جمعية لندنية تُبلسم بالطبخ غربة المهاجرين

يعملون في مناخ قرقعة الطناجر وعلى أنغام موسيقى شرقية

الطبخ يعزّز الروابط (فيسبوك الجمعية)
الطبخ يعزّز الروابط (فيسبوك الجمعية)
TT

جمعية لندنية تُبلسم بالطبخ غربة المهاجرين

الطبخ يعزّز الروابط (فيسبوك الجمعية)
الطبخ يعزّز الروابط (فيسبوك الجمعية)

تضمّ مؤسّسة «مايغرتفول» الخيرية في لندن لاجئين ومهاجرين يقدّمون دروساً في الطبخ لعامة الناس، مما يتيح لكثر التعرّف إلى ثقافات الدول الوافدين منها. ومن بين هؤلاء اللاجئة السورية في بريطانيا فاتن التي ينكبّ تلامذتها في مطبخ الجمعية اللندنية على إعداد الوصفات العائلية، مثل التبولة، وشاورما الدجاج، و«شيخ المحشي» (الباذنجان المحشوّ باللحم المفروم).

تضمّ مؤسّسة «مايغرتفول» الخيرية في لندن لاجئين ومهاجرين (فيسبوك الجمعية)

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، يتولّى كل فريق يضمّ اثنين من المشاركين طهو أحد الأطباق الـ6 الموجودة في قائمة اليوم، بمساعدة ناجي وسانوبار، المدربَيْن عضوي الجمعية اللذين يقدّمان النصائح وأحياناً يساعدان في الطبخ.

وفي مناخ قرقعة الطناجر والسكاكين وأدوات المطبخ، وطقطقة الخضراوات في الزيت المغليّ، وعلى أنغام موسيقى شرقية في الخلفية، ينكبّ هؤلاء الشباب اللندنيون لـ3 ساعات على إعداد الأطباق، وفي نهاية الحصة التدريبية، يتشارك الجميع ثمرة عملهم.

يقول ناجي: «عندما يطبخ الأشخاص معاً ويتشاركون الطعام، ينشأ رابط بينهم، ويتعلّم المرء من الأشخاص الذين يأكل معهم، عن ثقافتهم وحياتهم».

الطبخ وسيلة ابتكار (فيسبوك الجمعية)

غادر هذا الفنان، الذي طلب عدم ذكر اسم شهرته، بلده أفغانستان عام 2021 عندما استعادت حركة «طالبان» السُّلطة. وبعدما أمضى 9 أشهر على الطرقات، مروراً بإيران وتركيا واليونان وفرنسا، نام خلالها تحت الجسور أو في محطات القطارات، وصل إلى بريطانيا في يونيو (حزيران) 2022. وأودِع بداية مأوى للمهاجرين في جنوب لندن، حيث لم يستطع العمل ولا الدراسة، ولم يكن مرتاحاً لتقاسم السكن مع غرباء.

يروي أنه كان «شديد الاكتئاب في الأشهر الأولى»: «كنت أمكث في غرفتي كثيراً». لكنّ كل شيء تغيّر عندما انضمّ إلى «مايغرتفول».

أدرك أنه موهوب في الطبخ منذ المراهقة، عندما كان أصدقاؤه يدعونه إلى إعداد الوجبات لهم. لكنّه اليوم بات يتمتع بتدريب «مثل المحترفين» وفّرته له الجمعية.

ومنذ أن حصل على صفة اللاجئ في سبتمبر (أيلول) 2023، بات في إمكانه العمل وكسب الدخل من خلال إعطاء دروس تنظّمها «مايغرتفول» وتوفير خدمات إعداد الوجبات للمآدب والحفلات.

ويمثّل الطبخ أيضاً بالنسبة إليه وسيلة للتعبير عن قدرته الفنية على الابتكار، إذ يرى أنّ «الطعام يجب ألا يكون لذيذ المذاق فحسب، بل ينبغي كذلك أن يبدو جميل الشكل».

أما سانوبار مجيدوفا، فانتقلت من أوزبكستان إلى بريطانيا لتتيح لأطفالها تعليماً ذا جودة أفضل من ذلك المتاح لهم في بلدها الواقع في آسيا الوسطى. وبعد عام على وصولها، اضطرّت إلى التزام منزلها بفعل إجراءات الحجر خلال الجائحة.

تروي أنها لم تكن تجيد اللغة الإنجليزية، وأنها بقيت في المنزل مع أطفالها الـ4، «وكانت مرحلة صعبة».

وسعياً إلى إسعاد أطفالها، كانت تبحث عن وصفات جديدة على الإنترنت كل يوم. وبعدما سمعت عن «مايغرتفول» من أحد الأصدقاء، أدركت أنها تستطيع تحويل شغفها إلى مهنة.

