لماذا اختير فيلم «فوي فوي فوي» لتمثيل مصر بـ«الأوسكار»؟

مطالبة برفع سقف الأفكار والمنافسة بقضايا أعمق

لقطة من الفيلم (محمد فراج في «إنستغرام»)
لقطة من الفيلم (محمد فراج في «إنستغرام»)
TT

لماذا اختير فيلم «فوي فوي فوي» لتمثيل مصر بـ«الأوسكار»؟

لقطة من الفيلم (محمد فراج في «إنستغرام»)
لقطة من الفيلم (محمد فراج في «إنستغرام»)

شكّل اختيار فيلم «فوي فوي فوي» لتمثيل مصر في جوائز «الأوسكار» لعام 2024 مفاجأة كبيرة، لا سيما أنّ عرضه بدأ في القاهرة قبل أيام، كما أنه لمخرج شاب هو عمر هلال، يخوض من خلاله أولى تجاربه في الأفلام الروائية الطويلة.

وقالت نقابة المهن السينمائية في مصر، المنوط بها الإشراف على ترشيح الفيلم واختيار أعضاء اللجنة، في بيان، إنه «اختير من لجنة مشكَّلة من سينمائيين ونقاد مستقلّين، بعد فوزه بأغلبية التصويت بين قائمة قصيرة من الأفلام التي تنطبق عليها شروط الترشيح».

نيللي كريم في لقطة من الفيلم (محمد فراج في «إنستغرام»)

تضمّنت القائمة القصيرة 5 أفلام؛ هي: «بيت الروبي»، و«19ب»، و«الباب الأخضر»، و«وش في وش»، و«فوي فوي فوي». واختارت اللجنة التي تضمّ نحو 30 عضواً هذه القائمة من بين قائمة طويلة ضمّت 32 فيلماً تمثل الأفلام المصرية التي عُرضت جماهيرياً في الصالات منذ ديسمبر (كانون الأول) 2022 حتى الآن.

وفاز فيلم «فوي فوي فوي» بأغلبية الأصوات (15 صوتاً من بين 18 شاركوا في التصويت).

فراج في لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

في هذا السياق، يؤكد أحد أعضاء اللجنة، الناقد أحمد سعد الدين لـ«الشرق الأوسط»، أنّ «الفيلم نال معظم الأصوات لسببين؛ الأول لأنه يتناول قضية تهمّ العالم، هي الهجرة غير الشرعية، والثاني لأنه يتمتّع بمستوى فني متميّز. ورغم أنه لا يضم نجوم شباك، فإن الموضوع هو البطل».

ونفى الأنباء بشأن «اتجاه اللجنة لعدم ترشيح فيلم مصري أسوة بما حدث العام الماضي»، قائلاً: «جرى تصويت مبدئي في الاجتماع الأول بين الأعضاء حول مبدأ الترشيح من عدمه، ووافقت الأغلبية على اختيار فيلم لتسجيل تجارب جيدة لمخرجين شباب تجب مساندتهم وتشجيعهم. كما أنّ عدم ترشيح فيلم قبل ذلك لم يغير شيئاً في الواقع السينمائي الذي يشهد تراجعاً وسيطرة للأفلام التجارية».

صنّاع الفيلم في عرضه الخاص (الشركة المنتجة)

تدور أحداث الفيلم حول شخصية «حسن»، حارس أمن يعيش حياة فقيرة مع أسرته، ويتحايل للانضمام إلى فريق كرة قدم من المكفوفين يتّجه للمشاركة في كأس العالم بأوروبا، فيدّعي أنه مكفوف مثلهم. خلال الرحلة، يلتقي شخصيات ويخوض مغامرات. وهو من بطولة محمد فراج، ونيللي كريم، وبيومي فؤاد، وطه دسوقي، وحنان يوسف، ولبنى ونس، ومن تأليف عمر هلال وإخراجه، وقد تصدّر قائمة الإيرادات بدور العرض المصرية منذ بدء عرضه في 13 سبتمبر (أيلول) الحالي.

بدوره، يؤكد أحد أعضاء اللجنة، المخرج هاني لاشين، أنّ «الفيلم متميّز فنياً بجميع عناصره من تمثيل وتصوير ومونتاج، كما أنه لمخرج جديد»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «أشجع كثيراً الشباب الذين يحملون رؤى وأفكاراً وأحلاماً مختلفة».

يتابع: «فرصتنا ضعيفة جداً في منافسة أفلام دول العالم وتحقيق الفوز، ليس لنقص تقنيات وإنما لأنّ موضوعاتنا غير غارقة في المحلية»، وفق قوله، مطالباً بخطوات ضرورية لرفع سقف الأفكار، فيطرح المبدعون قضايا أعمق، ويصنعون سينما حقيقية تنافس عالمياً.

