تراجع مسؤول مصري عن استقالته بشأن «هدم التراث» يُثير جدلاً

اتهم البعض بـ«استغلال بيانه للهجوم على جهود الحكومة»

مدفن غير مسجل في قائمة الآثار بجبانة الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)
مدفن غير مسجل في قائمة الآثار بجبانة الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)
TT

تراجع مسؤول مصري عن استقالته بشأن «هدم التراث» يُثير جدلاً

مدفن غير مسجل في قائمة الآثار بجبانة الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)
مدفن غير مسجل في قائمة الآثار بجبانة الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)

أثار تراجع مسؤول مصري عن استقالته من رئاسة اللجنة الدائمة لحصر المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز في المنطقة الشرقية بالقاهرة، جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما مع استمرار الانتقادات لعمليات هدم مقابر وصفت بأنها «تراثية» في منطقة الإمام الشافعي بالقاهرة.

مدفن في القاهرة (الشرق الأوسط)

الجدل بدأ بمنشور على «فيسبوك»، يوم الخميس الماضي، للدكتور أيمن ونس، أستاذ التصميم العمراني والبيئي، أعلن فيه استقالته من رئاسة اللجنة، احتجاجاً على استمرار أعمال هدم وإزالة مقابر الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، متضمناً صورة من نص الاستقالة بخط اليد جاء فيها أنه «تقدم باستقالته بسبب عدم جدوى عمل اللجنة في تسجيل المباني ذات القيمة التراثية بغرض الحفاظ عليها نظراً لقيمتها المنصوص عليها في القانون رقم 144 لسنة 2006، في ظل ما يحدث الآن من أعمال هدم وإزالة للمقابر التراثية ذات القيمة المعمارية والعمرانية والتاريخية بالقاهرة».

رئيس الوزراء المصري أمام قبر أحمد عرابي في جولة سابقة (رئاسة مجلس الوزراء)

لكن سرعان ما حذف الدكتور ونس الاستقالة، ونشر في ساعة متأخرة من مساء الجمعة منشوراً آخر حمل عنوان «إيضاح»، قال فيه إن «ما نشره سابقاً أسيئ استخدامه للهجوم على جهود الدولة الدؤوبة والمستمرة في التطوير وتحسين البيئة العمرانية وحياة المواطنين»، مشيراً إلى أنه «لم يكن يعني أو يستهدف ذلك إطلاقاً»، ومؤكداً «تثمينه جهود الدولة التي يعلم قيمتها جيداً من خلال عمله رئيساً لإحدى اللجان الدائمة لحصر المباني التراثية ذات القيمة لسنوات طويلة».

وأوضح أنه كان «يستهدف تحسين أداء أعمال التطوير بما لا يؤثر على المخزون التراثي الثمين الذي تمتلكه مصر»، وأضاف «أنه تأكد من أنه سوف تتم محاسبة المتجاوز وتصحيح مسار أعمال التطوير».

وأثار المنشور الأخير سيلاً من التعليقات، حيث فسره البعض بأنه تراجع عن الاستقالة تحت الضغط، فيما رأى آخرون أنه توضيح للموقف، ليس أكثر.

وقال الدكتور مختار الكسباني، أستاذ الآثار الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «استقالة ونس كانت لأسباب إدارية بحتة، متعلقة بمن المسؤول عن تحديد المبنى التراثي، والمبنى الذي يعد تقليداً للتراث»، مشيراً إلى أن «هذا ما قصده الدكتور ونس في التوضيح الذي نشره بشأن الاستقالة».

بدوره، قال الدكتور مصطفى الصادق، الباحث المتهم بشؤون التراث المصري، لـ«الشرق الأوسط»، إن «البعض أساء استغلال استقالة ونس، ومن هنا جاء التوضيح، ليؤكد من خلاله أنه، مثل جميع المهتمين بالتراث، ليس ضد مشروعات التطوير، لكن هذا لا يعني المساس بالتراث».

