أسامة الروماني... في وداع النبلاء

الفنان القدير يفترش تراب دمشق بعد فراق

3- أسامة الروماني أستاذ حافظ على التلميذ في داخله (مواقع التواصل)
3- أسامة الروماني أستاذ حافظ على التلميذ في داخله (مواقع التواصل)
TT

أسامة الروماني... في وداع النبلاء

3- أسامة الروماني أستاذ حافظ على التلميذ في داخله (مواقع التواصل)
3- أسامة الروماني أستاذ حافظ على التلميذ في داخله (مواقع التواصل)

عودة أسامة الروماني إلى سوريا بعد غربة طويلة، لاقت خاتمتها الدافئة بافتراش تراب الوطن إثر سكوت الجسد. العودة والموت، يرتقيان في حالته إلى عناق. يغادر الدنيا بعد 81 عاماً، تضع النوبة القلبية نقطة أخيرة على سطرها الأخير. فنان قدير لا جراء العمر فحسب، بل لحجم العطاء. يتراءى الرحيل خاطفاً، يتحلّى بالمباغتة، يتلصّص على الكبار بابتسامة صفراء ماكرة. مع ذلك، يجرؤ على البدن وحده، فمن السهل إرساله إلى الفناء؛ لتتوهّج، مقابل الموت، سيرة إبداعية خالدة.

من دمشق، وإليها... هي الشاهدة على الولادة عام 1942 والوداع الاثنين في 29 مايو (أيار) 2023. حين نعاه عباس النوري، تحدّث عن «زمن يُقلّب أيامه على الجميع». ترحّم على «أستاذ كان أكبرنا سناً وأكثرنا حيوية»، مموضعاً الأعمار في قوالب رحبة: «ليست عدداً، بل هي ما نُبقيه في ذاكرة مَن يتذكر».

يبقى الكثير من أسامة الروماني، العائد إلى الدراما السورية بعد انقطاع. في 2022، شكلت ثنائيته العذبة مع رفيق الدرب دريد لحام بمسلسل «على قيد الحب»، فوح عطر عابق، وتوالت الأدوار، فكان آخرها في «خريف عمر» و«مربى العز». زيَّن رمضان الفائت بالكاريزما، والموسم الماضي أيضاً. عاد بكُلّه، مثل دفق. أعطى بالشوق إلى العطاء، بالتعطّش والفيض. طغى حضوره وسط الكثرة، وتفرّد خارج المقارنة.

تُعرف عنه فضيلتان: الاجتهاد والأخلاق. الأولى ترتقي إلى بصمة، منذ مسرحيتَي «ضيعة تشرين» و«غربة»، فأثره في الصناعة التلفزيونية. نحو 40 عاماً أمضاها في الكويت، يتبادل الخبرات مع «مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج». وشكّل اسمه إضافة خاصة لبرنامج الأطفال الشهير «افتح يا سمسم»، كإضافاته في إنتاج برامج ناجحة ومشاريع درامية منحها الدفع إلى الأمام.

2- أسامة الروماني في أحد أدواره الدرامية (مواقع التواصل)

في التلفزيون، كما التوثيق؛ للروماني مكانته في صوغ سيناريوهات وثائقية وتسجيلية وعلمية، آخرها محتوى يتناول الآثار في دول مجلس التعاون. وسبق عودته إلى دمشق إنتاجه سيناريو فيلم «المستشفى الأميركاني» الكويتي، احتفاء بمائة عام على إنشائه. عاد مكللاً بما يفرض الإشادة.

زوّدته خلفيته المسرحية بأدوات الفنان المُتقِن أعماله، صاحب الرسالة الاجتماعية والتربوية، والحريص على التوعية. منذ «الليلة الثانية عشرة» لشكسبير، أولى مشاركاته في الستينات، تلتها «تاجر البندقية»؛ وهو فنان تأسيس، لا مؤدّي أدوار فحسب. شغلته الخشبة، فكرّس مكانة المسرح السوري، وغَرف من شقيقه الأكبر المخرج هاني الروماني (توفي في 2010)، معارف تضيف إلى الشغف الصقلَ وصواب الرؤية. أمام كاميرته، قدّم شخصية الرئيس السوري الراحل أديب شيشكلي في الجزأين الثاني والثالث من مسلسل «حمام القيشاني».

