سيلفستر ستالون: سرّ اللكمة المُوجِعة

وثائقي «سلاي» تعرضه «نتفليكس»... ينتفض للحرمان والتجاهل

سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)
سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)
TT

سيلفستر ستالون: سرّ اللكمة المُوجِعة

سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)
سيلفستر ستالون أمام مراجعة العمر (نتفليكس)

يتساءل سيلفستر ستالون عن ندم تُحدِثه مراجعة العمر حيال أشياء ارتُكِبت وأخرى لم تحصل. يُشبّه الحياة بقطار سريع تُلمح من نوافذه صور الأيام الخاطفة، وسرعان ما يمرّ كل شيء. يروي وثائقي «سلاي» (نتفليكس) سيرة رجل بدأ من الإخفاق ولم يعترف به. ظلّ يرى نفسه بالقدرة الكاملة على التقدُّم.

يتساءل أيضاً كم لا يزال يتبقّى ليعيشه، ويعطي رقماً «20 سنة؟»؛ خلاصته أنه يرفض مرورها بالضجر والتكرار. يدخل عمال توضيب الأثاث منزله المزيّن بلوحات وتماثيل تقول كثيراً عن رحلة نجم الحركة وجولات الحلبة، ويجمعون ممتلكاته ليغادر. ينشد بداية جديدة، فيحزم أغراضه بحثاً عن مشهد آخر يعاينه كلما فتح النافذة.

الوثائقي إجابة عن سؤالين: مَن هو سلاي؟ وكيف حدثت الشهرة الكبرى؟ يُجمع أصحاب الشهادات في الفيلم على أنّ ستالون، وهو أحد أشهر نجوم «هوليوود»، وجد دائماً طريقه. كَمَن معرقلون، ولم يدرك سوى الاتجاهات المفضية إلى المكانة العليا.

تقول الشهادات إنه لم يظهر ممثلاً عظيماً منذ البداية ولم يتمتّع بجاذبية طاغية، لكنه اخترع شيئاً آخر. السيرة ملهمة، فَهِم صاحبها ما أراده الناس منه، منطلقاً من حدس واثق. فالرجل المولود في صيف 1946 الحارّ بحيّ «هيلز كيتشن» النيويوركي القاسي، والذي حاربه والده من دون أن يدري، ألِفَ الألم الجسدي وقرر هزيمته. افتقاده الرعاية المنزلية والاحتضان الأسري، لقي تعويضه بوسع احترام الناس ومحبّتهم. أمضى سنوات يتمسّك بهذا الحب ويخشى إفلاته.

شكّلت الأفلام مهربه من واقعه الملبّد بالعنف، وقضى ساعات في السينما يشاهد الفيلم ويعيد المشاهدة. أراد عيشه والتحلّي بمُثله. لطالما كان مهووساً بالأبطال، وتمنّى أن يكون الرجل الذي ينقذ البشر، ويُعلي عظمة الانتصار على الشرّ. حين شاهد ستيف ريفز بشخصية «هرقل»، وقع في أسر القوة والوسامة والصورة «المثالية». قال لنفسه: «هذا طريقي!».

سيلفستر ستالون بدأ من الإخفاق وقرر هزيمته (نتفليكس)

من إحباط الأب الغيور وتصدّيه لنجاحاته، وُلدت عزيمة الوصول. حياة سيلفستر ستالون هي مواجهة مع الفشل. حين تقدّم لتجربة أداء دور مسرحي، لمح فيه بروفيسور في هارفرد «أساساً مبشّراً»، ونصحه بالاحتراف. في نيويورك التي علّمته شوارعها كيفية تطويع الحياة، اجتهد لمحاولة إيجاد نفسه. عرف البرد القارس، ونام في مداخل المنازل ومحطات الحافلات، وكلما أدّى تجارب تمثيلية، أتاه الردّ: «لا! صوتك متلعثم. عيناك متدليتان، فيك كذا وكذا!». من عدم الاحترام، وفرص اقتصرت على مسارح الدرجات الأدنى، خطَّ مصيره.

