المخللات جزء لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الهندي

حفظ الطعام بالتجفيف والتخمير عادة جرت ممارستها قروناً عدة

تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)
تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)
TT

المخللات جزء لا يتجزأ من الثقافة والتاريخ الهندي

تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)
تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)

تحظى الهند بتاريخ طهي ثري بمأكولات متنوعة تأثرت بمناطق وثقافات وأديان مختلفة. وتعد مسألة حفظ الطعام عنصراً أساسياً من المطبخ الهندي، وجرت ممارستها قروناً عدة لضمان إمكانية تخزين الطعام واستهلاكه على امتداد فترة أطول. وفيما يلي بعض السبل القديمة التي لا يزال الهنود يستخدمونها لحفظ الطعام:

يجفف ويخلل الهنود كل أنواع الطعام بما فيها الفاكهة والخضراوات (شاترستوك)

التخليل

لطالما كانت المخللات جزءاً من الثقافة والتاريخ الهندي منذ 400 عام، بل يذهب البعض إلى أن يَعُدَّ هذه العملية قديمة قدم الحضارة الهندية نفسها. بدأت القصة بتمليح ومعالجة الطعام في محلول ملحي لحفظه خلال الرحلات الطويلة.

المعروف أن الملح والوقت يكسران الخضراوات والفواكه بشكل طبيعي ويحفظونهما. وتتولى البكتيريا الجيدة تفكيك السكريات وتكوين حمض اللاكتيك، ما يحافظ على الخضراوات والفواكه المستخدمة في التخليل. وتوفر أشعة الشمس المباشرة والإضاءة المحيطة الدفء اللازم للبكتيريا للقيام بعملية التخمير التي تستغرق ما بين 15 يوماً إلى شهر.

ويمكن تحضير المخللات باستخدام مجموعة واسعة من المكونات، بما في ذلك المانجو والليمون والجزر والبصل.

ومن جهتها، شرحت شوبهرا تشاترجي، مؤسسة موقع «@tonsvalleyshop» كيف أن عمليات تخليل بكميات ضخمة تجري داخل ولاية البنجاب الهندية. ومع ذلك، داخل البنغال، هناك كثير من الصلصات التي تُنْتَج هناك، لكن توجد طرق حفظ أخرى تعتقد شوبهرا أنها أهم، وأكثر شيوعاً كانت تستخدمها جدتها (ناني) وكذلك والدتها، أبرزها طريقة شائعة جداً بالمناطق الجبلية وهي: التجفيف بالشمس.

تجفيف وتخمير الطعام يساعدان على إطالة مدة استهلاكه (شاترستوك)

التجفيف بالشمس

يعد تقليداً طويل الأمد لحفظ الطعام، ويعمل على تقليل نشاط الماء، ما يمنع نمو البكتيريا. كما يتيح هذا الأسلوب في الحفظ نقل الأطعمة بسهولة من مكان إلى آخر؛ لأن التجفيف يقلل الوزن.

عادة ما يلجأ لهذا الأسلوب سكان التلال، ويستخدمونه مع الخضراوات، مثل الطماطم والكرنب واللفت (السيقان والأوراق) وأوراق الخردل، إلى جانب الخضراوات البرية الأخرى من أجل تناولها في الشتاء. في إطار هذا الأسلوب، يجري غلي بعض الخضراوات في الماء أولاً، ثم تجفيفها بالشمس.

وأشار باحثون إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في ظروف قاسية في هذه المناطق يتولون تجفيف لحوم الحيوانات عن طريق تعليقها. وتُدهن شرائح اللحم بالكركم والملح وزيت الخردل، وتُربط بخيوط في جميع أنحاء الغرفة.

في هذا الصدد، شرحت بهافنا كاركي، الباحثة لدى مركز «دي إم إم سي» أن «هذا الأسلوب في الحفظ يُعرف باسم آرجي. وفي إطاره، يجري تحضير النقانق من اللحوم الحيوانية، باستخدام أجزاء لا يجري تناولها بشكل عام».

