معرض الزهور المصري يراهن على عراقته في ظل ارتفاع الأسعار

نقل دورته الـ90 من حديقة الأورمان إلى المتحف الزراعي

جانب من معرض الزهور المصري (الشرق الأوسط)
جانب من معرض الزهور المصري (الشرق الأوسط)
TT

معرض الزهور المصري يراهن على عراقته في ظل ارتفاع الأسعار

جانب من معرض الزهور المصري (الشرق الأوسط)
جانب من معرض الزهور المصري (الشرق الأوسط)

عاد معرض زهور الربيع المصري العريق إلى أحضان المتحف الزراعي، في حي الدقي، بالجيزة (غرب القاهرة) مجدداً بعد غيابه سنوات طويلة، اتخذ خلالها حديقة الأورمان مقراً له، لكن هذه العودة التي تشهدها الدورة التسعون من عمر المعرض، تعدّ «استثنائية» بسبب نقله للمتحف الزراعي، وضيق مدة المعرض وفترة التجهيز له، وعدم تمهيد طرقاته جيداً أو تنسيقها على غرار الدورات الماضية، حسب وصف زائرين ومتابعين.

«كنا نبدأ في الإعداد للمعرض منذ شهر يناير (كانون الثاني) لينطلق في شهر أبريل (نيسان) من كل عام، ويستمر لمدة 75 يوماً، لكن العام الحالي بدأنا في نهاية شهر مايو (أيار) الحالي، بسبب أمور عدة، من بينها تزامن شهر رمضان المبارك ومواسم الأعياد مع موسم الربيع، ومن المقرر أن تستمر الدورة الجديدة شهراً واحداً فقط»، حسب شبل مرسي، صاحب إحدى شركات نباتات الزينة المشاركة بالمعرض.

وبينما يسعى مسؤولو وزارة الزراعة للحفاظ على الصورة النمطية للمعرض، من خلال السماح للعارضين بوضع نباتاتهم وزهورهم بشكل منسق، وتخصيص جناح لعرض مستلزمات غذائية على هامش المعرض، فإن ضيق المساحة في المتحف الزراعي مقارنة بحديقة الأورمان، وعدم الإعداد بشكل متقن لاستضافة المتحف الزراعي للمعرض، وارتفاع درجات الحرارة في شهر يونيو (حزيران) أمور تجعل المقارنة في غير صالح دورة المتحف الزراعي، حسب زائرين وعارضين التقتهم «الشرق الأوسط» بالمعرض الذي لا يسمح بدخوله إلا بعد دفع 10 جنيهات قيمة التذكرة.

وافتتح وزيرا الزراعة والتضامن الاجتماعي، ومحافظ الجيزة، الدورة التسعين من معرض الزهور (السبت)، الذي يضمّ نحو 200 عارض، وأكثر من ألف نوع نباتي من نباتات الزينة والزهور والأشجار، وكل مستلزمات إنتاج البساتين وتنسيق الحدائق والصبار.

وقال وزير الزراعة السيد القصير، على هامش الافتتاح: «يشهد المعرض مشاركة بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية والمجتمع المدني»، مشيراً إلى أن «الدولة المصرية تدعم صناعة الزهور وزراعتها؛ لأهميتها للسوق المحلية أو للتصدير، ودعم الاقتصاد الوطني»، لافتاً إلى أن «معرض زهور الربيع له آلاف الزائرين الذين ينتظرونه كل عام سواء لشراء الزهور والورود أو للاستمتاع بمناظرها الجميلة». وأوضح أن «معرض (خير مزارعنا لأهالينا) المقام على هامش معرض زهور الربيع يشارك فيه 50 عارضاً، ويستهدف بيع السلع الغذائية للمواطنين بأسعار مخفضة».

بينما دعا محافظ الجيزة، مواطني المحافظة إلى زيارة المعرض والاستفادة من المنتجات والزهور والشتلات المعروضة، مؤكداً أن «المعرض يشهد سنوياً زيادة في أعداد الزائرين من المواطنين؛ نظراً لجودة المنتجات المعروضة».

وعلى الرغم من ارتفاع درجات الحرارة في فترة الظهيرة بالقاهرة راهناً، فإن عشرات المراهقين والشباب وكبار السن حرصوا على التجول داخل أروقة المعرض الذي يفتح أبوابه للجمهور بداية من الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساءً، بجانب التقاط الصور التذكارية مع أشجار الزينة كما اعتادوا كل عام.

وبينما ترى إحسان محمود (65 عاماً)، إحدى زائرات المعرض أن أسعار الزهور والنباتات في دورته الجديدة مناسبة وفي متناول الأيدي، بعد شرائها شجرة «ياسمينا» صغيرة بـ10 جنيهات فقط، يؤكد عارضون من بينهم شبل مرسي، ارتفاع أسعار النباتات والأسمدة والتربة الصناعية ومستلزمات الزراعة البلاستيكية جميعها، متأثرة بارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، والعملات الأجنبية جميعها أمام الجنيه المصري أخيراً. ويضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «بالة التربة الصناعية المستورة من ألمانيا يلامس سعرها حالياً 1000 جنيه بعدما كان يبلغ العام الماضي نحو 350 جنيهاً».

