معرض تشكيلي يُبرز «الحضور الدائم» للراحل سعيد العدوي

يضم 182 عملاً لـ«أحد أعمدة» فن الحفر والغرافيك في مصر

أعمال تأخذ المتلقي إلى الماضي (الشرق الأوسط)
أعمال تأخذ المتلقي إلى الماضي (الشرق الأوسط)
TT

معرض تشكيلي يُبرز «الحضور الدائم» للراحل سعيد العدوي

أعمال تأخذ المتلقي إلى الماضي (الشرق الأوسط)
أعمال تأخذ المتلقي إلى الماضي (الشرق الأوسط)

يستضيف قصر عائشة فهمى بالزمالك معرضاً نادراً لأعمال الفنان المصري سعيد العدوي (1938 ـ 1973) تحت عنوان «العدوي... غياب مفاجئ وحضور دائم»، يضم نحو 182 عملاً للتشكيلي الذى يُعدّ أحد أعمدة فن الحفر والغرافيك في مصر

الفنان الراحل سعيد العدوي (إدارة المعرض)

ويأتي المعرض ضمن مجموعة من الفعاليات التي تنظمها مصر احتفاءً بالفنان، وفق الفنان الدكتور أشرف رضا، أستاذ الفنون الجميلة ورئيس مؤسسة «أراك للفنون والثقافة»، الذى قال لـ«الشرق الأوسط»: «أصبح التعاون مستمراً ومثمراً بين وزارة الثقافة والمؤسسات الأهلية في مصر، حيث تتضافر جهود العمل القومي والمجتمعي معاً من أجل التأريخ للرموز الثقافية والفنية».

احتفى الفنان بالخط العربي بوصفه جزءاً من المزاج العربي (الشرق الأوسط)

ويُعدّ معرض «العدوي» الذي يضم عدداً ضخماً من أعماله، وبعضها نادر للغاية، واحداً من علامات هذا التعاون؛ حيث قدمت «مؤسسة أراك للفنون والثقافة» وفق رضا، تسهيلات في جمع الأعمال والمعلومات، وكذلك إقامة الندوة الثقافية حوله في قصر «الأميرة سميحة كامل»، التي اجتذبت الفنانين والمثقفين والنقاد، وكان ذلك قبل المعرض بيوم واحد تمهيداً له. لافتاً إلى أن «فريق عمل قطاع الفنون التشكيلية قدّم عرضاً متحفياً، يليق باسم الفنان الراحل».

وفي السياق نفسه، تُصدر المؤسسة أول كتاب توثيقي متكامل عن الفنان الراحل سعيد العدوي تزامناً مع المعرض، يضيف رضا: «العدوي مبدع حفر واسمه خالد في سجل الحركة التشكيلية المصرية على الرغم من سنوات عمره القصيرة، إذ أهدانا مئات من الأعمال في الرسم والتصوير والحفر والغرافيك، ومن هنا تأتي أهمية التوثيق له».

رمزية منظمة في لوحاته لدلالات تجربته (الشرق الأوسط)

ويشدّد على أن «توثيق أعمال الرواد أمر مهم؛ إذ بدأنا العمل في هذا الكتاب منذ نحو سنتين؛ لصعوبة جمع المواد الفنية والدراسات النقدية التي تدور حول الفنان، ويكتب فيه نخبة من نقاد الفن التشكيلي، والفنانين والكتاب، ويوثّق المعلوماتي الدكتور حسام رشوان الباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الحديثة».

يستشعر زائر المعرض إلى أي مدى تعبق لوحاته برائحة الماضي البعيد ودفء الأجواء المصرية الأصيلة، حيث البيوت التي تحتضن ضيوفها بحنو ورسوم الأطفال التي تزين الجدران بعفوية، والسجاد الشرقي القديم الثري بالتفاصيل والزخارف التي تخطف العين، والحروف العربية المعبرة بصدق عن حضارتنا ومزاجنا وذوقنا.