وتعد هذه إحدى الطرق التقليدية التي لا تزال مستخدمة في الهند. ومن خلال التخلص من الرطوبة، يحول تجفيف المنتجات الغذائية دون ظهور الجراثيم والخمائر والعفن. وقد جرى استخدام هذه الطريقة قروناً عدة، وما زالت تُستخدم حتى اليوم، ليس بسبب الحاجة إلى الحفاظ على الطعام، وإنما لأن العادات استمرت، وسمحت بإعادة إنتاج هذه الأطعمة الشهية.

وأضافت كاركي: «غالباً ما يجري تعليق اللحم كذلك داخل المطبخ، ويضفي الدخان المنبعث من الموقد عليه نكهة دخانية مميزة، ما يجعل الناس تستمتع به بشدة. وفي الوقت نفسه، فإنه يطيل أمد العمر الافتراضي للحوم».

ومن ناحية أخرى، يجري اعتماد طرق فريدة أخرى لتخزين الخضراوات النيئة. على سبيل المثال، يجري رش البطاطس والزنجبيل والكركم بعصير الليمون وحفظها في حفر تحت الأرض مغطاة بالقش في بداية فصل الشتاء. كما يجري تجفيف زهور الرودودندرون بالشمس واستخدامها في وقت لاحق لتحضير المخللات أو الصلصة.

فاكهة وخضراوات مخللة بالبهارات الهندية (شاترستوك)

ولننظر على سبيل المثال إلى البابادوم والوادي (فطائر العدس المتبلة المجففة بالشمس)، والتي تعد من المكونات المهمة في الطعام الهندي. اليوم، تعد رقائق البطاطا والفلفل الأحمر والفواكه الجافة والتوابل والخضراوات... وما إلى ذلك من المنتجات المجففة بالشمس الأكثر استخداماً.

وكثيراً ما يجري تجفيف الخضراوات مثل الفجل والقرع على أسطح المنازل في شمال شرقي الهند.

ومن ناحيتها، قالت نيلزا وانغمو، الشيف ومؤسسة مطعم «ألشي كيتشين»، والحائزة جائزة «ناري شاكتي بوراسكار» (جائزة تمكين المرأة)، تكريماً لإحيائها أساليب إعداد الطعام التقليدية السائدة، إنه داخل مسقط رأسها في لاداخ، بصحراء الهيمالايا الباردة، يسود أسلوب التجفيف بالشمس الخضراوات والأعشاب بالشمس، الذي ظل معمولاً به منذ العصور القديمة، وأضافت أنه لدى اعتماد هذا الأسلوب، تحمل الخضراوات والأعشاب نكهة شديدة. ولا تقتصر ممارسة التجفيف على الفواكه والخضراوات فحسب، وإنما تمتد كذلك إلى اللحوم ومنتجات الألبان. وغالباً ما تجري التضحية بالحيوان (الياك الأكثر شيوعاً) ويجري الاحتفاظ به كما هو بضعة أيام حتى يتجمد. بعد ذلك، يجري تقطيعه شرائح رفيعة وتعليقها في غرفة مظلمة (ممارسة شائعة في كل منزل) حتى تجف. ويلجأ بعض الناس إلى رش الملح عليه.

التخمير

كان التخمير هو الآخر من الطرق القديمة والاقتصادية لحفظ الطعام، بالإضافة إلى تحسين مذاقه وصفاته الغذائية في الهند.

ومن الناحية العلمية، يعزز التخمير نمو البكتيريا المفيدة المعروفة باسم البروبيوتيك. وكشفت دراسات أن مكملات البروبيوتيك في الغذاء توفر عدداً من الفوائد الصحية، مثل تحسين عملية الهضم، وتعزيز جهاز المناعة... وما إلى ذلك.

