مع إعلان هيئة الفنون البصرية السعودية عن تنظيم النسخة الثانية من مهرجان للجداريات تحت عنوان «رش» في مدينة الرياض خلال الفترة من 15 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 6 ديسمبر (كانون الأول)، تستعد العاصمة السعودية للقاء عدد ضخم من الفنانين العرب والعالميين الذين اشتهروا بما يعرف بـ«فن الشارع»، وهي أعمال فنية جدارية تُعبّر عن مختلف أنواع الفنون التي تُمارَس بالمساحات العامة، وتتميز بالتعبير العفوي.
تعلن #هيئة_الفنون_البصرية عن إطلاق #مهرجان_رش "فن الجداريات" الذي يجمع أكثر من 30 فناناً محلياً وإقليمياً وعالمياً بالإضافة إلى محاضرات وحوارات وورش عمل وسط أجواء مفعمة بالثقافة والفن والموسيقى. pic.twitter.com/X8xavmoaM8
— هيئة الفنون البصرية (@MOCVisualArts) November 1, 2023
ولكن تعبير «فن الشارع» في حد ذاته محل نقاشات فنية، وتصنيفات مختلفة، منها ما يدخل فيه الكتابات الحائطية والرسومات التي قد يتركها البعض على الجدران، ومنها ما يستبعد ذلك النوع من الممارسات، ويقصر فن الشارع على أنواع محددة. ومع انتظار حلول مهرجان «رش» يبدو الوقت مناسباً للحديث مع القيمين على المهرجان سيدار لويسون وبسمة فلمبان، أبدأ الحوار مع سيدار لويسون حول تعريف فن الشارع من وجهة نظره؟ وهل يشمل الرسومات الجدارية والكتابات؟ هل هو فن حديث مثل ما يقول مختصون عالميون، أم أنه فن بعمر البشرية ترك من خلالها الإنسان رسومات ونقوش على الصخور وفي الكهوف؟
ما هو فن الشارع؟
سيدر لويسون قام بتنسيق العديد من مهرجانات فن الشارع في لندن وميلان وبيرمنغهام، وألف العديد من الكتب حول الموضوع، وله خبرة عريضة في هذا المجال. في بداية حوارنا يقول لي إنه عبر المعارض التي نسقها تعامل كثيراً مع مؤسسات فنية، قام بتنسيق معرض لفن الشارع في متحف تيت مودرن بلندن في عام 2008 على سبيل المثال وعمل مع المجلس الثقافي البريطاني، يوضح كيف يؤثر ذلك على طريقة عمله في تنسيق احتفاليات فنية مماثلة: «أحاول دائماً أن أحضر معي منظور مؤسساتي في أي مشروع جديد أتولى تنسيقه، فأحرص على تنسيق العرض على طريقة المتاحف، أحب أن أمنح الأعمال والفنانين التقدير الذي يستحقونه لتأكيد أهمية تقدير العمل الفني في أي مكان يعرض به». ومن تصنيفات فن الشارع وما يدخل تحتها وما لا يعتبره لويسون جزءاً منه تأخذنا المناقشة لرأيه أن فن «الغرافيتي موضوع شائك» بالنسبة إليه كما يقول، مضيفاً أنه ألَّف كتاباً حول تاريخ «الغرافيتي» وفن الشارع والجداريات: «هي وسائل مختلفة للتواصل مع الجمهور في مكان عام، وبرأيي هي أشكال فرعية، ولكنها كثيراً ما تنضم تحت مظلة فن الشارع. في النهاية أعتقد أن الجمهور هو من يقرر. فن الشارع يحدث الآن، ليس نوعاً فنياً ينتمي إلى تاريخ الفن مثل السوريالية على سبيل المثال، بل على العكس هو لم يدخل التاريخ بوصفه فناً مكتملاً، ما زال يتطور، وما زال الأكاديميون والدارسون يتناقشون حول توصيفه. وبالنسبة إلي أرى أنه تدخل فني في مساحة عامة».
