محاكاة أثر سليم حسن في علم المصريات والحفائر الأثرية

معرض في سقارة يضم مخطوطات وصوراً نادرة

حرص الراحل سليم حسن على توثيق المواقع بالنشر الصحافي  (إدارة المعرض)
حرص الراحل سليم حسن على توثيق المواقع بالنشر الصحافي (إدارة المعرض)
TT

محاكاة أثر سليم حسن في علم المصريات والحفائر الأثرية

حرص الراحل سليم حسن على توثيق المواقع بالنشر الصحافي  (إدارة المعرض)
حرص الراحل سليم حسن على توثيق المواقع بالنشر الصحافي (إدارة المعرض)

وثّق معرض مصري تقيمه مكتبة الإسكندرية، في المتحف القومي للحضارة المصرية، رحلة رائد علم المصريات الدكتور سليم حسن واكتشافاته وحفائره على مدى 10 سنوات في منطقتي الجيزة وسقارة. وهو يضم مجموعة من الصور الفوتوغرافية النادرة والخرائط والمخطوطات والوثائق التي كتبها.

يأتي المعرض إحياءً للذكرى الثانية والستين لرحيل حسن. ويمثّل، وفق مديرة مشروع توثيق أرشيف حسن في مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالمكتبة الدكتورة أميرة صديق، «رحلة حياته في الحفائر الأثرية». وهي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «المعروضات تحاكي التاريخ العلمي الخاص بالراحل، وتكشف من خلال أرشيفه الذي قدّمه إلى المكتبة مدير المركز، عالم المصريات الدكتور فتحي صالح، تفاصيل عمليات أنجزها بدءاً من عام 1929، واستمرت 10 سنوات».

مخطوطات وصور لآثار النوبة (إدارة المعرض)

كما يتضمّن 3140 وثيقة معظمها مكتوب بخط اليد، إلى عدد كبير من الصور والخرائط، تغطّي جميعها مساحة زمنية عامرة بالنجاحات في مسيرة البحث والتنقيب، أمضاها حسن في الحفر بهضبة الجيزة، اكتشف خلالها نحو 188 مقبرة تركزت في منطقة الجبانة المركزية والشرقية. وكان من أهم الاكتشافات هرم الملكة «خنت كاوس»، والطريق الصاعد للملك خفرع، إلى مجموعة قوارب أطلق عليها العلماء «مراكب الشمس»، خصوصاً بالملك خوفو.

تضيف صديق أنّ «الراحل لم يقلّ في أسلوب توثيق ونشر عملياته ومشروعات حفائر أخرى أشرفت عليها بعثات أجنبية حينذاك»، لافتة إلى أنّ حسن قاد في نهاية الثلاثينات، وتحديداً في الفترة من 1937 حتى 1938 عمليات تنقيب في سقارة التي تضم الجبانة الخاصة بهضبة الجيزة، واكتشف وقتها 17 مقبرة.

وثائق مكتوبة بخط اليد ضمن المعروضات (إدارة المعرض)

من بين ما تبيّنه اللوحات والوثائق، حملته لاكتشاف الطريق الصاعد للملك «ونيس» من الأسرة الخامسة، فتوضح صديق أن حسن سبّاق في التعريف بالمجموعة الجنائزية الخاصة بالأهرامات، ومعبد الوادي، والمعبد الجنائزي، والميناء التي كانت مواجِهة لمعبد «ونيس» المُشرف آنذاك على نهر النيل ضمن ما يُسمى «قناة منف».

جانب من المعروضات (إدارة المعرض)

وتصوّر بعض الصور والمقتنيات كيفية إدارة حسن لطواقم العمل وعمليات الحفر والتنقيب. فهو أول مَن درَّس علم المصريات في الجامعة المصرية، وخلال دروسه اصطحب معه تلامذته، وأشركهم في العمليات التي حرص على توثيقها بعدسة المصور الرسمي للحفائر آنذاك عبد السلام عبد السلام، لتبقى شاهدة على إنجازات العلماء المصريين في مجال البحث الأثري، بما في ذلك حفريات قريتي قسطل وأدندان في جنوب البلاد.

