قال مارتن لوثر كينغ ذات مرة، محفزاً أتباعه على متابعة السير وعدم التوقف أبداً سعياً وراء تحقيق ما يصبون إليه: «إذا كنت لا تستطيع الطيران فاركض، وإذا كنت لا تستطيع الركض فامشِ. وإذا كنت لا تستطيع المشي فازحف. ولكن بكل الوسائل استمر في التحرك».
ربما لم يجد الدكتور أندرو أغباجي، من جامعة شرق فنلندا في كوبيو الفنلندية، والباحث الرئيسي لدراسة صدرت (الأربعاء)، أفضل من هذه النصيحة ليقدمها للأطفال والكبار بضرورة الحركة وتنشيط أجسامهم، حماية لقلوبهم من خطر التلف ومن الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
تلف القلب
وكشفت نتائج دراسة أغباجي وفريقه البحثي التي جرى تقديمها (الأربعاء) أمام مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض القلب (2023 ESC)، عن أن الخمول وتراكم الوقت من دون أي نشاط من مرحلة الطفولة إلى البلوغ يرتبط بتلف القلب، حتى لدى أولئك الذين يتمتعون بصحة جيدة، ووزن دم وضغط طبيعيين.
وأفادت النتائج بأن ساعات الخمول يمكن أن تمهد الطريق للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية في وقت لاحق من الحياة، مشدّدة على ضرورة تشجيع الآباء للأطفال والمراهقين على التحرك أكثر من خلال التَّنَزُّهُ، والحد من الوقت الذي يقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو.
زيادة كتلة القلب
قال أغباجي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «تظهر نتائجنا أن الخمول البدني كان مرتبطاً بزيادة كتلة القلب بنسبة 10 في المائة لدى المراهقين، والأهم من ذلك أننا لاحظنا أن وقت الخمول زاد من 6 ساعات يومياً في مرحلة الطفولة إلى نحو 9 ساعات يومياً في مرحلة البلوغ».
وأضاف: «لسوء الحظ، كان تراكم وقت الخمول مرتبطاً بقوة، بزيادة كتلة القلب أو ما يعرف علمياً بتضخم القلب، حتى بعد التحكم في العديد من عوامل الخطر الأخرى كالتاريخ العائلي لأمراض القلب».

وشدد أغباجي على أن «كل تلك الساعات التي يقضيها الشباب أمام الشاشات تؤدي لزيادة وزن القلب، مما يزيد من احتمال الإصابة بنوبة قلبية وسكتة دماغية»، مضيفاً أن «الأطفال والمراهقين يحتاجون إلى التحرك أكثر لحماية صحتهم على المدى الطويل».
ويقول الباحثون، إنها أول دراسة تبحث في التأثير التراكمي لوقت الخمول الذي تم تقييمه بواسطة الساعات الذكية التي تتابع النشاط لدى الشباب، ومدى تأثير ذلك على تلف القلب في وقت لاحق من الحياة. وتأتي الدراسة جزءاً من دراسة أكبر لأطفال التسعينات بدأت في عام 1990/1991 لقياس نمط الحياة منذ الولادة.
في عمر 11 عاماً، ارتدى الأطفال المشاركون بالدراسة ساعة ذكية مزودة بمتتبع النشاط لمدة سبعة أيام، وتكرر ذلك في عمر 15 عاماً، ومرة أخرى في عمر 24 عاماً.
قُيّم وزن البطين الأيسر للقلب عن طريق تخطيط صدى القلب - نوع من الفحص بالموجات فوق الصوتية - عند عمر 17 و24 عاماً. كما حلّل الباحثون العلاقة بين وقت الخمول بين 11 و24 عاماً وقياسات القلب بين 17 و24 عاماً بعد ضبط العوامل، التي يمكن أن تؤثر على هذه العلاقة، بما في ذلك العمر والجنس وضغط الدم ودهون الجسم والتدخين والنشاط البدني والوضعين الاجتماعي والاقتصادي.
شملت الدراسة 766 طفلاً، ووجدت أنه في عمر 11 عاماً، كان الأطفال المشاركون في الدراسة خاملين لمدة متوسطها 362 دقيقة يومياً، أي ما يزيد على 6 ساعات كاملة، وهو ما ارتفع إلى 474 دقيقة يومياً في مرحلة المراهقة (15 عاماً)، و531 دقيقة يومياً في مرحلة الشباب (24 عاماً).
وهذا يعني أن وقت الخمول زاد بمعدل 169 دقيقة يومياً بين مرحلتي الطفولة والبلوغ.
يقول أغباجي: «لاحظنا أن الانخراط في نشاط بدني خفيف الشدة قد يعكس التأثير السلبي المتفاقم لوقت الخمول على صحة القلب، موصياً المراهقين والشباب بممارسة نشاط خفيف الشدة لمدة 3 ساعات على الأقل يومياً».
وفيما يتعلق بخطواتهم البحثية المقبلة، قال: «نعمل على مشاريع عدّة لدراسة تأثير وقت الخمول المتراكم والنشاط البدني على العديد من العوامل الصحية لدى الشباب».
نصائح عاجلة
وأضاف أغباجي: «نشرنا مؤخراً دراسة بحثية تفيد بأن وقت الخمول كان مرتبطاً بقوة بزيادة الالتهاب الذي يعد أحد مسارات تطور العديد من الأمراض. كما لاحظنا أنّ النشاط البدني الخفيف قد يقلّل أيضاً من تفاقم الالتهابات وربما يعكسها، وبالتالي الوقاية من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض».
وطالب الآباء بضرورة تقديم هذا الدليل الجديد لأطفالهم على أن وقت الخمول يرتبط بقوة بتضخم القلب، ما يتسبّب في زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب في وقت لاحق من الحياة.
وشدّد على أنه يجب على الآباء أنفسهم محاولة تثبيط الوقت الزائد الذي يقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو، وأن يكونوا نماذج يحتذى بها من خلال اصطحاب الأطفال في نزهات طويلة خارج البيت.