وتتميز الأطعمة المخمرة في الهند بنكهات وقوام ومظاهر ووظائف فريدة تعتمد على الركائز والعناصر الخام المكونة لها. ويمكن تصنيفها إلى كثير من الفئات المختلفة، مثل الخضراوات المخمرة والأسماك واللحوم وفول الصويا وبراعم الخيزران ومنتجات الألبان... وما إلى ذلك.

من جهته، كشف الشيف راهول أكيركار عن سبب ولعه المفاجئ بالأطعمة المخمرة التي كثيراً ما كانت جزءاً من المطبخ الهندي فترة طويلة. وأضاف: «كنا نستكشف المظهر الحلو والحامض للأطعمة الزراعية، وانتهى بنا الأمر إلى إنشاء قائمة تحتوي على عنصر مخمر واحد في كل طبق».

في شمال شرقي الهند، يجري استهلاك السينكي، وهو شكل من أشكال جذر الفجل المخمر. ويتوافر بكثرة في فصل الشتاء، ومن ثم يجري تحضير السينكي في الغالب في جو أقل رطوبة. وبعد عملية التخمير، يخرج الطعام كتلة، ثم يجري تقطيعها إلى قطع صغيرة وتجفيفها بالشمس لمدة 3 - 5 أيام. ويمكن تخزينه مدة سنتين أو أكثر في درجة حرارة الغرفة، ما يتيح له التعرض لأشعة الشمس بشكل دوري.

ومن ناحية أخرى، تؤدي أسماك نغاري (الأسماك المخمرة) دوراً مهماً في مطبخ مانيبوري. ويُستعان بهذا النوع من السمك المحلي في إعداد النغاري المغطى بالملح والمجفف بالشمس. تُوضَع طبقة من زيت الخردل على الجدار الداخلي لوعاء فخاري يُمْلأ بعد ذلك بالسمك، بعد ذلك، ويُضْغَط بإحكام ويُغْلَق، ثم يُخَزن في درجة حرارة الغرفة مدة تتراوح بين و6 أشهر. وتبلغ مدة صلاحيته نحو عام، ويُتناوَل طبقاً جانبياً مع الأرز.

الدفن

يمكن للدفن الحفاظ على الطعام لأسباب كثيرة، منها غياب الضوء أو الأكسجين أو درجات الحرارة الباردة أو مستوى الرقم الهيدروجيني أو المجففات في التربة. ويمكن استخدام الدفن إلى جانب أساليب أخرى مثل التخمير أو التمليح. ويمكن الاحتفاظ بمعظم الأطعمة طازجة فترة طويلة في التربة المجمدة أو شديدة الجفاف والمالحة.

المعروف أن كثيراً من الخضراوات الجذرية مقاومة تماماً للتعفن، وتحتاج فقط إلى تخزينها في بيئات باردة ومظلمة عن طريق دفنها في الأرض.

ويكثر دفن الأرز تحت الأرض في ولاية أوريسا الهندية لتخزينه، مدة 3 إلى 6 أشهر خلال موسم الجفاف، وساعدت هذه الاستراتيجية في التخزين في حفظ الفواكه خلال العصر المغولي.

جدير بالذكر أن الحفاظ على الفاكهة في العصر المغولي شكَّل أمراً أساسياً لتمكين الحكام من الاستمتاع بالفواكه الهندية الموسمية التي يقدرونها على مدار العام، وقد ابتكروا طرقاً بارعة يمكنهم من خلالها الاستمتاع بها في غير مواسمها.

ذكر جيهان نزار، مدون الطعام الذي يكتب في كثير من المنشورات العالمية: «في مدينة عين أكبري في القرن السادس عشر، يروي مؤرخ البلاط أبو الفضل يوميات إدارة إمبراطورية المغول في عهد الإمبراطور أكبر، وذكر أن عشق أكبر للمانجو (الموسمية) كان الدافع نحو ابتكار حفظ الفاكهة في العسل».