استماله المسرح العربي وقادته نصوص مسرحيين، منهم توفيق الحكيم وسعد الله ونوس، إلى مستويات عليا من المهارة. كونه أستاذاً، لم يكمّ فم التلميذ المتفوّق في داخله. غلَّب الفضول على الاكتفاء المعرفي، فظلّ هو المُسيطر على الطموح والطباع.

هذه الطباع تتصل بالفضيلة الثانية: الأخلاق. أسدى الروماني النصائح وأفاد آخرين من دروسه. لأنه مُترفِّع، شدَّد على الترفُّع. خشي حِمْل الكلمة على متلقيها، وناصرَ الامتناع عن تعميق الجراح. حكمتُه التروّي في الأحكام وترويض الانفعال. في وداعه، ألبسه المخرج باسل الخطيب جميل الميزتين: نبل الرجال وأصالة الفنان. استعار من الحسرات أعمقها في رثاء الأحبة: «لن يكفينا ما تبقّى من هذا العمر للحزن على فقدانك».

وحسرة أخرى على تعذُّر إتمام اللقاء، يبوح بها الممثل مصطفى الخاني. كان هو والراحل قد اتفقا على موعد قريب، فحدث تمهّل وطرأ تيهٌ داخل متاهات حياةٍ تسرق المرء وتورّطه بالتكاسل حيال مُجالسة مَن يحب: «كأننا نضمن الأبدية إلى أن نقف بذهول أمام لحظة الموت». ذلك الندم على ما لم يكتمل، على الإرجاء والإخفاق تجاه تقديرات الزمن والاستهانة بحساباته الموارِبة؛ أقسى المشاعر بعد الفراق.

حلَّ مستشفى «دار الشفاء» الدمشقي شاهداً أخيراً على نهايات جسد أطفأه «احتشاء في عضلة القلب»، وفق «وكالة الأنباء السورية». نعته «نقابة الفنانين» في بلده، وأحبّة شاركهم ذاكرتهم وبعض تجاربهم المهنية. تجزم صباح جزائري: «لن ننسى تاريخك العظيم»، وتُرفّعه سلاف فواخرجي عن فداحة الانطفاء: «مَن مثلك لا يموت».

كلمات الرثاء برتبة ورود على الأضرحة وأدعية إلى السماء. تصف أمل عرفة الفقدان بالحزين جداً، ويلتحق بالمعزّين قصي خولي وشكران مرتجى ومهيار خضور وكارمن لبّس وليليا الأطرش وسوزان نجم الدين... وائل رمضان يخاطبه بمحاكاة قلبه: «كان دليلَك بأنْ ليس هناك قادم، فعدتَ إلى بلدك بعد غربة طويلة لتنطلق منها إلى الغربة الكبرى». ويستعيد ياسر العظمة صورة بالأبيض والأسود من الشباب الغابر، تُظهره ومَن «ترجّل عن حصانه مخلّفاً وراءه الفن النظيف والصيت الحسن». ليضيف مُمتهن الوداعات، أيمن زيدان، إلى المودّعين، ذكرياته مع الراحل ختمها بتساؤل أليم: «أتدري لِمَ أوجعني رحيلك؟».

عادت إحدى مقابلاته إلى التداول الكثيف. خلالها أعلن مصالحة الحياة، مُذعناً للموت وحقيقة أنّ الكائنات زائلة: «أحد لا يبقى إلى الأبد، بل تأتي أجيال جديدة لتُكمل المسيرة». صحيح، لكن الراحلين أمثاله لا يشغل مقاعدهم أحد.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
TT

انطلاق المؤتمر العالمي لـ«موهبة» لتعزيز التعاون الإبداعي لـ«جودة الحياة»

المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)
المؤتمر يشكل منصة ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم (واس)

انطلقت فعاليات النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بعنوان «عقول مبدعة بلا حدود» في العاصمة السعودية الرياض، الأحد، الذي يجمع نخبةً من الخبراء والموهوبين في مجالات العلوم والتقنية والابتكار، ويشارك فيه أكثر من 300 موهوب ومتحدثون محليون ودوليون من أكثر من 50 دولةً، وذلك برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز. ونيابة عنه، افتتح الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر الذي تنظمه مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع «موهبة»، في مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك» بالعاصمة السعودية، وشهد توقيع عدد من الاتفاقيات بين «موهبة» وعدد من الجهات.

