جاد قطريب... القلب ميّال إلى التلحين أكثر من الغناء

الملحّن والمغنّي اللبناني في تعاون قريب مع نانسي عجرم

المؤلف الموسيقي والمغنّي اللبناني جاد قطريب (الشرق الأوسط)
المؤلف الموسيقي والمغنّي اللبناني جاد قطريب (الشرق الأوسط)
TT

جاد قطريب... القلب ميّال إلى التلحين أكثر من الغناء

المؤلف الموسيقي والمغنّي اللبناني جاد قطريب (الشرق الأوسط)
المؤلف الموسيقي والمغنّي اللبناني جاد قطريب (الشرق الأوسط)

مَن يصغي إلى أغاني الفنان جاد قطريب، لا بدّ أن يتسلّل إلى أذنه نغمٌ يأخذه إلى ما يُعرف بـ«الزمن الجميل». نفحةٌ رومانسية حالمة طالعة من موسيقى سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، إلا أنها لا تمنع الفنان الشاب عن مجاراة عصره في مجموعة أخرى من الأغاني. فلكل مقامٍ نغَم، ولكل فنان ما يليق بصوته وبهويته الموسيقية، وفق ما يقول قطريب لـ«الشرق الأوسط».

يؤكد المؤلف الموسيقي والمغنّي اللبناني أنه لا يفتعل القديم ولا يتفلسف في ما هو عصريّ، فالنمطان قريبان إليه. لقد سبح طفلاً بين أمواجٍ من النوتات والإيقاعات، هو الطالع من عائلة موسيقية بامتياز؛ الوالد فيها هو المايسترو والمؤلف الموسيقي فؤاد قطريب، والوالدة هي فادية بندلي صاحبة حنجرة جميلة، وشقيقة الموسيقار رينيه بندلي.

كان قطريب في الـ16 من عمره، عندما منح لحنه الأول للفنان وائل جسار. صُدم المستمعون حين علموا أن مراهقاً يستطيع تأليف أغنية بصعوبة «حبيت يا زمان». وبين اللحن الأول، وذلك الأحدث، مسافة 20 عاماً، يفتخر قطريب بكل تفصيل منها: «سيسمع الناس قريباً الفنانة نانسي عجرم تغنّي من ألحاني، وأنا متشوّق جداً لهذه التجربة».

عام 2013، دار الدولاب دورةً كاملة وتوقّف عند اسم جاد قطريب. صدح صوتٌ من التلفاز يغنّي: «في شي بين ضلوع بيقولولو قلب، بعدو بيتعذّب موجوع بدو يلاقي الحب...». جملةٌ من شارة الدراما اللبنانية - المصرية المشتركة «جذور» كانت كافية للتأكيد أن قطريب ليس مجرّد عابر على درب التلحين.

أما الغناء فجاء صدفةً: «كانت تلك أول أغنية أقدّمها بصوتي، مع أن الخطة كانت تقضي بأن يغنّيها فنان آخر. إلا أن فريق المسلسل أحبها بصوتي، ومعها كانت بدايتي الفعلية»، يوضح قطريب. وبعد «جذور»، كان لقطريب من شارات المسلسلات نصيب، إذ تكررت النجاحات في أعمال تلفزيونية أخرى مثل «ومشيت».

الزائر صفحات قطريب على منصات التواصل الاجتماعي لن يرى صوراً له وفيديوهات لأغانيه، بقدر ما سيجد أعمالاً من ألحانه لفنانين آخرين. هنا ترويجٌ لأغنية آدم الجديدة «تخيّليني»، وهناك استرجاع لنجاحات حقّقها مع ناصيف زيتون في «طول اليوم»، وجوزيف عطية في «الحب عفوي»، وسعد رمضان في «شو محسودين»، وغيرهم.

يجزم أن نجاح أغنية من ألحانه بصوت غيره لا يزعجه على الإطلاق، بل هو يذهب أبعد من ذلك بالقول: «أحب أن يُقال إن الأغنية التي ألّفت هي التي ضربت، وليس الأغنية التي غنّيت. ثم إنني أمتنع عن إعادتها بصوتي احتراماً للفنان الذي غنّاها ولملكيّته لها». تنبع هذه القناعة من نظرة قطريب إلى نفسه كملحّن ومنتج موسيقي، أكثر من كونه مغنياً. يجد «في التلحين قيمة أكثر من الغناء»، ويقول إن الأول يرضيه ويشبعه معنوياً أكثر من الثاني.

