المخللات جزء لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الهندي

حفظ الطعام بالتجفيف والتخمير عادة جرت ممارستها قروناً عدة

تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)
تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)
TT

المخللات جزء لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الهندي

تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)
تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)

تحظى الهند بتاريخ طهي ثري بمأكولات متنوعة تأثرت بمناطق وثقافات وأديان مختلفة. وتعد مسألة حفظ الطعام عنصراً أساسياً من المطبخ الهندي، وجرت ممارستها قروناً عدة لضمان إمكانية تخزين الطعام واستهلاكه على امتداد فترة أطول. وفيما يلي بعض السبل القديمة التي لا يزال الهنود يستخدمونها لحفظ الطعام:

يجفف ويخلل الهنود كل أنواع الطعام بما فيها الفاكهة والخضراوات (شاترستوك)

التخليل

لطالما كانت المخللات جزءاً من الثقافة والتاريخ الهندي منذ 400 عام، بل يذهب البعض إلى أن يَعُدَّ هذه العملية قديمة قدم الحضارة الهندية نفسها. بدأت القصة بتمليح ومعالجة الطعام في محلول ملحي لحفظه خلال الرحلات الطويلة.

المعروف أن الملح والوقت يكسران الخضراوات والفواكه بشكل طبيعي ويحفظونهما. وتتولى البكتيريا الجيدة تفكيك السكريات وتكوين حمض اللاكتيك، ما يحافظ على الخضراوات والفواكه المستخدمة في التخليل. وتوفر أشعة الشمس المباشرة والإضاءة المحيطة الدفء اللازم للبكتيريا للقيام بعملية التخمير التي تستغرق ما بين 15 يوماً إلى شهر.

ويمكن تحضير المخللات باستخدام مجموعة واسعة من المكونات، بما في ذلك المانجو والليمون والجزر والبصل.

ومن جهتها، شرحت شوبهرا تشاترجي، مؤسسة موقع «@tonsvalleyshop» كيف أن عمليات تخليل بكميات ضخمة تجري داخل ولاية البنجاب الهندية. ومع ذلك، داخل البنغال، هناك كثير من الصلصات التي تُنْتَج هناك، لكن توجد طرق حفظ أخرى تعتقد شوبهرا أنها أهم، وأكثر شيوعاً كانت تستخدمها جدتها (ناني) وكذلك والدتها، أبرزها طريقة شائعة جداً بالمناطق الجبلية وهي: التجفيف بالشمس.

تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)

التجفيف بالشمس

يعد تقليداً طويل الأمد لحفظ الطعام، ويعمل على تقليل نشاط الماء، ما يمنع نمو البكتيريا. كما يتيح هذا الأسلوب في الحفظ نقل الأطعمة بسهولة من مكان إلى آخر؛ لأن التجفيف يقلل الوزن.

عادة ما يلجأ لهذا الأسلوب سكان التلال، ويستخدمونه مع الخضراوات، مثل الطماطم والكرنب واللفت (السيقان والأوراق) وأوراق الخردل، إلى جانب الخضراوات البرية الأخرى من أجل تناولها في الشتاء. في إطار هذا الأسلوب، يجري غلي بعض الخضراوات في الماء أولاً، ثم تجفيفها بالشمس.

وأشار باحثون إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في ظروف قاسية في هذه المناطق يتولون تجفيف لحوم الحيوانات عن طريق تعليقها. وتُدهن شرائح اللحم بالكركم والملح وزيت الخردل، وتُربط بخيوط في جميع أنحاء الغرفة.

في هذا الصدد، شرحت بهافنا كاركي، الباحثة لدى مركز «دي إم إم سي» أن «هذا الأسلوب في الحفظ يُعرف باسم آرجي. وفي إطاره، يجري تحضير النقانق من اللحوم الحيوانية، باستخدام أجزاء لا يجري تناولها بشكل عام».

