الأحلام المؤجلة توقظ صراعات نفسية وتخلق دراما مسرحية

الموضة تتكئ على أمجاد الماضي للهروب من الحاضر

الماضي كان خيطاً قوياً ربط العديد من عروض خريف وشتاء 2025-2026
الماضي كان خيطاً قوياً ربط العديد من عروض خريف وشتاء 2025-2026
TT

الأحلام المؤجلة توقظ صراعات نفسية وتخلق دراما مسرحية

الماضي كان خيطاً قوياً ربط العديد من عروض خريف وشتاء 2025-2026
الماضي كان خيطاً قوياً ربط العديد من عروض خريف وشتاء 2025-2026

في لقاء أجرته لايدي غاغا منذ بضع سنوات، فاجأت النجمة الأميركية محاورتها عندما أجابت عن سؤال يتعلق بأهمية ودور أزيائها المسرحية قائلة: «هذه الأزياء أنقذتني من الاكتئاب... لقد أخرجتني من حالة حزن حادة كنت أمر بها». تصريح بكل بساطته وصدقه، يعكس الحالة النفسية للعديد من الناس حالياً، كما يعكس حالة الموضة ودورها، التي أصبحت في ظل أزمة جيوسياسية، ملاذاً. يهرب إليه العديد من الناس للحصول على فسحة من السعادة والثقة والأمان، والمصممون على التعبير عن مكوناتهم وآرائهم باستعراض جانب درامي، قد يبدو مسرحياً في بعض الأحيان، إلا أنه عندما يغوص داخل الذات يستكشف خباياها، أو يستنجد بالماضي، يتحول إلى «صرخة فنية» تترك أثرها طويلاً.

هذه هي الموضة على مر الأجيال وفي كل المراحل والأزمات، تتمرد على القيود وتبحث عن كل ما يحتضن ويُحرر. فهي لا تعيش في منأى عن الواقع حتى عندما تحاول الهروب منه.

هذا العام، أكدت أنها لم تسلم مثل باقي الصناعات من تبعات أزمات تتوالى عليها منذ جائحة كورونا إلى اليوم، ما يجعل العديد من المصممين يحاولون إنعاشها والتعامل معها كمضاد حيوي بإضافة جرعات قوية من الألوان والأحجام والابتكار حتى وإن تطلب الأمر الاتكاء على أفكار من الماضي.

«شانيل» أيضاً استقت من الماضي ياقات وفيونكات (شانيل)

تفاوتت نسبة الجرعات الحيوية التي ضخ بها كل واحد اقتراحاته، لكن ظل هناك خيط يجمعهم، يتمثل في استعانتهم بإبداعات الأجداد، وهو ما جسدوه إما في ياقات عالية وكشاكش تستحضر العهد الإليزابيثي، أو في تنورات مستديرة وضخمة من العهد الفيكتوري. هذا الحنين إلى الماضي ظهر أيضاً في تنظيم العروض التي تميزت بحميمية افتقدت في العقود الأخيرة. أي قبل جنون «السوشيال ميديا»، كما قال دانييل روزبيري، مصمم دار «إلسا سكاباريللي»، الذي علّق على وضع الموضة وعلاقتنا بها، قائلاً إن العديد منا يتساءل «عمّا يمنح الحياة معناها الحقيقي في وقت أصبح فيه العديد منا يشعرون بالملل وعدم الارتياح لاختراق وسائل التواصل الاجتماعي حميميتها وأدق خصوصياتها».

مال دانيال روزبيري مصمم «سكارباريللي» إلى دراما تعكس الذوق الخاص وفنية مستدامة (سكاباريللي)

الجواب الذي توصل إليه أن المعنى الحقيقي ينبع من «تقديرنا لكل ما هو ثمين فيها، بدءاً من الأشياء إلى الأشخاص الذين لا يمكننا استنساخهم، ويسهل التعامل معهم بشكل شخصي مباشر». في لغة الموضة، هذا يعني أزياء مستدامة بتصاميم كلاسيكية ومبتكرة، لا تعترف بزمان أو مكان مهما بلغت فنيتها وجنوحها للمسرحي. «المهم أن تُعبِر عن ذوق خاص».

لم يحتكر روزبيري هذا الرأي. وافقه عليه عدد لا يستهان به من المصممين. منهم من هرب من الواقع إلى داخل الذات، بحثاً عن أجوبة لأسئلة ميتافيزقية وفلسفية تُرجمت في تصاميم معاصرة، مثل شون ماغير، مصمم دار «ماكوين» الذي اقتبس من الكاتب أوسكار وايلد مقولته الشهيرة «اعرف نفسك... كن نفسك». جسَدها المصمم في إطلالات بأسلوب «داندي»، حافظ فيه على جرأة الكاتب وروحه المتمردة، لكن فكَّكه من أي استفزاز.

أليساندرو ميكيلي، مصمم «فالنتينو» أيضاً حاول الغوص في أعماق الذات. الفرق أنه مال إلى الغرابة وإحداث الصدمة. أطلق على تشكيلته عنوان «الحميمية» واختار ديكوراً لعرضه يمثل الحمامات العامة. تفسيره أنه أراد أن يسلط الضوء على أن الجماعي والفردي يلتقيان في نقطة ما، كذلك الخفي والمكشوف والوعي واللاوعي، أو وفق قوله «تلك النقطة التي تسقط فيها الأقنعة».

