تقرير يكشف الحضارة الأطول أمدا؟

تقرير يكشف الحضارة الأطول أمدا؟
TT

تقرير يكشف الحضارة الأطول أمدا؟

تقرير يكشف الحضارة الأطول أمدا؟

كثيرًا ما يُشار إلى مصر القديمة والصين وبلاد ما بين النهرين على أنها حضارات طويلة الأمد استمرت لآلاف السنين. لكن؛ أي من هذه المجتمعات استمر لأطول فترة؟ حيث لا يتفق المؤرخون المحدثون وعلماء الآثار على تعريف واحد للحضارة، بما في ذلك متى تبدأ ومتى تنتهي، ويشك العديد من الخبراء في إمكانية قياس الحضارات بهذه الطريقة. كما مرت جميع الحضارات العظيمة بفترات حكمها (أجانب) كالهكسوس في مصر، مثلا. وأيضا ربما كانت الثقافة القريبة من بداية الحضارة مختلفة عن الثقافة التي كانت قريبة من نهايتها. ونتيجة لذلك، فإن العديد من المؤرخين وعلماء الآثار المحدثين لا يعتبرون فكرة «الحضارة» مفيدة؛ وبدلا من ذلك، يتحدثون عن «ثقافات» و «تقاليد».

ما هي أقدم حضارة في العالم؟

كان الوضع مختلفًا قبل 100 عام عندما كان المؤرخون وعلماء الآثار سعداء بتسمية بعض الثقافات بأنها «حضارات»؛ ففي القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان هناك «قبول معقد للتسلسل الهرمي للمجتمعات البشرية»، جزئيًا لتبرير الإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية، وفق ما يقول روان فلاد عالم الآثار بجامعة هارفارد الخبير بنشوء المجتمعات المعقدة في الصين «لم تكن هناك صعوبة بالنسبة للأشخاص الذين قدموا من وجهة نظر أوروبية أو أميركية في تحديد تقاليد معينة وثقافات معينة على أنها حضارية، وأخرى غير متحضرة»، وذلك حسب ما نقل موقع «لايف ساينس» العلمي المتخصص.

هل الصين هي الحضارة الأطول أمدا؟

وفقًا لمعظم المقاييس (استخدام الكتابة وإنشاء المدن في ما تعنيه الحضارة بالأصل) يبدو أن الحضارة الصينية قد تكون أطول عمرًا. مع ذلك، فإن الكيفية التي ينبغي قياسها بها موضع خلاف.

ويوضح فلاد «يعتمد الأمر على كيفية تعريفك للحضارة وكيفية تعريفك للصينية، لأنني أعتقد أن هناك طرقًا متعددة معقولة يمكنك من خلالها تحديد هذين المفهومين. وكمثال على ذلك، في الكتابة الصينية التي يبلغ عمرها 3200 عام تُستخدم أشكال من نفس الرموز اليوم». مضيفا «عندما تفكر في اللغة المكتوبة الصينية، لا يوجد أي خلاف على الإطلاق بشأن استمرار وجودها منذ 3250 عامًا أو نحو ذلك حتى الوقت الحاضر. غير ان نفس المعيار لا يمكن استخدامه في أي مكان آخر. على سبيل المثال، تُنسب أقدم كتابات في الأميركتين إلى الأولمكس بحوالى 900 قبل الميلاد. وكانت الكتابة معروفة أيضًا للمايا بحوالى 250 قبل الميلاد. لكن يبدو أن الإنكا؛ الذين حكموا أجزاء من أميركا الجنوبية لنحو 400 عام حتى الغزو الإسباني في القرن السادس عشر، لم يكن لديهم كتابة (على الرغم من أنهم استخدموا حبالًا معقودة تسمى كويبو أو كيبو لتشفير المعلومات)».

وفي هذا الاطار، يُزعم أحيانًا أن الحضارة الصينية عمرها أكثر من 5000 عام. لكن بعض المؤرخين يرون أن حاضر الصين مختلف للغاية عن ماضيها بحيث لا يمكن اعتبارها حضارة واحدة مستمرة، وفق الدكتورة جوليا شنايدر المؤرخة المفاهيمية بجامعة كوليدج كورك بآيرلندا، التي تبين «لا أعتقد أن ما يحدث اليوم في الصين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأشياء التي حدثت، على سبيل المثال، قبل عام 1949 (ثورة الصين في عهد ماو تسي تونغ) أو 1911 (ثورة شينهاي التي أنهت آخر سلالة إمبراطورية في الصين)».