ويخشى العارضون من ضعف الإقبال العام الحالي بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وغلاء أسعار السلع الغذائية وأسعار نباتات الزينة، وفق مرسي، الذي يشير إلى أن «نباتات الزينة سلعة ترفيهية، لو خُيّر المواطنون بينها وبين الطعام واللحوم لاختاروا الأخيرة لأنها أساسية»، داعياً إلى أهمية «نشر ثقافة زراعة النباتات، والتوعية بحماية الأشجار»، متمنياً «حضور جمهور هذا المعرض العريق والتاريخي رغم الاختلافات الجوهرية في دورة العام الحالي».

ويحتاج العارضون إلى مدة لا تقل عن أسبوع لتنسيق أجنحتهم بالمعرض، وقد تمتد إلى شهر، خصوصاً شركات تنسيق الحدائق، ويبلغ سعر إيجار المتر الواحد لأصحاب شركات نباتات الزينة ومستلزمات الإنتاج داخل المعرض نحو 130 جنيهاً، وهو سعر يعتبره العارضون «مناسباً».



القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
TT

القاهرة الخديوية «المرهَقة» تسعى إلى استعادة رونق الزمن الجميل

ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)
ميدان طلعت حرب في قلب القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

جولة قصيرة في شوارع القاهرة الخديوية، المعروفة بوسط البلد، كافية لإدراك الثروة المعمارية التي تمثّلها المنطقة، ما بين طُرز معمارية متنوّعة، وأنماط في البناء وتخطيط للشوارع، وزخارف ورسوم على الواجهات التراثية، تعكس حسّاً فنياً يستدعي نوستالجيا من عصور مضت.

وتعرَّضت القاهرة الخديوية في الأعوام الـ50 الماضية إلى طفرات من النزوح والتغيير، ليقبع هذا الحيّ الذي أمر الخديوي إسماعيل ببنائه عام 1872، بهدف محاكاة باريس، تحت وطأة التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. ويبدو أنّ طبيعة المكان بوصفه مركزاً تجارياً جعلته عرضة لتغييرات جذرية نالت من هيئة مبانيه وعادات سكانه وروحه.

تسعى مصر إلى استعادة القاهرة الخديوية برونقها القديم، وهو ما أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، لتصبح هذه المنطقة جاذبة سياحياً وتجارياً وثقافياً؛ معلناً أنّ مشروع التطوير سيتطلّب تخصيص عدد من شوارع القاهرة الخديوية للمشاة فقط.

يأتي هذا التوجه ضمن خطة يُشرف عليها الجهاز القومي للتنسيق الحضاري تتضمّن 4 مراحل، وفق ما يورده الجهاز في كتابه السنوي. وتستهدف الخطة تطوير منطقة وسط المدينة وإعادة إحيائها، وتحويل مشروع القاهرة الخديوية وجهةً سياحيةً وثقافيةً عالميةً، مع تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري، بالتعاون بين الجهاز ومحافظة القاهرة والجهات المعنية.

ممر «بهلر» من الطُرز المعمارية المميّزة في القاهرة الخديوية (الشرق الأوسط)

وزار عدد من المسؤولين، قبل أيام، مُثلث البورصة وشارع الشريفين لرفع كفاءتهما، وكذلك رفع كفاءة شارع الألفي وسرايا الأزبكية، والشوارع المتفرّعة منها. وأعلن الجهاز التدخّل على مستويين، هما التصميم العمراني وتطوير الواجهات، وفق تصوّر لإعادة إحياء الميادين الرئيسية في القاهرة الخديوية والمباني التراثية المطلّة عليها.

وقد رُمِّمت واجهات المباني وعُدِّلت واجهات المحلات، وأُزيلت جميع التعدّيات والمخالفات على واجهات المباني التراثية، في نطاق شارع قصر النيل، بدايةً من ميدان طلعت حرب، حتى ميدان مصطفى كامل، وفق إفادة رسمية.

وخلال مداخلة تلفزيونية، أكد عضو اللجنة العليا في جهاز التنسيق الحضاري، الدكتور أسامة النحاس، مواصلة العمل بشكل مكثّف على مشروع «تطوير القاهرة الخديوية»، لإعادة القاهرة التاريخية إلى سابق عصرها بكونها واحدةً من أهم المدن التراثية في العالم وأكبرها؛ موضحاً أن «جميع التعدّيات أُزيلت مِن على الواجهات والمباني التاريخية، سواء من المحلات أو الإعلانات وجميع الإشغالات التي تشوّه الصورة البصرية للقاهرة الخديوية»، ومؤكداً الحرص على تعزيز رونق العاصمة التاريخي والحضاري الناجم عن تفاعل العمارة المصرية الفرعونية بالغربية.

في المقابل، أشار متخصّصون في العمارة التاريخية، من بينهم مديرة «بيت المعمار المصري» سابقاً، الدكتورة هبة صفي الدين، إلى أكثر من مسار لتطوير القاهرة الخديوية، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أنّ «التطوير لا يقتصر على الأنماط المعمارية فقط، وإنما يمتدّ لاستعادة روح المكان، وما يمثّله من تاريخ عريق، إلى جانب ترميم وإعادة تأهيل المباني ذات الطراز المعماري المميّز».

