مطعم لبناني يراهن على اجتذاب المصريين بشعار «سر بيروت»

بهدف تغيير نمط الإفطار التقليدي بأصناف مبتكرة

فطور في المخبز اللبناني (الشرق الأوسط)
فطور في المخبز اللبناني (الشرق الأوسط)
TT

مطعم لبناني يراهن على اجتذاب المصريين بشعار «سر بيروت»

فطور في المخبز اللبناني (الشرق الأوسط)
فطور في المخبز اللبناني (الشرق الأوسط)

من طرابلس، التي تعد واحدة من أكثر المدن التاريخية في لبنان، والتي تشتهر بأكلاتها ومخبوزاتها الشعبية، التي تفوح رائحتها من بين جنباتها وأسواقها، حمل الطرابلسي آدم أحمد تلك الرائحة الزكية إلى العاصمة المصرية القاهرة، محاولاً تعريف المصريين بأكلات بلده، لا سيما المنقوشة والكعكة.

منقوشة بالنوتيلا (الشرق الأوسط)

اختار آدم أن يؤسس مطعمه بمسمى «المخبز اللبناني الأصلي»؛ لأنه يعكس ما يقدمه من مخبوزات، ولكي يعرّف جمهور القاهرة بأكلات بلده على أصولها ومذاقها الذي تشتهر به. وخلال 3 سنوات ماضية، تمكن من التجول بمأكولات مخبزه بين أنحاء العاصمة القاهرية المترامية، مؤسساً 6 فروع حتى الآن، جميعها تحمل شعار «سر بيروت إلى القاهرة»... فما هو هذا السر؟

يقول مؤسس المخبز لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت في القاهرة بالتزامن مع انتشار جائحة (كورونا)، حيث كنت أقطن في حي المعادي، وقتها كنت أشتاق إلى طعام لبنان، خاصة المناقيش، تلك المخبوزات الشهيرة من التراث الطرابلسي، لكن لم يكن ذلك متوفراً، كما أن المطاعم السورية التي انتشرت في مصر طوال العقد الماضي تقدم المناقيش على طريقتها، وليس كما أعتاد عليه في طرابلس... هنا راودتني الفكرة، ولأن الحاجة أم الاختراع كما يقال، قلتُ لماذا لا أفعل ذلك بنفسي، وأقدم للبنانيين في القاهرة المخبوزات الشعبية الرخيصة التي تشتهر بها مدينتي، وأضعها في الوقت نفسه على موائد المصريين لتجربتها».

فطور في المخبز اللبناني (الشرق الأوسط)

تقوم فلسفة «المخبز اللبناني الأصلي» على أن تقدم المناقيش، الأكلة الشعبية وغيرها، إلى المصريين، في محاولة لتغيير إفطارهم التقليدي اليومي من الفول والفلافل (الطعمية) إليها، وكذلك محاولة اجتذابهم في «خروجة» أو نزهة نهاية الأسبوع، التي تعد ثقافة لديهم، لتجربة أطباق مختلفة عليهم، خاصة أن المطاعم اللبنانية بالقاهرة تقدم طعام بيروت، الذي يختلف عن طعام طرابلس، فكل منطقة لها خصوصيتها التي تنعكس على طريقة التحضير، فعلى سبيل المثال تعد المناقيش في بيروت أكبر من نظيرتها في طرابلس في الحجم.

تضم قائمة الطعام تنوعاً كبيراً في المناقيش، وتعد منقوشة الزعتر الشهية أهم ركن فيها، كما يمكن تذوق مناقيش الجبن، ومناقيش جبن الكيري، ومناقيش اللحمة، ومناقيش لبنة، ومجموعة من مناقيش مشكلة، ونرشح لك من بينها منقوشة عكاوي مع قشقوان، منقوشة جبنة ميكس، منقوشة جبنة مع حبش مدخن، ومنقوشة اللحم بعجين الطرابلسية التي تُقدّم مع دبس الرمان، حيث تصنع من العجينة الرقيقة المقرمشة مع اللحمة والطماطم.

الكعكة بالسمسم مشهورة في مدينة طرابلس اللبنانية (الشرق الأوسط)

من أكثر ما يميز طرابلس هو كعكتها، وهي الخبز اليومي لأهالي المدينة الذين يفضلون مذاقها بما يعتليها من بذور السمسم وما تضمه داخلها من حشوة بالجبن العكاوي، ويمكن الاستمتاع بمذاق الكعك الطرابلسي الشهير من خلال «المخبز اللبناني»، حيث يتم تقديمها بمذاقها التقليدي الأصلي، وتعجنها أيدي شيف لبناني جاء خصيصاً لها.

تعد البيتزا الركن الثالث من قائمة الطعام، ويمكن تجربتها بـ19 مذاقاً مختلفاً، وأهمها بيتزا الفصول الأربعة بالسجق والمشروم، وبيتزا «ميامي سبيشال» التي تضم جميع أنواع اللحوم، إلى جانب «الميني بيتزا» (سواريه) بمذاقات متنوعة.

المقبلات تعد ركناً أساسياً لدى المخبز، وأهمها ورق العنب والتبولة والحمص والفتوش، التي تقدم جميعها طازجة، والتي تشعر معها أنك تأكلها في موطنها الأصلي لبنان.

الكعكة اللبنانية (الشرق الأوسط)

أما قائمة الحلويات فتظهر فيها النوتيلا مذاقاً رئيسياً، فيمكن تذوق منقوشة نوتيلا وبيتزا نوتيلا وكعكة نوتيلا، إلى جانب بيتزا شوكولاته، ومنقوشة الشوكولاته، ولبنة مع عسل.

كافة هذه الأصناف يراها زائر المخبز تُعد أمامه، فالمطبخ موصول بصالة المخبز، ما يجعل زائري الفروع الست للمخبز يرون المأكولات وهي تجهَّز وتطهى أمامهم من جانب الشيفات.

يعود آدم للحديث، موضحاً أن تميمة نجاح المخبز أنه اعتمد في البداية على 3 «شيفات» من لبنان، الذين وضعوا أساس المخبز، ثم قاموا بتعليم مجموعة من الشباب المصري صغير السن تقاليد المخبوزات الطرابلسية، مشيراً إلى أنهم يحملون حالياً على عاتقهم مهمة إعداد وتقديم كافة الأصناف.

المناقيش بنكهات مختلفة (الشرق الأوسط)

ويحرص آدم على تقديمه المذاق الأصلي عبر إحضار الزعتر والبهارات التي يعتمد عليها من لبنان، إلى جانب اعتماد السعر الرخيص، مقارنة بما يقدم في مطاعم أخرى، لجذب فئات عديدة إلى التجربة الطرابلسية.

لحم بعجين على الطريقة الطرابلسية (الشرق الأوسط)

بالفعل، نجحت التجربة الطرابلسية في القاهرة، واستقبل المصريون مخبوزات «المخبز اللبناني الأصلي» بردود فعل إيجابية رغم أن التجربة جديدة عليهم، بل أصبحت المناقيش طعاماً مفضلاً على موائدهم سواء في الإفطار أو العشاء، بحسب صاحب المخبز، الذي يؤكد أنه نقل ثقافة المطبخ الطرابلسي بقوة إلى مصر.


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».