علماء الآثار يكتشفون الجدران الملونة والمدافئ في ملجأ بلندن

شكّل مصدر إلهام لكتابات تشارلز ديكنز

كتشف علماء الآثار غرفاً فيها مدافئ وجص أزرق على الجدران (شاترستوك)
كتشف علماء الآثار غرفاً فيها مدافئ وجص أزرق على الجدران (شاترستوك)
TT

علماء الآثار يكتشفون الجدران الملونة والمدافئ في ملجأ بلندن

كتشف علماء الآثار غرفاً فيها مدافئ وجص أزرق على الجدران (شاترستوك)
كتشف علماء الآثار غرفاً فيها مدافئ وجص أزرق على الجدران (شاترستوك)

تشير الاكتشافات إلى أن ملجأ «سانت بانكراس»، الذي ربما شكّل مصدر إلهام لعمل تشارلز ديكنز، كان من المفترض أن يكون مكاناً للراحة. وعلى مدار تاريخه، الذي يعود لأكثر من 200 عام، طالما كانت مبانيه مكتظة وكئيبة ومليئة بالحشرات، وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية. ومع ذلك، عندما افتتح ملجأ «سانت بانكراس» عام 1809، كان من المفترض أن يجلب الراحة لأولئك الذين عانوا من شظف العيش، وفقاً لحفريات الموقع.

ساخن ماء من السيراميك (شاترستوك)

ودُهش علماء الآثار في «متحف لندن للآثار» عند كشفهم «جانباً كبيراً من هذه المباني الأصلية»، و«تفاصيل جديدة لا تُصدَّق عن حياة سكان هذه الأماكن، وكذلك سادتها». ووفق جويليم ويليامز، مدير بمشروع «متحف لندن للآثار»، فقد استحضرت الأدلة «صورة مختلفة تماماً، مقارنة بالملاجئ المظلمة القذرة التي غالباً ما جرى تصويرها في الثقافة الشعبية»، وعلى الأخص في كتابات تشارلز ديكنز.

ويذكر أنه لم يعرف سوى القليل عن المبنى غير شكله على خرائط الأبرشية، لكن علماء الآثار اكتشفوا جدراناً بالجص يصل ارتفاعها إلى متر وملونة بألوان زاهية، ومدافئ كانت تدفئ الغرف يوماً ما. جاءت الاكتشافات هنا لتعطي نظرة ثاقبة عن الملجأ الذي أنشئ في أوائل القرن التاسع عشر لمساعدة الفقراء. ورغم أن النزلاء كانوا يحصلون على السكن والطعام الأساسي، فقد كانوا أيضاً مطالَبين بالقيام بأشغال شاقة ومهامّ متكررة، مثل جدْل الحبال وتكسير الحجارة.

وتشير الأدلة الجديدة إلى أن ملاجئ «سانت بانكراس» ربما استهدف نشاطها في البداية منح الرعاية أكثر من الإجبار على تقديم الخدمة. وقال ويليامز: «رغم أن المرافق بَدَت متقشفة، لم يكن النزلاء هناك بغرض العقاب، فقد كانت هناك حدائق ومستوصف وحضانة. كانت هذه المرافق لتلبية احتياجاتهم، مثلما أظهرت الغرف المدفأة، والطلاء الأزرق الباهت على الجدران.

وشملت الاكتشافات أواني فخارية، ولوحات تحمل صورة سانت بانكراس، وعبارة تقول: حراس فقراء سانت بانكراس ميدلسكس، وبقايا فرشاة أسنان عظمية بشعيرات شعر الخيل، مما يشير إلى أهمية النظافة الشخصية». وكان من المفترض أن يضم المبنى، الذي أنشئ في عام 1809 نحو 500 نزيل. وبحلول خمسينات القرن التاسع عشر، ارتفع الرقم إلى 1900 نزيل. وفي عام 1865، أُجريَ تحقيق في مستوصفات ملجأ لندن من قِبل مجلة «ذا لانسيت» الطبية، وذكر أن «الاكتظاظ خلق مناخاً غير صحي داخل الأجنحة».

ويعتقد جويليم ويليامز أن المبنى قد يكون هو نفسه الذي ظهر في رواية «أوليفر تويست»، على الرغم من أن الدراسة التي أجرتها روث ريتشاردسون عام 2012 تحت عنوان «ديكنز والملجأ»، حددت الملجأ الواقع في شارع كليفلاند، والأشخاص الذين يعيشون بالقرب منه كمصادر للإلهام.


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

أراجوز «مُعدّل» ينشر بهجة في شوارع مصرية

عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)
عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)
TT

أراجوز «مُعدّل» ينشر بهجة في شوارع مصرية

عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)
عبد التواب يقدم أحد عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)

منذ أواخر عام 2018 وبعد إدراجه ضمن قوائم «اليونيسكو» للتراث العالمي غير المادي، الذي يحتاج للصون العاجل، صار هَمّ فناني الأراجوز المصري العمل على إعادته للشوارع والحدائق والميادين بوصفها حاضنة عُروضه الأساسية والبيئة الطبيعية التي يمكنه أن ينشط فيها بعروض مبهجة للأطفال، تزيل عنه بعضاً من أخلاقه القديمة التي كان معروفاً بها. فقد كان، مثل قول الفنان ناصر عبد التواب المشرف على عروض الأراجوز الأسبوعية في المركز القومي لثقافة الطفل، «عدوانياً، وسليط اللسان، وهي قيم ليست تربوية ارتبطت به لدى فناني العرائس القدامى، وكان يجب أن نطوّر رسالته، ونغيّر من طبيعته، ونقدمه في صورة جديدة، تتلافى هذه الخصال دون أن يتخلى الأراجوز عن صناعة البهجة وإضحاك الأطفال».