وسط سعادته بترشيح أول أفلامه لخوض سباق «الأوسكار»، يقول هلال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا بمنزلة حلم وشرف كبيرَين. أظن أننا قدّمنا فيلماً جيداً اجتهدنا فيه»، مضيفاً: «الفيلم تجربة خاصة، فقد عملتُ عليه كاتباً ومخرجاً ومنتجاً، فكنتُ المنتج الفعلي خلال التصوير. هذا جعلني أكثر قدرة على التحكُّم، في ظلّ صراع بين الوظائف الثلاث ضمن أماكن تصوير متعدّدة بين مصر ولبنان ورومانيا. الشكر للزملاء المساعدين إنتاجياً؛ (فيلم كلينك)، و(فوكس استوديوز)، و(إيمجنشن أبوظبي)». وكشف هلال عن ترتيبات خاصة مع جهات الإنتاج لحملة ستنطلق من الولايات المتحدة للمنافسة بسباق «الأوسكار» بنسخته الـ96.

ورغم خروج سابق للسينما المصرية، مع تاريخها الطويل، من منافسات «الأوسكار»، فإنّ ذلك لم يحبط هلال، فيقول: «أتمنّى كسر القاعدة، فيكون فيلمي أول عمل مصري يبلغ القائمة القصيرة. السينما المصرية هي أم السينما العربية، وإذا لم ينصفها الزمن، فسنظل نجتهد لنحقق الفوز».


مقالات ذات صلة

«أفلام السعودية» يعد عشاق السينما بمفاجآت كثيرة

يوميات الشرق جانب من الأمسية الرمضانية التي شهدت حضوراً كثيفاً من الإعلاميين

«أفلام السعودية» يعد عشاق السينما بمفاجآت كثيرة

ينتظر عشاق السينما في السعودية الكثير من المفاجآت التي كشف عنها «مهرجان أفلام السعودية»، في أمسية رمضانية ومؤتمر صحافي مصاحب، أزاح الستار عن ملامح الدورة الـ11.

إيمان الخطاف (الدمام)
سينما ‎⁨يقدم المهرجان في دورته المقبلة 12 عرضاً عالمياً أول (الشرق الأوسط)⁩

في أمسية رمضانية... مهرجان أفلام السعودية يكشف عن مفاجآت الدورة الـ11

ينتظر عشاق السينما في السعودية الكثير من المفاجآت التي كشف عنها مهرجان أفلام السعودية، في أمسية رمضانية ومؤتمر صحافي مصاحب، أزاح الستار عن ملامح الدورة الـ11.

إيمان الخطاف (الدمام)
سينما جين هاكمان فاز بجائزة أفضل ممثل مساعد في حفل توزيع جوائز «الأوسكار» عام 1993 (أ.ب)

الممثل جين هاكمان توفي بمرض القلب بعد أسبوع من وفاة زوجته بفيروس نادر

أكدت السلطات الأميركية أن الممثل جين هاكمان توفي بسبب مرض بالقلب، بعد أسبوع كامل من وفاة زوجته بسبب إصابتها بفيروس هانتا في منزلهما في نيومكسيكو.

«الشرق الأوسط» (نيو مكسيكو)
يوميات الشرق أحد مواقع التصوير بمدينة الإنتاج الإعلامي المصرية (مدينة الإنتاج الإعلامي)

قصة مدينتين اختارتهما مصر لشبكة اليونيسكو «الإبداعية»

اختارت مصر ترشيح مدينتي الجيزة وأشمون لقائمة المدن الإبداعية باليونيسكو، لتفوق الأولى في صناعة الأفلام السينمائية، وبروز المدينة الثانية في الفنون الشعبية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
سينما دانيال كريغ في آخر بوند: «لا وقت للموت» (إم جي إم)

جيمس بوند أمام مصير غامض

من تابع توزيع أوسكارات 2025 على الإنترنت (بثّتها قناة Hulu) فُوجئ بظهور جيمس بوند على المسرح بشخص المنتجين الدائمين مايكل جي. ويلسون وباربرا بروكولي

محمد رُضا (لندن)

أكثر الجرائم واقعيةً... ومن الحب ما قتلَ غابي بيتيتو

يعود وثائقي «نتفليكس» إلى تفاصيل مقتل الشابة الأميركية غابي بيتيتو عام 2021 (إنستغرام)
يعود وثائقي «نتفليكس» إلى تفاصيل مقتل الشابة الأميركية غابي بيتيتو عام 2021 (إنستغرام)
TT