يجد قطريب في التلحين قيمة أكبر من الغناء (إنستغرام)

يمضي جاد قطريب غالبية وقته في الأستوديو الموسيقي الخاص به، حيث يضع حالياً اللمسات الأخيرة على مجموعة من الأغاني الجديدة لعدد من الفنانين المخضرمين والصاعدين. وفي انتظار تعاونَين يتطلّع إلى تنفيذهما مع المطربَين وائل كفوري وملحم زين، يعدّ لنفسه أغنية إيقاعيّة تناسب أجواء الصيف.

ومع أن ساعات ليله تنقضي في الأستوديو بين تلحين وتوزيع وتسجيل، فإن قطريب لا يؤمن بالكثرة ويتجنّب الإنتاج الكثيف. يختصر قناعته قائلاً: «أرغب في أن يتعطّش الناس إلى سماع أعمالي وألّا يملوا منها. تهمّني النوعيّة لا الكمية، وأحرص على العمل الجادّ والصحيح وعلى التفاصيل الصغيرة المشغولة بدقّة».

لم يأتِ هذا الحرص من عدم، بل من تربية فنية صارمة بدأت في عمر 6 سنوات. تحت إشراف والده فؤاد، وعمّه رينيه بندلي، وزوج عمّته الفنان روميو لحّود، نما جاد فنياً ليصبح العود والكمان والقانون ألعابه المفضّلة. يسترجع مشاهد من الطفولة هي أقرب إلى الخيال: «كان زوّار بيتنا من عظماء الفن العربي، كالرحابنة ووديع الصافي وجورج وسوف وغيرهم».

التجربة المسرحية محطة أساسية في مسيرة قطريب (فيسبوك)

من هذه البيئة العائلية المشبعة فناً وثقافة، ليس مستغرباً أن يخرج فنان لا يكترث للأضواء والشهرة بقدر ما يحرص على المحتوى الموسيقي الذي يقدّم. يقرّ قطريب بأن الابتعاد عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي سلبيّ على مستوى انتشار الأغاني والتسويق لها، إلا أنه ليس قادراً على خلع جلده الحقيقيّ.

يؤكد الفنان أنه لا يتعمّد الابتعاد، ولا يخطط لذلك. يشرح الأمر قائلاً: «أولاً أنا لا أحب السوشيال ميديا، وأرى فيها مضيعة للوقت؛ تربيت على تقديم ما لديّ من موهبة، وليس ما هو سطحي. ثانياً، غيابي عن الإطلالات مردُّه الخجل الذي أنا فيه. ثم إنني لا أعتبر نفسي أنجزت الكثير في عالم الموسيقى حتى أخرج وأتحدّث عنه. صحيح أنني فزت بجائزة (موريكس دور) وشاركت في مسرحيات مهمة، وألّفت أغاني اشتهرت كثيراً، لكني أشعر بأنه يجب أن أصنع المزيد حتى أستحق ذلك».

عندما يُسأل عن أجمل محطات الرحلة حتى اليوم، يعود قطريب إلى تجربته في مسرح الفنان روميو لحّود ضمن مسرحية «طريق الشمس». من هذا العمل، يتذكّر السطور التي أدّاها، والأغنيتين اللتين لحّنهما وغنّاهما، لكنه يفتخر قبل أي شيء بالفرصة التي أتاحها له لحّود، إيماناً بموهبته، وليس لمجرّد أنه ابن العائلة الفنية الكبيرة.


مقالات ذات صلة

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

يوميات الشرق الملحن المصري الراحل محمد رحيم خاض تجربة الغناء (حسابه على «فيسبوك»)

شكوك حول أسباب وفاة الملحن المصري محمد رحيم

أثار خبر وفاة الملحن المصري محمد رحيم، السبت، بشكل مفاجئ، عن عمر يناهز 45 عاماً، الجدل وسط شكوك حول أسباب الوفاة.

داليا ماهر (القاهرة )
ثقافة وفنون الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم السبت، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

يسرا سلامة (القاهرة)
يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.