تملك بربارة مسعد خطاً خاصاً بها في مجال الطعام والمطبخ اللبناني؛ فهي تجول المناطق اللبنانية بحثاً عن كل ما يمكن أن يزودها بأسراره. تعيش في منزلها في بلونة محاطة بحديقة تزرع فيها نباتات وخضاراً وفواكه كي تقطفها طازجة. عاشت فترة من حياتها في أميركا واكتسبت خبرة الطهي في أثناء مساعدتها لوالدها. فهو مصور فوتوغرافي ويملك مطعماً لبنانياً في فلوريدا. إثر عودتها إلى لبنان في عام 1988، تدربت مع طهاة في مطاعم لبنانية وإيطالية وفرنسية. وفي 2006 انضمت إلى Slow Food Movement، وهي منظمة تعمل على تعزيز الحفاظ على التقاليد الغذائية المحلية والتنوع البيولوجي والإنتاج الغذائي المحدود حول العالم.
شغفها بالمطبخ اللبناني كان وراء تأليفها عدة كتب، بينها واحد عن «المنقوشة اللبنانية»، وكذلك آخر تناولت فيه المونة اللبنانية وكيفية الحفاظ عليها. أما أحدث مؤلفاتها فهي «بيروت إلى الأبد». وتقول عنه لـ«الشرق الأوسط»: «أردته تكريماً لمدينة أحبها ذاقت الأمرّين بعد انفجار 4 أغسطس (آب)، وفيه وصفات أكلات لبنانية استوحيتها من مشواري وتراكم تجاربي في المطبخ اللبناني».
تفتخر مسعد بأصولها اللبنانية، وهي التي تحمل الجنسية الأميركية أيضاً، وتعتز بأن خوسيه أندرياس أحد أهم الطهاة الإسبان في أميركا كتب لها مقدمة هذا الكتاب. مشاركته هذه حفزته على زيارة بيروت فجال في المناطق اللبنانية يوزع الطعام والمساعدات على المتضررين من الانفجار.
تتباهى بلبنانيتها التي تسكنها حتى العظم: «بيروت قلب لبنان، مدينة لن تتكرر، وفي كتابي الأخير المهدى إليها وضعت قصيدة للراحلة ناديا تويني عنوانها: بيروت. أحب دائماً أن أركز إلى رمز لبناني أصيل في كتبي. وهذه المرة أدرجت صورة لتويني كان قد التقطها لها والدي، فشكلت نبعاً استوحيت منه الكثير في عملي».
تصف الطعام بأنه لغة بحد ذاته، يتواصل من خلاله الناس أينما كانوا: «ثقافة مطبخنا تلحق بنا أينما كنا، خصوصاً، عندما نكون خارج لبنان. ومن الجميل أن نلحظ تعلق الشباب اللبناني بمطبخه مؤخراً. فهو جزء من هويته وعليه أن يحافظ عليها».
بربارة مسعد هي واحدة من الأعضاء المؤسسين لمنظمة Slow Food بيروت، ومندوبة لمجموعة Terra Madre الدولية. قامت بتمثيل لبنان عام 2007 في كونغرس Slow Food النصف سنوى العالمي في بويبلا في المكسيك.
تصف المطبخ اللبناني بالمتنوع والغني جداً، وهو يناسب كل الأذواق والمتطلبات: «عندنا أطباق نباتية وتشكيلة من المعجنات والطبخات باللحم والدجاج. عندما عدت من أميركا، ولمجرد اكتفائي بتناول الطعام اللبناني الصحي خسرت 10 كيلوغرامات من وزني».
بينها وبين الزعتر قصة حب طويلة ترجمتها في كتاب حصدت عليه جوائز عالمية: «الزعتر بالنسبة لي من أهم مكونات المطبخ اللبناني. تخيلي أنني مؤخراً صنعت قالب حلوى يتألف من الشوكولاتة ومنكّهاً بالزعتر. جاء طعمه رائعاً لم أتوقعه أبداً. هذه الفكرة استوحيتها من طاهية في مطعم (طاولة) لكمال مذوق في أميركا. للزعتر ذكريات كثيرة عندنا في جميع مراحل حياتنا. والمنقوشة أشهر وصفة فطائر يمكننا صنعها منه. كانت في الماضي القريب تعرف بأكلة الفقير كما الغني، فهذه الفطيرة تشبكنا جميعاً في حبها».
وبخصوص طفرة الطهاة البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي تعلق: «تناول الطعام هو بمثابة شغف وحب عند الإنسان. وهي هواية تشعرنا بحالة نفسية أفضل تماماً كتربية الحيوانات الأليفة. أكثر ما نفعله في حياتنا هو تناول الطعام، ولذلك يأخذ حيزاً من حياتنا اليومي. سؤالنا الدائم الذي نطرحه على أنفسنا أو بين بعضنا: ماذا أطبخ اليوم؟ أو ماذا آكل هذا المساء؟ نأكل 4 مرات في اليوم الواحد، أقله أن نلحظ هذه الظاهرة على السوشيال ميديا، ولكل من هؤلاء متابعوه حسب أسلوبه وفنه بالطبخ. وأرى هذه الظاهرة أمراً جيداً».
حاولت كما تقول بربارة لـ«الشرق الأوسط» أن تمارس مهنة «المدوّنة» (بلوغر): «لم أستطع مجاراة إيقاعها اليومي. فهو يتطلب التفرغ لها. ولكنني في الوقت نفسه أكنّ إعجاباً كبيراً لكثيرين من البلوغرز اللبنانيين».
لا يستفزها مشهد تحضير الطعام من قبل أحدهم لا يتمسك بأصول هذه اللعبة: «مرات أتساءل كيف لهذا البلوغر ملايين المتابعين مع أن المحتوى الذي يقدمه حول الطعام غير جدير بذلك. ولكنني خلصت إلى قناعة بأن لكل شخص أسلوبه، والمكان يتسع للجميع».
تبدي سعادة كبيرة بما استطاعت تقديمه حتى اليوم على صعيد المطبخ اللبناني ككل: «إنه اليوم يلاقي انتشاراً واسعاً، كونه ينبع من منطقة عريقة ألا وهي الشرق الأوسط. وثانياً لأنه يحتوي على مكونات غذائية تختلف كثيراً عن غيرها في مطابخ غربية أو شرق آسيوية».
تستعد حالياً لتأليف كتاب جديد تقطف محتواه من زيارات أسبوعية إلى بلدات لبنانية. «في الماضي القريب ركزت على منقوشة الزعتر. أردتها أن تنافس بطعمها وشهرتها طبق البيتزا الإيطالي. اليوم أحاول نقل طعامنا من مختلف القرى والمناطق اللبنانية. أتعلم الكثير من الأشخاص الذين أزورهم، فأشاركهم الأحاديث حول المائدة اللبنانية، ومعاً نتناول الأطباق الأصيلة والشهية».