مدفن آل علوي في قرافة الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)

وخلال الشهور الأخيرة أثير جدل بشأن هدم مقابر ومبان قديمة بمنطقة الإمام الشافعي، والسيدة نفيسة بوسط القاهرة، وصفها البعض بأنها «أثرية»، فيما قال آخرون إنها «تراثية»، لا سيما أن عدداً منها يخص شخصيات ورموزاً مصرية أدبية، وسياسية، وسط حالة من الحزن بين عدد من الآثاريين والمهتمين بالتراث على ضياع جزء من تاريخ مصر، ومخاوفهم من أن يطال معول الهدم مقابر مسجلة بقائمة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، من بينها مقبرة علي باشا فهمي، ومقابر عائلة الدرمللي، وذلك بعد هدم مدفن عتقاء البرنس إبراهيم حلمي ابن الخديو إسماعيل، التي مرّ على إنشائها أكثر من قرن.

ويؤكد الكسباني أنه «لا مساس بالمقابر والمباني الأثرية بالمنطقة»، مشيراً إلى أن «هناك جدلاً بشأن المباني التراثية، وهي في الحقيقة ليست كذلك». وأوضح أن «معظم المقابر في المنطقة هي تقليد للتراث، فيما يعرف باسم (النيو مملوكي)، الذي يتضمن إعادة تقليد الطراز المملوكي في عصور لاحقة».

وأضاف الكسباني أن «كثيراً من المقابر التي أُزيلت كانت تعاني من مشكلات المياه الجوفية، حتى أنها لم تعد صالحة للدفن، لذلك كان لا بد من إزالتها في إطار عمليات التطوير». لكنه أشار في الوقت نفسه إلى «وجود مقابر وواجهات مقابر في منتهى الجمال، لكنها غير مسجلة في عداد الآثار لأن التسجيل له إجراءات كثيرة».

بدوره، أكد الصادق أن «بعض المباني بالفعل من الطراز (النيو مملوكي)، لكن هذا لا يقلل من قيمتها التراثية، ففي العصور اللاحقة تم إعادة تقليد طرز معمارية قديمة بينها الطراز الفرعوني نفسه»، مشيراً إلى أن «بعض المقابر مرّ على بنائها أكثر من مائة عام، وهو ما يتطلب حمايتها كجزء من تاريخ وتراث مصر».

وانتقد الصادق «استمرار الهدم وعدم الأخذ بمقترحات اللجنة التي شكلت بتوجيه رئاسي لهذا الغرض رغم أنها قدمت بدائل جيدة لعمليات التطوير». ولفت إلى أن «وجود المياه الجوفية لا يعني هدم المقابر، فهناك طرق لمعالجتها وترميمها كما يحدث مع آثار في مناطق مختلفة من البلاد».

أحد مساجد ومدافن شارع الإمام الشافعي (الشرق الأوسط)

وفي يونيو (حزيران) الماضي، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تضمّ جميع الجهات المعنية والأثريين المختصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، على أن تُعلن توصياتها للرأي العام بحلول الأول من يوليو (تموز) الماضي. وبالفعل اجتمعت اللجنة في يوليو الماضي مع رئيس الوزراء لعرض رؤيتها بشأن تطوير المنطقة.

ويحاول المهتمون بالتراث إنقاذ الشواهد واللوحات والنقوش والمقرنصات الفريدة، وتجميعها من بين أنقاض المقابر المهدمة، خوفاً عليها من السرقة.


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)
جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)
TT

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)
جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير (كانون الثاني) القادم، التحديات ضخمة أمام القائمين على البينالي خاصة بعد النجاح الساحق الذي حققته النسخة الأولى، ما الذي يتم إعداده للزائر؟ وما هي المعروضات التي ستبهر الزوار، وتداعب مخيلتهم وتفكيرهم؟ ما الذي أعده فريق إدارة البينالي للنسخة الثانية؟ «الشرق الأوسط» تحدثت مع الدكتور جوليان رابي، المدير السابق للمتحف الوطني للفن الآسيوي التابع لمؤسسة «سميثسونيان»، والمؤرخ والمؤلف الدكتور عبد الرحمن عزام، والفنان السعودي مهند شونو بصفته القيّم الفني على أعمال الفن المعاصر.

