مسرحيتا «عطر العمر» و«بحلم أحلم» لتمكين المرأة

في تعاون بين «سيناريو» و«هيئة الأمم المتحدة للمرأة»

نساء من مجتمعات مهمشة تشاركن في مسرحيتين (جمعية سيناريو)
نساء من مجتمعات مهمشة تشاركن في مسرحيتين (جمعية سيناريو)
TT

مسرحيتا «عطر العمر» و«بحلم أحلم» لتمكين المرأة

نساء من مجتمعات مهمشة تشاركن في مسرحيتين (جمعية سيناريو)
نساء من مجتمعات مهمشة تشاركن في مسرحيتين (جمعية سيناريو)

تدأب مؤسسة سيناريو المتخصصة في مجال التعليم التشاركي وفنون الأداء على دعم المرأة في المجتمعات المهمشة. وبين الأردن ولبنان تختار النساء من المجتمعات الهشة لتقديم عروض مسرحية. فمن خلالها تنمي عند تلك النسوة مهارات مختلفة تسهم في قيادتهن لمشاريعهن وتطويرها.

وكانت «سيناريو» قد حصدت أخيراً الجائزة الأولى عن فئة الفنون والثقافة والتراث من جوائز الأعمال الخيرية للعام الحالي في لندن. وهو البرنامج الأطول زمناً في تقديم الجوائز والأكثر شهرة في قطاع الأعمال الخيرية.

ومجدداً تطل «سيناريو» على الساحة ضمن مشروع فني يهدف من خلال المسرح إلى تمكين 80 امرأة في منطقة البقاع اللبنانية، فتسهّل لهن السلام والاندماج في مجتمعاتهن. فيتلقين تدريبات على القيادة المدنية إلى جانب الإنتاج المسرحي، ويتناولن خلالها موضوعات اجتماعية مثل، المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة.

«بائعة العطور، تحيي عند النساء ذكريات عن الاعتقال. فربطنا ما بين العطر والأرقام التي تحملها النساء في تلك السجون، وعندما تتسلل الرائحة إليهن تنقلهن بصورة غير مباشرة إلى الماضي، حين كانت أسماؤهن عبارة عن أرقام ينادونهن بها في المعتقلات السورية».

مخرجة العمل زينة إبراهيم

وفي هذا الإطار تنظم «سيناريو» عرضين مسرحيين هما: «عطر العمر» و«بحلم أحلم». فتعرضهما على مسرح مدرسة الشرقيّة في زحلة في 28 أغسطس (آب) الحالي.

والعرضان من تأليف وكتابة المشاركات ويبلغ عددهن نحو 35 امرأة، يقفن على خشبة المسرح ممثلات غير محترفات، وينقلن أفكارهن بإشراف مخرجتي العمل زينة إبراهيم ونانسي صوايا.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا النشاط يقام بالتعاون بين «سيناريو» وجمعية «النساء الآن» و«هيئة الأمم المتحدة للمرأة». وبتمويل من صندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني.

 

«عطر العمر»: بين الوقت والانتظار والحب

تحكي المسرحية عن ذكريات نساء عالقات في مراحل عمر يتمنين العودة إليها، وبواسطة عطر يرش عليهن في حفل عيد ميلاد إحداهن، لتبدأن البوح بحنينهن واشتياقهن لمحطات من حياتهن.

وتقول مخرجة العمل زينة إبراهيم في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك شخصيات في المسرحية ترمز إلى وقفات بحياة تلك النسوة». وتوضح: «بائعة العطور رمروم، تحيي عند النساء ذكريات عن الاعتقال. فربطنا ما بين العطر والأرقام التي تحملها النساء في تلك السجون، وعندما تتسلل الرائحة إليهن تنقلهن بصورة غير مباشرة إلى الماضي، حين كانت أسماؤهن عبارة عن أرقام ينادونهن بها في المعتقلات السورية».

قد يبدو موضوع المسرحية صعب الاستيعاب للبعض ولكن المخرجة تستدرك: «سيستوعب المشاهد الموضوع مباشرة عند عرضه، ولكننا أبقينا على جزء منه غامضاً، كي نتيح للحضور تشغيل خيالهم فيتفاعلون مع العمل كلٌ على طريقته».

