«الملك همام»... رؤية مسرحية توقظ حرارة الانتماء إلى الأوطان

عرض غنائي مصري يخاطب العائلة في إطار مبهج

صراع على السلطة في شكل قصص حيوانات (مخرج العرض)
صراع على السلطة في شكل قصص حيوانات (مخرج العرض)
TT

«الملك همام»... رؤية مسرحية توقظ حرارة الانتماء إلى الأوطان

صراع على السلطة في شكل قصص حيوانات (مخرج العرض)
صراع على السلطة في شكل قصص حيوانات (مخرج العرض)

تطرح مسرحية «الملك همام وعصابة الضباع» التي تُعرض يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع على مسرح «ليسيه الحرية» التابع لوزارة الثقافة، في مدينة الإسكندرية، عدداً من التساؤلات التي تتعلق بجوهر الفن عموماً والمسرح خصوصاً، منها: أيهما أكثر فاعلية: الرسالة المباشرة التي تخاطب الجمهور من دون وسيط، أم تلك التي تستعين بالحكاية كقناع يختبئ وراءه المغزى؟ وهل لا تزال قصص الحيوانات قادرة على التأثير بقوة في الكبار كما تؤثر في الصغار؟ وإلى أي حد يمكن عمل توازن بين دراما الحدث من ناحية، وبين تدفق الموسيقى وتوالي الاستعراضات من ناحية أخرى، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر؟

قيم تربوية ومغزى سياسي (مخرج العرض)

«تحمل المسرحية رسالة قوية تتعلق بإعادة بناء الوعي، وتعميق القيم التربوية، وإيقاظ حرارة الانتماء إلى الوطن، واستعادة المفاهيم العربية الأصيلة النابعة من مجتمعاتنا، وليست تلك الدخيلة التي يروج لها البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي»

الفنان إيهاب مبروك

يقوم العرض المسرحي على حبكة بسيطة ومشوقة في آن واحد تتمثل في وجود عدد من الضباع تعيش في عزلة خارج حدود الغابة، جاءت عزلتهم نتيجة ما يتسمون به من حقد وطمع في ثروات الآخرين. ورغم نبذهم بعيداً، فإنهم لا يتعظون ويستمرون في نسج المؤامرات والمكائد التي تستهدف خيرات المجتمعات الآمنة المستقرة.

الفنان رضا إدريس وكوميديا تلقائية (مخرج العرض)

تفكر الضباع في حيلة أو ثغرة تنفذ من خلالها إلى الغابة الوادعة الهادئة، فلا تجد أفضل من صنع الوقيعة بين نجلي «الملك همام» الذي هو نفسه الأسد ملك الغابة. تستعين عصابة الضباع في سبيل تحقيق هدفها بالثعلب الذي يتسم بالمكر والدهاء. تنجح الخطة ويتقاتل الشقيقان، لكن «الملك همام» يعرف كيف يتدخل في الوقت المناسب وينقذ مملكته.

هنا يبدو المغزى السياسي واضحاً؛ إذ يكاد ينطبق على العديد من المجتمعات العربية، لكن الفنان إيهاب مبروك مؤلف العمل ومخرجه، يرفض «تحديد تفاصيل هذا المغزى والمقصود به بالتحديد»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنه «يستهدف الجمهور العائلي بما يتضمنه من صغار وكبار على حد سواء؛ إذ تحمل المسرحية رسالة قوية تتعلق بإعادة بناء الوعي، وتعميق القيم التربوية، وإيقاظ حرارة الانتماء إلى الوطن، واستعادة المفاهيم العربية الأصيلة النابعة من مجتمعاتنا، وليست تلك الدخيلة التي يروج لها البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي». ويضيف: «إن للمتلقي حرية تفسير العمل كما يريد وفهم رسالته كما يحب».

توظيف جيد للملابس والديكور (مخرج العرض)

صيغ الخط الدرامي القائم على تصاعد الأحداث في قالب من الاستعراضات الغنائية، التي شحنت أجواء المسرح بالبهجة وجعلت الجمهور في حالة تفاعل لافت مع القصة.

واستطاع ملحن العمل هشام زيتون التنويع في إيقاع الألحان عبر ما يقرب من 40 قطعة موسيقية تفاوتت ما بين الأغاني الحماسية والمواقف الحزينة والموسيقى التصويرية التي تتلون بتصاعد الأحداث.

وجاء تصميم الملابس والديكور لوليد السباعي ليُكسب العرض هويته المميزة من خلال أقنعة الحيوانات التي تغطي جزئياً رؤوس الفنانين، فضلاً عن الملابس التي بدت وكأنها جلود كائنات الغابة باختلاف أنواعها. أما الديكورات فقد منحت الفضاء المسرحي خصوصيته باعتباره خلفية لمعارك ومؤامرات.

حماس وتشويق في العرض الدرامي (مخرج العرض)

وتظل الكوميديا هي الخيط الرئيسي الجامع بين مختلف تفاصيل العمل، مستثمرة وجود الفنان الكوميدي رضا إدريس، الذي يجسد شخصية الثعلب «هجرس». واشتُهر إدريس كشخصية تبعث على الضحك رغم صغر مساحة الأدوار التي تُمنح له في السينما عبر أفلام مثل «مراتي وزوجتي»، و«أحمد نوتردام»، وكلاهما لرامز جلال، ومسلسلات مثل «فلانتينو» للزعيم عادل إمام، و«لمعي القط» لمحمد إمام، و«شقة فيصل» لكريم محمود عبد العزيز.

ويشير إيهاب مبروك الذي يجسد شخصية «الملك همام» إلى جانب قيامه بتأليف العمل وإخراجه، إلى أنه «منذ عام 2013 وهو يركز على أن يكون المسرح صاحب رسالة تجاه مجتمعه وأمته العربية في ظل التأثيرات والأفكار الغريبة الوافدة على ثقافتنا العربية».

الاستعراضات لعبت دوراً مهماً في العمل (مخرج العرض)

ويضيف مبروك: «كون العمل يتضمن رسالة أخلاقية ووطنية لا يتعارض مطلقاً مع استمتاع الجمهور وتفاعله؛ فقد كان الهاجس عندنا (صناع المسرحية) تقديم وجبة فنية مبهجة ترضي جميع أفراد الأسرة». ويتابع: «قصص الحيوانات وسيط رائع لطرح أفكار بشكل غير مباشر، وتلقى اهتماماً كبيراً من الجمهور بمختلف فئاته العمرية بشرط الإجادة وحسن توظيف الأدوات وعدم الاستسهال».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.