«بفلسطين في حسون»... مسرح الدمى يكرّم غزة

حكاية من نوع الفانتازيا يحتضنها «المسرح الصغير»

من خلال مسرح الدمى تدور أحداث «بفلسطين في حسون» (المسرح الصغير)
من خلال مسرح الدمى تدور أحداث «بفلسطين في حسون» (المسرح الصغير)
TT

«بفلسطين في حسون»... مسرح الدمى يكرّم غزة

من خلال مسرح الدمى تدور أحداث «بفلسطين في حسون» (المسرح الصغير)
من خلال مسرح الدمى تدور أحداث «بفلسطين في حسون» (المسرح الصغير)

لأنّ الأطفال هم شعلة الغد، كان لا بدّ لميرا صيداوي أن تعزّز لديهم أهمية الهوية الوطنية، فمن خلال مسرحها «تياترينو» (المسرح الصغير)، تعرّفهم مسرحية «بفلسطين في حسون» على مفهوم الأوطان بأسلوب الفانتازيا. وانطلاقاً من قصة رواها لها والدها، نقلاً عن جدّها الذي عاش في عكا، وُلدت الفكرة.

«بفلسطين في حسون» من نوع مسرح الدمى. وضمن 4 شخصيات هي: الراوي والحورية والحسون وأبو صالح، تنطلق الحكاية. تخبرنا صيداوي عن المسرحية وأهميتها: «تتوجّه إلى الكبار والصغار معاً، نقدّمها لفتة تكريمية لأهالي غزة. فمن خلال قصة حفظتها منذ صغري، وُلدت فكرة هذه المسرحية التي يشاركني فيها موسى شمس الدين».

تُعرض المسرحية يوم الجمعة من كل أسبوع (المسرح الصغير)

تقول القصة إنّ جدّها شاهد في بحر عكا حورية رائعة، فراح يصرخ وينادي الناس لرؤيتها. ولشدة جمالها، أُبهر وفقَدَ بصره. تتابع: «المسرحية سردية خيالية تتعلّق بفلسطين، يمثّل الحسون الصوت الجميل المنبعث منها؛ والذي ما عاد مسموعاً بسبب الانفجارات وأزيز الرصاص. عبر نص كتبتُه بحبكة بسيطة، نشاهد مسرحية تُعلّمنا كيفية بناء الأوطان، فتنمّي عند الأطفال حسّ المواطنة، وتعرّفهم على بلد يعاني شعبه الاضطهاد منذ 75 عاماً».

تضيف لـ«الشرق الأوسط» أنّ الحسون يمثل الأطفال الذين يُقتَلون، اليوم، على مذبح غزة، وهو يرمز إلى الطاقة الإيجابية التي تزيّن الحياة، فتضفي الفرح والبراءة، فالطفل أمل الغد، يُقتل عن سابق تصميم في القطاع. أما دور أبو صالح فهو إسداء نصائح للحسون قد تنقذه من السكوت، فيطلب منه إغلاق أذنيه فلا يسمع إلا صوته ويستمر في الغناء. وأمام إخفاق الفكرة، يصرّ أبو صالح على الحسون أن يرفع صوته أكثر كلما سمع أزيز رصاص، ويطالب بأن يشاركه الأولاد الغناء، فالصوت الجميل لا يمكن لأحد إسكاته».

الأولاد يتفاعلون مع المسرحية ويستوعبون رسائلها (المسرح الصغير)

تشرح صيداوي: «أؤدّي دور الراوية، فأقصّ الحكاية على الحضور لـ20 دقيقة. ارتأينا ألا تتجاوز هذا الوقت، فـ(خير الكلام ما قلَّ ودلَّ). الحكاية لطيفة تعبُر بالأولاد إلى عالم الحلم، وتعزّز لديهم التمسّك بالهوية. غالبيتهم لا يدركون ما يحصل اليوم في غزة، ومن خلال المسرحية ستتكوّن فكرة واضحة عما يجري، بأسلوب روائي خيالي».

لم تكتفِ ميرا صيداوي بتحريك حسّ التكاتف لدى الأولاد، بل تُعرّج على معنى مقاطعة منتجات تجارية داعمة لإسرائيل، فتعلّق: «الطفل ذكي يتلقّف الرسالة بسرعة. من هذا المنطلق، وزّعنا على الأولاد أوراقاً تشير إلى معنى المقاطعة وغايتها».

من مسرحية «بفلسطين في حسون»، تخطّط للانطلاق بمسرحيات تُعرّف الأولاد على بلدان عربية، فتقول: «علينا الالتفات إليهم والمساهمة في بناء ثقافاتهم الوطنية. قد نخبرهم في المستقبل قصصاً عن لبنان والعراق وسوريا... الأهم أنها ستُحكى بالعربية».

برأي صيداوي، «ثمة محاولات اليوم لمحو لغتنا الأم واستبدال أخرى أجنبية بها»، مضيفة: «اللغة جزء من الهوية، وعلينا المحافظة عليها».

«بفلسطين في حسون» مسرحية للكبار والصغار (المسرح الصغير)

لا تتناول المسرحية حروباً شُنّت على فلسطين وأهلها، ولا النكبة وحقبات دامية أخرى: «إنها حالة لحظية يعيشها الحسون الصبور، فيتصرّف للتمكّن من الغناء دون أن يكسره الصمت».

«بفلسطسن في حسون»، مسرحية للكبار والصغار، تُعرَض في الرابعة والنصف بعد ظهر الجمعة 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، بتوقيت بيروت على «المسرح الصغير» في منطقة بدارو. تختم صيداوي: «نفكر في تمديد العروض لأسابيع، على أن نقدّم بعدها مسرحيات أخرى وطنية أيضاً».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.