ما بين طاجن الأرز المعمّر بالحمام، و«كبة شيش برك»، تمتزج الثقافتان المصرية واللبنانية في مطعم «جايدا» على ضفاف نيل القاهرة، بينما مشهد المياه الهادرة يفتح الشهية ويزيد من متعة الإقبال على تناول الطعام.
يبرز «جايدا»، الكائن بفندق «سوفيتل داون تاون النيل القاهرة»، مستهدفاً استعادة نكهات «أكل البيت» الأصيلة، مقدّماً مزيجاً متكاملاً ومتناغماً من المطبخين المصري واللبناني التقليديين.
يحمل المطعم اسم حجر كريم أخضر اللون، موجود في الطبيعة لكن يصعب العثور عليه، وهو المعنى الذي يمتد إلى كافة تفاصيل المكان.

يقول الشيف محمد سيد لـ«الشرق الأوسط»: «جوهر تجربتنا بالمطعم هو تقديم تجربة طعام تُشبه ما تعدّه الأمهات في المنازل المصرية واللبنانية، وعندما يأكل الزبون طبقاً لدينا، يجب أن يشعر وكأنه يتناول طعام والدته، لذا فجميع الأصناف التي وقع الاختيار عليها في قائمة الطعام، هي تلك التي تُطهى في المنازل بطريقتها التقليدية».
ويرى الشيف أن المطبخين المصري واللبناني مختلفان تماماً، والفارق الأساسي يكمن في طريقة الطهي؛ فالمطبخ المصري يميل إلى الأطعمة «المُسبكة»، بينما يشتهر المطبخ اللبناني بأطباقه الخفيفة التي تعتمد على زيت الزيتون والزبادي. ولكنهما يتشاركان في روح الأصالة والبعد عن التكلّف، وبالتالي يُكمل المطبخان بعضهما البعض، وهو ما ساهم في نجاح فكرة دمجهما في «جايدا».
تركّز القائمة على الأطباق التي تحمل طابعاً أصيلاً، بما يشمل الطواجن والمشاوي والمزات (المقبلات) الباردة والساخنة، وهي متوازنة بين المطبخين، وهدفها تلبية كل رغبات الزائر.

فمن الجانب المصري، يبرز طاجن الأرز المعمّر بالحمام، وهو طبق تقليدي غني بالنكهات، يُطهى ببطء في الفرن ليمنح متذوّقه تجربة لا تُنسى، كذلك يوجد طاجن ورق العنب بالكوارع، وهو طبق يحمل نكهة غنية.
ومن الطواجن اللبنانية، يقدّم المطعم «لبن أمه» (مكعبات اللحم الضأن مع الزبادي) و«كبة شيش برك»، وهما طبقان تقليديان معروفان في المطبخ اللبناني، كذلك فتة الدجاج، وهي من الأطباق التي تلقى رواجاً كبيراً.
ويضيف الشيف: «نعتمد بشكل كبير على المشاوي المشكلة مثل الكفتة والكباب والشيش طاووق، وأنواع مميزة من الكفتة اللبنانية مثل كفتة الجبن الحلّوم وكفتة الفستق. إلى جانب المزات الباردة والساخنة، وهي عناصر تُشكّل العمود الفقري لقائمة الطعام لدينا، وتمنح الزائر فرصة تذوق تنوّع المطبخين في طبق واحد».

ومن المزَّات الباردة يقدّم المطعم السلطة الخضراء وبابا غنوج والفتوش والتبولة والمحمرة واللبنة والحمص. أما المزات الساخنة فمنها حمص أورما، ومقانق لحم الضأن مع عصير الليمون ودبس الرمان والصنوبر.
ومن أكثر الأطباق التي تلقى إعجاب الزوار، ويرشحها أيضاً الشيف سيد، هو الأرز المعمّر بالحمام، عنه يقول: «نقدمه بطريقة كريمية، حيث تُطهى قطع الحمام المنسّلة وتُخلط بالأرز قبل دخول الطاجن إلى الفرن، وهو طبق ينال رضا جميع الزوار، حتى الزبائن الفرنسيين الذين زارونا مؤخراً أبدوا إعجاباً شديداً بهذا الطاجن».
أما من الجانب اللبناني، فيقول الشيف: «لدينا طبق كبة شيش برك، وهو مزيج بين الكبة والشيش برك التقليدي اللذين يُقدَّمان في لبنان كل منهما على حدة، لكننا جمعناهما في طبق واحد، وهو عجينة محشوة باللحم والصنوبر، تُقلى وتُغمر في صوص الزبادي، وهو ما خلق تجربة جديدة نالت إعجاباً كبيراً».
ويُكمل اللبناني إيلي أبو زخم، مدير الأغذية والمشروبات بالفندق، متحدثاً عن فلسفة «جايدا»، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «نؤمن بأن أصالة المطبخين المصري واللبناني لا تحتمل التغيير، لذا رؤيتنا تقوم على تقديم الأطباق التقليدية كما هي، دون أي تعديل أو ابتكار يمس مكوناتها الأساسية. بالنسبة لنا، الأرز المعمّر هو الأرز المعمّر، والتبولة هي التبولة، دون إضافات أو تعديلات قد تُشوّه مذاقها الأصيل الذي توارثناه، فنحن نحافظ على هوية أطباقنا لا لنغيّرها».

ويؤكد أن الجودة عنصر أساسي أيضاً في فلسفة عملهم، موضحاً أن «الجودة هي أساس تميزنا، ولا يمكن أن نتنازل عنها تحت أي ظرف، لذا نحرص على استخدام أفضل المكونات. كما نؤمن بأن كل مطبخ يجب أن يقوده طاهٍ من بلده الأصلي، لذلك لدينا طاهٍ لبناني وآخر مصري، لضمان أن كل طبق نقدمه يحمل روح البيت وأصالته، وعملهما سوياً سر نجاحنا».
ويتابع: «نحرص على أن تكون الكميات المقدّمة سخية، فعندما يرى الزبون حجم الطبق، يدرك أنه حصل على قيمة حقيقية مقابل ما دفعه، وهذا ما يميزنا في السوق».
وما يميز «جايدا» أيضاً تصميمه الأنيق وإطلالته الخلّابة على النيل، لذا تُعد ديكورات المطعم انعكاساً لفلسفة المكان، يقول إيلي: «فلسفتنا في التصميم الداخلي تقوم على تحقيق التناغم بين ثلاثة ألوان: الألوان الترابية الدافئة، ودرجات البيج الهادئة، واللمسات الديكورية بوجود النباتات الخضراء. فهذا المزيج يهدف إلى خلق أجواء من الرقي والراحة للعين في آن واحد، ويمنح الزائر شعوراً بالهدوء والاسترخاء، كأنه في منزله».
وأضاف: «لا يقتصر الوجود في (جايدا) على مجرد تقديم الطعام، حيث نسعى إلى تقديم تجربة متكاملة تبدأ من الموسيقى التي تصاحب غروب الشمس، وصولاً إلى أدق التفاصيل مثل تصميم الشوكة والسكين، وشعار المطعم، وحتى طريقة تقديم الأطباق. كل هذه العناصر مجتمعة تخلق تجربة فريدة للزائر، فإذا لم تكن أي من هذه التفاصيل مثالية، فإنها ستؤثر على الزيارة بأكملها».