د.عبد الرحمن عزام وجماليات الأرقام

من النقاط المهمة التي يتحدث عنها الدكتور عبد الرحمن عزام هي المشاركات من الدول الإسلامية المختلفة، ومنها دول تحضر للمرة الأولى مثل إندونيسيا ومالي، ويقول: «نحن محظوظون بذلك. أردنا أن يحضروا ليرووا قصصهم، وأن نحترم تفسيراتهم وثقافتهم وتاريخهم». عن قسم «المدار» يقول إنه يعكس جلال الخالق وخلقه في إطار تفسير الآية الكريمة: «الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما»، ولكن التفسير هنا يتخذ مساراً مختلفاً، ويختار الأرقام وسيلة لذلك: «لنأخذ مفهوم الأرقام، لدينا كل هذه المؤسسات المشاركة من 21 بلداً والمتمثلة في 280 قطعة، خلال المحادثات قلنا لهم إن الطريقة التي يمكن أن تساعدنا في تفسير العنوان يجب أن تكون عبر فهم استخدام الأرقام في الحضارة الإسلامية، هي ما أطلق عليه اللغة غير المحكية، بها نوع من الغموض». الأساس في سردية العرض بالنسبة للدكتور عزام هو محاولة فهم النظام الإلهي عبر الأرقام واستخدامها لعرض الجمال الإلهي، فهناك تناغم وجمال يأتي من عمق الطبيعة، يتبدى في حركة الكواكب، وفي أوراق الزهرة... كل شيء مرتبط بنظام كوني متناغم.

سجادة أثرية من معروضات النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

«الأرقام هي البوابة لفهم العلوم والرياضيات، ونرى نماذج في هذا القسم لاكتشافات علماء المسلمين النابعة من الأرقام، هناك قسم آخر حول حركة العلوم وتبادلها عبر الدول. رحلة المعرفة من مكان لآخر تظهر جلياً حين التمعن في جوانب الحضارة الإسلامية. ننظر إلى ترجمة ما تركه علماء اليونان مثل بطليموس للعربية، ننظر هنا كيف استوعب علماء المسلمين حاجتهم إلى معرفة الاتجاهات لتحديد القِبلة، وهو ما يقودنا لرسم الخرائط، ونعرض منها نماذج مذهلة، منها خريطة بعرض ستة أمتار لنهر النيل، وهي من مقتنيات الفاتيكان، ولم تخرج منه من قبل».

يتحدث عن الأرقام بوصفها أساساً للجمال والتناغم، ضارباً المثل بالسجادة الجميلة وتنسيق الأشكال عليها: «عندما نتحدث عن الأرقام، أول ما ندركه هو أنها في حد ذاتها مجردة، وتكتسب معنى إذا أضفنا لها معرفات، أو أن تتخذ شكلاً معيناً كالدائرة والمربع تنتج منها قطعاً من الجمال الفائق. ما نؤكد عليه هنا هو أن الأرقام ليست فقط علمية، ولكنها أيضاً جميلة». ينتقل للحديث عن تأثير الفن الإسلامي في الفن المعاصر، وكيف استفاد الفنانون من ذلك في تبنيهم لأساليب الخط العربي والأشكال الهندسية: «الكثيرون من الفنانين المعاصرين عادوا للمنبع وللأساسيات، ولكنهم يستخدمونها بطرق مختلفة، مثل استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي». يختتم حديثه معي بالتأكيد على أهمية إقامة مثل هذا الحدث في جدة بوابة الحرمين حيث الزوار من المملكة وخارجها مثل المعتمرين الذين يتفاعلون مع القطع المعروضة بأسلوب مختلف عن شخص تتاح له الفرصة لرؤيتها في أحد المتاحف الغربية: «هناك عامل مهم، وهو أن زوار البينالي يفهمون اللغة العربية، وبالتالي تصبح رؤية مخطوطة أو نسخة من القرآن الكريم تجربة مختلفة. لاحظت أيضاً الإحساس بالفخر لدى الزوار، فهذه القطع ليست قطعاً تاريخية منفصلة عن ثقافتها، يرى الزوار هذه القطع كجزء من ثقافتهم بالكثير من الفخر».