أكثر الجرائم واقعيةً... ومن الحب ما قتلَ غابي بيتيتو

يعود وثائقي «نتفليكس» إلى تفاصيل مقتل الشابة الأميركية غابي بيتيتو عام 2021 (إنستغرام)
يعود وثائقي «نتفليكس» إلى تفاصيل مقتل الشابة الأميركية غابي بيتيتو عام 2021 (إنستغرام)

«الأشخاص الأكثر سعادةً على السوشيال ميديا، غالباً ما يخبّئون الهياكل العظميّة الأكثر سواداً في خزائنهم». عبارةٌ تفتتح بها صديقة غابي بيتيتو وبراين لوندري شهادتها في السلسلة الوثائقية «جريمة قتل أميركية: غابي بيتيتو» (American Murder: Gabby Petito) التي بدأ عرضها على «نتفليكس» قبل أسابيع.

وعلى قدر ما تحمل من تراجيديا، فإن هذه العبارة تختصر حقيقة ما حصل مع نجمة الوثائقيّ، الضحية الشابة غابي بيتيتو، التي أفلت عن 22 عاماً.

تعارفَ براين وغابي على مقاعد المدرسة الثانوية، وبعد عامَين على التخرّج ارتبطا عاطفياً، وانتقلت الشابة من نيويورك إلى فلوريدا للإقامة مع شريكها وعائلته.

بحلقاتها الثلاث، توثّق السلسلة التي تنتمي إلى فئة الجريمة الواقعية، للسنتَين اللتَين سبقتا اختفاء غابي الغامض ومقتلها المفجع، أي للفترة الممتدّة ما بين 2019 و2021.

تبدأ صدمات غابي بتوتّراتٍ بينها وبين والدة براين، إلا أنّ ذلك لا يحول دون خطوبة الثنائيّ عام 2020. بعيداً عن مدينتها وعائلتها، تعمل غابي لساعاتٍ طويلة في مطاعم ومتاجر من أجل جمع المال. تريد أن تشتري شاحنة صغيرة لتنطلق وبراين في رحلةٍ برّيّة عبر الولايات المتحدة، وتصوّر مغامراتهما. حلمُها الأكبر، أن تصبح مؤثّرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يتابعها الملايين ليكتشفوا تفاصيل رحلاتها وأسفارها مع حبيبها.

خطوبة غابي بيتيتو (21 عاماً) وبراين لوندري (22 عاماً) في يوليو 2020 (نتفليكس)

أقوى ما في العمل أنه يسرد الحقيقة كما هي. يلتزم بالأحداث التي حصلت من دون أن يجمّلها أو يشوّهها. وسرعان ما تتضاءل صفاتُ الحب لدى براين، فهو يبدو متملّكاً وغيوراً ومتلاعباً. تصل به الرغبة في السطوة إلى درجة سرقة محفظة غابي وبطاقة هويّتها، للحؤول دون خروجها للسهر مع صديقتها.

توثّق السلسلة لكل تلك التفاصيل من خلال الرسائل النصية التي جرى تبادلُها بين غابي وبراين من جهة، وصديقتها وأهلها من جهةٍ ثانية. كما يستعين العمل التلفزيوني بشهادات الأصدقاء وأفراد العائلة، ولاحقاً بمسؤولين أمنيين تابعوا القضية.

تعارف براين وغابي في المدرسة وبعد التخرّج ارتبطا بعلاقة عاطفية (نتفليكس)

بعد عامٍ على الخطوبة، تحديداً في 2 يوليو (تموز) 2021، ينطلق غابي وبراين في رحلتهما. داخلُ الشاحنة البيضاء الصغيرة مجهّزٌ للاستراحة والنوم، ومزدانٌ بأثاثٍ بسيط وألوانٍ زاهية. بين محطةٍ وأخرى، تنشر غابي صوراً على «إنستغرام» توحي بأنّ كل شيءٍ على ما يرام بينهما. لا تفارق البسمة وجهها ولا القبلاتُ صورَهما معاً، لكن بعيداً عن «إنستغرام» الوضعُ مختلف.

بعد 41 يوماً على انطلاق الرحلة، يَرِدُ اتصالٌ إلى مركز الشرطة في بلدة مواب (ولاية يوتاه)، يفيد بأنّ شاباً يقود شاحنة صغيرة بيضاء، شوهدَ وهو يضرب الشابة الجالسة بجواره.

