مريم شهاب... وجهٌ ياباني وصوتٌ يحتفي بالقصيدة العربية

الفنانة الكويتية – اليابانية: أريد أن يفتخر العرب وأهل الخليج بلغَتهم الجميلة

مريم شهاب، شابّة كويتية يابانية تغنّي القصيدة العربية بأسلوب مختلف (الشرق الأوسط)
مريم شهاب، شابّة كويتية يابانية تغنّي القصيدة العربية بأسلوب مختلف (الشرق الأوسط)
TT

مريم شهاب... وجهٌ ياباني وصوتٌ يحتفي بالقصيدة العربية

مريم شهاب، شابّة كويتية يابانية تغنّي القصيدة العربية بأسلوب مختلف (الشرق الأوسط)
مريم شهاب، شابّة كويتية يابانية تغنّي القصيدة العربية بأسلوب مختلف (الشرق الأوسط)

شابةٌ بملامح آسيوية تغنّي شعراً عربياً بالفصحى، بمنتهى الطلاقة. لا بدّ لهذا الفيديو أن يستوقف متصفّح منصة «إنستغرام». يظنّ المشاهد لوهلةٍ أن الموضوع عبارة عن دبلجة أو تحريكٍ للشفتين لا أكثر، لكن سرعان ما يتنبّه إلى اسم المغنّية؛ إنها مريم شهاب. في رصيدها عشرات آلاف المتابعين المترقّبين أغانيها المختلفة عن السائد، بألحانها الغربية الهادئة التي تعانق الكلام العربي بسلاسة.

ولدت مريم في الكويت عام 1997 من أمٍ يابانية وأبٍ كويتي، ونشأت هناك وسط عائلة محبّة للموسيقى. خارج جدران البيت، لم تكن السماء صافيةً دائماً فوق رأسها، فهي غالباً ما تعرّضت للتنمّر وشعرت بأنها دخيلة على المجتمع. لكنها بقوّة الموسيقى واللغة العربية التي تعشق، عبرت العواصف وصارت اليوم صوتاً يرفع لواء الشعر العربي، إلى جانب كونها طبيبة أسنان.

درس الاستظهار...

انغرست بذرة الموسيقى في مريم شهاب منذ الطفولة، وهي سقتها بتعلّم العزف على البيانو وآلة اليوكوليلي (yukulele). خلال سنوات المراهقة، اقتصر اهتمامها الموسيقي على الاستماع إلى مغنّيها المفضّلين كتايلور سويفت وإد شيران. لم يكن الغناء والتلحين مشروعاً في بالها، إلى أن حلّت حصة اللغة العربية في الصف العاشر...

تخبر مريم شهاب «الشرق الأوسط» كيف أنها قررت تلحين قصيدة من المنهج الدراسي بعد أن تعذّر عليها حفظها؛ «كان هدفي الوحيد الحفظ والتسميع والحصول على درجات جيدة. استوحيت من اليابانيين الذين يلحّنون جدول الضرب، وقلت لمَ لا ألحّن هذا الشعر؟».

نجحت مريم في امتحان الاستظهار دامجةً بين القراءة والتنغيم، مما أثار إعجاب زميلة لها في الصف طلبت منها الوصفة السحرية. بسرعة فائقة، انتشر تسجيل القصيدة المغنّاة بصوت مريم بين الطلّاب وانتقل إلى مدارس أخرى. منذ ذلك الحين، أخذت على عاتقها تلحين كل النصوص الشعرية العربية ضمن المنهج الدراسي وتحميلها على «يوتيوب» بطلبٍ من الزملاء. توضح ضاحكةً: «لم يحصل ذلك حباً بالمنهج ولا سعياً وراء الشهرة، بل من باب الواجب وبهدف التسميع. لكن في المقابل، بدأت تصلني رسائل إعجاب بالفكرة وبصوتي، من داخل مدرستي وخارجها».

الشعر الذي لحّنته مريم شهاب بهدف الحفظ والتسميع انتشر في مدارس الكويت بسرعة البرق (إنستغرام)

«إنتي مو منّنا»

قبل تلك الشعبية المستجدّة، صادفت مريم أشخاصاً في المدرسة والشارع نعتوها بالغريبة؛ «إنتي مو كويتية... إنتي مو منّنا»... تتذكّر كيف أن البعض كان يشدّ عينيه إلى الأعلى ليتنمّر على شكل عينيها. لم تسمح لتلك المواقف المستفزّة أن تحطّمها، بل وجدت فيها حافزاً ومحرّكاً. تقول: «لا أنكر أنني عانيت من أزمة هوية في فترة المراهقة، لكنّ مشروعي الموسيقي أتى لاحقاً ليؤكّد للناس أنني قادرة على إثبات هويتي العربية من خلال ألحاني وصوتي. أما اندهاش الناس بالاختلاف بين شكلي الخارجي والمحتوى الذي أقدّم، فقد اعتدتُ عليه».