وتشير شنايدر الخبيرة في تاريخ الصين، إلى أن السياسيين والمؤرخين الموالين للصين يزعمون أحيانًا أن حضارة الصين هي الحضارة الأطول بقاءً في العالم، باعتبارها «نقطة شرعية». لكن «ما هي الصينية؟فهذه هي المشكلة؛ حيث ضمت المنطقة مساحة شاسعة والعديد من الأعراق المختلفة بأوقات مختلفة، وما حدث في قلب الصين يمكن أن يكون بعيدًا جدًا ثقافيًا عما حدث بجانب الصين».

جدير بالذكر، تعتبر مصر القديمة وبلاد ما بين النهرين الحضارات الأطول عمراً.

وحسب أحد التقديرات، من وقت الفراعنة الأوائل واستخدام الكتابة الهيروغليفية حتى تم استبدال دينها الأصلي بالمسيحية، استمرت الحضارة المصرية القديمة لنحو 3500 عام. غير ان مصر كانت في بعض الأحيان تحكمها سلالات أجنبية، وكان لكل من الهيروغليفية والديانة المصرية أشكال مختلفة في أوقات معينة.

وفي بلاد ما بين النهرين بدأت الكتابة السومرية بحوالى عام 3200 قبل الميلاد، ومن المحتمل أن تكون عبادة آلهة بلاد ما بين النهرين استمرت حتى القرن الثالث بعد الميلاد، وفق الدكتور فيليب جونز أمين المجموعات بالقسم البابلي بمتحف بن فيلادلفيا، الذي يؤكد «من خلال هذا الإحصاء قد يُنظر إلى بلاد ما بين النهرين على أنها حضارة دائمة». لكنه يستدرك بالقول «يجب فهم ما يقصده معظم الناس بكلمة حضارة على أنه تقدير استقرائي رفيع المستوى يميل إلى فقدان التركيز عندما تنظر عن كثب. لكن، مع ذلك، ما لم يُنظر إلى التاريخ على أنه مجموعة لا نهائية تقريبًا من الأحداث الصغيرة، فمن حق الناس أن يتوقعوا أن يحاول المؤرخون تقسيم التاريخ إلى أجزاء أكثر قابلية للإدارة».


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق 77 مشروعاً بحثياً تنتشر في مختلف المناطق السعودية (هيئة التراث)

دلائل أثرية لاستيطان العصور الحجرية في مدينة الرياض ومحيطها الجغرافي

بدأت نتائج المسح الأثري في مدينة الرياض ومحيطها الجغرافي تظهر مبكراً مع إطلاق هيئة التراث بالسعودية أعمال المسح الميداني ضمن مشروع اليمامة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق فُسِّر اللغز لفكّ غموضه (مواقع التواصل)

هيكل عظمي لـ5 أشخاص تفصل بينهم آلاف السنوات

حلَّ علماء آثار لغز هيكل عظمي غريب من بلجيكا يتكوّن من عظام 5 أشخاص عاشوا قبل 2500 عام متفرِّقين... فكيف التقت هذه المجموعة المختلطة من العظام في هيكل واحد؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تستهدف الندوة توسيع الفهم لأثر التنقل والترحال في تشكيل المجتمعات البشرية (هيئة العلا)

«ندوة العلا العالمية للآثار» تستكشف دور التنقل في تشكيل تاريخ البشرية

تهدف ندوة العلا العالمية إلى استكشاف الدور العميق للتنقل في تشكيل تاريخ البشرية، وتأمل السرديات حول القصص المتعددة عن أثر التنقل والترحال في حياة المجتمعات.