عند هذه النقطة تنضم لنا الفنانة بسمة فلمبان القيمة أيضاً على مهرجان «رش» للجداريات. أسألها عن مشاهداتها وتقييمها للتعبيرات الجدارية المختلفة في السعودية سابقاً، مثل كتابة أبيات الشعر وكلمات الغزل على الحوائط والغياب التام لرسومات الأشخاص: «كيف ترين التطور الذي يشهده هذا النوع من التعبير الفني؟». تجيبني قائلة: «كل شيء يتطور بسرعة، أمر مثير وحماسي العمل في السعودية الآن ومتابعة تطور هذا النوع من الفنون»، ترى فلمبان أن «الغرافيتي» ينتمي إلى تصنيف فن الشارع، مضيفة بعداً تاريخياً محلياً لرأيها بأن «الغرافيتي» في السعودية تطور في نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية: «يجذبني الجانب الاجتماعي، المقارنات لا تعنيني كثيراً، مهتمة أكثر بمراقبة مختلف الأنواع الفنية في هذا الجانب ووجودها في السعودية من الغرافيتي والكتابات الحائطية والنقش على الصخور في الجبال... بالنسبة لي هي كائن واحد».
فلمبان تمثل جزءاً من تطور المشهد السعودي الفني حالياً عبر أعمالها الفنية، ولها وجهة نظر حول التغيرات القائمة بوجهٍ عام، وفن الشارع على نحو خاص. تصف المشهد المتفاعل حالياً بـ«المنعش»، وترجع تطور فن الشارع تحديداً لتأثير التيارات العالمية في المجال التي انتقلت للمجتمع السعودي في فترة ما قبل الإنترنت عبر المبتعثين إلى الخارج من قبل شركات مثل «أرامكو» والخطوط الجوية السعودية. عودة المبتعثين محملين بأشرطة الفيديو والمجلات وغيرها من المصادر مثلت مقدمة للكثيرين وقتها لهذا النوع من الفنون: «أعتقد أنه أمر مثير أن ننظر إلى الخلف، ونرى كيف تطور هذا الفن في السعودية ومقارنته مع تطوره في بلدان أخرى، مع الأخذ في الاعتبار لدى المقارنة معرفة أن المجتمع السعودية حافظ على خصوصيته إلى حدٍ بعيد لفترة طويلة فبل أن يبدأ بالانفتاح على العالم».
أذكر لبسمة فلمبان عملها في تنسيق أول معرض لفن الشارع أقيم في 2015 تحت عنوان «كثرت هواجسي» شمل أعمالاً حائطية متأثرة بطريقة الفنان البريطاني بانكسي: «هل ترين ذلك العرض بداية لعرض فن الشارع في السعودية؟ ما الذي حدث وقتها، وأين نحن الآن من تلك النقطة؟». تشير إلى أن المعرض عكس تياراً عاماً في المنطقة العربية حيث بدأ فن الشارع يجذب مصممي الغرافيك ورسامي الجداريات بوصفه (وسيلة للتواصل)، غير أن السنوات التالية شهدت تطوراً في تحول عدد من مصممي الغرافيك الذين مثل لهم فن الشارع متنفساً في تلك الفترة، ليدخلوا المجال الفني بقوة. تشرح أن عدداً كبيراً ممن أرادوا دراسة الفن في فترة سابقة لم يكن أمامهم الكثير من الاختيار بالنسبة إلى الدراسة الأكاديمية «في ذلك الوقت، إذا كنت فناناً فالخيار أمامك كان إما دراسة التصميم الغرافيتي أو العمارة. ولهذا أصبح فن الشارع المكان الذي يمكن لأطياف من الفنانين المشاركة فيه بصفته فناً حقيقياً، وليس فناً تجارياً».