ويذكرنا الكاتب المَعنيّ بشؤون الطعام، فيكرام دكتور، بكيفية استخدام الجاجري (أحد أنواع قصب السكر) لحفظ الأغذية في الهند، خصوصاً في ظل وفرة زراعة قصب السكر في الهند منذ العصور القديمة.


مقالات ذات صلة

جولة على أقدم المطاعم في دلهي

مذاقات من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)

جولة على أقدم المطاعم في دلهي

إذا كنت ممن يزورون العاصمة الهندية دلهي لاستكشاف التاريخ والثقافة، فإنها تقدم ذروة الثقافات المتنوعة في طعامها إضافةً إلى التاريخ الغني والثقافة والتراث.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
مذاقات المفتّقة لا تتمتع بشهرة واسعة خارج العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)

المفتّقة... حلوى تراث بيروت وتقاليد أهلها

البيروتيون كانوا يعدّون المفتّقة مرة واحدة فقط في السنة، وتحديداً في آخر أربعاء من أبريل، حين كانت عائلات تقصد شاطئ الرملة البيضاء الشهير بمناسبة «أربعاء أيوب».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
مذاقات أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)

الشيف حسين فياض: «زيت الزيتون ينافس الزبدة بشهرته العالمية»

بدقة متناهية يعتمد فيها على المسطرة و«المازورة» والمعايير بالغرامات يعمل الشيف حسين فياض وإذا ما تصفحت صفحته الإلكترونية عبر «إنستغرام»

فيفيان حداد (بيروت )
مذاقات القشطوطة (الحساب الرسمي لمحل بلبن)

الحلويات المصرية تتأثر بالعرب المقيمين

«الحلو إيه» سؤال اعتاد المصريون ترديده بمجرد الانتهاء من سفرة الطعام، فـ«التحلية» جزء أصيل من العادات الغذائية حول العالم، غير أن هذه الأصناف الحلوة شهدت تطورات

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
مذاقات اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)

حكايةُ الكنافة بالشكولاته في دبي نجمة الإنترنت الشهية

تخدع التسمية؛ ففي لبنان مثلاً تعني الكنافة كعكة محشوَّة بجبن تعلوه حلوى أقرب إلى «النمّورة»، وسط كثافة القَطر المتدلّي، عادةً، إلا لمَن يفضِّل الحدّ من الحلاوة

فاطمة عبد الله (بيروت)

جولة على أقدم المطاعم في دلهي

من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)
من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)
TT

جولة على أقدم المطاعم في دلهي

من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)
من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)

إذا كنت واحداً من الذين يزورون العاصمة الهندية دلهي لاستكشاف جوانبها التاريخية والثقافية، فإن دلهي إضافةً إلى ما تقدمه من التاريخ الغني والثقافة والتراث، تقدم بالتأكيد ذروة الثقافات المتنوعة في طعامها أيضاً.

من أطباق «كريم» التقليدية (إنستغرام)

ومما لا شك فيه أن الرحلة إلى دلهي ستكون غير مكتملة من دون استكشاف أماكن الطعام التاريخية فيها. وبعضها من عصر ما قبل الاستقلال، وقديم لما يقرب من قرن من الزمان، وحملت وصفات سرّية، وأنساب الأجداد، وقصصاً لا تُنسى عبر الأجيال. دعونا ننظر إلى بعض أقدم المطاعم في دلهي المليئة بالنكهات والقصص والصراعات، وهي الآن جزء من تراث دلهي وتاريخ الطعام الهندي وتجعل من المدينة عاصمة الغذاء في الهند.

