تتلاشى ذاكرة زمن الغوص والبحث عن اللؤلؤ في الخليج تدريجياً بمرور الوقت، لتأفل حقبة حملت الكثير من المشهديات الاجتماعية والاقتصادية والفنية، حيث انتشر آنذاك فن «النهمة»، وهو غناء واكب سير العمل في السفينة، بكونه فناً يقتصر على البحر والبحارة في سواحل الخليج، ويكاد يكون الشاهد على مرحلة ما قبل الطفرة النفطية في دوله.
هذا الفن بمواويله البحرية وأهازيج «اليامال» التراثية، بات مهدداً بالاندثار، وهو ما تخشاه «هيئة المسرح والفنون الأدائية في السعودية»، فتعتزم لمَّ شمل نهامين من الخليج العربي، ضمن «مهرجان النهام» الأول من نوعه، وفق قول الرئيس التنفيذي لـ«هيئة المسرح والفنون الأدائية» سلطان البازعي، في لقاء تعريفي نظّمته الهيئة بمدينة الخبر أمس (الخميس).
فن «النهمة» يسرد مشقة الأجداد
يؤكد البازعي: «ستشارك في المهرجان جميع دول مجلس التعاون الخليجي»، مشيراً إلى إقامته في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، في الواجهة البحرية بمدينة الدمام، على أن يصبح حدثاً سنوياً. يتابع: «وهو يمنح الأجيال الجديدة فرصة التعرّف إلى هذا الإرث الثقافي الفريد من نوعه في العالم، الذي تتميز به دول مجلس التعاون الخليجي جميعاً».
وتناول فن «النهمة»، بقوله: «كان يعبّر عن حجم المعاناة والتعب الذي يكابده الأجداد (البحّارة) في المنطقة لتحصيل الرزق، لكن رحلات الغوص والصيد توقفت مع الرخاء وتوفر سبل العيش بطرق أقل شقاء، ومن واجبنا المحافظة على الإرث. هذا ينسجم مع أحد أهداف وزارة الثقافة من خلال استراتيجية الثقافة الوطنية».
وسيُقام «مهرجان النهام» لأسبوع، ابتداءً من 27 أكتوبر؛ تتخلّله مسابقة «نهام الخليج» بمسارَيْها، إلى مجموعة أنشطة ضمن الفعاليات الثقافية؛ منها منطقة لعرض كتب متخصصة، ومنطقة متحفية خاصة بفن «النهمة»، وتجارب تفاعلية، إلى متاجر بيع ألبسة البحر المتخصّصة.
حاضنة الفرق الشعبية... مرحلة جديدة
بسؤال البازعي عن دور الهيئة إزاء التحدّيات التي تواجه الفرق الشعبية لجعلها قادرة على الصمود، يوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنّ رعاية الفرق الشعبية تنضوي ضمن مسؤوليتها، مؤكداً أنها «تحتاج إلى الكثير من التنظيم والحوكمة لمساعدتها على أداء أعمالها بشكل أفضل، وذلك ضمن مسارين: الأول حصر الفرق الشعبية من خلال جولات لفرق من الهيئة على جميع مناطق المملكة لوضع قاعدة بيانات للفرق والفنون التي تؤدّيها».
وعن المسار الثاني، يفيد بأنه يتضمّن حضّ الفرق الشعبية على تطوير أوضاعها التنظيمية، مضيفاً: «نطلق هذا العام أول حاضنة أعمال للفرق الشعبية، بعدما بدأنا في العام الماضي بحاضنة أعمال الفرق المسرحية، من شأنها تحسين أوضاعها. نعلم أنّ المؤدّين يعانون كثيراً خلال عملهم، خصوصاً من ناحية التعاقدات، مما يهدر الكثير من حقوقهم».
حفظ الموروث في «طروق السعودية»
وعن الدور التوثيقي، يشير البازعي إلى أنّ «هيئة المسرح والفنون الأدائية» تجتمع، بالتعاون مع «هيئة الموسيقى» و«هيئة التراث»، ضمن برنامج وطني ضخم جداً يهدف إلى توثيق الفنون الأدائية والغنائية في المملكة؛ هو برنامج «طروق السعودية»؛ وذلك لصون الموروث الموسيقي الأدائي المحلي. يتابع: «انطلق البرنامج خلال العام الماضي في منطقتَي عسير والباحة، فاكتمل العمل هناك بتوثيق جميع الفنون الأدائية والغنائية والألحان عن طريق كتابتها موسيقياً وتدوينها وتصويرها بالصوت والصورة، لتكون جزءاً من الأرشيف الوطني الثقافي؛ على أن يمتد ليشمل جميع مناطق المملكة، بهدف إيجاد أرشيف متاح للباحثين والمبدعين ليستلهموا منه أعمالهم الإبداعية الجديدة».