كيف يرسم علماء الفلك خرائط للكون دون ضوء؟

صورة متخيلة لمجرة درب التبانة (ليلي لي وشوان جونسون)
صورة متخيلة لمجرة درب التبانة (ليلي لي وشوان جونسون)
TT

كيف يرسم علماء الفلك خرائط للكون دون ضوء؟

صورة متخيلة لمجرة درب التبانة (ليلي لي وشوان جونسون)
صورة متخيلة لمجرة درب التبانة (ليلي لي وشوان جونسون)

تمكن علماء الفلك، لأول مرة، من رسم خريطة لمجرتنا باستخدام شيء آخر غير أشعة الضوء، وهو الاكتشاف الذي يشير إلى ظهور طريقة جديدة لدراسة ما يجري داخل مركز مجرة درب التبانة المزدحم.

ووفق مقال علمي جديد نشرته دورية «نيتشر» الخميس الماضي، فإن هذه البيانات جاءت من مرصد «آيس كيوب» الموجود تحت سطح القطب الجنوبي، الذي يكتشف النيوترينوات الأخف وزناً والأكثر انتشاراً بين الجسيمات الأولية في الكون.

ويتمثل هذا المرصد في مجموعة واسعة من أجهزة الاستشعار التي يبلغ عددها 5160، والتي جرى دفنها في عُمق يبلغ طوله أكثر من 1.5 كيلومتر تحت سطح الغطاء الجليدي.

وعلى مدى عشر سنوات، استطاع المرصد اكتشاف النيوترينوات الواحدة تلو الأخرى، وقام بقياس الاتجاهات التي أتت منها، ما سمح للباحثين برسم خريطة تشير إلى أن أصلها يعود إلى مركز مجرة درب التبانة.

ويقول الباحثون إن رسم أول خريطة نيوترينو لمجرتنا هي علامة فارقة في مجال علم فلك النيوترينو الناشئ (فرع من فروع علم الفلك الذي يدرس الأجرام الفلكية بواسطة أجهزة الكشف عن النيوترينو في المراصد الخاصة)، مشيرين إلى أن هذه الخريطة هي مجرد البداية، حيث يجري بناء العديد من مراصد الكشف عن النيوترينو الأخرى في مواقع من البحر الأبيض المتوسط إلى سيبيريا.

ومن المعروف أن النيوترينوات تنشأ من خلال عدد لا يحصى من عمليات الجسيمات دون الذرية، من الاندماج النووي في قلب الشمس والنشاط الإشعاعي في صخور الأرض إلى الاصطدامات عالية الطاقة للجسيمات الموجودة بين النجوم مع الغلاف الجوي.

وفي العقد الماضي، بحث مرصد «آيس كيوب» بشكل أعمق في الفضاء، وكشف عن نيوترينوات ذات طاقات عالية، وحدد أن أصولها تعود إلى مصادر كونية بعيدة.

ويقول المتحدث باسم المرصد فرنسيس هالزن، وهو فيزيائي في جامعة ويسكونسن ماديسون: «لدينا الآن معلومات عن المصادر الموجودة خارج المجرة أكثر من تلك الموجودة في المجرة نفسها، وهو أمر مذهل».

ويعمل «آيس كيوب» والمراصد الأخرى على تحويل النيوترينوات إلى أداة للتحديق في الأماكن التي يصعب الوصول إليها، مثل الدوامات الكثيفة للمادة التي تدور حول الثقوب السوداء الهائلة في مراكز المجرات، والتي يمكن أن تكشف الطاقات الشديدة الناتجة عنها عن ظواهر فيزيائية جديدة، وقد يساعد هذا النهج في الكشف عن مصدر الأشعة الكونية المتمثل في البروتونات أو النوى الذرية الأثقل التي تتحرك بسرعة الضوء تقريباً.