حلويات شاينا رام - تشانديني تشوك

بجوار مسجد «فاتحبوري» في دلهي، وهو مسجد من القرن السابع عشر، توجد لافتة قديمة على المتجر تقول: «جودة لا مثيل لها منذ عام 1901». يقع متجر «شينا رام» للحلويات في أزقة باهارغانج، ويدير أعماله بنجاح منذ أكثر من 100 عام، وقد افتُتح لأول مرة في لاهور (باكستان الآن) ثم في الهند الموحدة. بعد التقسيم، وصل إلى الهند، وأُعيد افتتاحه بنفس الاسم، وهو معروف حالياً بحلوى كراتشي المميزة، وغيرها من أنواع هذه الحلوى.

يُذكر أن حلوى كراتشي التي اشتُقت اسمها من مدينة كراتشي هي من أنواع الحلوى بلون الزعفران ومصنوعة من مسحوق «مارانتا» أو دقيق الذرة، والفواكه الجافة، والسكر، والسمن.

يُعرفنا هاري غيدواني (64 عاماً) وهو أحد أفراد العائلة التي أسست وتمتلك «شاينا رام» على ابن أخيه، كونال بالاني (30 عاماً)، وهو شريك من الجيل الخامس في المتجر ويتولى إدارة الأعمال اليومية.

مطعم «كريم» من أقدم مطاعم دلهي (إنستغرام)

يقول كونال بالاني: «تخصصنا هو حلوى كراتشي. وهناك أيضاً حلوى سيف باك، وحلوى سوهان، وحلوى باتيسا، وحلوى بيني. نحن نركز على هذه الحلويات فقط طوال العام. ولكن الشيء الأكثر أهمية هو الحفاظ على نفس الجودة لجميع المنتجات».

مطعم «كريم»

انطلق في عام 1911 مع تاريخ مثير للاهتمام.

عمل عزيز عويز طباخاً في البلاط الإمبراطوري المغولي في القلعة الحمراء في منتصف القرن التاسع عشر. نهب البريطانيون دلهي ونفوا آخر إمبراطور مغولي إلى رانغون (ميانمار).

كان انهيار البلاط الملكي يعني أن أولئك المرتبطين به يجب أن يبحثوا بسرعة عن وسائل بديلة للعمل. هرب عزيز إلى مدينة ميروت ثم إلى غازي آباد في ولاية أوتار براديش الآن. رغم تجريده من منصبه، فإن عزيز كان لا يزال يُعلم أبناءه طهي الطعام الملكي الذي صنعه للإمبراطور، مُصراً على أنه من تراثهم.

في عام 1911، نفس العام الذي احتفلت فيه السلطات البريطانية بجعل دلهي العاصمة الجديدة لإمبراطوريتها، طرح أحد أبناء عزيز، الحاج كريم الدين، فكرة الاستفادة من احتفال الناس بزيارة الملك جورج الخامس والملكة ماري. وبعد أن أقام كشكاً بسيطاً خارج بوابات المسجد الجامع من القرن السابع عشر، لم يُقدم سوى طبقين: لحم الضأن مع البطاطس، وكاري العدس. وبعد سنتين، تمكن من فتح مطبخ صغير في زقاق قريب يمكن أن يُطعم 20 شخصاً.

«إنديان كوفيه هاوس» في دلهي (إنستغرام)

منذ تلك الأيام الأولى، توسع مطعم «كريم» البسيط، وأصبح هناك الآن عديد من المنافذ في جميع أنحاء المدينة، التي يديرها أفراد مختلفون من الأسرة. ومع ذلك، فإن المطعم الأصلي -الذي لا يزال على مسافة خطوة من المسجد الجامع ولكنه في الوقت الحاضر يضم ما يصل إلى 300 شخص- هو الذي يجذب الزوار بقوة.

يقول زعيم الدين أحمد، مدير المطعم وممثل الجيل الخامس من الأسرة التي عملت هنا: «سر شعبيته هو صيغة الطهي». وأضاف: «الأمر نفسه ما كان عليه خلال عهد الإمبراطور بهادور شاه ظفار».

