رغم أنه ليس من السهل استكشاف الكلمة المكتوبة، هيكلها، وهندستها، تستطيع أعمال الفنانة السعودية لولوة الحمود تقديم كل هذه المضامين بسلاسة وإبهار، لتشكّل حالة فنية فريدة. ووسط حفاوة بحرينية متعطشة لاكتشاف ملامح هذه التجربة، افتتحت قبل أيام معرضها «تقاطع الأبعاد»، في مساحة «الرواق للفنون» بالعاصمة المنامة.
تقول الحمود: «تُعنى أعمالي بالقوانين الهندسية وما تنطوي عليه، ما قادني للبحث في الكلمة المكتوبة لكونها التكوين المرئي للصوت، وذلك لبناء تكوينات جديدة واكتشاف إيقاعات خفية في أثناء تجريدها من أشكالها المعتادة»، مضيفة: «التأمل في العلاقة ما بين المحدود واللامحدود مكنني من استكشاف أبعاد أسمى في الوعي المكاني، من خلال استخدام خطوط وتشكيلات هندسية وتداخلات من الأشكال المجرّدة، تشكل انطباعات لا نهائية لتحدّد علاقات جديدة بين عناصرها وتُلهم حوارات بين الأبعاد التي يمكن للمتلقي فك رموزها عند تأمّلها».
حقائق
32 عملاً فنياً
يأتي أقدم أعمال الفنانة لولوة منذ عام 2008، ليتدرّج تاريخياً ويستمر خلال هذه الفترة التي ازدادت فيها تجربتها الفنية نضجاً وعمقاً
يضمّ المعرض 32 عملاً يأتي أقدمها منذ عام 2008، ليتدرّج تاريخياً ويستمر خلال هذه الفترة التي ازدادت فيها تجربتها الفنية نضجاً وعمقاً. عنه تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لطالما اشتغلتُ على الهندسة وعلاقتها بالأبعاد، وهو ما يشكل معظم أعمالي»، علماً بأنه لدى الحمود أيضاً أعمال ثنائية الأبعاد وثلاثية الأبعاد، في حالة فنية قلّما تتكرر.
بسؤالها عن المختلف في «تقاطع الأبعاد»، تشير إلى أنه يقدّم أعمالاً فنية اشتهرت بها، وتضيف: «أُعدّ نفسي مُجدِّدة ولا أسير على وتيرة واحدة. صحيح أنني معنيّة بالقوانين الهندسية والحرف العربي وعلاقته بالهندسة، لكنني أحب التجدّد والتجارب وتنويع المواد، بحيث يلحظ المتلقي هذا التجدد بين عمل وآخر».
«لطالما اشتغلتُ على الهندسة وعلاقتها بالأبعاد، وهو ما يشكل معظم أعمالي»
الفنانة السعودية لولوة الحمود
يلفت زوار المعرض تطويع الحرف العربي في عوالم الفن المعاصر رغم صعوبته؛ فيخطر سؤال حول كيفية تمكّن الحمود من ذلك. تجيب: «منذ زمن، انجذبت إلى الخط العربي بشكل عام، وخلال الدراسة، لاحظتُ أنه لم ينل قيمته باعتباره فناً يتطلّب مهارة عالية. اقتنيتُ حينها كتباً تتناول الخط العربي من خارج البلاد، وتابعتُ مراحل تطوّره، قبل ميلي الفني إليه».
وتتطرّق إلى دراستها للتصميم في لندن، واهتمامها حينها بالخط الطباعي اللاتيني، لكنها عندما تقدّمت إلى جامعة «سانت مارتن» لنيل شهادة الماجستير، اختارت أن يتناول موضوع بحثها الخط العربي وتطوّره منذ بدايات الإسلام حتى العصر الحالي، وكيفية دخوله عالم الفن، مشيرة إلى رواده، مثل حسن المسعودي، ورجاء المهداوي، وأحمد مصطفى، وسميرة الصايغ، ممن تعتبرهم أدخلوا الحروفية في الفن المعاصر.
وعلى مدى هذه السنوات، ظلّ تطويع الحرف العربي في الحضارات المختلفة وتعدّد أشكاله ضمن بوتقة الفن الإسلامي؛ أمراً يشغل لولوة الحمود، فأجرت بحثاً يتضمّن فنانين عدّة، ولم تتوافر حينها المراجع الكافية كما تقول، ما دفعها لإجراء هذا البحث النوعي عبر السفر لدول عدة ومقابلة الفنانين. وبعدما أكملت الماجستير؛ أعدت فيلماً أكاديمياً يتناول تطوّر الخط العربي، قائلة: «كل ذلك جعلني أتشرّب هذا الفن بالبحث والاكتشاف، فازداد شغفي ولا أزال أواصل التعلّم. الفنان لا يقف عند حدّ».
شيفرات جديدة
يبدو لافتاً ما ذكرته الحمود أنّ أول معرض فردي قدّمته كان في البحرين قبل نحو 10 سنوات، ومع مؤسسة «مساحة الرواق للفنون» أيضاً، ما يجعل عودتها الحالية في معرض «تقاطع الأبعاد» تمثل مرحلة فنية متقدّمة بعد عقد. ومنذ ساعات المعرض الأولى، استقطب عدداً كبيراً من الفنانين البحرينيين والمهتمين بالفن.
بسؤالها عن أكثر الأسئلة التي تلقتها من الزائرين، تردّ: «كثيرون سألوا كيف استطعتُ تقديم شيفرات جديدة للأحرف العربية، وعن كيفية قراءة هذه الشيفرات»، مضيفة أنه في اليوم الذي تلا افتتاح المعرض، جمعتها جلسة حوارية شهدت حضوراً كبيراً، علماً بأنّ معرضها «تقاطع الأبعاد» يستمر حتى 6 يوليو (تموز) المقبل.
الأزرق تعبيراً عن النور
يطغى اللون الأزرق على أعمال لولوة الحمود، سواء في «تقاطع الأبعاد» أو مشاركاتها الفنية الأخرى. عنه تقول: «أراه لوناً مرتبطاً بالنور، فما بين الظلمة والنور، خط فاصل هو باللون الأزرق، يتضح في فترتَي الغروب والشروق. كما أنّ هذا النور ليس مرئياً فقط، فالنور الداخلي النابع من الإيمان يحمل دلالة هذا اللون».
وما بين عمق اللون الأزرق ومرجعية الأحرف العربية، إلى القرآن الكريم ونقوش الهندسة الإسلامية، فإنّ كل هذا المزيج يشكل حالة روحانية ترافق أعمال الحمود التي تكشف عن أنّ أكثر عمل اشتغلت عليه وتعدّه مشروع حياتها هو «مشروع أسماء الله الحسنى» الذي نال صدى عالمياً واشتراه المتحف البريطاني.
يُذكر أنّ الفنانة السعودية تعيش وتعمل بين بريطانيا والمملكة العربية السعودية؛ وقد حصلت على جائزة «الروابي» في لندن (2020) لتعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين. كما نالت «الجائزة الوطنية للفنون البصرية» في الرياض (2021). وهي حاصلة على درجة الماجستير في الفنون الإسلامية من جامعة الفنون بلندن، كما عملت مع المتحف البريطاني (2007) في مشروع لتعليم الفن العربي/الإسلامي. وعُرضت أعمالها في العديد من المعارض الفردية والجماعية، وكذلك ضمن المتحف البريطاني، والعديد من المجموعات الأخرى في الولايات المتحدة وأوروبا والخليج العربي.