الفلافل في لبنان إرث متجذّر وأمانة تتوارثها الأجيال

حكايات روّاد مهنة عرفتها بيروت منذ الثلاثينات

تتعدّد الوصفات ومكانة الفلافل ثابتة (شاترستوك)
تتعدّد الوصفات ومكانة الفلافل ثابتة (شاترستوك)
TT

الفلافل في لبنان إرث متجذّر وأمانة تتوارثها الأجيال

تتعدّد الوصفات ومكانة الفلافل ثابتة (شاترستوك)
تتعدّد الوصفات ومكانة الفلافل ثابتة (شاترستوك)

قرص الفلافل ليس مجرّد مكوّنات محشوَّة بالنسبة إلى الشغوفين، بل تقليد وإرث. في لبنان، يستلذّ كثيرون بالطعم حين يُقدَّم مع مُكمّلاته من بندورة وطرطور وبقدونس وكبيس وسائر اللمسات اللذيذة. أماكن بمثابة «أيقونات» تبيع الفلافل جيلاً بعد جيل، تُشارك «الشرق الأوسط» تجربة التعلُّق بالمهنة: «صهيون»، و«فريحة»، و«خليفة». الثلاثة من العناوين الشهيرة في بيروت، يقصدها الذوّاقة للانغماس في الطعم الشهي.

تتعدّد الوصفات ومكانة الفلافل ثابتة (شاترستوك)

فلافل «صهيون»... حكايتان

الفاصل بين محلَّي فلافل يمتلكهما أخوان في شارع «بشارة الخوري» الشهير هو جدار فقط. تَلاصقُهما يروي قصة مريرة عن عائلة تفكّكت ونخرتها الخصومة. آل صهيون من المكرَّسين في بيع الفلافل، وبين الأشهر. كان زهير صهيون طفلاً حين رافق والده إلى محله وبدأ يتعلّم الصنعة. لم يُلقّنه التقنيات والأسرار، لكنه اكتسبها بالمراقبة والزيارات المتكرّرة. يقول: «المكان ملك والدي، ذاع صيته بالنظافة والإخلاص للمعايير. لم نتلاعب بأي مكوِّن. لا يمكن الاستمرار حين نفقد الشغف. بعضٌ يبيع الفلافل من دون خلفيّة عاطفية. يفعلون ذلك لكسب المال. أحببتُ هذه المهنة وأعطيتها الكثير. علّمتني أنّ مَن يعطِ بصدق ينل ما يستحقه».

الأهم بالنسبة إليه السُّمعة الطيّبة، «فهي الرصيد». لزهير صهيون ابن يدرّبه على إكمال الطريق، مبقياً الخيار مفتوحاً على احتمال أن تشاء الحياة مساراً آخر.

الفاصل بين الأخوين جدار فقط (مواقع التواصل)

وماذا عن المحل المُجاوِر، وفيه أخوه الذي لم تعد تجمعه به تحية الصباح؟ يجيب: «كنا نعمل معاً واختار الانفصال. اليوم، الرزق على الله».

شقيقه هو فؤاد صهيون الذي أطلق اسم مصطفى على ابنه الوحيد تيمّناً بالوالد المُؤسِّس. يقول إنّ البدايات تعود إلى 1935، عام افتتاح المحل الأول في منطقة البسطة. عشق المهنة وهو تلميذ يبلغ 7 سنوات، يرافق الأب في العطل الأسبوعية واستراحة الصيف، ويكسب خبراته: «قرص الفلافل هو حياتي. إنه وعيي الأول وتجربتي الأولى».

مثل الشباب الحالم، غادر ابنه لبنان، ويأمل عودته لإكمال المسيرة. فؤاد صهيون على مشارف الثمانين، تُعلّمه حكمة العمر ضبط التفكير بما لا تطوله يده. يكتفي بالقول إنّ الفلافل جزء من العادات اللبنانية، ولا يحبّذ التفريط بالإرث، بعدما جَهِد للاستمرار والتجذُّر.

