هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

السماق والزعفران والكاري... إضافات جديدة

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».


مقالات ذات صلة

الشيف حسين فياض: «زيت الزيتون ينافس الزبدة بشهرته العالمية»

مذاقات أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)

الشيف حسين فياض: «زيت الزيتون ينافس الزبدة بشهرته العالمية»

بدقة متناهية يعتمد فيها على المسطرة و«المازورة» والمعايير بالغرامات يعمل الشيف حسين فياض وإذا ما تصفحت صفحته الإلكترونية عبر «إنستغرام»

فيفيان حداد (بيروت )
مذاقات القشطوطة (الحساب الرسمي لمحل بلبن)

الحلويات المصرية تتأثر بالعرب المقيمين

«الحلو إيه» سؤال اعتاد المصريون ترديده بمجرد الانتهاء من سفرة الطعام، فـ«التحلية» جزء أصيل من العادات الغذائية حول العالم، غير أن هذه الأصناف الحلوة شهدت تطورات

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
مذاقات اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)

حكايةُ الكنافة بالشكولاته في دبي نجمة الإنترنت الشهية

تخدع التسمية؛ ففي لبنان مثلاً تعني الكنافة كعكة محشوَّة بجبن تعلوه حلوى أقرب إلى «النمّورة»، وسط كثافة القَطر المتدلّي، عادةً، إلا لمَن يفضِّل الحدّ من الحلاوة

فاطمة عبد الله (بيروت)
مذاقات بيير هيرميه «بيكاسو الحلويات» (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه «بيكاسو الحلويات» في أبوظبي

أعلن فندق «روزوود أبوظبي» افتتاح «المجلس من بيير هيرميه»، الذي سيكون الوجهة الفريدة من نوعها في قلب «جزيرة الماريه».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي )
مذاقات حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)

مثلّجات تخطّى عمرها القرن تُحرّك ذاكرة متذوّقيها

تُكمل كلود قريطم طريق جدّها ووالدها مع شقيقتها، مُتجاوزةً تحدّيات لبنان الاقتصادية والأمنية، بالإصرار على الصمود والجودة وأمانة حَمْل الإرث.

فاطمة عبد الله (بيروت)

تطبيق «فرانكي» يكافئ ناشري فيديوهات الطعام والمطاعم بمبالغ مادية

تطبيق «فرانكي» يكافئ ناشري فيديوهات الطعام والمطاعم بمبالغ مادية
TT

تطبيق «فرانكي» يكافئ ناشري فيديوهات الطعام والمطاعم بمبالغ مادية

تطبيق «فرانكي» يكافئ ناشري فيديوهات الطعام والمطاعم بمبالغ مادية

أطلق تطبيق الاستكشاف الاجتماعي الأميركي «فرانكي» برنامجاً جديداً باسم «النادي الاجتماعي» (سوشيال كلوب) يمنح منتجي المحتوى مكافآت مقابل مشاركاتهم التي ينشرونها على التطبيق من خلال السماح لهم بالحصول على مقابل مادي عندما يشترون

الوجبات الغذائية من المطاعم باستخدام بطاقة مرتبطة بصاحب المحتوى.

ويستهدف البرنامج تشجيع المزيد من المستخدمين على الاشتراك في التطبيق والحصول على المكافآت والمساعدة في الترويج للمطاعم والمشروعات المحلية في نهاية الأمر.

يذكر أن تطبيق «فرانكي» يعتمد على مشاركات الفيديوهات، حيث يمكن للمستخدمين التفاعل مع محبي الطعام والذواقة واستكشاف أماكن جديدة لتناول الأكل وإنتاج فيديوهات خاصة بهم لعرض المطاعم المفضلة لديهم.

كما أطلق التطبيق خاصية جديدة خلال الأسبوع الماضي باسم «أدفانشرز» التي تشبه مغامرات البحث عن الكنز، لكنها تتيح للمستخدم العثور على المطاعم الموجودة في الجوار.

يذكر أن شركة «فرانكي» تأسست عام 2021 وأطلقت على نفسها «تيك توك لعرض تقييمات المطاعم»؛ بهدف الابتعاد عن الطريقة المكتوبة لتصنيف المطاعم وفقاً لمؤشر الخمس نجوم. ومع تزايد شكوك المستخدمين في التقييمات المزيفة عبر الإنترنت والتي أعلنت هيئة التجارة الاتحادية الأميركية حظرها في الأسبوع الماضي، أخذ المستهلكون يتحولون نحو منصات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الفيديوهات القصيرة للحصول على آراء أكثر مصداقية بشأن المطاعم.

ونقل موقع «تك كرانش» المتخصص في موضوعات التكنولوجيا عن إيوجين فاريكشيو، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة «فرانكي»، القول إن «العملاء يتطورون... هم يستخدمون (يلب) و(غوغل) لأنهما سهلان في الاستخدام، لكن بحثنا يقول إن العملاء يبحثون في ثلاثة مصادر ونصف المصدر في المتوسط لكي يتأكدوا من الحصول على التقييم الصحيح ويتجنبون الأخطاء، كما يزورون موقعين ونصف الموقع مختلفين لتسجيل تجربة؛ لذلك فإن الأمر مرهق للغاية لأنهم بالضرورة لا يثقون في المصادر».

في الوقت نفسه، يستهدف برنامج «سوشيال كلوب» من «فرانكي» مكافأة العملاء الدائمين للمطاعم بنظام الأموال المرتدة لهم، وهذا يعني أن العميل عندما يشتري وجبة من المطاعم المشتركة في البرنامج سيستعيد جزءاً من قيمة الوجبة التي دفعها بهدف تشجيعه على العودة للشراء من المطعم. كما أن التطبيق يعطي أصحاب فيديوهات عروض المطاعم مكافآت مماثلة.

يعمل تطبيق «فرانكي» حالياً في 30 مدينة أميركية، منها أوستن، ودالاس، ودنفر، وشيكاغو، وهوستون، ولوس أنجليس ونيويورك. وتستهدف الشركة التوسع في الولايات المتحدة طوال العام المقبل ثم التوسع في دول العالم خلال عامين.

وبحسب الشركة، فإنها منحت منتجي المحتوى على التطبيق أكثر من 500 ألف دولار، في حين تضاعف إيراداتها كل ثلاثة أشهر وتنمو بنسبة 30 في المائة كل شهر.

يشار إلى أن التطبيق يضم حالياً نحو 25 ألف مستخدم ناشط شهرياً وأكثر من 5000 مطعم.

ويعمل التطبيق على الأجهزة الذكية التي تعمل بنظامي التشغيل «أندرويد» و«إي أو إس».