جانب من المعرض في قصر عائشة فهمي (الشرق الأوسط)

وفي لوحاته بالمعرض يلتقي الجمهور بحلقات الذكر والموشحات ويشاهد الأضرحة وناسها ويشعر بتوسلاتهم، وكذلك يشاهد الجنازات والأوجاع، والأهرامات والمعابد وملامح الحضارات، ذلك كله عبر صياغات وتكوينات غرائبية مبتكرة سابقة لعصره، قائمة على التحوير والتلخيص للعناصر المستمدة من البيئة، من خلال تعدّد طبقات اللون وتقنيات الحفر والطباعة؛ فيشعر المتلقي أنه في حضرة «حكاء شعبي» متمرس.

وتعكس أعماله رؤى غير مسبوقة أو معتادة حتى للمشاهد والأحداث النمطية؛ فحين تشاهد تناوله للموالد والشوارع والميادين، والعمارة التقليدية، على سبيل المثال، تشعر كما لو أنك تشاهدها لأول مرة، من فرط قدرته على نقلنا إلى عمق روحها المستقرة داخلها، وبلاغة تعبيره عن جوانبها المختلفة.

يحول الخط والمساحة والفراغ من خلال الأبيض والأسود إلى عمل فني قائمٍ بذاته (الشرق الأوسط)

وفي الوقت نفسه يستوقفك اختزال عناصرها، من دون بتر، فيقدّم لنا صياغات بصرية تتبع مبدأ «المختصر المفيد»؛ فكأنما مدّ يده إلى أحياء مصر وميادينها وشوارعها الواسعة والضيقة وحاراتها وأضرحتها وموالدها ومن ثَمّ جمع ما جمعه من محتوياتها العتيقة، وقدمه لنا على مسطح لوحاته معتمداً في ذلك المعايير الإنسانية والحضارية الراسخة.


مقالات ذات صلة

بن زقر مفوضاً لجناح السعودية في «إكسبو 2025 أوساكا»

الخليج الدكتور غازي بن زقر سفير السعودية لدى اليابان (واس)

بن زقر مفوضاً لجناح السعودية في «إكسبو 2025 أوساكا»

عيّنت السعودية سفيرها لدى اليابان، الدكتور غازي بن زقر، مفوضاً عاماً لجناحها المشارك بمعرض «إكسبو 2025 أوساكا»، تزامناً مع المراحل الأخيرة لأعمال بنائه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الفنان أحمد مناويشي ولوحاته (إنستغرام «آرت ديستريكت»)

معرض «نسيج الشتاء»... تحيكه أنامل دافئة تعانق الشاعرية

يتمتع شتاء لبنان بخصوصية تميّزه عن غيره من المواسم، تنبع من مشهدية طبيعة مغطاة بالثلوج على جباله، ومن بيوت متراصة في المدينة مضاءة بجلسات عائلية دافئة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق جانب من أعمال الفنان (الشرق الأوسط)

«حكمة المصريين» تتجلّى في معرض للفنان ناثان دوس

اختار النحات المصري ناثان دوس لمعرضه الأحدث اسماً دالاً على الحكمة والفهم في الحضارة المصرية القديمة، وإن كان «سيشميت» بدا لفظاً غريباً على الواقع المصري.

محمد الكفراوي (القاهرة)
عالم الاعمال شركة «ديڤوتيه» تعلن مشاركتها في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض «سعودي ديرم»

شركة «ديڤوتيه» تعلن مشاركتها في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض «سعودي ديرم»

أعلنت شركة «ديڤوتيه (Devoté)» عن مشاركتها «البارزة في النسخة الثامنة من مؤتمر ومعرض (سعودي ديرم)

يوميات الشرق اختيار سلطنة عمان «ضيف شرف» الدورة الـ56 من معرض القاهرة للكتاب (وزارة الثقافة المصرية)

«الثقافة المصرية» تراهن على الذكاء الاصطناعي في «القاهرة للكتاب»

تحت شعار «اقرأ… في البدء كان الكلمة» تنطلق فعاليات الدورة الـ56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب في 23 من شهر يناير الحالي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

كتاب مصري جديد يحتفي بشكري سرحان في مئوية ميلاده

شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)
شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)
TT

كتاب مصري جديد يحتفي بشكري سرحان في مئوية ميلاده

شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)
شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)