نحو 19 امرأة تشارك في هذه المسرحية، تتراوح أعمارهن بين 17 و50 عاماً، يروين قصصهن المستوحاة من حياتهن اليومية. «بعضهنّ لبنانيات والغالبية لاجئات سوريات يعشن في مخيمات بمنطقة شتورا البقاعية». توضح زينة إبراهيم التي تخبرنا بأن المسرحية استغرقت تمريناتها المكثفة 13 جلسة: «سيتابع الحضور أداء لممثلات غير محترفات استعن بلغة جسدهن للتعبير عن مشاعرهن. فلقد رسمن معاً لوحات جامدة بأجسادهن وترجمتها مشاهد مليئة بالحركة المسرحية على الخشبة».

طبيعة التمرينات للمسرحية اتخذت أشكالاً متعددة، استخدمت فيها المخرجة ألعاباً اجتماعية مرات وأغنيات ورقصات، مرات أخرى، «النساء هنّ من ألّفنّ الأغنية وأطلقن عليها اسم (تك تك)».

 

وعن الصعوبات التي واجهتها في هذه التجربة تقول زينة إبراهيم: «خفت ألا تتمكن النسوة من لعب أدوارهن على المستوى المطلوب. كان لديهن صعوبة في حفظ الحوارات المكتوبة بأقلامهن. فلجأت إلى تخفيفها والاستعانة بحركات ديناميكية من غناء ورقص. فهن لا يتسمّرن على المسرح، بل يخرجن منه مرات ويعدن إليه بأغنية أو بأي فن آخر تعبيري. واكتفيت بأن يكون لكل عبارة أخرى تمثل الجواب على سؤال أو معلومة. فغابت الحوارات الطويلة عن العمل بشكل عام».

ومن الموضوعات التي تتناولها المسرحية الوقت والانتظار والحب والشيخوخة والطفولة. وعن التغييرات التي لاحظتها عندهن إثر وقوفهن على المسرح تختم: «صرن صاحبات ثقة أكبر بأنفسهن يدركن كيف يسيّرن حياتهن بلا خوف. الذكورية تحضر بقوة في مجتمعاتهن، وعرفن كيف ينبغي التعامل معها».

حقائق

15 فتاة وامرأة

يجسدن شخصيات نساء مقموعات. ومنهن نستخلص أهمية تنمية المجتمعات المهمشة ووضعها على خريطة المجتمعات العادية.

«بحلم أحلم» تذوق الحرية وإرادة المواجهة

في المسرحية الثانية التي ستُعرض أيضا في 28 أغسطس على مسرح مدرسة الشرقيّة في زحلة، يختلف الموضوع، فيها تبحث النسوة عن مذاق الحرية فيتّحدن ويواجهن الصعوبات والدولة للوصول إلى أهدافهن.

15 امرأة وفتاة تشاركن في هذه المسرحية بإدارة المخرجة نانسي صوايا، التي تخبرنا أنّ لبّ القصة يدور في قرية ممنوع على نسائها أن يحلمن، حيث تلقي الدولة القبض عليهن وتضعهن في السجن.

 

تتابع صوايا: «معي نحو 15 فتاة وامرأة يجسدن شخصيات نساء مقموعات. ومنهن نستخلص أهمية تنمية المجتمعات المهمشة ووضعها على خريطة المجتمعات العادية».

تمارين مكثفة خضعت لها نحو 35 ممثلة غير محترفة (جمعية سيناريو)

بعضهن يعبرن عن مشاعرهن بلغة أجسادهن وأخريات يركن إلى الموسيقى وحركات فنية. تتراوح أعمار المشاركات في «بحلم أحلم» ما بين 19 و45 عاماً؛ «لقد استطعن إخراج كل ما في دواخلهن من أحاسيس يكبتنها بخوف. وأنا فخورة لأنني استطعت إدخال الأمل والفرح إلى قلوبهن. لقد كنا متفاجئات من إنجازهن المهمة بنجاح، وتحولن من ضعيفات إلى فخورات بأنفسهن».