غابي بيتيتو أمام الشاحنة الصغيرة التي ابتاعتها بهدف السفر عبر الولايات الأميركية (نتفليكس)

بالفيديو والتفاصيل التي وثّقتها كاميرات الشرطة، يعود الوثائقي إلى تلك الحادثة التي بدت فيها غابي على شفير الانهيار التام، ومعرّضة لكدمات في أنحاء عدة من جسدها. إلّا أنّ الشرطة ترتئي فَصلَ الاثنين لليلةٍ واحدة بهدف التهدئة، بدل أن تغوص في استجواب براين.

وهنا، يطرح العمل التلفزيوني علامة استفهامٍ كبيرة حول جدّيّة دور السلطات الرسمية الأميركية في إنقاذ ضحايا العنف الأسَري.

يتابع الثنائيّ المسير نحو مصيرٍ غير مطَمئن. لكن رغم الأسى والإحباط والقلق، تحاول غابي مواصلة تصوير ومونتاج الفيديو الذي يروي الجزء الأول من الرحلة. تفضح بعضُ اللقطات غير المخصصة للنشر مدى التوتّر بينهما واستخفاف براين بمشروع خطيبته، بينما تظهر هي خانعةً ومتسامحةً معه، محمّلةً نفسها ذنب غضبه.

يبلغ التوتر ذروته في المشاهد التي التقطتها كاميرات المراقبة في السوبرماركت، حيث شوهد غابي وبراين للمرة الأخيرة معاً. بعد ذلك، اختفت غابي. نشرت صورتها الأخيرة في 26 أغسطس (آب) 2021، ثم غابت عن السمع والبصر. ما عادت تجيب على اتصالات والدتها، وعندما عادت رسائلُها النصيّة تَرِدُ إلى هاتف الأخيرة، بدت كأنّها ليست من كتابتها.

قدّم الأهل بلاغ اختفاءٍ إلى الشرطة التي بدأت البحث، واكتشفت أنّ براين عاد إلى بيت والدَيه في 11 سبتمبر (أيلول) 2021، وركنَ «الفان» الأبيض أمام المنزل. رفض التحدّث مع الشرطة وبقي بعيداً عن الأنظار، بينما أصرّت عائلته على عدم التعاون مع السلطات.

الصورة الأخيرة التي نشرتها غابي بيتيتو في صيف 2021 (إنستغرام)

في الأثناء، كانت قد تحوّلت قصة اختفاء غابي إلى قضية رأي عام ضجّت بها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. صبّ المواطنون غضبَهم على عائلة لوندري فتحوّل محيط المنزل إلى ساحة مظاهراتٍ يومية.

هنا كذلك، يطرح الوثائقي علامة استفهامٍ إضافية حول أداء السلطات الرسمية التي لم تكن حاسمة مع عائلة براين، رغم تصرّفاتها الغريبة والمشبوهة. فلم نشهد استجواباً واحداً معهم، ولا حتى محاولة استقصاءٍ للحقيقة.

عمليات البحث عن غابي بيتيتو في ولاية وايومينغ (نتفليكس)

في 19 سبتمبر (أيلول) 2021، وبعد أبحاثٍ مضنية واكبتها عدسات الصحافة، عثرت الشرطة على جثة بيتيتو في إحدى غابات وايومينغ. كان قد انقضى أكثر من 3 أسابيع على وفاتها، واتّضح أن السبب هو الخنق وكدمات في الرأس والعنق. في الأثناء، كان لوندري قد اختفى من جديد، ليُعثر على بقاياه منتحراً في 20 أكتوبر (تشرين الأول)، ورسالة اعترف فيها بقتل غابي «للتخفيف من آلامٍ كانت قد أصابتها بسبب سقطة تعرّضت لها».

ضمن قائمة مسلسلات الجريمة الواقعية، يتربّع American Murder: Gabby Petito في الصدارة. هو مشغولٌ بحِرَفيّة، بعيداً عن الإثارة والاستثمار العاطفي. لا يحتاج في أي لحظة إلى إعادة تمثيل، بل يستند إلى الوقائع كما هي، متسلّحاً بفيديوهاتٍ وصور حقيقية مثلما وثّقتها غابي والشرطة وقنوات التلفزة الأميركية. إلّا أنّ تلك المعالجة الواقعية لا تُفقدُه شيئاً من إنسانيّته ولا من عنصر الغموض.

يوم نشرت غابي بيتيتو الفيديو الأول من رحلتها التي كان من المفترض أن تمتدّ 4 أشهر، جمع 500 مشاهَدة فقط. أما اليوم فقد شاهدَه أكثر من 10 ملايين شخص. ربما كان قدرُ غابي أن تتحوّل إلى قتيلة، كي تصير النجمة التي لطالما حلمت بأن تصيرها.