يذكُر أنّ سعر ساندويتش الفلافل بلغ قروشاً في الماضي، واليوم ثمة فقراء يستكثرون ثمنه (200 ألف ليرة). يطحن البهارات باليد، ويطبّق دروس الوالد على اللقمة الطيّبة. يؤمن أيضاً بأنّ الرزق نصيب، ويؤكد أنّ الفلافل ليست سبب الخصومة الأخوية، «بل قلة التربية»، وفق تعبيره. «تخلّيتُ عن المحل الثاني وأدرتُ ظهري. نشأ أولادي ولم أرافق مراحلهم. نذرتُ نفسي للحفاظ على الإرث. ولما حلَّت الخلافات، مشيتُ بلا التفاتة إلى الوراء».

فلافل «فريحة»: الجودة أولاً

فلافل «فريحة»... رهان على الجودة (الشرق الأوسط)

بدأت قصة فلافل «فريحة» عام 1945، حين افتُتح المحل الأول في «ساحة البرج» بوسط بيروت. يقول روي فريحة من الجيل الثالث إنّ المسألة ليست تجارية، بل تتصل بالعادات: «الفلافل مثل التبولة وصحن الحمّص من أركان المائدة. استمرارنا إيمان بالتقاليد».

يستعيد يوم افتتحت العائلة فرعاً ثانياً في منطقة كورنيش المزرعة البيروتية؛ أُقفل خلال الحرب. اليوم، لـ«فريحة» فرع رئيسي في الأشرفية، وآخر في منطقة برمانا، حيث يتلاعب الهواء العذب بأشجار الصنوبر، مع فرع في موريال الكندية، وخطط مستقبلية للتوسّع إلى أوروبا. يكشف الحلم الأكبر: «أينما وُجد لبنانيّ، فسنكون».

الاستمرار سببه التفرُّغ التام للعمل والاعتماد على النفس: «محل الفلافل مرتبط باسم العائلة، وليس مجرّد مورد رزق. أتولّى الإدارة والعلاقات العامة والتعامل مع التجار. أبذل العمر للمهنة». لنحو 45 عاماً، وفرع الأشرفية يُعوِّد زبائنه على ما يشدّد فريحة عليه: «الجودة؛ فالفول أسترالي والطحين والسمسم أيضاً من الخارج. أما الزيت فأستورده مصفّى من أوكرانيا. ذلك يُبرر مسألة السعر، لم تبقَ إلا الخضراوات (صُنِع في لبنان)».

يُبيّن كلامه أنّ ساندويتش الفلافل لم يعد لقمة الفقير. يردّ: «إيجار المولدات يرفع التكلفة ويُرغمنا على زيادة السعر. في الماضي، حلَّت البركة. اليوم يتغيّر كل شيء».

الفلافل طبق مفضّل متجذّر في التراث اللبناني (شاترستوك)

يرفض حشو «الساندويتش» بالخبز لسدّ الجوع، ويكرّر التمسّك بالنوعية. و«سرّ الوصفة»؟ يكتفي بالقول: «لا تزال نفسها منذ عام 1945. أستعمل أفضل البهارات». وعمّا يميّز فلافل لبنان عن مصر والأردن وسوريا وفلسطين، وهي دول ترفع الأقراص إلى مرتبة التقاليد، يجيب: «في مصر يُسمّونها (طعميّة)، وتُحضَّر باستعمال الكزبرة الخضراء. في لبنان، نصنعها بالفول أو الحمص، والأمر مشابه في البلدان الأخرى المذكورة. لكلّ لمسته وسرّ وصفته».

