بعد كارثة العراق... كيف نتصرف عند نشوب حريق في مكان مُغلق؟

الدمار يظهر داخل صالة للأعراس تعرضت لحريق ضخم في العراق (د.ب.أ)
الدمار يظهر داخل صالة للأعراس تعرضت لحريق ضخم في العراق (د.ب.أ)
TT

بعد كارثة العراق... كيف نتصرف عند نشوب حريق في مكان مُغلق؟

الدمار يظهر داخل صالة للأعراس تعرضت لحريق ضخم في العراق (د.ب.أ)
الدمار يظهر داخل صالة للأعراس تعرضت لحريق ضخم في العراق (د.ب.أ)

كسرت الأخبار المرتبطة بالحريق، الذي نشب وسط حفل زفاف بالعراق، قلوب ملايين المتابعين؛ ليس فقط في عالمنا العربي، بل أيضاً حول العالم، خصوصاً مع ظهور الصور والفيديوهات من موقع الحادث، وارتفاع عدد الضحايا إلى أرقام ضخمة، مما دفع الكثيرين لوصف الأمر بـ«الكارثة» الفعلية.

واندلع حريق في قاعة للأعراس ببلدة في شمال العراق، وتقول السلطات إنه نجَم عن «ألعاب نارية» وموادّ بناء سريعة الاشتعال. وقُتل 100 شخص على الأقل، وأُصيب أكثر من 150 آخرين بجروح، وفق حصيلة غير نهائية نشرتها السلطات.

وكان في القاعة التي لم تكن مستوفية شروط السلامة نحو 900 مدعوّ، لحظة وقوع الحريق، وفق وزارة الداخلية.

الدمار الذي سبّبه الحريق داخل قاعة مغلقة خلال حفل زفاف في العراق (د.ب.أ)

وهنا يراودنا جميعاً السؤال التالي: «كيف نتصرف حال وقوع حريق في مكان مغلق»؟

يشرح الخبير والمكلَّف بإدارة «مدرسة التدريب على الإنقاذ والإطفاء في الأماكن المغلقة»، في مقر العمليات المركزية بالدفاع المدني اللبناني، ميشال صليبا، في حديثه، لـ«الشرق الأوسط»، أنه من المهم عدم الهلع فوراً عند الشعور بنشوب حريق، ومحاولة التركيز على عملية الإخلاء بهدوء قدر الإمكان.

ومن الخطوات الأساسية التي يجب اتباعها، وفقاً للمسؤول في الدفاع المدني اللبناني:

- عدم الاندفاع باتجاه الباب الرئيسي على الفور، خصوصاً إذا كنت بعيداً عنه.

- محاولة التهدئة وعدم الشعور بالهلع، والتركيز على معرفة خطة الإخلاء.

- التفتيش عن مخارج الطوارئ «EXIT»، ومحاولة الإنصات لخطة الإخلاء، ويحدث ذلك عبر الانتباه لإرشادات المسؤولين داخل المكان.

- عند إحصاء المخارج، يمكن التوجه إلى أقرب باب والخروج منه، دون المشاركة في التدافع.

- تنظيم الوعي لدى الناس الموجودين عبر إخبارهم بضرورة التوجه إلى مخارج الطوارئ الأقرب إليهم وليس الباب الأساسي.

- محاولة استخدام مطفأة الطوارئ إذا وُجدت في موقع قريب منك، لكن مع عدم إضافة الوقت، خصوصاً إذا كان الوضع يتطور سريعاً للأسوأ.

- ضرورة عدم الاختباء داخل المكان المُغلق بسبب نقص الأكسجين الذي يرافق أي حريق ينشب.

- القفز من النافذة في الحالات الطارئة إذا كان الوضع يسمح بذلك فقط (طابق غير مرتفع).

- عدم المشاركة في إطفاء الحريق إلا إذا كان الشخص مدرَّباً على ذلك، ولديه معرفة بالأمر؛ لأن أي طرق خاطئة قد تزيد الأضرار، وليس العكس.

أهمية التوعية والجهوزية

يؤكد صاليبا أنه من الأساسي لتفادي خَسارة الأرواح عند اندلاع حريق، نشر التوعية في المجتمعات حول كيفية التصرف خلال هذه الحوادث، وإلزام الأماكن الداخلية كافة بوضع خطة طوارئ قابلة للتنفيذ بسهولة.

وتابع الخبير: «من الأساسي جداً أن يكون لدى كل صالة داخلية أو مطعم أو قاعة مؤتمرات خطة واضحة، لإجلاء الناس عند الإحساس بنشوب حريق، ويشمل ذلك مطافئ الطوارئ (اثنتان على الأقل)، ومخارج طوارئ تتناسب مع المساحة».