حرص الراحل سليم حسن على توثيق المواقع بالنشر الصحافي (إدارة المعرض)

ويضيء قسم في المعرض على دور سليم حسن في توثيق آثار النوبة وغيرها من كنوز اقتضى حمايتها في ظل عمليات حدثت تزامناً مع تنفيذ السد العالي. وهو الذي كتب التقرير الخاص بآثار النوبة، القاعدة الرئيسية التي استندت إليها منظمة «اليونيسكو» في حملة إنقاذ آثار هذه المنطقة. كما رسم خرائط تكشف مجموعة القرى النوبية التي وُجدت قبل بناء السد العالي.


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

صغار البطريق تنجو بأعجوبة من جبل جليدي شارد

جدران الجبل الجليدي حاصرت صغار البطاريق (غيتي)
جدران الجبل الجليدي حاصرت صغار البطاريق (غيتي)
TT

صغار البطريق تنجو بأعجوبة من جبل جليدي شارد

جدران الجبل الجليدي حاصرت صغار البطاريق (غيتي)
جدران الجبل الجليدي حاصرت صغار البطاريق (غيتي)

انفصل في مايو (أيار) الماضي جبل جليدي ضخم عن جرف جليدي في القارة القطبية الجنوبية، لتجرفه التيارات ويتوقف مباشرةً أمام ما يمكن أن تُوصف بأنها أتعس البطاريق حظاً في العالم ليعرّض حياتها للخطر.

وشكّلت جدران الجبل الجليدي الضخمة حاجزاً، كما لو كانت باباً فاصلاً، بين مستعمرة خليج هالي والبحر، مما جعل صغار البطاريق مُحاصَرة في الداخل.

وبدا الأمر كأنه سيشكّل نهاية مأساوية للمئات من فراخ البطريق هناك، التي كانت قد فقست لتوها، والتي ربما لم تَعُد أمهاتها، التي خرجت للصيد بحثاً عن الطعام، قادرة على الوصول إليها، لكن قبل بضعة أسابيع من الآن تحرّك الجبل الجليدي مرة أخرى.

وُصفت بأنها أتعس البطاريق حظاً في العالم (غيتي)

واكتشف العلماء أن البطاريق المتشبثة بالحياة هناك، وجدت طريقة للتغلب على الجبل الجليدي الضخم، حيث تُظهر صور الأقمار الاصطناعية التي حصلت عليها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بشكل حصري، هذا الأسبوع، وجود حياة في المستعمرة.

وقد عاش العلماء فترة طويلة من القلق والتّرقب حتى هذه اللحظة، إذ إن الفراخ لا تزال تواجه تحدياً آخر قد يكون مميتاً خلال الأشهر المقبلة، ففي أغسطس (آب) الماضي، عندما سألت «بي بي سي»: «هيئة المسح البريطانية للقطب الجنوبي»، عمّا إذا كانت بطاريق الإمبراطور قد نجت، لم يتمكن أعضاؤها من الإجابة، إذ قال العالِم بيتر فرتويل: «لن نعرف الإجابة حتى تشرق الشمس (على المكان)».

وكان ذلك في فصل الشتاء في القطب الجنوبي، ولذا لم تتمكن الأقمار الاصطناعية من اختراق الظلام الدّامس هناك لالتقاط صور للطيور.

ووصفها فرتويل بأنها «أتعس البطاريق حظاً في العالم»، وهو شارك في متابعة حياتها طوال سنوات، إذ تتأرجح هذه الكائنات على حافة الحياة والموت، ولم يكن ما جرى مؤخراً سوى أحدث حلقة في سلسلة الكوارث التي تعرّضت لها.

كانت المستعمرة مستقرة في الماضي، حيث كان عدد الأزواج الذين يتكاثرون يتراوح بين 14 و25 ألفاً سنوياً، مما جعلها ثاني أكبر مستعمرة في العالم، ولكن في عام 2019، وردت أنباء عن فشل كارثي في عملية التكاثر، حينها اكتشف فرتويل وزملاؤه أنه على مدى 3 سنوات، فشلت المستعمرة في تربية أي صغار.