ويضيف عبد التواب، وهو مخرج مسرح عرائس ولاعب أراجوز، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ عام 2007 وأنا أقدّم عروضاً عرائسية في الحديقة الثقافية للأطفال بمنطقة السيدة زينب بالقاهرة، كما دربت ابتداء من عام 2019 أكثر من 60 من الكوادر على تحريك العرائس، وقدّمت على مدار أعوام عروضاً كثيرة منها (أحلام العصافير)، و(قسم وأرزاق)، فضلاً عن حفلات عديدة لفن الأراجوز، تختلف عن (النمر التراثية)، وتقوم أساساً على الارتجال».

أطفال مصريون يشاهدون عروض الأراجوز (الشرق الأوسط)

ولفت عبد التواب إلى أن العروض التراثية مثل «الأراجوز والبربري»، و«الأراجوز والشحات»، وغيرهما، تتضمن أفكار «عنف وتنمر» لا تصلح للأطفال. «وكانت لدينا وقفة كي يقوم الأراجوز بدوره التقويمي للسلوك، وغيّرنا شكله، من رجل كبير لديه شارب، إلى أراجوز طفل يتعلم منه الأطفال. كنا نريد ونحن نسعى لترسيخ الدور التربوي لفن العرائس أن نجعل الطفل لا يتعدى حدوده ويتجرأ على الكبار، ويقوم بتصحيح سلوكهم، كان هدفنا المحافظة على قيمة الكبير في نظر الأطفال»، وفق قوله.

ويضيف عبد التواب: «كان التغيير في هيئة الأراجوز من رجل كبير يرتسم على وجهه شارب، إلى طفل صغير، هو الأنسب ليكون أكثر قرباً للأطفال».

وركزت عروض الأراجوز التي قدّمها عبد التواب وزملاؤه في شوارع عدد من محافظات مصر في الجنوب والشمال بدءاً من الجيزة وبني سويف والمنيا وأسيوط وقنا وسوهاج ومطروح... على فكرة الانتماء، وأهمية الوقت، واحترام الكبير، وقيمة الاعتذار، والبعد عن العنف، وتقوم على التفاعل مع الأطفال بعيداً عن فكرة التلقين، وشارك فيها فنانون جدد كانوا نتاج برنامج تدريبي اعتمده المركز القومي لثقافة الطفل منذ 6 سنوات للمحافظة على فن الأراجوز من الاندثار.

الفنان ناصر عبد التواب وزملاؤه يقدمون عروض العرائس للأطفال (الشرق الأوسط)

ويقدم فنانو الأراجوز عدداً من العروض في حدائق وشوارع القاهرة يومي الجمعة والسبت من كل أسبوع، ويوم 28 من كل شهر، فضلاً عن العروض التي تُقدّم في ملتقى الأراجوز السنوي 28 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، بمناسبة وضع الأراجوز على قائمة «اليونيسكو» بوصفه تراثاً أولى بالحماية، وعنصراً من مكونات الثقافة المصرية.

قصة تسجيل الأراجوز ضمن التراث المصري في «اليونيسكو» يحكيها الباحث أحمد عبد العليم مدير مركز ثقافة الطفل المُشرف على عروض فن العرائس، مشيراً إلى أن «لجنة مصرية قامت بجهود كبيرة في مواجهة الرغبة التركية لتسجيلها ضمن تراثها، ونجح كل من نبيل بهجت ونهلة إمام وأحمد مرسي، في إقناع المنظمة الدولية بأحقية مصر في ذلك».

ويضيف عبد العليم لـ«الشرق الأوسط»: «تلقفنا قرار (اليونيسكو) وبدأنا في عمل برنامج عاجل لحماية فن الأراجوز والعرائس التقليدية، وجمعنا كل الفنانين أصحاب الشأن، كانوا لا يزيدون عن 7، وكان لا بد من تدريب أجيال جديدة من أجل وراثته وتطويره، كان ذلك في الملتقى الأول عام 2018، ورعته وزيرة الثقافة وقتها الفنانة الدكتورة إيناس عبد الدايم».

أحد عروض الأراجوز في شوارع مصر (الشرق الأوسط)

وقال عبد العليم: «كان الملتقى (أشبه بالمولد)، ويحمل ملامح المناخ نفسه الذي نشأ فيه الأراجوز، بعروض احتضنتها الشوارع»، لافتاً إلى أن «فن الأراجوز يحتاج إلى ممارسة يومية ليتمكن الفنان من إجادته، ويجب أن يُقبل عليه بمحبة وشغف ليواصل العمل فيه، والآن لدينا أكثر من 25 فناناً عرائسياً قديراً. أما الباقون، ويزيد عددهم عن 40 فناناً، فيقومون بدور (الملاغي)، وهو عنصر مهم في العروض الأراجوزية التي يقدمها المركز وتحمل رسالة وقيماً إنسانية».

ويُقبل على عروض حديقة السيدة زينب جمهور كبير من الأُسر المصرية تأتي بأطفالها لمشاهدتها والاستمتاع بها، ومنهم والد الطفل يوسف أحمد الذي قال إنه «يحب هو وأبناؤه الأراجوز، وصوته الجميل، ولا يتوقف عن الضحك من مواقفه، وألعابه وأغنياته».