في ظل الجدل الذي أثير مؤخراً حول «موهبته»، احتفى مهرجان الأقصر السينمائي في دورته الـ14 بذكرى مئوية ميلاد الفنان المصري الكبير شكري سرحان (13 مارس «آذار» 1925 - 19 مارس 1997)، وأصدر المهرجان بمناسبة ذلك كتاب «شكري سرحان... ابن النيل» للناقد المصري سامح فتحي، ويضم الكتاب فصولاً عدة تستعرض مسيرة الفنان منذ مولده وحتى أصبح نجماً من كبار نجوم السينما المصرية، متوقفاً عند أهم أفلامه التي وصلت إلى 161 فيلماً، بدءاً من أول أفلامه «نادية» 1949 للمخرج فطين عبد الوهاب، وحتى آخرها «الجبلاوي» 1991 للمخرج عادل الأعصر.

وكان قد أثير جدل حول انتقادات وجهها الممثل الشاب عمر متولي، نجل شقيقة عادل إمام، في برنامج يبثه عبر «يوتيوب» استضاف خلاله الممثل أحمد فتحي، تناولا خلاله سيرة الفنان الراحل شكري سرحان، حيث اتفقا على أنه «حقق نجومية أكبر من موهبته الحقيقية»؛ ما دفع أسرة الفنان الراحل لتقديم شكوى لنقابة الممثلين، حيث قدم نقيب الممثلين الفنان أشرف زكي اعتذاراً لأسرة الفنان الراحل، مهدداً كل من يتجاوز في حق الرموز الفنية بالشطب من النقابة. وفي المقابل اعتبر نقاد وفنانون الهجوم على فتحي ومتولي بمنزلة «تضييق على حرية إبداء الرأي على الأعمال الفنية ونجومها».

شكري سرحان في أحد أدواره (أرشيفية)

أعمال هادفة

ووصف المؤلف مسيرة شكري سرحان الفنية التي امتدت على مدى نصف قرن بأنها تميزت بـ«اختيار الأعمال الهادفة والجادة، وعدم الابتذال أو السقوط في حب الظهور وشهوة المال»، حيث شارك في «مئات الأدوار بالمسرح والسينما، وأمتع الملايين، وأثرى الحياة الفنية بكل ما هو مفيد وهادف».

فيما عَدّه الناقد سعد القرش في مقدمة كتاب «ابن النيل» بأنه الأكثر حظاً، وأنه من بين نجوم السينما المصرية الذي «كان الأقرب إلى الملامح النفسية والجسدية لعموم المصريين في جيله، رغم أنه لم يكن في وسامة محمود مرسي أو كمال الشناوي وعمر الشريف ورشدي أباظة، ولا يتمتع ببنية جسدية تنقله إلى الفتوات مثل فريد شوقي، حيث كان للنجوم صورة ذهنية لدى المشاهدين يشبهون أو يتشبهون بنجوم هوليوود من حيث تسريحة الشعر ولمعانه والشارب».

الناقد المصري سامح فتحي (الشرق الأوسط)

يستعرض سامح فتحي بدايات سرحان، الذي وُلد بالإسكندرية لكنه ينتمي لقرية «الغار» بمحافظة الشرقية، وكان الأوسط بين شقيقيه صلاح وسامي، وقد أثرت فيه حياة القرية، كما ذكر هو بنفسه، فقد أكد أن النشأة الدينية كانت إحدى سمات حياته منذ طفولته، فقد اعتاد على ارتياد المساجد وحفظ القرآن الكريم، وكان والده يعمل أستاذاً للغة العربية، ويحرص على أن تمضي الأسرة شهور الدراسة بالمدينة ثم تنتقل للقرية في الإجازة.

وبدأت علاقة سرحان بالفن من خلال شقيقه الأكبر صلاح، فحينما افتتحت دار سينما بالقرب من منزلهما، كان وشقيقه، حسبما روى، يتوقفان بجوارها ليستمعا لأصوات الممثلين، ويؤديان بعض الأدوار في حجرتهما حتى لا يشعر بهما والدهما، والتحق مثل شقيقه بفريق التمثيل بمدرسة الإبراهيمية، ثم التحق كلاهما بمعهد الفنون المسرحية في أول دفعة به، وكان من زملائه بالمعهد فريد شوقي وصلاح نظمي.