جانب من عرض في النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

د.جوليان رابي: العرض ينظر إلى المقدس عبر القلب والعقل

للدكتور جوليان رابي رأي خاص حول الفرق بين عرض الفن الإسلامي في المتاحف وبين عرضه في «بينالي» مخصص له. يقول في حديث مع «الشرق الأوسط» إن «البينالي ليس عن الفن الإسلامي، بل هو عن فن أن تكون مسلماً». يعرج في حديثه لمفهوم الفن الإسلامي في الغرب، قائلاً: «من المؤسف أن الجمهور الغربي يرى الفن الإسلامي بمنظار أوروبي من القرن الـ19، وهو ما أطلق عليه (الفنون الإسلامية الفرعية)، وهي فنون جميلة، ولكن بالنسبة إليّ الإسلام جزء صغير في هذه الفنون».

شمعدان مملوكي عُرض في النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

الاهتمام الأوروبي بتلك الفنون يغفل جانباً مهماً، وهو الجزء الروحاني الذي لا يمكن رؤيته: «عندما نتحدث عن الصلاة يمكننا رؤية سجادة صلاة، ولكن هنا يصبح التعبير عن الإسلام مختزلاً في الجانب المادي». يعاكس قسم «البداية» الذي يشرف عليه رابي تلك النظرة الغربية، ويشير إلى الفرق «هنا في جدة بقربها من مكة والمدينة، لدينا فرصة للحديث عن موضوعين: الأول هو مركز الإسلام في مكة، والثاني عن التأثير حول العالم. لا يمكننا تحقيق ذلك بالتفصيل، وإلا تحول العرض إلى درس في التاريخ أو الجغرافيا، ولكن ما يهمنا هو إبراز المشاعر. جمال البينالي يأتي من التقابل بين التاريخي والمعاصر، وهو ما يمنحنا فرصة لتحقيق شيء لا يمكن لأي متحف تحقيقه؛ لأن الفن المعاصر يمكنه التعبير عن أشياء قد لا تتبدى في القطع التاريخية، ولهذا أعتقد أنها خلطة رائعة».

«بين الرجال» للفنان هارون جان - سالي من النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

الدورة القادمة من البينالي تتقدم خطوة عن الدورة السابقة في هذا المسعى: «العرض سيمثل رحلة عبر إحساسنا بخلق الله، وكيف صنع الإنسان الجمال تمجيداً للخالق. هي رحلة عبر أقسام مختلفة، حيث ننظر إلى المقدس عبر قلوبنا وعقولنا وأيدينا». يعد الزوار بالاستمتاع وبالتدبر: «سيكون هنا الكثير من المتعة والكثير من الروحانية، أرى أنه يحاول وضع الإسلام في الفن الإسلامي». يرى أن العرض المنقسم لثلاثة أجنحة أساسية يمكن رؤيته كـ«رحلة واحدة متصلة، أو يمكن رؤية كل منها على حدة». قسم «البداية» سيضم عدداً كبيراً من القطع «الفريدة» بحسب تعبير الخبير الذي يعد الجمهور بمفاجآت. وعبر مزج رائع بين التاريخي والمعاصر سيمر الزائر في القسم ما بين مفاهيم المقدس، ثم يصل إلى أعمال معاصرة تعبر عن «المقدس» بطريقتها. يتحدث عن تفسيره لعنوان البينالي: «وما بينهما لا يمكننا رؤية هذه العبارة وحدها، الآية تتحدث عن الخلق، بالتأكيد لن نعرض السموات، ولن نعرض الأرض، ولكن العنوان سيُفسر من قبل كل شخص بطريقة مختلفة، وسيستنبط كل منهم المعاني بحسب تفكيره الخاص. أحس أنه عنوان يثير الفضول، وأيضاً عنوان يطلب من الزائر أن يبحث بنفسه عن التفسير».