أحد العقارات قيد التطوير (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وكلّف الخديوي إسماعيل، المعماري الفرنسي هاوسمان، بتصميم القاهرة الخديوية وتنفيذها في وسط مدينة القاهرة عام 1867، وتصل المساحة التي خُصصت لذلك إلى 20 ألف فدان، وتضمَّنت طُرزاً معمارية فريدة أسهم فيها معماريون فرنسيون وإيطاليون وألمان ومصريون، وفق خبراء ومؤرخين.

وتشهد منطقة وسط البلد أعمال تطوير وترميم؛ الأمر الذي يظهر في واجهات عدد من المباني، لتستعيد طابعها المعماري التراثي. وبعضها، إنْ لم يكن تراثياً، فله طراز معماري مميّز، وفق تصريح تلفزيوني لرئيس جهاز التنسيق الحضاري، المهندس محمد أبو سعدة، الذي أشار في السياق عينه إلى وجود خطة موسَّعة لتطوير منطقة وسط البلد، واستخدام المباني التاريخية بالطريقة المناسبة.

وبالتوازي والتنسيق مع الجهود الحكومية، تعمل شركة «الإسماعيلية» التي تمتلكها مجموعة من رجال الأعمال على ترميم وإعادة تأهيل 25 عقاراً ضمن أصول الشركة بوسط البلد، «القاهرة الخديوية»، باستثمارات وصلت إلى نحو 500 مليون جنيه (الدولار يساوي 50.56 جنيه مصري)، وفق تصريحات إعلامية سابقة لرئيسها.

«الحفاظ على القاهرة الخديوية نمطاً حضارياً في المعمار يجب أن توازيه استعادة ثقافة المكان عبر سلوك البشر، فلا يصحّ ترك الأمر لتغيّرات الزمن التي سمحت للعشوائية بالزحف إلى أماكن عدّة في وسط البلد»، وفق صاحب مشروع «القاهرة عنواني»، محمود التميمي، لاستعادة الطابع التراثي وروح المدينة، الذي يشيد بجهود جهات عدّة تسعى إلى استعادة رونق القاهرة الخديوية، لكنه يُشدّد على ضرورة ربط تطوير المعمار وترميمه بالحفاظ على سلوكيات المكان وثقافته.

مبنى تراثي مفترض ترميمه في المرحلة الثالثة (الجهاز القومي للتنسيق الحضاري)

وتضمّ القاهرة التاريخية أحياء عدّة، مثل: عابدين، وقصر النيل، والزمالك، وبولاق أبو العلا، وميادين التحرير وطلعت حرب ومصطفى كامل والأوبرا بالعتبة؛ وشوارع شهيرة؛ مثل: قصر النيل، وطلعت حرب، وباب اللوق، وشريف، وعدلي، ونوبار، وعماد الدين، ومحمد فريد، و26 يوليو (شارع فؤاد سابقاً).

وبينما يستعيد صاحب مشروع «القاهرة عنواني» نمطاً مميّزاً للنوادل في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته، حين كانوا يرتدون أزياء أنيقة تتمثّل في القميص الأبيض وربطة العنق على شكل فراشة، والجاكيت الأبيض، والبنطلون الأسود، كما في أفلام الأبيض والأسود؛ يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا يصحُّ أن تُرمَّم وتُطوَّر العقارات المميّزة، ثم أجد تحتها مقهى يضمّ كراسي بلاستيكية، ونادلاً يرتدي الجينز و(تي شيرت) غريب و(شبشب) في قدمه». ويوضح: «على كراسي المقاهي في هذه المنطقة التحلّي بـ(كود) يُوضع بطريقة تليق بطبيعة المكان ولا يتحرّك من مكانه».

وفي كتابه «مقتنيات وسط البلد»، يرصد الكاتب المصري الراحل مكاوي سعيد عدداً من الأماكن التي لا تزال تحتفظ ببريقها، وكان لها دور فاعل في الحياة الثقافية والترفيهية في القاهرة التاريخية والحكايات التي تدور حولها، مثل: مقاهي «ريش»، و«غروبي»، و«النادي اليوناني»، و«ستوريل»، و«أسترا»، و«علي بابا»، وقهوة «الحرية»، وكثير من الأماكن التي لا يزال بعضها باقياً، والآخر أزاحته محلات الأحذية والوجبات السريعة.

ويلفت إلى أنّ بعض الأماكن الثقافية والترفيهية، مثل: «كلوب محمد علي»، وهو حالياً «النادي الدبلوماسي»، و«كافيه ريش»، لعبت دوراً في تطوّر الحياة الثقافية والفنّية في مصر، مضيفاً: «كذلك فندق (سافوي) الذي بُنيت مكانه عمارات (بهلر)، ودور العرض السينمائي التي اشتهرت بها المنطقة، ومنحتها طابعاً ثقافياً مميّزاً نتمنّى استعادته ضمن خطط التطوير الجديدة».