وأكثر ما تهواه إعطاء دروس لتعليم كيفية صنع طبق «بلوف»، النسخة الأوزبكية من بيلاف الأرز.

الطبخ يتيح التعرّف إلى ثقافات الدول (فيسبوك الجمعية)

بدورها، تشرح مؤسِّسة «مايغرتفول» جيس تومسون أنّ الجمعية «تضمّ أعضاء من 38 جنسية، وهذا يعني كثيراً من أنواع المطبخ المختلفة والمثيرة». وتركّز في عملها على ضحايا الهجرة القسرية من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية.

وتلاحظ تومسون أنهم «يجدون أنفسهم معزولين اجتماعياً عند وصولهم» إلى بريطانيا. وتوضح أن «مايغرتفول» توفّر لهم «ملجأ ومجتمعاً، يمكنهم من خلالهما تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذاتهم لأنهم يرون أنّ لديهم ما يسهمون به» حيث هم.

ويجد كثر منهم عملاً في المطاعم أو يؤسّسون مشاريعهم الخاصة في مجال إعداد الطعام للمناسبات، بعد عملهم في مطابخ الجمعية التي تأمل أيضاً في تغيير العقليات تجاه الهجرة.

تختم جيس تومسون: «عندما نلتقيهم ونقضي معهم هذا الوقت ونشاركهم الطعام، فإننا ننظر إليهم بوصفهم بشراً لا خطراً».


مقالات ذات صلة

النازحون السوريون يعانون جحيم حرب جديدة

المشرق العربي سوريون ولبنانيون على معبر المصنع بين لبنان وسوريا هرباً من القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط) play-circle 02:57

النازحون السوريون يعانون جحيم حرب جديدة

أوضاع صعبة يعيشها آلاف السوريين الذين اضطروا مجدداً للهرب من مخيمات كانت تؤويهم في مناطق الجنوب اللبناني والبقاع بعد قرار إسرائيل توسعة الحرب على لبنان.

بولا أسطيح (بيروت)
شؤون إقليمية أطفال سوريون وُلدوا في مخيمات اللجوء بتركيا (أرشيفية)

لاجئون وخبراء لـ«الشرق الأوسط»: عفو الأسد غير مقنع وسيضر السوريين في تركيا

أثار المرسوم الرئاسي السوري بشأن العفو عن بعض الهاربين في الداخل والخارج بشرط تسليم أنفسهم، جدلاً واسعاً في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية العفو الرئاسي السوري هل سيحل مشكلة اللاجئين في تركيا؟ (أرشيفية)

هل يمنح عفو الرئيس السوري عن الهاربين تركيا فرصة للتطبيع وعودة اللاجئين؟

رأت أوساط تركية أن قرار العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد بشأن الفارين داخل البلاد وخارجها، يشكل فرصة لدفع التطبيع وعودة اللاجئين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
يوميات الشرق أرادت محو الأحكام المسبقة عندما يتعلّق الأمر بامرأة وافدة من الشرق الأوسط (صور ريتا حايك)

ريتا حايك لـ«الشرق الأوسط»: في «البرابرة» أُثبتُ مَن أكون

بدأ عرض «البرابرة» في الصالات الفرنسية، وتأمل فنانته بعرضه في لبنان متى تهدأ ناره. ترى أنّ إشكاليته مطروحة، وتهمّ المُشاهد المحلّي لانخراطه في جدلية اللاجئين.

فاطمة عبد الله (بيروت)
شؤون إقليمية مقاتلات تركية تهاجم مواقع لـ«العمال الكردستاني» شمال العراق (من مقطع فيديو لوزارة الدفاع التركية)

الجيش التركي يدمر مواقع لـ«العمال الكردستاني» ويقتل قيادياً شمال العراق

أعلنت وزارة الدفاع التركية تدمير مواقع لحزب العمال الكردستاني خلال عملية جوية شملت مناطق عدة في شمال العراق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)

الشيف أميرة حسن تجمع أطباق السعودية ومصر بـ«الحب»

الشيف المصرية أميرة حسن (الشرق الأوسط)
الشيف المصرية أميرة حسن (الشرق الأوسط)
TT

الشيف أميرة حسن تجمع أطباق السعودية ومصر بـ«الحب»

الشيف المصرية أميرة حسن (الشرق الأوسط)
الشيف المصرية أميرة حسن (الشرق الأوسط)

منذ طفولتها ارتبطت شيف أميرة حسن، بالمطبخ الشرقي عامةً. فما بين مولدها ونشأتها في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى إرثها الغذائي القادم من موطن أبيها بالصعيد (جنوب مصر)، تكونت ذاكرتها الوجدانية والبصرية عن الطعام.