كما لو أن الشابة وجدت خلاصها في الشعر العربي. تلفِت إلى أن لغة الضاد لعبت دوراً محورياً في حياتها، وكأنها السلاح الذي استلّته للقول: «ملامحي آسيوية ونصفي ياباني، لكني كويتية وأتكلّم عربي».

ديوان نزار...

من الأردن حيث انتقلت للتخصص في طب الأسنان، تابعت مريم تلحين قصائد المنهج التربويّ وغناءها نزولاً عند إلحاح الطلّاب. أبدت حرصاً على التشكيل والتقطيع وتجنّب الأخطاء اللغوية، كما اشترت ميكروفوناً وصارت تلتقي جمهورها من خلال البث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تحصّنت بالبيانو الذي شحنه لها والداها من الكويت إلى عمّان، وبالمجموعة الشعرية الكاملة لنزار قبّاني. جاء ذلك الديوان الذي أهدتها إياه أمها، ليكمّل المشروع الدائر في رأسها؛ تقول: «جعلني كتاب نزار أحب الشعر أكثر وألحّنه بشغف أكبر». أما ما حصل لاحقاً فشكّل ظاهرة لمتابعيها الآخذين في الازدياد، إذ صارت تختار نصاً شعرياً بشكل عشوائي، وترتجل لحن القصيدة مغنيةً إياها خلال البث المباشر من دون تحضير مسبق.

تخصصت مريم في طب الأسنان ولم يُثنِها ذلك عن متابعة نشاطها الموسيقي (إنستغرام)

تُردّد مريم أنّ لمتابعيها فضلاً كبيراً عليها لناحية الاقتراحات والآراء، لكنها لا تلهث خلف الأرقام ولا تسعى إلى اللحاق بركب الصناعة الموسيقية بمفهومها التجاريّ السائد. هذا ما يؤخّرها ربما عن دخول الاستوديو وتسجيل أعمالها بشكل متكامل تقنياً وإنتاجياً.

تضع الفنانة الشابة في طليعة أولوياتها حُسن اختيار الكلام والأمانة للقصيدة الأصليّة. تبحث عن الشعر الموزون والمقفّى، يُدهشها هذا الإرث العربي الغنيّ، وهي بين الفكرة والأخرى تستشهد بالمتنبّي وبأحمد شوقي. تتجنّب اللهجات العامية وتصبّ تركيزها على الفصحى، أكان من خلال إحياء قصائد قديمة، أم عبر تلحين نصوصها الخاصة والمحبوبة، على بساطة كلامها، ومنها «سودٌ»، و«أهذا سلام؟»، و«فلَم أرَك».

«متحف المستقبل»

حتى اللحظة ما زالت مريم شهاب تسجّل في البيت وتنشر المادّة وهي «خام» على منصات البث والتواصل الاجتماعي. لم تدخل الاستوديو فعلياً سوى لتسجيل أغنية «دبي تبني المستقبل» الخاصة بـ«متحف المستقبل» في إمارة دبي، حيث تقيم الفنانة الكويتية حالياً. تفتخر بتلك التجربة، لا سيّما أنها لم تكتفِ بالغناء، بل لحّنت كلام الأغنية التي كتبها عبد الله الشحّي.

تؤكّد أنها ما إن تنتهي من رسالة الماجستير في اختصاص تقويم الأسنان، ستدخل الاستوديو لتسجيل أغانيها: «لقد وعدت متابعيّ بذلك وأنا أدين لهم بالوفاء بالوعد. ثم سأقوم بجولة موسيقية في دول الخليج». في الأثناء، تحافظ مريم شهاب على خلطتها الموسيقية المختلفة التي لا يمكن وضعها في خانة معيّنة ولا منحُها تعريفاً محدداً.

يحدث أن تلحّن وتغنّي باليابانية، لكنها لا تنشر هذا المحتوى؛ توضح قائلةً: «هويّتي الفنية معروفة ومحدّدة. أتطلّع إلى أن يفتخر أهل الخليج والعرب بلغتهم، وهذا ما أفعله من خلال الموسيقى التي أقدّم». تبتسم لذكر متابعين لها من خارج الوطن العربي، باتوا يهتمون باللغة العربية بسبب أغانيها، وكأن مريم شهاب ذات الجذور اليابانية أمست سفيرةً للفصحى على طريقتها.


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.