عثرات ونجاحات

واجه شكري سرحان عثرات في بداية طريقه الفني، حين اختاره منتج فيلم «هارب من السجن» لدور البطولة، حيث كاد يطير من الفرحة ثم قرر المخرج استبداله بالفنان فاخر فاخر، فحزن حزناً كثيراً خصوصاً بعد أن طالع خبراً بإحدى المجلات الفنية بأن الممثل الشاب شكري سرحان أثبت فشله في السينما، ما أصابه باكتئاب لفترة طويلة، لم ينقذه منه إلا خبر آخر كتبه الصحافي صلاح ذهني بمجلة «آخر ساعة»، حيث نشر صورة له وكتب أسفلها «فتى أول ينقصه مخرج»، فاتصل به المخرج حسين فوزي، ومنحه دوراً في فيلم «لهاليبو» مع نعيمة عاكف، ثم شارك في أدوار صغيرة بأفلام عدة من بينها «أفراح» و«بابا عريس».

مع سعاد حسني في أحد الأعمال (أرشيفية)

لكن الفرصة الكبرى والأهم جاءت حين اختاره المخرج يوسف شاهين لبطولة فيلمه «ابن النيل» ليكون هذا الفيلم البداية الحقيقية لشكري سرحان في السينما، وقال الفنان عن ذلك: «منحني الله هذا الشرف العظيم بأن أُمثل (ابن النيل) في هذه القصة، وفي وجود فريق قوي من الممثلين مثل يحيى شاهين ومحمود المليجي وفاتن حمامة».

وأشاد به يوسف شاهين بعد أحد المشاهد التي أداها، قائلاً له: «أنت برعت في أداء هذا المشهد مثل أعظم نجوم هوليوود، وأنا أمنحك أوسكار على ذلك».

انطلاقة كبرى

ويرى سامح فتحي مؤلف الكتاب أن فيلم «شباب امرأة» 1951 قد مثَل انطلاقة كبرى في مسيرة شكري سرحان، وكانت قد رشحته الفنانة تحية كاريوكا للمخرج صلاح أبو سيف لأداء دور «القروي الساذج إمام بلتاجي حسنين»، وقد ساعده على أداء الشخصية جذوره الريفية ليصبح الفيلم المأخوذ عن رواية الأديب أمين يوسف غراب في مقدمة الأفلام الواقعية المهمة في تاريخ السينما المصرية.

شكري سرحان في أحد مشاهد فيلم «ابن النيل» (أرشيفية)

وتعد شخصية «سعيد مهران» بطل رواية نجيب محفوظ «اللص والكلاب» من أبرز الشخصيات التي أداها شكري سرحان، حيث كتب في مذكراته أنه حينما قرأ الرواية جذبته عبارة «خرج من السجن وفي جوفه نار»، ما يوحي بسخونة أحداثها وأنه أطلق لخياله العنان لتجسيد أحداثها التراجيدية، ومَثّل الفيلم الذي أخرجه كمال الشيخ السينما المصرية في مهرجان برلين 1964، وأشاد به النقاد الألمان الذين رأوه «فيلماً مصرياً متكاملاً يرقى إلى مستوى العالمية».

ويشير الكتاب الجديد إلى تقديم الفنان الكبير لتجارب مهمة في السينما العالمية، من بينها فيلم «ابن كليوباترا»، وسلسلة أفلام «قصة الحضارة بين العصور» للمخرج العالمي روسليني، وفيلم «أسود سيناء» مع المخرج الإيراني فريد فتح الله، كما يتوقف عند أعماله المسرحية التي برزت بشكل أكبر بعد نكسة 1967.

غلاف الكتاب الجديد (الشرق الأوسط)

وحاز شكري سرحان جوائز عدة خلال مسيرته، فقد حصل على جائزة أفضل ممثل عن أدواره في أفلام «اللص والكلاب»، و«الزوجة الثانية»، و«رد قلبي»، و«شباب امرأة»، و«ليلة القبض على فاطمة»، كما تم اختياره «أفضل ممثل في القرن العشرين» بعد تصدره قائمة «أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية» بعدد 15 فيلماً في استفتاء مهرجان القاهرة السينمائي 1996، الذي كرمه قبل عام من رحيله.