أمير الرياض خلال افتتاحه فعاليات المؤتمر العالمي والمعرض المصاحب للمؤتمر (واس)

ورفع أمين عام «موهبة» المكلف الدكتور خالد الشريف، كلمة رفع فيها الشكر لخادم الحرمين الشريفين على رعايته للمؤتمر، ودعمه المستمر لكل ما يُعزز ريادة السعودية في إطلاق المبادرات النوعية التي تمثل قيمة مضافة لمستقبل الإنسانية، مثمناً حضور وتشريف أمير منطقة الرياض لحفل الافتتاح.

وقال الدكتور الشريف: «إن قيادة السعودية تؤمن بأهمية الاستثمار برعاية الموهوبين والمبدعين باعتبارهم الركيزة الأساسية لازدهار الأوطان والطاقة الكامنة التي تصنع آفاقاً مستقبلية لخدمة البشرية»، مشيراً إلى أن العالم شاهد على الحراك الشامل لمنظومة تنمية القدرات البشرية في المملكة لبناء قدرات الإنسان والاستثمار في إمكاناته، في ظل «رؤية السعودية 2030»، بقيادة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي رئيس لجنة برنامج تنمية القدرات البشرية.

وأكد الدكتور الشريف أن هذا الحراك يواكب ما يزخر به وطننا من طاقات بشرية شابة موهوبة ومبدعة في شتى المجالات، يتجاوز إبداعها حدود بلادنا ليصل إلى العالمية، وهو ما مكن المملكة من أن تصبح حاضنة لألمع العقول العالمية الموهوبة والمبدعة، وحاضرة إنسانية واقتصادية واعدة بمستقبل زاهر ينعكس على العالم أجمع.

وأوضح أن المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع بنسخته الثالثة يشكّل منصةً ملهمة تجمع العقول المبدعة من كل العالم، لتستلهم معاً حلولاً مبتكرة تعزز جودة الحياة في مجتمعاتنا، وتبرز الفرص، وتعزز التعاون الإبداعي بين الشعوب.

انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي (واس)

ولفت النظر إلى أن انعقاد هذا المؤتمر يتزامن مع احتفالية مؤسسة «موهبة» بيوبيلها الفضي؛ حيث أمضت 25 عاماً في دعم الرؤى بعيدة المدى للموهبة والإبداع، وباتت مشاركاً رئيسياً في المنظومة الداعمة لاكتشاف ورعاية الطاقات الشابة الموهوبة والمبدعة، بمنهجية تُعد الأكثر شمولاً على مستوى العالم لرعاية الأداء العالي والإبداع.

عقب ذلك شاهد أمير منطقة الرياض والحضور عرضاً مرئياً بمناسبة اليوبيل الفضي لإنشائها، وإنجازاتها الوطنية خلال الـ25 عاماً الماضية، ثم دشن «استراتيجية موهبة 2030» وهويتها المؤسسية الجديدة، كما دشن منصة «موهبة ميتا مايندز» (M3)، وهي منصة عالمية مصممة لربط ودعم وتمكين الأفراد الموهوبين في البيئات الأكاديمية أو قطاعات الأعمال، إلى جانب تدشين الموقع الإلكتروني الجديد لـ«موهبة»، الذي تواصل المؤسسة من خلاله تقديم خدماتها لجميع مستفيديها من الموهوبين وأولياء الأمور.

ويهدف المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع إلى إظهار إمكانات الموهوبين، وتطوير نظام رعاية شامل ومتكامل للموهوبين، وتعزيز التكامل والشراكات الاستراتيجية، وتحسين وتعزيز فرص التبادل والتعاون الدولي، ويشتمل المؤتمر على 6 جلساتٍ حوارية، و8 ورش عمل، وكرياثون الإبداع بمساراته الـ4، ومتحدثين رئيسيين؛ حيث يسعى المشاركون فيها إلى إيجاد الحلول الإبداعية المبتكرة للتحديات المعاصرة، إلى جانب فعاليات مصاحبة، تشمل معرضاً وزياراتٍ ثقافيةً متنوعةً على هامش المؤتمر.