محمد منير يحيي «ليلة مشواري» في جدة... الأضخم في مسيرته

أوركسترا سيمفونية عالمية تعزف لفنان عربي للمرة الأولى

TT

محمد منير يحيي «ليلة مشواري» في جدة... الأضخم في مسيرته

العازف العالمي فيكتور اسبينولا يشارك محمد منير أغنيته بالعزف على القيثارة  (تصوير: عدنان مهدلي)
العازف العالمي فيكتور اسبينولا يشارك محمد منير أغنيته بالعزف على القيثارة (تصوير: عدنان مهدلي)

يلقّبه محبوه «الكينغ» ويُطلق عليه أيضا لقب «ابن النوبة»، كما يُعرف بـ«أشهر عازب في مصر». درس التمثيل والسينما، فسكنت أعماله الخالدة في وجدان الملايين وخطفت أغنياته القلوب... إنه الفنان محمد منير، الذي اختار أن يكون نسخة مختلفة عن مشاهير جيله الفني، ووطأ مناطق فنية لم تبلغها قدمٌ من قبل، حيث شيَّد مشروعه المتفرّد.

وفي «ليلة مشواري»، الحفل الغنائي الذي احتضنته مدينة جدة السعودية يوم الجمعة، بتنظيم «الهيئة العامة للترفيه»؛ أطرب منير جمهوره بمجموعة من أغنيات اشتهر بها خلال مسيرة عطائه المستمرة على مدار 50 عاماً، لكن هذه المرة بمشاركة أوركسترا سيمفونية تضمّ عازفين عالميين للمرة الأولى يجتمعون للعزف لفنان عربي، ليسجّل بذلك أضخم حفل في مسيرته.

تكريم الهيئة العامة للترفيه للفنان محمد منير على مسيرة عطائه على مدار 50 عاماً (تصوير: عدنان مهدلي)

إذن، تشارك أوركسترا سيمفونية للمرة الأولى، منير، في حفلاته، ضمّت عازفين عالميين، منهم عازف القيثارة البارغواني العالمي فيكتور اسبينولا، وعازفة الكمان اليابانية ساياكا كاتسوكي، وعازف الكمان صامويل يرفينيان، ومجموعة كبيرة من العازفين العالميين، إضافة إلى الموسيقار المصري العالمي فتحي سلامة، و المايسترو هاني فرحات.

وعن ضخامة الحدث، يقول فرحات إنّ اختيار الموسيقيين المشاركين في الأوركسترا تم خلال شهر كامل، بالتنسيق مع رئيس «الهيئة العامة للترفيه» تركي آل الشيخ الذي كانت رغبته أن تضمّ الفرقة الموسيقية أفضل العازفين العالميين للمشاركة في إحياء ليلة تاريخية تليق بفن منير.

ووفق فرحات، فإنّ «منير مرّ خلال مشواره الفني بظروف مختلفة وواكبته أجيال متعدّدة، لكنه ظلّ ثابتاً على شخصيته وهويته ولونه الغنائي، وهذا الثبات كان من أصعب الأشياء التي حافظ عليها لبلوغ النجاح».

جماهير محمد منير تعبر عن حبها بطريقتها الخاصة (تصوير: عدنان مهدلي)

لمنير في مصر والعالم العربي جماهيرية خاصة، لذا حرص المايسترو فرحات على تقديم موسيقى أغنياته مع العازفين العالميين في الحفل بطريقة جديدة، مع الحفاظ على هويته وطريقة غنائه، ما وضعه أمام تحدٍ كبير لإرضاء هذا الجمهور.

بدأ «الكينغ» حفله في جدة الذي شهد حضوراً كامل العدد، بأغنيته الشهيرة «الليلة يا سمرا»، مشيداً بروح الحضور واهتمام السعودية بالفن ووفائها للفنانين. استمر في إشعال الحماسة بأغنيات «أنا بعشق البحر» و«شجر اللمون»، و«شبابيك»، و«في عشق البنات»، كما شاركه العازفون العالميون أغنية «علّي صوتك»، قدّموا خلالها وصلة موسيقية متناغمة كانت الأكثر حماسة في حفل «ليلة مشواري».

محمد منير يشدو بأجمل أغانيه في حفل ليلة مشواري المقام في جدة (تصوير: عدنان مهدلي)

وأيضاً، شارك الفنان أحمد سعد، منير، غناء أغنية «سو يا سو»، إضافة إلى أغنية «يا لاللي»، فيما قدّمت فرقة «كايروكي» أغنيتَي «الكون كله بيدور» و«شتا». وخلال الحفل، سلّم نائب الرئيس التنفيذي لـ«الهيئة العامة للترفيه» محمد المحمادي، منير، درعاً تذكارية تقديراً لمشواره العريق وسط تفاعل كبير من الجمهور. وختم منير حفله الذي وصفه الحاضرون بـ«الأسطوري» بأغنيته الشهيرة «حدوته مصرية» التي غنّاها في فيلم يحمل الاسم عينه مع المخرج يوسف شاهين، أطلق موهبته في التمثيل.

يرتبط منير بأعمال غنائية وموسيقية تشكل مزيجاً موسيقياً خاصاً يجمع بين الألحان النوبية والموسيقى الغربية والشرقية، فاختلفت أعماله عن مشاريع موسيقية أخرى ظهرت في فترة الثمانينات والتسعينات والألفية الثانية، ما جعله ينال شهرة واسعة في أوساط الشباب. كما كرّس عطاءه في الساحة الفنية بالمشاركات الدرامية، فشارك في السينما، وكان أول أدواره مع شاهين في فيلم «حدوتة مصرية» (1982)، وتجاوزت مشاركاته في الأفلام أكثر من عشرة أعمال درامية.

عازفة الكمان اليابانية ساياكا كاتسوكي من المشاركين في الأوركسترا السيمفونية في حفل ليلة مشواري (تصوير: عدنان مهدلي)

ومع بداية عام 2000، طرح منير 8 ألبومات غنائية، حتى 2009، ثمّ توقف عن إصدار الألبومات لمدة 4 سنوات، قبل أن يطلق ألبومه «يا أهل العرب والطرب» عام 2012، وفي عام 2018 طرح ألبوماً بعنوان «الروح للروح بتحن»، كذلك أصدر في عام 2020 ألبوماً بعنوان «باب الجمال» لتتجاوز ألبوماته أكثر من 20، وثّقها في أربعة عقود متواصلة.


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.