مهرجان رش... غرافيتي وأكثر
حدثونا عن مهرجان «رش»، ما الذوي تحضرونه للرياض؟ يجيب لويسون شارحاً: ما الذي يتم إعداده حالياً ليجعل من مهرجان (رش) جامعاً لأنواع مختلفة من التعبيرات الفنية: «ننظم مهرجاناً لفن الشارع، سيكون جامعاً لأشكال متعددة، سيكون هناك فنانون من المنطقة ومن العالم. وسوف نستخدم بناية في وسط الرياض رائعة في معمارها، وأيضاً نعمل مع المجتمع المحلي مثل مجموعات الشباب الذين يمارسون السكيت بورد (راكبو الألواح) تعجبني فكرة أن المساحة العامة تصبح مساحة للعب».
يؤكد على أن فكرة استخدام المساحات العامة بطريقة بسيطة للمشاركة لن يكون استخداماً تجارياً بل سيكون تشاركياً، وهو جانب قوي للمهرجان الذي يعكس أيضاً تاريخ الغرافيتي وفن الشارع، وكيف يتبدى ذلك اليوم في الرياض.
بحسب البيان ستعمل فلمبان إلى جانب لويسون على تحويل أحد المباني القديمة بحي المغرزات إلى رحلة فنيّة لعشاق هذا الفن، وإتاحة الفرصة لمشاركة المواهب، وإبراز التنوع الثقافي من خلال الأعمال الفنيّة. الفعاليات المختلفة التي يقدمها المهرجان تشير إلى اعتبار الجمهور عنصراً مشاركاً، وليس فقط مشاهداً، يقول لويسون: «بالفعل لدينا برنامج عام قوي جداً، وعائلي، نريد أن نخلق مساحة يأتي إليها الناس للاستمتاع بوقتهم، وأن يشاهدوا المعرض. ستكون هناك فعاليات يومية للجمهور، ورش العمل مهمة جداً». يشير أيضاً إلى الصفة «العفوية» لمكان العرض «المكان غير منمق، وله لمسة خاصة نريد الحفاظ عليها». بالنسبة إلى الأعمال التي ستعرض في المهرجان يقول لويسون إن هناك عدداً من الأعمال التكليفية التي ستنفذ استجابة للمكان، مضيفاً: «سيكون العرض مزيجاً من الأنواع الفنية مثل الجداريات، المنحوتات، وربما أيضاً أعمال منفذة بالذكاء الاصطناعي، الأعمال ستستخدم وسائط مختلفة، وهو ما يميز فن الشارع حيث توجد إمكانية استخدام أي وسيلة».
تشير المعلومات المنشورة عن المهرجان إلى التركيز على فنانات تخصصن في فن الشارع، بالنسبة إلى لويسون يرجع ذلك للرغبة في تقديم عرض متوازن من كل النواحي وضمان سماع كل الأصوات. مشاركات الفتيات في فن الشارع ظهرت من خلال مبادرات رسمية لتجميل الشوارع والميادين، ولكن عند الحديث عن النساء وفن الشارع أتساءل إذا كان هناك فرق في المضمون وفي الأعمال وفي الوسائل المستخدمة؟ تقول فلمبان: «هناك فروقات، ولكني لا أرجعها لاختلاف الجنس، ولكني أراها ضمن الإطار الثقافي السعودي، أرى أن هناك نسبة أكبر من أن النساء لم يكن لديهن الفرص لممارسة هذا النوع من الفن مثل الرجال في الشارع بنفس القدر، في مجتمعنا يستطيع الأولاد مذ سن صغيرة ممارسة هذا الفن في الشارع مع أصدقائهم، في كل الأوقات بالعكس من الفتيات، أرى أن هناك اختلافاً، وليس بالضرورة نقصاً».
بوجهٍ عام يرى القيمون، أن البرنامج يهدف إلى استكشاف تاريخ فن الجداريات، وكيفية وجوده جنباً إلى جنب مع ثقافة الفن المعاصر، وتخيّل المستقبل المشترك، مُؤمِّلين أن تضع هذه النسخة من «رش» أساساً للبيئة الحاضنة التي تطوّر نشر ثقافة فن جداريات الشارع إقليمياً والارتقاء بها عالمياً.