كل مساء، يأخذ عمه مجموعة من الصناديق الخشبية إلى مكتب بالطابق العلوي حيث يملأها بمزيج محسوب بعناية من التوابل. وفي الصباح، تؤخذ هذه الصناديق إلى الطابق السفلي وتسلم إلى الطهاة لتحضير الأطباق المختلفة.

يقول أحمد: «إن سبب رغبة الناس في المجيء إلى هنا هو أنهم لا يستطيعون الحصول في أي مكان آخر في دلهي على نفس الطعم الذي يحصلون عليه هنا. لا يمكنك أن تخدع الجيل الحالي. إنهم يفهمون القيمة لقاء المال. لا أعتقد أن حاجي صاحب كان ليحلم بأن الأجيال القليلة القادمة ستصبح مرادفة لأعمال شراء طعامه».

هناك أكثر من 40 صحناً متاحاً في مطعم كريم، بدءاً من الأطباق البسيطة، مثل «السيخ كباب»، وهو يُعد باللحم المفروم مع التوابل، ووصولاً إلى الأطباق الجريئة، مثل الأدمغة المقلية. يمكن لأولئك الذين يمنحون إخطاراً قبل 24 ساعة أن يطلبوا الماعز الصغير مشوي بالكامل.

«موتي محل»

كما كان متوقعاً، فإن عام 1947 هو العام الذي استقبلت دلهي فيه تدفقاً من اللاجئين. كان لدى عدد قليل منهم شركات ناجحة في مجال الأغذية في باكستان، وكان أحدهم مثل عديد آخرين هو «كوندال لال غوجرال»، الذي هاجر إلى دلهي وأعاد تأسيس «موتي محل» في الهند عام 1947، الذي كان قد أسَّسه أول الأمر عام 1920 في بيشاور (باكستان).

لذا، يمكن القول إن «موتي محل» قديم قِدم الهند المستقلة نفسها، وكثيراً ما يُقال إنه أول مطعم في الهند المستقلة. ليس فقط أن قائمة الطعام لم تتغير منذ عام 1947، ولكن الديكور هو بالضبط ما كان عليه قبل 76 عاماً. حتى اليوم، يمكنك أن تسمع مغنين من القوالي في الفناء.

كان أول من حفر فرن التاندور (الفرن الفخاري) مباشرةً في وسط أول مطعم صغير له، وابتكر دجاج التاندوري الأسطوري. تم إدخال التاندور إلى الهند من آسيا الوسطى عندما غزاها المغول واستقروا هناك. كان التاندوري يُستخدم في وقت سابق لصنع الخبز. لم يُستخدم أبداً لصنع الكباب، لكن غوجرال قدم فكرة جديدة عن تتبيل الدجاج في الزبادي وبعض التوابل ووضعه في التاندور الساخن. ما خرج كان دجاج التاندوري، ولم تكن هناك عودة إلى الوراء. كان هذا هو تطور التاندور، لقد غيّر وجه المطبخ الهندي، وتم تطوير مطبخ جديد.

في الوقت الحالي، وتحت إشراف مونيش غوجرال شهدت العلامة التجارية تحولاً هائلاً. وقد حرص مونيش على أن تكون العلامة التجارية واضحة للعيان، وتوسع «موتي محل» ليشمل الشواطئ الدولية.

من العديد من رؤساء الوزراء والرؤساء وغيرهم من المشاهير، كان المكان يتردد عليه كثير من الشخصيات الأجنبية مثل شاه إيران، وكثير من الشخصيات المهمة الأخرى.

«ويغنير» من الخارج (إنستغرام)

مطعم «وينغر»

«وينغر» هو واحد من أقدم المخابز في دلهي، وقد تأسس عام 1924. وفي العام الحالي، أكمل «وينغر» مائة عام من تقديم الفطائر، والبرغر، والمعجنات، والهوت دوغ لسكان دلهي. وهو أيضاً واحد من المخابز القليلة في دلهي التي قدمت مفهوم السلطات والحلويات البرتغالية.