وقد جرى الانتهاء من بناء «آيس كيوب» في عام 2010 والذي كان يهدف إلى دراسة مجموعة واسعة من الظواهر الكونية التي قد تنتج نيوترينوات ذات طاقات عالية أكثر طاقة بآلاف المرات من تلك التي تتشكل أثناء الاندماج النووي في النجوم أو نتيجة للنشاط الإشعاعي.


مقالات ذات صلة

ساعتان ذريتان إلى محطة الفضاء الدولية الاثنين لاختبار نظرية النسبية

علوم لقطة تُظهر محطة الفضاء الدولية (رويترز)

ساعتان ذريتان إلى محطة الفضاء الدولية الاثنين لاختبار نظرية النسبية

أطلقت وكالة الفضاء الأوروبية، الاثنين، بنجاح، مجموعة تضم ساعتين ذريتين إلى محطة الفضاء الدولية بهدف قياس الوقت بدقة عالية جداً واختبار نظرية النسبية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق لقطة تُظهر محطة الفضاء الدولية (رويترز)

لاختبار نظرية النسبية... ساعتان ذريتان تنطلقان إلى محطة الفضاء الدولية

تتويجاً لأكثر من 30 عاماً من العمل، تطلق وكالة الفضاء الأوروبية، الاثنين، مجموعةً تضم ساعتين ذريتين إلى محطة الفضاء الدولية بهدف قياس الوقت بدقة عالية جداً.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق رسم توضيحي لكوكب خارجي يحتوي على محيط من الماء السائل (رويترز)

العلماء يكتشفون «أقوى دليل حتى الآن» على وجود حياة في كوكب بعيد

أعلن علماء فلك، الخميس، أنهم اكتشفوا «مؤشرات» تُعَدّ الأقوى حتى الآن على احتمال وجود حياة على كوكب خارج النظام الشمسي الذي تنتمي إليه الأرض.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق نجمة البوب الأميركية كاتي بيري (أرشيفية - أ.ف.ب)

«الحلم يصبح حقيقة»... نجمة البوب كايتي بيري تستعد للغناء في الفضاء

قالت نجمة البوب الأميركية كاتي بيري إنها تخطط للغناء في الفضاء ضمن فريق نسائي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم طائرة تمر أمام القمر الوردي في ألمانيا أمس (أ.ف.ب)

لماذا سُمي قمر شهر أبريل بالوردي رغم لونه الذهبي؟

أفاد تقرير إخباري بأن قمر شهر أبريل يبدو أصغر من المعتاد. وعلى الرغم من تسميته «القمر الوردي»، فإن لونه سيكون أبيض ذهبياً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أعطهم حريتهم واتركهم وشأنهم... كيف تحصل على أفضل أداء من موظفيك؟

الاستقلالية في العمل تمثل دافعاً كبيراً (رويترز)
الاستقلالية في العمل تمثل دافعاً كبيراً (رويترز)
TT

أعطهم حريتهم واتركهم وشأنهم... كيف تحصل على أفضل أداء من موظفيك؟

الاستقلالية في العمل تمثل دافعاً كبيراً (رويترز)
الاستقلالية في العمل تمثل دافعاً كبيراً (رويترز)

بينما كانت الدكتورة ميريديث ويلز ليبلي، الاختصاصية النفسية والأستاذة في جامعة جنوب كاليفورنيا، في مكتبها المنزلي بعد ظهر أحد أيام العطلة، فوجئت بزوجها وهو يقف «بنظرة انزعاج خفيفة» عند مدخل المكتب قائلاً: «ظننتُ أنكِ قلتِ إنكِ لن تعملي في نهاية هذا الأسبوع!».

وأجابت ليبلي: «لستُ كذلك؛ أنا أُحلّل فقط بعض البيانات»، ليسألها الزوج: «هل تتقاضين أجراً مقابل ذلك؟»، فقالت: «نعم»، ليؤكد: «إذن أنتِ تعملين!».

