«وفرة» أشرف الزمزي: رؤية تشكيلية تعلن انتماءها إلى الفن الخام

المعرض يضم 40 لوحة لا تُقيّد بالروافد التقليدية

من لوحات المعرض (إدارة الغاليري)
من لوحات المعرض (إدارة الغاليري)
TT

«وفرة» أشرف الزمزي: رؤية تشكيلية تعلن انتماءها إلى الفن الخام

من لوحات المعرض (إدارة الغاليري)
من لوحات المعرض (إدارة الغاليري)

قليلة هي الأعمال التي تنتمي إلى «Art Brut» أو «الفن الخام»، في المشهد التشكيلي العربي، من بينها معرض الفنان أشرف الزمزمي بعنوان «وفرة» في غاليري «سفر خان» بالقاهرة، حيث نلتقي بمساحة متّسعة من هذا الاتجاه الذي أسّسه الفنان الفرنسي جان دوبوفيه في النصف الأول من القرن العشرين، ودشن به ما يُعرف أيضاً باسم «الفن الساذج» أو «الفن الخارجي» في دلالة إلى أنه يُجرَى خارج القواعد الأكاديمية للفنون الجميلة.

ورغم أنه شبيه بـ«الفن الفطري»، فهو ليس مرادفاً له. الأخير يقوم في الغالب على الإرث الاجتماعي والثقافي والفولكلوري لمبدعه، وبناءً على ذلك يزخر أيضاً بمفردات ورموز من التراث والبيئة، في حين أن المصطلح الفرنسي «Art Brut» لا يُقيّد بهذه الروافد التقليدية، ولا يُستمد من مؤثرات بعينها.

تجربة فنية (إدارة الغاليري)

سطوح لونية ممتزجة بأطياف شخوص، وأحياناً كائنات غرائبية صاغها الفنان في أعماله، عبر طبيعة تركيبية، تغلب عليها التجريدية تارة، وتارة أخرى التعبيرية؛ لكنها تتلاقى في النهاية بحماسته التجريبية، ولمساته الخاطفة، ومسطحاته الهندسية التلقائية، وخطوطه شديدة الاختزال وبليغة البوح في آن واحد.

يعتمد الزمزمي «بالتة» ألوان زاهية ومتفائلة، كتلك التي يختارها الأطفال في أعمالهم؛ ما يساهم في تعميقه نظرية تجاوب الألوان بين بعضها البعض بما تحمله من معانِ وأحاسيس، فتتوافق الألوان الباردة مع الدافئة، والمتباينة مع المنسجمة، بما يمثل تطوّراً لافتاً لأعماله في تماهيه مع الفن الخارجي «Art Brut»، مستعيداً ذكريات الطفولة ما يزيد لوحاته بساطة.

يقول الزمزمي لـ«الشرق الأوسط»: «أحتفي بالبساطة وأعدّها روح أعمالي. كان دافنشي محقاً حين أكد أنّ (البساطة هي أقصى درجات التطوّر)».

أشرف الزمزمي (إدارة الغاليري)

إلى هذا، تغوص أعماله، وعددها نحو 40 لوحة، في عالمه الخاص وعبر أسلوبه الفردي، متجاوزاً في ذلك تجسيد الشكل الخارجي للشخصية، ومعبّراً عن الانفعالات الداخلية التي تسكن بداخلها، من خلال أداء حساس، تغلّفه مشاعر وأفكار بكر، أو «ساذجة»، تأخذنا من جديد إلى علاقة لوحاته بمفهوم الـ«Art Brut».

عندما رأى الفنان الفرنسي جان دوبوفيه أنّ الفنون الجميلة يهيمن عليها الطابع الأكاديمي اتجه إلى عدِّ الفن البسيط، الذي يتضمّن الكتابة على الجدران، تعبيراً خاماً عن رؤى وعواطف لا تقيّدها التقاليد، محاولاً دمج هذه الصفات في فنه الخاص، فجمع منذ عام 1945 أعمالاً لنزلاء مستشفيات وسجون الطب النفسي المختلفة، والأطفال، إضافة إلى أعمال الفنانين البدائيين والأشخاص المنعزلين والمنبوذين، ودرسها جيداً، ليخرج برأي مفاده أنّ إبداعاتهم هي عملية فنية نقية تماماً، يعيد المبدع اختراعها بالكامل في جميع مراحلها، مدفوعاً بشكل فريد بدوافعه الخاصة، بل أبدع دوبوفيه مجموعة كبيرة من الأعمال المنتمية إلى هذا الفن، ولا تزال مجموعته هذه موجودة في متحف «La Collection de l’Art Brut» في مدينة لوزان السويسرية.