وتعد هذه إحدى الطرق التقليدية التي لا تزال مستخدمة في الهند. ومن خلال التخلص من الرطوبة، يحول تجفيف المنتجات الغذائية دون ظهور الجراثيم والخمائر والعفن. وقد جرى استخدام هذه الطريقة قروناً عدة، وما زالت تُستخدم حتى اليوم، ليس بسبب الحاجة إلى الحفاظ على الطعام، وإنما لأن العادات استمرت، وسمحت بإعادة إنتاج هذه الأطعمة الشهية.

وأضافت كاركي: «غالباً ما يجري تعليق اللحم كذلك داخل المطبخ، ويضفي الدخان المنبعث من الموقد عليه نكهة دخانية مميزة، ما يجعل الناس تستمتع به بشدة. وفي الوقت نفسه، فإنه يطيل أمد العمر الافتراضي للحوم».

ومن ناحية أخرى، يجري اعتماد طرق فريدة أخرى لتخزين الخضراوات النيئة. على سبيل المثال، يجري رش البطاطس والزنجبيل والكركم بعصير الليمون وحفظها في حفر تحت الأرض مغطاة بالقش في بداية فصل الشتاء. كما يجري تجفيف زهور الرودودندرون بالشمس واستخدامها في وقت لاحق لتحضير المخللات أو الصلصة.

فاكهة وخضراوات مخللة بالبهارات الهندية (شاترستوك)

ولننظر على سبيل المثال إلى البابادوم والوادي (فطائر العدس المتبلة المجففة بالشمس)، والتي تعد من المكونات المهمة في الطعام الهندي. اليوم، تعد رقائق البطاطا والفلفل الأحمر والفواكه الجافة والتوابل والخضراوات... وما إلى ذلك من المنتجات المجففة بالشمس الأكثر استخداماً.

وكثيراً ما يجري تجفيف الخضراوات مثل الفجل والقرع على أسطح المنازل في شمال شرقي الهند.

ومن ناحيتها، قالت نيلزا وانغمو، الشيف ومؤسسة مطعم «ألشي كيتشين»، والحائزة جائزة «ناري شاكتي بوراسكار» (جائزة تمكين المرأة)، تكريماً لإحيائها أساليب إعداد الطعام التقليدية السائدة، إنه داخل مسقط رأسها في لاداخ، بصحراء الهيمالايا الباردة، يسود أسلوب التجفيف بالشمس الخضراوات والأعشاب بالشمس، الذي ظل معمولاً به منذ العصور القديمة، وأضافت أنه لدى اعتماد هذا الأسلوب، تحمل الخضراوات والأعشاب نكهة شديدة. ولا تقتصر ممارسة التجفيف على الفواكه والخضراوات فحسب، وإنما تمتد كذلك إلى اللحوم ومنتجات الألبان. وغالباً ما تجري التضحية بالحيوان (الياك الأكثر شيوعاً) ويجري الاحتفاظ به كما هو بضعة أيام حتى يتجمد. بعد ذلك، يجري تقطيعه شرائح رفيعة وتعليقها في غرفة مظلمة (ممارسة شائعة في كل منزل) حتى تجف. ويلجأ بعض الناس إلى رش الملح عليه.

التخمير

كان التخمير هو الآخر من الطرق القديمة والاقتصادية لحفظ الطعام، بالإضافة إلى تحسين مذاقه وصفاته الغذائية في الهند.

ومن الناحية العلمية، يعزز التخمير نمو البكتيريا المفيدة المعروفة باسم البروبيوتيك. وكشفت دراسات أن مكملات البروبيوتيك في الغذاء توفر عدداً من الفوائد الصحية، مثل تحسين عملية الهضم، وتعزيز جهاز المناعة... وما إلى ذلك.

وتتميز الأطعمة المخمرة في الهند بنكهات وقوام ومظاهر ووظائف فريدة تعتمد على الركائز والعناصر الخام المكونة لها. ويمكن تصنيفها إلى كثير من الفئات المختلفة، مثل الخضراوات المخمرة والأسماك واللحوم وفول الصويا وبراعم الخيزران ومنتجات الألبان... وما إلى ذلك.