عمر البدوي (العلا)
ثقافة وفنون الحقد الاسرائيلي على صور لم ينحصر بحدود حاضرها الراهن (أ.ف.ب)

صُور مدينة الأرجوان والأساطير والمرايا العصية على الانكسار

لأسابيع خلت ظلت مدينة صور أقرب مدن الجنوب اللبناني إلى فلسطين، تعج بعشرات الآلاف من أبنائها المقيمين،

شوقي بزيع

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

بالتضامن مع القضية الفلسطينية والاحتفاء بتكريم عدد من السينمائيين، انطلقت فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان «القاهرة للسينما الفرانكفونية»، الخميس، وتستمر فعالياته حتى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعرض 75 فيلماً من 30 دولة فرانكفونية.

وشهد حفل الافتتاح تقديم فيلم قصير منفذ بالذكاء الاصطناعي، للتأكيد على أهمية تطويع التكنولوجيا والاستفادة منها في إطار تحكم العقل البشري بها، بجانب عرض راقص يمزج بين ألحان الموسيقار الفرنسي شارل أزنافور احتفالاً بمئويته، وموسيقى فريد الأطرش في ذكرى مرور 50 عاماً على رحيله.

وكرّم المهرجان المخرج المصري أحمد نادر جلال، والإعلامية المصرية سلمى الشماع، إلى جانب الممثلة إلهام شاهين التي تطرقت في كلمتها للتطور الذي يشهده المهرجان عاماً بعد الآخر، مشيدة بالأفلام التي يعرضها المهرجان كل عام من الدول الفرانكفونية.

وأكد رئيس المهرجان ياسر محب «دعم المهرجان للشعب الفلسطيني في الدورة الجديدة»، مشيراً إلى أن السينما ليست بمعزل عما يحدث في العالم من أحداث مختلفة.

وأوضح أنهم حرصوا على تقديم أفلام تعبر عن التغيرات الموجودة في الواقع الذي نعيشه على كافة المستويات، لافتاً إلى أن من بين الأفلام المعروضة أفلاماً تناقش الواقع السياسي.

جانب من الحضور في حفل الافتتاح (حساب إلهام شاهين على «فيسبوك»)

وشهد حفل الافتتاح كلمة للمستشار الثقافي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة ناجي الناجي، أكد فيها على دور الفن في دعم القضية الفلسطينية، مشيداً بدور الأعمال الفنية المتنوعة في التعبير عن القضية الفلسطينية وعرض 14 فيلماً عنها ضمن فعاليات الدورة الجديدة للمهرجان.

وتضمن حفل الافتتاح رسالة دعم ومساندة للشعب اللبناني من خلال عرض الفيلم التسجيلي «ثالث الرحبانية» عن حياة وإبداعات الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، وحظي بتفاعل كبير من الحضور.

وقال المنتج الفلسطيني حسين القلا الذي يترأس مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة لـ«الشرق الأوسط» إن «السينما ليست مجرد مشاهدة للأفلام فحسب، ولكن ربط بين الثقافات والحضارات المختلفة»، مشيراً إلى طغيان ما يحدث في غزة على كافة الفعاليات السينمائية.

ويترأس القلا لجنة التحكيم التي تضم في عضويتها الفنانة التونسية عائشة عطية، والفنان المصري تامر فرج الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المهرجان ليس منصة فقط لعرض الأفلام السينمائية للدول الفرانكفونية، ولكنه مساحة للتعبير عن المبادئ التي تجمع هذه الدول، والقائمة على المساواة والأخوة والسعي لتحقيق العدل، الأمر الذي ينعكس على اختيارات الأفلام».

وعدّ الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين، المهرجان «من الفعاليات السينمائية المهمة التي تهدف لتعزيز التبادل الثقافي مع 88 دولة حول العالم تنتمي للدول الفرانكفونية، الأمر الذي يعكس تنوعاً ثقافياً وسينمائياً كبيراً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المهرجان يركز على استقطاب وعروض أفلام متنوعة وليس (الشو الدعائي) الذي تلجأ إليه بعض المهرجانات الأخرى».

وعبر عن تفاؤله بالدورة الجديدة من المهرجان مع أسماء الأفلام المتميزة، والحرص على عرضها ومناقشتها ضمن الفعاليات التي تستهدف جانباً ثقافياً بشكل بارز ضمن الفعاليات المختلفة.