وأوضح صليبا «مثلاً إذا كانت الصالة تستوعب 100 شخص، فيجب على المخارج أن تكون مجهزة لإخراج شخص واحد كل 3 ثوانٍ، ومن هنا يجب زيادة عدد أو حجم المخارج، وفق عدد الأشخاص الذي تستوعبه القاعة».

وأشار إلى أهمية نشر التوعية بين الطلاب في المدارس، والإصرار على الموظفين في كل الأمكنة بمتابعة ما يصدر من إرشادات خاصة بالدفاع المدني، والتي تُنشَر على موقعه الإلكتروني بشكل موسمي، وتدريبهم على استخدام المطافئ ومعرفة مخارج الطوارئ من حولهم.

وتطرّق الخبير أيضاً إلى ضرورة «مواكبة مسؤولي السلامة في الأماكن المغلقة للتكنولوجيا ومواد البناء الجديدة». وقال «هناك أجهزة تعمل أوتوماتيكياً عند حدوث حريق، ويجب أيضاً متابعة المواد الجديدة التي تُستخدم في البناء، ومعرفة مدى خطورتها، ومحاولة وضع خطة الطوارئ بعد دراسة المواد والوقت الذي قد تستلزمه للاشتعال».

حريق داخل المنزل

أما إذا كان الحريق داخل المنزل مثلاً، فتقول منظمة «يازا للسلامة العامة» في لبنان، عبر موقعها الإلكتروني، إنه في البداية يجب تحديد خصائصه ومصدره؛ لمعرفة السلوك الواجب اتباعه.

وتشير إلى أنه يجب أن يتحلى الإنسان بالهدوء والشجاعة وضبط النفس.

في حرائق المنازل، يجب التصرف وفقاً للخطوات الآتية، وفق «يازا»: الحماية، الإخلاء، الإبلاغ والإطفاء. عند اندلاع الحريق، يجب التفكير مباشرة بتأمين الحماية الشخصية، وعدم التعرض للخطر، وإخلاء المبنى مباشرة من السكان عبر مَخارج النجاة، وعدم استخدام المصاعد الكهربائية.

ومن ثم يجب الاتصال بأرقام الطوارئ، وإبلاغهم عن الحادث.

وتوضح «يازا» أنه إذا تعدّى الحريق الحجم الذي يمكن التحكم فيه، فيجب المغادرة فوراً، وعدم التلهي بارتداء الثياب، أو أخذ الأشياء الثمينة، لإنقاذ حياتك.

وتشرح المجموعة أنه بعد مغادرة المنزل، يجب إغلاق جميع الأبواب؛ لأن تيارات الهواء الداخلة من الأبواب والنوافذ تزيد من شدة الحريق.

أما إذا لم يجد الشخص طريقاً للخروج من المنزل، فعليه عدم القفز من النوافذ إلا إذا كان في الطابق الأرضي أو الأول على الأكثر. وإذا كان في الطبقات المرتفعة، عليه الانتظار في جوار النافذة للفت انتباه فِرق الإطفاء حتى يجري إنقاذه، كما يجب عدم العودة إلى المنزل قبل إخماد الحريق كلياً.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق أحد الأجراس التي تبرعت بها لجنة تنظيم الألعاب الأولمبية في باريس سيتم تثبيتها في كاتدرائية نوتردام قبل إعادة افتتاحها (إ.ب.أ)

للمرة الأولى منذ حريق 2019... أجراس كاتدرائية «نوتردام» في باريس تُقرع مجدداً (صور)

دقت الأجراس الثمانية لبرج الجرس الشمالي لكاتدرائية نوتردام في باريس، التي تستعد لإعادة فتحها في 7 ديسمبر (كانون الأول)، اليوم (الجمعة).

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا طائرة مليئة بالطرود المتجهة إلى وجهتها النهائية بمركز في لويزفيل بولاية كنتاكي الأميركية 9 ديسمبر 2016 (رويترز)

ليتوانيا تحمّل روسيا مسؤولية طرود متفجرة أشعلت حرائق

قال أحد معاوني الرئيس الليتواني جيتاناس نوسيدا، اليوم (الثلاثاء)، إن روسيا تقف وراء إرسال طرود متفجرة من ليتوانيا إلى دول أوروبية.