سطوح لونية ممتزجة بأطياف شخوص (إدارة الغاليري)

وسار فنانون كثر حول العالم باتجاه «الفن بروت»، حتى لنعتقد حين نطالع أعمالهم أنها قطع ينفّذها أشخاص لم تمسّهم الثقافة الفنية، إذ لا يؤدّي التقليد أي دور في طرحهم الإبداعي، فيقدّمون كل شيء من أعماقهم الخاصة، لا من «كليشيهات» الفن الكلاسيكي أو العصري.

ذلك كله لا ينفي تأثرهم بالحضارات والإنسانية، لكنه يتم عبر عملية فنية نقية تماماً أو «خام»، أعيد اختراعها ببعض ملامحها، وهو ما تؤكده لوحات الزمزمي في معرضه المستمر حتى 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فهي تقدم الرموز والأشياء العادية، إلى أشياء مختلفة عن صورتها النمطية.

إحدى لوحات المعرض (إدارة الغاليري)

يقول الفنان: «تأثرت بكل الحضارات السابقة، وتعلّمت من الناس والمقاهي والحضارات، ومن أمي، ربما ما لم أتعلّمه من الدراسة الأكاديمية، لكني قدّمته بطريقة تتجاوز شكلها الخارجي، لأنها تنبع من داخلي».


مقالات ذات صلة

الاقتصاد جانب من السلع في «سوق اليوم الواحد» (وزارة التموين)

تفاعل في مصر مع تدشين «سوق اليوم الواحد» لمواجهة الغلاء

أثار تدشين «سوق اليوم الواحد» في مصر لمواجهة الغلاء، تفاعلاً سوشيالياً، الجمعة.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا مجلس الوزراء المصري خلال اجتماعه برئاسة مصطفى مدبولي (مجلس الوزراء المصري)

الحكومة المصرية لوضع سيناريوهات مختلفة بشأن أزمة «الإيجار القديم»

بينما أكدت الحكومة المصرية أنها «تعمل على توفير العملة»، دخلت على خط تنفيذ حكم المحكمة «الدستورية العليا» بشأن الشقق المؤجرة بموجب قانون «الإيجار القديم».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا محافظ بورسعيد يزور عدداً من المصابين في الحادث (محافظة بورسعيد)

حادث تصادم جديد بمصر يعيد الاتهامات لـ«النقل الثقيل»

أعاد حادث تصادم جديد شهدته مدينة بورسعيد (شمال مصر)، الاتهامات إلى سائقي «النقل الثقيل» بـ«التسبب في حوادث مرورية بالبلاد».

أحمد إمبابي (القاهرة)
الاقتصاد اللواء الدكتور خالد مبارك محافظ جنوب سيناء (الشرق الأوسط)

محافظ جنوب سيناء: نتطلع لجذب الاستثمارات عبر استراتيجية التنمية الشاملة

تتطلع محافظة جنوب سيناء المصرية إلى تعزيز موقعها كمركز جذب سياحي، سواء على مستوى الاستثمارات أو تدفقات السياح من كل أنحاء العالم.

مساعد الزياني (دبي)

الفيلم السعودي «ثقوب» يفتتح مسابقة آفاق عربية بـ«القاهرة السينمائي»

فيلم «ثقوب» يدور حول قضايا اجتماعية متنوعة (مهرجان القاهرة السينمائي)
فيلم «ثقوب» يدور حول قضايا اجتماعية متنوعة (مهرجان القاهرة السينمائي)
TT

الفيلم السعودي «ثقوب» يفتتح مسابقة آفاق عربية بـ«القاهرة السينمائي»

فيلم «ثقوب» يدور حول قضايا اجتماعية متنوعة (مهرجان القاهرة السينمائي)
فيلم «ثقوب» يدور حول قضايا اجتماعية متنوعة (مهرجان القاهرة السينمائي)

افتتح الفيلم السعودي «ثقوب» مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ45، بحضور صنّاع العمل، وهو العرض العالمي الأول للفيلم الذي يخرجه عبد المحسن الضبعان.