وُلد سلاي الكاتب من الحاجة إلى فرصة. تلك التي لم يُتحها أبوه له، وحُرم على الدوام منها. ثيمة التعويض رسمت أفلامه، ووسط صخب القتال والنار المشتعلة، شرَّع باب الرحمة الإنسانية. بدأ الكتابة حين لم يحصل على ما أراده، فقرر صناعته. فكَّر في تدوين إحباطاته وتحويلها إلى سيناريوهات. استبعد أسوأ الاحتمالات: «ماذا لو لم أنجح؟»، وبنى مسيرة خاصة منطلقها تقييمه الإيجابي لنفسه.

وثائقي «سلاي» ينتفض للحرمان والتجاهل (نتفليكس)

قدَّم «روكي» بأجزائه الستة و«رامبو» من 5 أجزاء، فصنعت السلسلتان مجده. إدراكه أنه يستحق الفرص، جعله يرفض حدَّه بشخصية المجرم. بجواره كلبه الضخم، دخَّن واحتسى كميات هائلة من القهوة، في حين قصصه بدأت بالتشكُّل. أهمية ستالون في السعي نحو البُعد الآخر للأشياء، فكتب ارتقاءَ الملاكمة إلى حب، والمال إلى امتنان. اختزلت أفلامه لحظات أرادها كل مَن تعرّض للتجاهل وأُهدِرَت فرصه؛ عناقاً وتطييب خواطر وصفحاً عما يمضي.

يطلّ المخرج الأميركي كوانتن تارنتينو في وثائقي الساعة ونصف الساعة لتقييم مراحل سلاي. يقول: «عندما اشتهر ستالون بعد فيلم (روكي)، لم يتوقّع الجانب السلبي للضوء، ولا أن يطالبه الناس بتكرار نجاحه وإعادة إثباته». الناس يرفعون المكانة، لكنهم أيضاً يشكّكون في القدرات. جعلوه يشعر بأنّ مصيره الضياع في عالم النسيان المهني، ومع ذلك أراد فرصة للقول إنه حاول.

سيلفستر ستالون شرَّع باب الرحمة الإنسانية في أفلامه (مواقع التواصل)

العِبر كثيرة؛ فالفيلم محفّز، إيجابي، ومُحرِّك. ستالون على عتبة الثمانين، يشكّك في النجاح والجدوى ويُخضع الفن للمراجعة. بلوغ أحلامه يجعله يتساءل إن كان ذلك ما أراده. فالأحلام تُصاحبها بوادر العاصفة، وعلى المرء المواجهة. ظنّ أنه لن يرى سوى سماء صافية فور الدوس على القمة. وأدرك خطأ اعتقاده: «التنفّس على القمم أصعب، والمكان خطير. ليس ثمة ناس كثيرون، فيحلّ شعور بالوحدة. يتبيّن أحياناً أنّ صعود الجبال ليس على قدر الأماني»، يقول كاتب شخصياته ومُعزّزها بآلام المتعمّقين في الحياة.

ويطلّ لاعب كمال الأجسام السينمائي أرنولد شوارزنيجر للحديث عن انضباط ستالون في عمله. جمعتهما منافسة الكار وتفوّق العضلات المفتولة، واليوم يضحكان على فورة الماضي.

أمام بركة سباحة يقف تمثال ملاكم على حافتها، يراقب ستالون شريط العمر. يؤلمه أنّ المهنة أبعدته عن عائلته، فأضاع اللحظات الجميلة. دفع ثمن القبح والصخب، ومقداره 90 في المائة من رحلة الوصول. في مشهد من «روكي»، يقول لابنه: «لا أنت ولا أنا، أو أي أحد، يلكم بقوة لكمات الحياة». علّمه ولقّن الأجيال الدرس: «السرّ ليس في قوة لكماتك، بل في قوة اللكمات التي تستطيع تحمُّلها لتستمرّ في طريقك».


مقالات ذات صلة

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

يوميات الشرق شعار منصة البث المباشر «نتفليكس» (رويترز)

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

كشف موقع «داون ديتيكتور» لتتبع الأعطال، عن أن منصة البث المباشر «نتفليكس» عادت إلى العمل، اليوم (السبت)، بعد انقطاع استمرّ نحو 6 ساعات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.