«الشرق الأوسط» (فيلنيوس)
المشرق العربي صورة مثبتة من فيديو يظهر حريق بلدة بريح

لبنان: حريق بأحراج بريح الشوف... ومناشدات للتحرك سريعاً منعاً لوصوله إلى المنازل

اندلع حريق في أحراج بلدة بريح اللبنانية في قضاء الشوف، وأطلق الأهالي نداء مناشدة للجيش اللبناني والجهات المعنيّة، للتحرّك سريعاً منعاً لوصوله إلى المنازل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجال الإطفاء يحاولون إخماد حريق سابق في مصفاة بحمص السورية (أرشيفية - رويترز)

سوريا: إخماد حريق بمصفاة لتكرير النفط في حمص

قالت وسائل إعلام رسمية سورية، يوم (الاثنين)، إن فرق الإطفاء وقوات الدفاع المدني أخمدت حريقاً اندلع في قسم الغاز بمصفاة تكرير النفط بمحافظة حمص.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

طرابلس توحَّدت ببيروت... وتحيّة جنوبية في «ماراثون السلام» اللبناني

شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
TT

طرابلس توحَّدت ببيروت... وتحيّة جنوبية في «ماراثون السلام» اللبناني

شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)
شكل آخر للحدث الكبير بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية (بيروت ماراثون)

المنطلقون عند السادسة صباح الأحد من خطّ بداية السباق في مدينة طرابلس الشمالية، ارتدوا الأبيض ورفعوا العلم اللبناني. تقرَّر ليوم 10 نوفمبر (تشرين الثاني) أن يستضيف الحدث السنوي المُنتظر، وخرَّبت الحرب الخطط. لم تعبُر شوارعَ بيروت أقدام العدّائين أو تتطلّع عيون الأطفال مذهولةً بألوان البالونات والشابات الراقصات والموسيقى الحماسية طوال «سباق المرح». كرنفال «ماراثون بيروت الدولي» أُلغي. الأحد الماضي، وفي يومه المُقرَّر، اتّخذ شكلاً آخر بحجم النُبل نفسه وجمال المسؤولية. سباق من أجل السلام انطلق من طرابلس نحو العاصمة النازفة.

ترى مي الخليل أنّ التكاتف يُجمِّل الإنجاز ويدفع نحو الأفضل (بيروت ماراثون)

9 فرق هتفت: «كلنا للوطن». فريقٌ سلّم الآخر الأعلام اللبنانية بعد الركض لمسافة 10 كيلومترات، فتكتمل خطّة وَصْل طرابلس ببيروت بركض ما يزيد على 90 كيلومتراً للفرق الـ9 مجتمعةً. وإن حضر العداؤون بعدد أقل مقارنةً بجَرْف الأعداد في يوم الماراثون الكبير، فقد سجَّلوا فارقاً، وأحدث الأفراد وَقْع الجماعة. خَبْطُ الأقدام دوَّى، والرمزية بلغت أشدَّها. رسالة من أجل السلام، والحرب تتمادى... من أجل لبنان، ويتراءى مقبرة.

مَن ركضوا يتشاركون المعاناة والشغف والإنجاز، ويلتقون على الالتزام والوحدة وعظمة روح الرياضة. تفتتح مؤسِّسة جمعية «بيروت ماراثون» ورئيستها، مي الخليل، حديثها مع «الشرق الأوسط» بإعلاء أهمية التكاتُف. تقول إنه «يُجمِّل الإنجاز ويدفع نحو الأفضل».

وإن حضر العداؤون بعدد أقل فقد سجَّلوا فارقاً وأحدث الأفراد وَقْع الجماعة (بيروت ماراثون)

لـ20 عاماً، التزمت «بيروت ماراثون» بتنظيم النشاط الرياضي في بلد يطفح بالتناقض. تتابع: «ماراثونات عدّة نظّمناها على وَقْع التفجيرات والاغتيالات والاشتعال الأمني. مع ذلك، تجمَّع المشاركون وأعلنوا الوحدة. منذ العام الأول، أردنا نشاطاً رياضياً يجمع. بشر تتعدَّد أديانهم وجنسياتهم التقوا في سباق وُلد عام 2003 ويستمرّ على ثبات المبدأ. اليوم، نركض للسلام على امتداد الوطن».

وُلدت النسخة الأولى من «بيروت ماراثون» بعد حادث مأساوي أصاب مي الخليل. كانت تركض، فصدمتها شاحنة. دخلت في غيبوبة ومكثت عامين في المستشفى... «أنا العدّاءة التي ركضت من أجل لبنان، فحلَّ الأسوأ، لتوظّف شغفها وإرادتها بإقامة نشاط ماراثوني يُقرّبه من العالم ويُوحّد أبناءه من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، تحت شعار (الرياضة للجميع). هنا تُمحى الفروق وتعلو الإنسانية».