«أنا قادرة»، هو العنوان العريض الذي عملت نانسي إبراهيم على بثّه في شخصيات المشاركات بالمسرحية. «لاحظت منذ الجلسة الأولى معهن تفاعلهن مع المسرح. عشن تفاصيل من حياتهن، وكنّ يرتعبن من ذكرها أو حتى التفكير بها. لقد استمتعت بهذه التجربة وأتمنى أن يكون الأمر مماثلاً عند المتفرجين، الذين سيحضرونها مباشرة بعد عرض المسرحية الأولى (عطر العمر)».


مقالات ذات صلة

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

يوميات الشرق مسرح هبة نجم تذوّقي يُشغِل الحواس بالتقاط رائحة الطعام المنبعثة من «المطبخ» (الشرق الأوسط)

«فريكة» هبة نجم... طَعْمٌ آخر للمسرح اللبناني

علاقة الأنثى بالعمّة شائكة بحجم عمقها إنْ حكمها ودٌّ خاص. في المسرحية تغدو مفتاحاً إلى الآخر، مما يُجرّدها من الشخصانية نحو احتمال إسقاطها على علاقات عاطفية.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

في ذكرى رحيل منصور الرحباني يتحدّث غسان صليبا ورفيق علي أحمد وهبة طوجي عن ذكرياتهم مع أحد عباقرة لبنان والشرق وما تعلّموا من العمل على مسرحه

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق أبطال «البقاء للأصيع» يبحثون عن كوكب آخر (فيسبوك)

زخم مسرحي مصري واسع بموسم الرياض خلال يناير

حققت العروض المسرحية المصرية زخماً كبيراً في موسم الرياض خلال شهر يناير الحالي الذي شهد 3 عروض حتى الآن، استهلتها الفنانة دنيا سمير غانم.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «الأشباح» تجربة برختية تعكس الواقع النفسي والاجتماعي (الشرق الأوسط)

«الأشباح»... رحلة مبتعثين بين الطموح والوهم

تُسلِّط المسرحية الضوء بأسلوب درامي على التحديات التي تواجه الإنسان في حياته اليومية، وتطرح تساؤلات حول الصراع بين الطموح والقيود النفسية التي قد تُعيقه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً، ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن.

فيفيان حداد (بيروت)

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
TT

السنة الأمازيغية 2975... احتفاء بالجذور وحفاظ على التقاليد

نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)
نساء أمازيغيات يرتدين ملابس تقليدية يشاركن في احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يحتفل الأمازيغ حول العالم وخاصة في المغرب العربي بعيد رأس السنة الأمازيغية في 12 أو 13 من يناير (كانون الثاني)، التي توافق عام 2975 بالتقويم الأمازيغي. ويطلق على العيد اسم «يناير»، وتحمل الاحتفالات به معاني متوارثة للتأكيد على التمسك بالأرض والاعتزاز بخيراتها.

وتتميز الاحتفالات بطقوس وتقاليد متنوعة توارثها شعب الأمازيغ لأجيال عديدة، في أجواء عائلية ومليئة بالفعاليات الثقافية والفنية.

وينتشر الاحتفال ﺑ«يناير» بشكل خاص في دول المغرب والجزائر وتونس وليبيا والنيجر ومالي وسيوة بمصر.

أمازيغ يحتفلون بالعام الجديد من التقويم الأمازيغي في الرباط بالمغرب 13 يناير 2023 (رويترز)

جذور الاحتفال

يعود تاريخ الاحتفال برأس السنة الأمازيغية إلى العصور القديمة، وهو متجذر في الحكايات الشعبية والأساطير في شمال أفريقيا، ويمثل الرابطة بين الأمازيغ والأرض التي يعيشون عليها، فضلاً عن ثروة الأرض وكرمها. ومن ثمّ فإن يناير هو احتفال بالطبيعة والحياة الزراعية والبعث والوفرة.

ويرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة بأصل تقويمي نشأ قبل التاريخ، يعكس تنظيم الحياة وفق دورات الفصول.

وفي الآونة الأخيرة، اكتسب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية أهمية إضافية كوسيلة للحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية حية.

ومصطلح «يناير» هو أيضاً الاسم الذي يُطلق على الشهر الأول من التقويم الأمازيغي.