فلافل «خليفة الفاخرة»: 12 نوعاً من البهارات

فلافل «خليفة الفاخرة» تفاخر بأنواع البهارات (الشرق الأوسط)

وطَّد سكان منطقة البسطة البيروتية العلاقة بفلافل «خليفة الفاخرة» منذ الستينات. كان حسين الحلبي عاملاً يعدّ الأقراص ويلفّ الأرغفة، قبل أن يصبح مديراً لفرع كورنيش المزرعة الشهير المُفتَتَح عام 1982، يخبر أنّ موظفاً مصرياً ألهم «آل خليفة» التحوُّل من «سناك» إلى فلافل، فأصبح فرع البسطة مقصد عشاق هذا الطعم. وفَّق الله، فتوسَّعت العائلة لتفتتح فرعاً في منطقة خلدة المُجاوِرة للبحر. هذه الفروع الثلاثة تمثّل وحدها فلافل «خليفة الفاخرة» المُسجَّلة في الدوائر الرسمية.

قرص الفلافل أبعد من كونه وسيلة شبع (شاترستوك)

يُفاخر بأصناف البهارات، ويقول إنّ عددها يصل إلى 12 تُمزَج وفق وصفة خاصة. وبينما يتحدّث عن «عيارات» مدروسة لضمان الطعم الأفضل، يؤكد أهمية الحفاظ على الاسم بإعلاء معايير الجودة: «ثمة مَن يضيف اللبن إلى الطحينة، والبرغل إلى الفول. هذا غش. الزبون ذوّاق، يفقه النكهات. رغم الأزمة الاقتصادية، لا تزال أسعارنا الأرخص. نرفض حرمان الفقير من لقمته المفضّلة».

تلتقي فلافل سوريا مع الأردن بإضافة الحمص إليها، كما في شمال لبنان. تحت اسم الفلافل، تتعدّد النكهات والوصفات، ويختلف الطعم واللون. يتابع: «في كندا، يُعلّبون الفلافل بعد القلي على شكل أقراص كبّة ويحفظونها في البرادات. نحن نتناولها ساخنة. المهم نظافة الزيت، وهو سبب فقدان الثقة بمطابخ كثيرة».


مقالات ذات صلة

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة.

جوسلين إيليا (لندن )

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
TT

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

«يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز بطرق غير متوقعة»، هكذا يتحدث الشيف المصري وليد السعيد، عن أهمية الشاي في وصفات لذيذة. أطباق كثيرة يتخللها الشاي وتتنوع بمذاقات مختلفة؛ من بينها فطائر الكريب، وكعكة «شاي إيرل غراي».

وينصح السعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بتجربة الشاي الزهري مثل الياسمين والبابونج، أو الأسود العادي، خصوصاً بالنسبة للمصريين، أو شاي بالقرفة والزنجبيل والقرنفل أو شاي دراغون ويل الأخضر الصيني برائحة الكستناء ونكهة الزبد والجوز، وغير ذلك من الأنواع.

الشيف وليد السعيد يستخدم الشاي بأنواعه في الكثير من الوصفات خاصة الحلويات (الشرق الأوسط)

ويرى السعيد أنه «في بعض الأحيان نستخدم نكهات صناعية من دون النظر إلى عواقب إضافة المواد الكيميائية والمضافة إلى طعامنا، في حين أنه يمكن الاستغناء عنها، واللجوء بدلاً من ذلك إلى استخدام الشاي، بوصفه يجمع بين كونه مكوناً طبيعياً، يجنبك تلك المواد الضارة، وكونه مُحمَّلاً بنكهات متنوعة تلائم الأطباق من الحلوة إلى المالحة، والساخنة والباردة».

ويوضِّح السعيد أنه «يمكن لأي وصفة تحتوي على سائل أن تكتسب نكهة جديدة تماماً عند الاستعانة بالشاي في تحضيرها، وذلك عن طريق تحويل هذا السائل إلى شاي، سواء كنت تستبدله بدلاً من الماء أو الحليب أو الشوربة أو غير ذلك».

فطائرالكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند من شيف ميدو (الشرق الأوسط)

لكن كيف يمكن استخدام الشاي في هذه الحالة؟ يجيب السعيد: «إذا كانت الوصفة تتطلب الماء مثل العصائر والسموذي، فقم بتحضير بعض الشاي بدلاً من الماء، عن طريق تحضير كمية كبيرة من الشاي وتجميدها، إما في برطمانات أو قوالب مكعبات الثلج، ثم إضافتها للطعام».

«أما إذا كانت الوصفة تحتوي على مرق أو حليب، فيمكنك نقع هذا السائل بالشاي؛ لإضافة نكهة إضافية مع الفوائد الغذائية: سخن السائل، وانقع الشاي واستخدمه حسب الحاجة في الوصفة، لكن عليك أن تراعي أنك ستحتاج إلى مزيد من استخدام الشاي، مع تجنب نقعه لفترة أطول حتى لا يصبح مراً». هكذا يوضح الشيف المصري.

ومن هنا عند دمج الشاي في الوصفات تحتاج إلى صنع نحو ربع كوب شاي أكثر من استخدامك المعتاد. على سبيل المثال، إذا كانت الوصفة تتطلب كوباً واحداً من السائل، فقم بغلي 1.25 كوب من الشاي.

امزج أوراق الشاي المطحونة مع الأعشاب، واستخدمها كفرك (تتبيل) جاف للحوم المشوية أو المطهوة، ولمزيد من الحرفية مثل الطهاة استخدم معه السكر البني والملح والفلفل الأسود وحبيبات أو بودرة البصل والثوم والزعتر وإكليل الجبل وقشر الليمون، والزنجبيل، وقشر البرتقال، ومسحوق الفلفل الحار، والبهارات، والقرفة أو القرنفل.

ويلفت الشيف السعيد إلى أنه يمكن استخدام الحليب أو الكريمة المنقوعة بالشاي لصنع صلصة البشاميل والصلصات الأخرى على شكل كريمة للفطائر والبطاطس المقلية، علاوة على حساء الكريمة والخضراوات الكريمية، على أن تستخدم للطعم الكريمي في هذه الأطباق شاياً بنكهة لذيذة، تكون من ضمن مكوناته الشاي الأخضر والأرز المنفوخ والذرة، ولذلك يفضل أن يكون شاياً يابانياً.

أما بالنسبة للحلويات فاستخدم مسحوق الماتشا في الخليط. إذا كنت تخبز البسكويت، فيمكنك أيضاً نقع الزبد المذاب بأوراق الشاي الكبيرة الطازجة، ثم تصفية ذلك، وفي حالة ما إذا كانت الوصفة تتطلب الحليب، فقم بنقع الشاي في الحليب الدافئ أو الماء لمدة من 5 إلى 10 دقائق، وأمامك خيار آخر، وهو طحن الشاي إلى مسحوق في محضر الطعام وخلطه مع المكونات الجافة.

«وإذا كنت تبحث عن الاستمتاع بنكهة حلوة خفيفة مع نكهات زهرية أو فاكهة، فجرب إحدى خلطات الشاي العشبية الكثيرة مثل شاي البابونج والحمضيات أو شاي الكركديه أو شاي التوت البري. اطحن الشاي السائب في مطحنة التوابل حتى يتحول إلى مسحوق، واستخدم ملعقتين كبيرتين لكل دفعة من العجين، ولأن الشاي يمتص السوائل، قلل من كمية الدقيق المطلوبة في الوصفة بملعقتين كبيرتين»، بحسب السعيد.

وليس بعيداً عن ذلك، ينصح الشيف ميدو الذي يعد واحداً من الطهاة المصريين الذين اعتادوا على استخدام الشاي في الطعام، ومن أشهر أطباقه في هذا المجال فطائر الكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند، ويصف ذلك بـ«ثنائية اللون محشوة بكريمة الفانيليا ومغطاة باللون الأخضر»، وكذلك يقدم كعكة «شاي إيرل غراي» مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليا، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تمنح البقع السوداء الصغيرة من الشاي هذه الكعكة كثيراً من الطعم والرائحة».