لكن ليبلي لم تشعر بأن ما تقوم به هو في الواقع عمل، فقالت إن «تحليل البيانات يريحني... إنه أشبه بحل أحجية بهدوء؛ إنه يُدخلني في حالة من التدفق الذهني»، وهي التجربة التي يمر بها الشخص عندما يكون منغمساً تماماً فيما يفعله ومستمتعاً به، وفق ما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المَعنيّ بالصحة النفسية والعقلية.

وتؤكد ليبلي أنها تستمتع بعملها وهو ما يجعلها مُتقنة له، وتطرح في المقابل موقفاً مغايراً لـ«موظف عالي الإنتاجية»، وفجأة تسلب منه مؤسسته معظم موارد عمله، وفي الوقت نفسه يُتوقع منه أن يؤدي الأداء نفسه الذي كان عليه دائماً، وتقول: «هذا جنون، أليس كذلك؟»، مضيفة: «أعطِ هذا الموظف ما يحتاج إليه لأداء عمله».

وتشرح كمثال لذلك، استدعاء الموظفين للعمل من المقر مع عدم وجود مكاتب كافية لهم، وتقول إن مثل هذه المواقف التي يواجهها الموظفون قد تسبب لهم الإحباط، وتمنعهم من العمل بأقصى طاقة.

ووفق ما ذكره موقع «سيكولوجي توداي» المَعنيّ بالصحة النفسية والعقلية، تُظهر الأبحاث، دون شك، أن الناس يرغبون في العمل، فهم يفضلون «النشاط الإنتاجي والهادف»، لدرجة أنهم «يُفضلون إيذاء أنفسهم على الشعور بالملل».

ويمكِّنُنا العمل من استخدام مهاراتنا وقدراتنا الفطرية لإحداث فارق؛ ما يُعطي شعوراً بالكفاءة والثقة والرضا. وتُقدم عقود من الأبحاث أدلةً دامغة على أن الموظفين الذين يُمثل عملهم أهميةً لهم يتمتعون برضا أكبر عن الحياة ومستويات أعلى من الرفاهية.

وفي كتابه «الدافع: الحقيقة المذهلة حول ما يحفزنا»، يُشير دانيال بينك إلى أن الاستقلالية «التي تُمكِّننا من التحكم في كيفية عملنا» تمثل دافعاً كبيراً للبشر أكبر من الرواتب والمكافآت. ويريد الموظفون أن يعملوا، ويسهموا، ويستخدموا مهاراتهم ويطوّروها.

وأفادت دراسة حديثة بأن الموظفون أصبحوا أقل تسامحاً مع «مواقف الاحتكاك» في العمل، وأفاد 68 في المائة من المشاركين في الدراسة بأن هذا الاحتكاك يعوق إنتاجيتهم. وكانت توصية الدراسة الرئيسية للمؤسسات هي تحديد نقاط الاحتكاك التي تمنع الموظفين من أداء وظائفهم بسهولة والقضاء عليها.

فما «نقاط الاحتكاك» التي تُحبط الموظفين؟

القواعد و«التكليفات» التي ربما تكون غير منطقية للموظفين.

«الروتين»، فهو سلسلة من اللوائح أو الموافقات التي تُبطئ تقدُّمهم، وتعوق إنتاجيتهم.

الاضطرار للذهاب إلى المكتب، والتعامل مع وسائل النقل أو مواقف السيارات.

الإدارة المُفرطة... أو وجود مشرف يُراقب الموظفين، وينتقدهم في كل خطوة.

أي احتكاك غير ضروري يمنع يوم عملهم من السير بسلاسة، ويمنعهم من الشعور بالفاعلية.

عدم القدرة على الوصول إلى الموارد والأدوات اللازمة لأداء وظائفهم.

ووفق «سيكولوجي توداي»، يرغب الموظفون في الحرية والاستقلالية لبذل قصارى جهدهم في العمل، وتطوير مهاراتهم لتحقيق هدف يؤمنون به، ويريدون القيام بذلك دون أي احتكاك أو إحباط. فلماذا لا نتركهم يفعلون ذلك؟ خشية أن نجد وجهاً منزعجاً آخر على باب مكتبنا.