تدور أحداث الفيلم حول «راكان»؛ الرجل الذي خرج للعالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورطه في قضية مرتبطة بالتطرف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة بعدما تغيرت أفكاره، لكن حياته على المستوى المادي لم تكن الأفضل في ظل معاناته من ضيق ذات اليد، وعمله في ورشة إصلاح سيارات بجانب إشرافه على بعض أعمال المقاولات.

يظهر «راكان» الذي يقوم بدوره الممثل السعودي مشعل المطيري، وهو مشتت ومهموم بشكل واضح منذ المشاهد الأولى مع استئجاره لمنزل جديد بمبلغ يصل إلى 30 ألف ريال سنوياً، وهو المنزل الذي يلتهم جزءاً كبيراً من دخله المحدود، في حين يوجد بالمنزل «ثقب» واضح، لكنه لا ينتبه إليه بسبب الضغوط التي يواجهها.

مع مرور الوقت والأحداث، تتبدى الكثير من التفاصيل عن حياته الماضية المليئة بالظلام والاضطراب النفسي الذي يعيشه بين الماضي والحاضر، بالإضافة إلى علاقته مع شقيقه التي تشكل جانباً مهماً في الأحداث وطريقة التعامل معها، بجانب والدته وزوجته التي تطلب منه ترميم «الثقب» الموجود في المنزل.

وخلال الندوة التي أعقبت عرض الفيلم، أعرب المنتج أيمن النقيب عن سعادته بالمشاركة في «القاهرة السينمائي»، مشيراً إلى أن الفيلم عرض قصة واقعية بأسلوب سينمائي حديث مع استخدام تجربة بصرية تعزز الفكرة التي يتناولها العمل.

وأضاف أنهم حرصوا على التطرق للتشوهات الاجتماعية للشخصيات في الأحداث، معتبراً أن الفيلم بمثابة «محاولة لتقديم أصوات سينمائية مختلفة» بميزانيات محدودة.

مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (مهرجان القاهرة السينمائي)

واعتبر الناقد السعودي عبيد التميمي أن «طموح المخرج عبد المحسن الضبعان في العمل اصطدم بتردده في التعامل مع عدة أمور خلال الأحداث»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أنه «بالرغم من اللقطات الأولى التي جعلت العمل يبدو واعداً عبر سرد الكثير من التفاصيل المختلفة والمتميزة، فإن المونتاج وكثرة الأفكار التي جرى طرحها خلال مدة الشريط أثرت بشكل كبير على سرعة الإيقاع والأحداث».

ولفت إلى أن «اعتماد المخرج على الحوارات التفصيلية بجانب الرمزية لم يكن في صالح العمل، في ظل غياب لافت للمشاعر الإنسانية بالحوارات باستثناء مشاهد محدودة».

ويعزو التميمي قرار المخرج الاعتماد على الحوار بجانب التلميحات والسرد البصري إلى «استشعار القلق من عدم وضوح ما سعوا لتنفيذه في الأحداث».

ويرى الناقد الفني المصري محمد عبد الرحمن أن الفيلم «انطلق من فكرة لها جاذبية مختلفة للمشاهد، لكن مع مرور الأحداث وقع صنّاع الفيلم في فخ الإطالة غير المبررة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل جعل المتفرج في حيرة حول فهم دوافع الشخصيات وتفاصيلها».

وأشاد عبد الرحمن بأداء البطل مشعل المطيري قائلاً: «لقد تعايش مع الشخصية بشكل يتسق مع مختلف المراحل التي مر بها»، في حين عدّ أن «المعالجة الخاصة بالفكرة على مستوى الصورة حملت مناورة مع المتفرج ربما تؤدي بالبعض لفقدان الشغف في تتبع الأحداث».

و«يحمل الفيلم لمحات فنية»، بحسب الناقد المصري أحمد سعد الدين الذي يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «العمل طرح مشكلة مهمة وناقشها بشكل جيد نوعاً ما، لكن بإيقاع بطيء نسبياً»، معتبراً أن العمل بمثابة خطوة جيدة لمثل هذه النوعية من الأعمال.