تحتفي الشيف المصرية مقدمة فقرة «الطعام الشرقي والشعبي» في البرنامج التلفزيوني «4 شارع شريف» بالأكلات اللذيذة والأطباق الشهية من مختلف مطابخ العالم، لكنها تعد المطبخ الشرقي مميزاً، والطعام الشعبي الأكثر جذباً للناس حول العالم.

الشيف المصرية أميرة حسن (الشرق الأوسط)

وترجع أميرة اختلاف المطبخ الشرقي عن أي مطبخ آخر إلى أنه يرتبط بـ«لمة العائلة» والأصدقاء والجيران؛ حيث اعتاد الناس على التجمع في المناسبات السعيدة. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنه طعام مُحمل بذكريات الطفولة وإرث الأجداد في البيوت العربية».

وتنصح أميرة متابعيها بالطهي بـ«الحب»، وتعدد أميرة حسن أكلات مشهورة في المنطقة العربية ارتبطت بأيام لا تُمحى من الذاكرة: «لم أعرف في طفولتي سوى الأكلات السعودية؛ كنا نجتمع في الولائم، والعزومات».

وتتابع: «أتذكر على سبيل المثال (المرسة)، وهي تشبه الفطير في مصر، كانت ترتبط بوجبة الإفطار الجماعي بعد صلاة العيد مباشرة، وتتكون (المرسة) من الدقيق والموز والعسل والسمن، وتكون المكونات مهروسة مع بعضها، وما زلت أحرص على تقديم طريقتها للمشاهدين والمتابعين لي على إنستغرام».

«أما (التميس) فكان ولا يزال الخبز المفضل لي، أجيد صنعه ويذكرني بنوع خبز في الصعيد أقدمه مع زيت الزيتون، وأتبع الطريقة التقليدية الخاصة بتحضيره، ولكم تأخذني إلى طفولتي لحظات وضع كريات عجينة خبز التميس في صينية مدهونة بالزيت، وخبزها في الفرن».

تضيف: «عندما عدت إلى مصر، نمت فكرة أن أصبح طاهية، كنت أعمل على ابتكار أطباق جديدة، لا سيما بين المطبخين المصري والسعودي، لكن لم أكن ألقى ترحيباً كافياً بالفكرة من قبل أبي الذي يعشق الأكل التقليدي».

وتلفت إلى حرصها منذ بدايتها على متابعة برنامج الطاهي أسامة السيد، والشيف منى عامر، ثم برامج طهاة أجانب من بينهم إيميرل لاغاسي، ومارثا ستيوارت، وجيمي أوليفر.

«فرصتي الحقيقية للانطلاق في عالم الطهي، جاءت بعد أن أنهيت دراستي وتزوجت»، وفق تعبيرها، لافتة إلى أنها حصلت على دروس متخصصة في فنون الطهي، وإدارة المطاعم والسلامة المهنية والإسعافات الأولية في المطبخ. كما عملت أميرة في شركة تطبيقات ذكية للطعام.

وتعتمد فكرة برنامجها على الأكل الشرقي «على أصوله»، وتقول: «المشاهدون يهتمون للغاية بأكل جداتنا والوصفات القديمة، ولا يزال الرجل الشرقي شغوفاً بالطواجن والصواني والأرز المعمر والمحاشي والبط والحمام المحشي».

تقر أميرة بأن هناك وصفات أصيلة لا يمكن المساس بها أو الاقتراب منها لتعديلها أو تطويرها؛ في مقدمتها الملوخية والمحاشي والصواني، وتضيف: «البعض حاول تطوير بعض الأطباق الشهيرة مثل الكشري، فرأيناه بالكبدة والشاورمة على سبيل المثال، لكنني أرى أنها ظلت محاولات محدودة وغير ناجحة ومحصورة بين فئة الشباب».

أكثر ما تنصح به أميرة للحصول على أكلات شرقية مثل الجدات بطعمها الأصلي، هو حب هذه الأكلات وحب الطهي: «لا أحد يمكن أن يطهو طعاماً شهياً من دون حب، كما أن من أهم مقومات النجاح في إنجاز الوصفات ما نطلق عليه في مصر (النفس)، وهو شيء لا يكتسب، إنما يكون بمثابة موهبة إجادة الطهي بالفطرة». بحسب قولها.

السمك والطحينة على الطريقة المصرية من شيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

ولا يقل أهمية عن ذلك التدقيق في اختيار مكونات الطعام، تقول الشيف أميرة: «تذوق مقادير طعامك بنفسك، وبالتجربة ستكتسب خبرة اختيار المكونات والتمييز بين الطازجة وغير الطازجة، مثل الخضراوات والبقوليات والطيور واللحوم».