 عقود.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق د. جعفر الجوثري يحمل صور الأقمار الاصطناعية ويستكشف موقع معركة القادسية (أ.ب)

في العراق... صور الأقمار الاصطناعية تقود علماء الآثار إلى موقع معركة تاريخية

قادت صور الأقمار الاصطناعية التي تم رفع السرية عنها والتي تعود إلى سبعينات القرن العشرين فريقاً أثرياً بريطانياً - عراقياً إلى ما يعتقدون أنه موقع معركة قديمة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
يوميات الشرق ريكاردو خلال مناقشة كتابه «نص صعيدي ونص خواجة» (الشرق الأوسط)

«نص صعيدي ونص خواجة» يوثّق صورة مصر في عيون الجاليات الأجنبية

بفهرس عناوين غير تقليدي يتضمن «قائمة طعام»، يدخل كتاب «نص صعيدي ونص خواجة» إلى عالم من المكونات والمقادير والوصفات الإيطالية التقليدية التي يستعرضها المؤلف.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق حمل المخرج هادي زكاك كاميرته وذهب يبحث عمّا تبقّى من سينما طرابلس (صوَر زكّاك)

«سيلَما»... روحٌ تائهة في صالات طرابلس المَنسيّة وبين ركامها

لم يبقَ من صالات السينما في طرابلس، والتي كانت 42 في الماضي، سوى واحدة. المخرج هادي زكّاك يقف على أطلال «سيلَما» من دون أن يحوّل فيلمه الوثائقي إلى مَرثيّة.

كريستين حبيب (بيروت)

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
TT

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)

يراهن مهرجان «الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة» في نسخته الأولى التي انطلقت، الاثنين، وتستمر حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على الفنون المعاصرة والحضور الشبابي، مع تقديم عدد من العروض في جامعة الفيوم.

وشهد حفل انطلاق المهرجان تكريم الممثلة المصرية إلهام شاهين، والمنتجة التونسية درة بو شوشة، إضافة إلى الممثل المصري حمزة العيلي، مع حضور عدد من الفنانين لدعم المهرجان، الذي استقبل ضيوفه على «سجادة خضراء»، مع اهتمامه وتركيزه على قضايا البيئة.

وتحدثت إلهام شاهين عن تصويرها أكثر من 15 عملاً، بين فيلم ومسلسل، في الفيوم خلال مسيرتها الفنية، مشيدة خلال تصريحات على هامش الافتتاح بإقامة مهرجان سينمائي متخصص في أفلام البيئة بموقع سياحي من الأماكن المتميزة في مصر.

وأبدى محافظ الفيوم، أحمد الأنصاري، سعادته بإطلاق الدورة الأولى من المهرجان، بوصفه حدثاً ثقافياً غير مسبوق بالمحافظة، مؤكداً -في كلمته خلال الافتتاح- أن «إقامة المهرجان تأتي في إطار وضع المحافظة على خريطة الإنتاج الثقافي السينمائي التي تهتم بالبيئة والفنون المعاصرة».

جانب من الحضور خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وبدأ المهرجان فعالياته الثلاثاء بندوات حول «السينما والبيئة»، ومناقشة التحديات البيئية بين السينما والواقع، عبر استعراض نماذج مصرية وعربية، إضافة إلى فعاليات رسم الفنانين على بحيرة قارون، ضمن حملة التوعية، في حين تتضمن الفعاليات جلسات تفاعلية مع الشباب بجانب فعاليات للحرف اليدوية، ومعرض للفنون البصرية.

ويشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين يُحتفى بفلسطين ضيف شرف للمهرجان، من خلال إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها فيلم «من المسافة صفر».

وقالت المديرة الفنية للمهرجان، الناقدة ناهد صلاح: «إن اختيارات الأفلام تضمنت مراعاة الأعمال الفنية التي تتطرق لقضايا البيئة والتغيرات المناخية، إضافة إلى ارتباط القضايا البيئية بالجانب الاجتماعي»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» حرصهم في أن تراعي الاختيارات تيمة المهرجان، بجانب إقامة فعاليات مرتبطة بالفنون المعاصرة ضمن جدول المهرجان.

وأبدى عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، الناقد السعودي خالد ربيع، حماسه للمشاركة في المهرجان بدورته الأولى، لتخصصه في القضايا البيئية واهتمامه بالفنون المعاصرة، وعَدّ «إدماجها في المهرجانات السينمائية أمراً جديراً بالتقدير، في ظل حرص القائمين على المهرجان على تحقيق أهداف ثقافية تنموية، وليس فقط مجرد عرض أفلام سينمائية».

إلهام شاهين تتوسط عدداً من الحضور في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيز المهرجان على تنمية قدرات الشباب الجامعي، وتنظيم ورش متنوعة لتمكين الشباب سينمائياً أمر يعكس إدراك المهرجان للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، التي ستُساعد في دعم المواهب الشبابية في الفيوم»، لافتاً إلى أن «اختيارات لجنة المشاهدة للأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان بمسابقاته الرسمية ستجعل هناك منافسة قوية، في ظل جودتها وتميز عناصرها».

يذكر أن 4 أفلام سعودية اختيرت للمنافسة في مسابقتي «الأفلام الطويلة» و«الأفلام القصيرة»؛ حيث يشارك فيلم «طريق الوادي» للمخرج السعودي خالد فهد في مسابقة «الأفلام الطويلة»، في حين تشارك أفلام «ترياق» للمخرج حسن سعيد، و«سليق» من إخراج أفنان باويان، و«حياة مشنية» للمخرج سعد طحيطح في مسابقة «الأفلام القصيرة».

وأكدت المديرة الفنية للمهرجان أن «اختيار الأفلام السعودية للمشاركة جاء لتميزها فنياً ومناسبتها لفكرة المهرجان»، لافتة إلى أن «كل عمل منها جرى اختياره لكونه يناقش قضية مختلفة، خصوصاً فيلم (طريق الوادي) الذي تميز بمستواه الفني المتقن في التنفيذ».