خلال احتفال لأمازيغ جزائريين برأس السنة الأمازيغية الجديدة «يناير» في ولاية تيزي وزو شرق العاصمة الجزائر (رويترز)

متى رأس السنة الأمازيغية؟

إن المساء الذي يسبق يناير (رأس السنة الأمازيغية) هو مناسبة تعرف باسم «باب السَنَة» عند القبائل في الجزائر أو «عيد سوغاس» عند الجماعات الأمازيغية في المغرب. ويصادف هذا الحدث يوم 12 يناير ويمثل بداية الاحتفالات في الجزائر، كما تبدأ جماعات أمازيغية في المغرب وأماكن أخرى احتفالاتها في 13 يناير.

يبدأ التقويم الزراعي للأمازيغ في 13 يناير وهو مستوحى من التقويم اليولياني الذي كان مهيمناً في شمال أفريقيا خلال أيام الحكم الروماني.

يمثل يناير أيضاً بداية فترة مدتها 20 يوماً تُعرف باسم «الليالي السود»، التي تمثل واحدة من أبرد أوقات السنة.

أمازيغ جزائريون يحتفلون بعيد رأس السنة الأمازيغية 2975 في قرية الساحل جنوب تيزي وزو شرقي العاصمة الجزائر 12 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ما التقويم الأمازيغي؟

بدأ التقويم الأمازيغي في اتخاذ شكل رسمي في الستينات عندما قررت الأكاديمية البربرية، وهي جمعية ثقافية أمازيغية مقرها باريس، البدء في حساب السنوات الأمازيغية من عام 950 قبل الميلاد. تم اختيار التاريخ ليتوافق مع صعود الفرعون شيشنق الأول إلى عرش مصر.

وشيشنق كان أمازيغياً، وهو أحد أبرز الشخصيات الأمازيغية في تاريخ شمال أفريقيا القديم. بالنسبة للأمازيغ، يرمز هذا التاريخ إلى القوة والسلطة.

رجال أمازيغ يرتدون ملابس تقليدية يقدمون الطعام خلال احتفال بمناسبة الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975 في الرباط 14 يناير 2025 (إ.ب.أ)

كيف تستعد لرأس السنة الأمازيغية؟

تتركز احتفالات يناير على التجمعات العائلية والاستمتاع بالموسيقى المبهجة. تستعد معظم العائلات لهذا اليوم من خلال إعداد وليمة من الأطعمة التقليدية مع قيام الأمهات بتحضير الترتيبات الخاصة بالوجبة.

كما أصبح من المعتاد ارتداء الملابس التقليدية الأمازيغية والمجوهرات خصيصاً لهذه المناسبة.

وتماشياً مع معاني العيد المرتبطة بالتجديد والثروة والحياة، أصبح يناير مناسبة لأحداث مهمة لدى السكان مثل حفلات الزفاف والختان وقص شعر الطفل لأول مرة.

يحتفل الأمازيغ في جميع أنحاء منطقة المغرب العربي وكذلك أجزاء من مصر بعيد «يناير» أو رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

ما الذي ترمز إليه الاحتفالات؟

يتعلق الاحتفال بيوم يناير بالعيش في وئام مع الطبيعة على الرغم من قدرتها على خلق ظروف تهدد الحياة، مثل الأمطار الغزيرة والبرد والتهديد الدائم بالمجاعة. وفي مواجهة هذه المصاعب، كان الأمازيغ القدماء يقدسون الطبيعة.

تغيرت المعتقدات الدينية مع وصول اليهودية والمسيحية والإسلام لاحقاً إلى شمال أفريقيا، لكن الاحتفال ظل قائماً.

تقول الأسطورة إن من يحتفل بيوم يناير سيقضي بقية العام دون أن يقلق بشأن المجاعة أو الفقر.

نساء يحضّرن طعاماً تقليدياً لعيد رأس السنة الأمازيغية (أ.ف.ب)

يتم التعبير عن وفرة الثروة من خلال طهي الكسكس مع سبعة خضراوات وسبعة توابل مختلفة.

في الماضي، كان على كل فرد من أفراد الأسرة أن يأكل دجاجة بمفرده للتأكد من شبعه في يوم يناير. وترمز البطن الممتلئة في يناير إلى الامتلاء والرخاء لمدة عام كامل.

ومن التقاليد أيضاً أن تأخذ النساء بعض الفتات وتتركه بالخارج للحشرات والطيور، وهي لفتة رمزية للتأكد من عدم جوع أي كائن حي في العيد.