أنشأه زوجان سويسريان بنفس الاسم «وينغر»، وكان أول مخبز في دلهي يقدم الشوكولاته السويسرية وكعك السمن، وقد أنشأه المهندس المعماري البريطاني السير روبرت تور راسل. واستولى آل التاندون على المخبز عام 1945.

عندما تم الانتهاء من بناء «كونوت بلاس» في قلب دلهي عام 1933 كان «وينغر» معروفاً جيداً بوصفه مكاناً للتجمع في جميع أنحاء المدينة. كان الناس يحجزون مسبقاً لأنه كان يعمل مطعماً في سنواته الأولى. كان مطعم «وينغر» في السابق عبارة عن صالة للشاي ومتجر للحلوى مع «رانديفو» (المقهى)، و«لا مير» (قاعة الرقص)، و«غرين شوب» (متجر الحفلات) ممتدة عبر اثنين من المتاجر. كان وينغر يغلق أبوابه في فصل الصيف وينتقل إلى شيملا، على غرار البريطانيين الذين كانوا مسؤولين عن الهند في ذلك الوقت. الأهم من ذلك، أن المكان تطور مع مرور الوقت، ولكن جودة ومذاق الطعام لا يزالان متشابهين. لذا، في يوم الاستقلال هذا، احتفلوا بسحر الحرية مع أكثر من 70 نوعاً من المعجنات.

الأطباق القديمة لا تزال محافظة على وصفاتها الأصلية (شاترستوك)

«إنديان كوفي هاوس»

«إنديان كوفي هاوس» هو واحد من أكثر الأماكن الأسطورية في دلهي. افتُتح عام 1942، وهو مطعم كلاسيكي ذو تاريخ أكثر من 82 عاماً. أفضل جزء في المقهى هو أنه يعرض جميع أنواع الأطعمة، سواء كانت متوسطية، أو من شمال الهند، أو أوروبية، أو أنواع أخرى من الأطباق غير التقليدية. الأجواء بسيطة للغاية والطعام بسعر معقول جداً. إنه مكان رائع لشخص يريد أن يأكل طعاماً جيداً بميزانية معقولة. وعلى مر السنين، أصبح مكاناً اجتماعياً شهيراً للقادة والناشطين السياسيين. يوجد لدى «إنديان كوفي هاوس» الآن فروع متعددة في جميع أنحاء البلاد.

«روشان دي هاتي»

بالنسبة إلى سياح كثيرين، فإن هذا المطعم الشامخ والفخور يعود تاريخه إلى أكثر من 73 سنة في دلهي. في أي وقت من اليوم، ستشاهدون حشداً من الناس ينتقلون إلى هذا المطعم المتواضع الذي يرجع تاريخه إلى عام 1947. أسسه روشان دي سوني عام 1951، بدأ «روشان لال كولفي» ككشك لبيع حلوى كولفي (حلوى هندية مجمدة تُصنع عن طريق تركيز الحليب بالغليان ونكهته بالمكسرات وبذور الهيل. وهي أكثر كثافة وكريمية من الآيس كريم العادي، وتأتي بنكهات عديدة)، وهو الآن مطعم متعدد الطوابق يقدم العديد من المأكولات.

يقول إيشان سوني (34 عاماً)، حفيد روشان لال، الذي تولى الآن مسؤولية عمليات المطعم مع أبناء عمومته: «كان جدي يبيع الكولفي في الشوارع، وأخيراً في عام 1951، أنشأ متجراً صغيراً وأقام كشكاً في الشارع بعد الهجرة من باكستان. إن هذا المطعم اليوم يقف في المكان الذي بدأ فيه العمل بائعاً متجولاً».

جرى تحديث على القائمة هنا للآيس كريم الهندي ليتضمن الكولفي الخالي من السكر وشوكولاته الكولفي، إضافةً إلى فالودا المانغو، وهو الذي يحقق نجاحاً وشعبية كبيرة خلال الصيف.