وتحتاج فراخ البطريق إلى العيش على الجليد البحري حتى تُصبح قوية بما يكفي للبقاء على قيد الحياة في المياه المفتوحة، لكن تغيُّر المناخ يؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة المحيطات والهواء، ممّا يُسهم في زيادة اضطراب الجليد البحري وجعله أكثر عرضة للتفكك المفاجئ في أثناء العواصف، ومع فقدان الجليد البحري، فإن الأمر انتهى بالصغار بالغرق.

وانتقل بضع مئات من البطاريق المتبقية إلى مرتفعات ماكدونالد الجليدية القريبة، واستمرت المجموعة في العيش هناك، إلى حين انفصال الجبل الجليدي «A83»، الذي يبلغ حجمه نحو 380 كيلومتراً مربعاً (145 ميلاً مربعاً).

اكتشف العلماء أن البطاريق وجدت طريقة للتغلب على الجبل الجليدي (غيتي)

وكان فرتويل يخشى حدوث انقراض لهذه الطيور بشكل كامل، وهو ما حدث لمستعمرات البطريق الأخرى، فقد حاصر جبل جليدي مجموعة منها في بحر «روس» لسنوات عدّة، مما أدى إلى فشل عملية التكاثر، وفق قوله.

وقبل أيام قليلة، عادت الشمس مرة أخرى إلى القطب الجنوبي، ودارت الأقمار الاصطناعية «Sentinel-1» التي يستخدمها فرتويل فوق خليج «هالي» لتلتقط صوراً للغطاء الجليدي.

وفتح فرتويل الملفات قائلاً: «كنت أخشى ألّا أرى شيئاً هناك على الإطلاق»، ولكن، رغم كل الصعوبات، وجد ما كان يأمل به: بقعة بُنية اللون على الغطاء الجليدي الأبيض، وهو ما يعني أن البطاريق لا تزال على قيد الحياة، وهو ما جعله يشعر «براحة كبيرة».

بيد أن كيفية نجاتها تظلّ لغزاً، حيث يصل ارتفاع الجبل الجليدي إلى نحو 15 متراً، مما يعني أن البطاريق لم تتمكن من تسلّق الجبل، ولكن فرتويل أشار إلى أن «هناك صدعاً جليدياً، ولذا ربما تمكنت من الغوص من خلاله». موضحاً أن الجبل الجليدي يمتد على الأرجح لأكثر من 50 متراً تحت الأمواج، ولكن البطاريق يمكنها الغوص حتى عُمق 500 متر، وأوضح: «حتى لو كان هناك صدع صغير، فقد تكون غاصت تحته».

وسينتظر الفريق الآن الحصول على صور ذات دقة أعلى تُظهر عدد البطاريق الموجودة هناك بالضبط، كما أنه من المقرر أن تزور مجموعة من العلماء من قاعدة الأبحاث البريطانية في خليج «هالي»، للمستعمرة للتّحقق من حجمها ومدى صحتها.

وتظل أنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية) منطقة سريعة التغير تتأثر بارتفاع درجة حرارة الكوكب، بالإضافة إلى الظواهر الطبيعية التي تجعل الحياة صعبة فيها.

وتُعدّ مرتفعات ماكدونالد الجليدية، حيث تعيش البطاريق الآن، منطقة ديناميكية ذات تغيرات غير متوقعة، كما أن مستويات الجليد البحري الموسمية في القارة القطبية الجنوبية تقترب من أدنى مستوياتها على الإطلاق.

ومع تحرك جبل «A83» الجليدي، تغيّرت تضاريس الجليد هناك، مما يعني أن موقع تكاثر البطاريق بات الآن «أكثر عرضة للخطر»، وفق فرتويل، حيث ظهرت شقوق في الجليد، كما أن الحافة المواجهة للبحر باتت تقترب يوماً بعد يوم.

ويحذّر فرتويل من أنه في حال تفكك الجليد تحت صغار البطاريق قبل أن تتمكن من السباحة، بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل، فإنها ستموت، قائلاً إنها «حيوانات مذهلة للغاية، لكن الأمر كئيبٌ بعض الشيء، فهي مثل العديد من الحيوانات الأخرى في القارة القطبية الجنوبية، تعيش على الجليد البحري، بيد أن الوضع يتغيّر، وإذا تغيّر موطنها، فلن يكون الوضع جيداً على الإطلاق».