من جهته، كشف الشيف راهول أكيركار عن سبب ولعه المفاجئ بالأطعمة المخمرة التي كثيراً ما كانت جزءاً من المطبخ الهندي فترة طويلة. وأضاف: «كنا نستكشف المظهر الحلو والحامض للأطعمة الزراعية، وانتهى بنا الأمر إلى إنشاء قائمة تحتوي على عنصر مخمر واحد في كل طبق».

في شمال شرقي الهند، يجري استهلاك السينكي، وهو شكل من أشكال جذر الفجل المخمر. ويتوافر بكثرة في فصل الشتاء، ومن ثم يجري تحضير السينكي في الغالب في جو أقل رطوبة. وبعد عملية التخمير، يخرج الطعام كتلة، ثم يجري تقطيعها إلى قطع صغيرة وتجفيفها بالشمس لمدة 3 - 5 أيام. ويمكن تخزينه مدة سنتين أو أكثر في درجة حرارة الغرفة، ما يتيح له التعرض لأشعة الشمس بشكل دوري.

ومن ناحية أخرى، تؤدي أسماك نغاري (الأسماك المخمرة) دوراً مهماً في مطبخ مانيبوري. ويُستعان بهذا النوع من السمك المحلي في إعداد النغاري المغطى بالملح والمجفف بالشمس. تُوضَع طبقة من زيت الخردل على الجدار الداخلي لوعاء فخاري يُمْلأ بعد ذلك بالسمك، بعد ذلك، ويُضْغَط بإحكام ويُغْلَق، ثم يُخَزن في درجة حرارة الغرفة مدة تتراوح بين و6 أشهر. وتبلغ مدة صلاحيته نحو عام، ويُتناوَل طبقاً جانبياً مع الأرز.

الدفن

يمكن للدفن الحفاظ على الطعام لأسباب كثيرة، منها غياب الضوء أو الأكسجين أو درجات الحرارة الباردة أو مستوى الرقم الهيدروجيني أو المجففات في التربة. ويمكن استخدام الدفن إلى جانب أساليب أخرى مثل التخمير أو التمليح. ويمكن الاحتفاظ بمعظم الأطعمة طازجة فترة طويلة في التربة المجمدة أو شديدة الجفاف والمالحة.

المعروف أن كثيراً من الخضراوات الجذرية مقاومة تماماً للتعفن، وتحتاج فقط إلى تخزينها في بيئات باردة ومظلمة عن طريق دفنها في الأرض.

ويكثر دفن الأرز تحت الأرض في ولاية أوريسا الهندية لتخزينه، مدة 3 إلى 6 أشهر خلال موسم الجفاف، وساعدت هذه الاستراتيجية في التخزين في حفظ الفواكه خلال العصر المغولي.

جدير بالذكر أن الحفاظ على الفاكهة في العصر المغولي شكَّل أمراً أساسياً لتمكين الحكام من الاستمتاع بالفواكه الهندية الموسمية التي يقدرونها على مدار العام، وقد ابتكروا طرقاً بارعة يمكنهم من خلالها الاستمتاع بها في غير مواسمها.

ذكر جيهان نزار، مدون الطعام الذي يكتب في كثير من المنشورات العالمية: «في مدينة عين أكبري في القرن السادس عشر، يروي مؤرخ البلاط أبو الفضل يوميات إدارة إمبراطورية المغول في عهد الإمبراطور أكبر، وذكر أن عشق أكبر للمانجو (الموسمية) كان الدافع نحو ابتكار حفظ الفاكهة في العسل».

ويذكرنا الكاتب المَعنيّ بشؤون الطعام، فيكرام دكتور، بكيفية استخدام الجاجري (أحد أنواع قصب السكر) لحفظ الأغذية في الهند، خصوصاً في ظل وفرة زراعة قصب السكر في الهند منذ العصور القديمة.


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».