9 فرق هتفت: «كلنا للوطن..» وفريقٌ سلّم الآخر الأعلام اللبنانية (بيروت ماراثون)

حينها، ندرت ثقافة الركض لمسافات طويلة، فدُعي عدّاؤون أجانب محترفون إلى أرض الأرز للمشاركة في الحدث. كبُرت الحشود عبر السنوات، فاقتطعت الجمعية رسوم التسجيل لمصلحة جمعيات خيرية. راحت الأقدام تركض للخير، وتكثَّف الخفقان، وسُمَع لهاث الأنفاس كأنه أوركسترا.

ثقافة العطاء عمَّمها «ماراثون بيروت» وكرَّسها. ومن عظمة العمل التطوّعي، تمضي هذه الأيام. منذ الاشتعال الكبير والنزوح المُربِك، تحوَّلت الجهود إلى لملمة الوجع. تُكمل مي الخليل حديثها برَفْع العطاء إلى أعلى المراتب: «أمام الإنسان، لبّى الفريق والمتطوّعون الشباب، النداء. أراهم نبض المستقبل. ننطلق من ثقافة أن نُعطي المجتمع ما نأخذه. فَهْم هذه المعادلة مهم جداً».

اليوم، تتقدَّم ثقافة السلام وتستدعي نشرها في المدى الأوسع. ذلك شعورٌ يملأ العدّاء وهو يُراكم المسافة وصولاً إلى خطّ النهاية. يبلغه ليحيل الداخل على الصفاء. فالسلام الفردي بإمكانه أن يُعمَّم ليصبح العدّاء اختزالاً للبنان. كلاهما يتحمَّل ويُعاند. داخلهما ندوب وصمود. مي الخليل تدرك ذلك. فداخلها أيضاً تألَّم. تقول: «سلام النفس يرتقي بطبيعتنا الإنسانية، فكيف إن اجتمع بـ40 أو 50 ألف عدّاء وعدّاءة؟ هنا يُترجَم سلام الأوطان. يسألونني دائماً: من أجل أي سلام تركضون؟ السلام ليس خطّ النهاية فقط. إنه امتداد سلامنا الداخلي نحو سلام أشمل».

سباق من أجل السلام انطلق من طرابلس نحو العاصمة النازفة (بيروت ماراثون)

لسنوات، كبُرت تحدّيات «بيروت ماراثون» باشتداد العصف. فتك الوباء، فأُلغي السباق لاقتضاء السلامة العالمية التباعُد بين البشر. وبعد انفجار المرفأ شعرت مي الخليل بأهمية الاضطلاع بدور. «وَجَبت علينا العودة. حجم المسؤولية استدعى توظيف علاقاتنا بالخارج لتجاوُز المرحلة الصعبة. حينها، غادر بعض الفريق بين الغربة والبحث عن فرص تُعوّض إغلاق أبواب |(الجمعية). تعلّمنا مرّة أخرى كيف ننظّم سباقات افتراضية بالتواصل مع ماراثونات دولية. جمعنا مبالغ لجمعيات تنتشل المتضرّرين من كابوسية المرفأ ومقتلة ذلك العصر».

مشهد رَفْع العلم اللبناني رغم اتّساع الجراح أثَّر عميقاً (بيروت ماراثون)

تستدعي الحرب اليوم وَقْفة مُشابهة. بالنسبة إلى مي الخليل، لا شيء يُضاهي مرارة أن تشاهد بلدك يُدمَّر والناس في نزوحهم المريع. كان لا بدّ من إلغاء السباق المُنتَظر يوم 10 نوفمبر وتحوُّل كل الأيام سباقاً للتكاتف والوحدة: «نظّمنا سباق السلام بديلاً للحدث الكبير. أردناه سباقاً مستوحى من مساحة لبنان البالغة 10 آلاف و452 كيلومتراً مربعاً. مشهد رَفْع العلم اللبناني رغم اتّساع الجراح أثَّر عميقاً. على مجموعة نقاط، توزّع العدّاؤون، فانطلقوا من (معرض رشيد كرامي الدولي) في طرابلس إلى واجهة بيروت البحرية. 10 ساعات من الركض للسلام والأمل».

ومن مدينتَي النبطية وصور النازفتَيْن، عَبَر عدّاؤون فوق الأنقاض رافعين الأعلام... زرعوها فوق الخراب لعلَّ زهر الربيع يشقّ الجدران المُهدَّمة وينمو معانداً «اليباس». «الوطن لا يموت. يعيش على المحبة»، تؤكد مي الخليل التي تغرّبت 23 عاماً في نيجيريا بعد زواجها، لكنّ داخلها ظلَّ متعلّقاً بأرض تتشظّى ولا تُقتَل.