مهند شونو وأوركسترا الأفكار

الفنان مهند شونو يعود لبينالي الفنون الإسلامية هذه الدورة بوصفه قيّماً على قسم «الفن المعاصر» بعد أن شارك في الدورة الأولى بعمل فني ضخم. بطريقته الهادئة في الكلام يتحدث شونو عن دوره في تنسيق أعمال الفن المعاصر، وعن الموضوع العام للبينالي، وما يقدمه فنانون معاصرون في ضوء هذا العنوان. يصف شونو الجانب المعاصر في الدورة الثانية بأنه «أوركسترا أفكار»، ويتحدث عن التعاون المثمر مع مديري البينالي والمشرفين عليه. بالنسبة إلى شونو، فالنقطة الأساسية هي التكامل بين الجانب التاريخي والجانب المعاصر، يصفه بـ«الحوار بين القطع المعاصرة والتاريخ».

عمل فني عُرض في النسخة الأولى من بينالي الفنون الإسلامية في جدة (واس)

ننطلق من العنوان الذي أعلن عنه الأسبوع الماضي، وهو: «وما بينهما»، أسأله عن رؤيته للعنوان، وكيف يتجلى في أعمال الفن المعاصر المختارة: «عندما نفكر في العنوان يجب أن نتذكر السياق الذي وردت فيه العبارة في القرآن الكريم، فهي جزء من آية: (الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما)، هنا نتبين أن العنوان ليس منصبّاً على جزئية واحدة من اثنتين، بل أيضاً على المساحة الوسطى بين مساحتين، بين فكرتين. بشكل ما أرى أن ذلك المفهوم يختزل ثراء محتويات البينالي ما بين القطع التاريخية والتكليفات الفنية والمؤسسات المشاركة، ولكن من الناحية المعاصرة أرى أن العرض سيستكشف تلك المساحة الثرية ذات الطبقات المختلفة بين مساحتين». هل ترى أن العنوان يشير إلى الإنسان؟ يقول: «بالتأكيد، هناك الكثير من التفكير والبحث والاستكشاف لمفهوم أن تكون مسلماً، ما هي الحدود؟ وكيف نفسر تلك المساحة الوسطى؟ هنا يأتي العنوان: (وما بينهما) ليلقي الضوء الحاني على الإنسان، وما يمر به كشخص وكعنصر داخل مجتمع».

التكليفات الفنية في الدورة الماضية كانت ضخمة، مشحونة بالأفكار والمعاني التي توافقت مع عنوان الدورة الافتتاحية، وكان «أول بيت». ما الذي يميز التكليفات الفنية للدورة الثانية؟ يقول شونو إن التكليفات الجديدة ستثير لدى الزائر حس الاستكشاف، وهو ما يفسر استبعاد أعمال فنانين راحلين، والتركيز عوضاً عن ذلك على «اللحظة المعاصرة، وهي متغيرة ومليئة بالتحديات، وتحتاج لما يمكن وصفه بالتعليق الحي، هي أعمال متفردة ومرتبطة بالمكان الذي ستُعرض فيه، تبحر في الواقع وتحاول فهمه». وعن مشاركات الفنانين السعوديين يقول: «أعتقد أنها ستكون لحظة اكتشاف وتعرّف إلى أسماء غير معروفة، ستحمل تجربة ماذا يعني أن تكون مسلماً هنا في هذه البقعة من الأرض. يمكننا وصف المشاركات بأنها نقاشات عالمية، فعالمنا متصل والسعودية جزء منه».