استلهم المصممون من الماضي أشكالاً وأحجاماً ضخوها بجرعة من الدراما المعاصرة

الحنين إلى الماضي

من بين كل هذه الأفكار الفلسفية ومحاولات الغوص في أعماق الذات، بقي العنصر الأقوى هو الماضي. تكاد تشم رائحته في معظم العروض. شون ماغير مصمم «ماكوين» مثلاً لم يكتف بالاستعانة بالكاتب أوسكار وايلد، عرج على العهد الفيكتوري ليقتبس منه الأكمام المنفوخة والياقات العالية والأقمشة الغنية مثل الجاكار والدانتيل المطرز بالورود.

فالماضي كما يبدو هذا الموسم، استعمل كمنجم أفكار وملاذ من التهديدات القادمة. تمت دراسته وإعادة تفسيره بأسلوب معاصر من دون الإغراق فيه، باستثناء لورانزو سيرافيني المدير الإبداعي لدار «ألبرتا فيريتي»، الذي قدم مجموعة عاد فيها إلى التسعينات، وهي حقبة شهدت فيها الدار عصرها الذهبي. أراد من خلالها تكريم المؤسسة، ألبرتا فيريتي، إلا أنه بالغ في الأمر ليبقى سجين هذه الحقبة.

فيما عداه، بقيت أقدام كل من عادوا إليه راسخة في الحاضر. ما شفع لهم أنه حتى عندما استعانوا بالأرشيفات القديمة واستنجدوا بكتب التاريخ ظلوا واقعيين وكأن ما جادت به قرائحهم وليد اليوم.

المصممة سيلفيا فندي وبروفات قبل عرضها (فندي)

«فندي»

المصممة سيلفيا فينتوريني وريثة دار «فندي» واحدة من المصممين الذين يؤمنون أن الماضي جزء من الحاضر. فالإرث العائلي الذي تحمل مسؤوليته على عاتقها راق وعمره نحو 100 عام. لم تستنسخه حرفياً، لأنها كما تقول لم تحتج إلى أن تعود إلى الأرشيف للاستلهام منه، لأن جينات الدار تجري في دمها، مضيفة: «احتجت فقط إلى ذكرياتي الشخصية – المعيشة والمُتخيلة». والنتيجة كانت تشكيلة تتألق ببريق العصر الذهبي للدار الرومانية المنشأ، وللسينما الإيطالية في منتصف القرن الماضي. فساتين تلمع وتنورات متوسطة الطول منسقة مع قطع بياقات عالية وخصور مشدودة من الساتان والجلود والتويد وطبعاً الفرو. فهو علامة الدار المسجلة وسبب من أسباب كينونتها واستمراريتها. هو الذي يربط ماضيها بحاضرها على الرغم من الضغوطات التي يسببها حماة الحيوانات والمناهضون لاستعمالاته. لا يمكنها التخلي عنه، لكنها لا بد أن تفكر في تقنيات حديثة وبدائل طبيعية تجنبها الانتقادات مستقبلاً.

«ديور» استلهمت من العصر الإليزابيثي ياقات عالية وكشاكش (ديور)

«ديور»

الماضي كان حاضراً بقوة في تشكيلة «ديور» أيضاً. ظهر في قمصان باللون الأبيض استوحتها المصممة ماريا غراتزيا تشيوري من عصر إليزابيث الأولى، بياقات عالية وكشاكش سخية، بينما تميزت المعاطف بأكمام منتفخة مستوحاة هي الأخرى من بورتريهات الطبقات الأرستقراطية القديمة. ويبدو أن تشيوري ليست وحدها من أغوتها الأكمام، لأن سحرها لمس أغلب المصممين، من أنطوني فكاريللو مصمم «سان لوران» إلى سيلفيا فندي مروراً بـ«سكاباريللي» و«ماكوين» وغيرهم. كلهم تفننوا في أشكالها وأحجامها، لا سيما ما يعرف ب«كمّ الجيغو» (وترجمته الحرفية كمّ فخذ الخروف).

أكمام «الجيغو» ظهرت في عدة عروض مثل «سان لوران» و«فندي» و«ماكوين»

ظهر هذا التصميم في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وشاع أكثر بين عامي 1830 و1890. يستمد اسمه من انتفاخه الدرامي عند الكتف ليبدأ في التناقص تدريجياً حتى يضيق عند الساعد أو المعصم. كانت الفكرة منه خلق توازن بين الجزء الأعلى من الجسم والجزء الأسفل، وكان في العهد الفيكتوري يدعم بحشوات داخلية للحفاظ على شكله المنفوخ.

تصميم «روب دي ستايل» الذي كان رائجاً في العشرينات أعاده المصمم أنطوني فاكاريللو للواجهة (سان لوران)

التصميم الآخر الذي بُعث من الماضي هذا الموسم، هو الـ«روب دي ستايل». تصميم كان رائجاً في العشرينات وعلى عكس فستان «فلابر»، منافسه الأكبر في تلك الفترة بقصّته المستقيمة والصبيانية إلى حد ما، كان «روب دي ستايل» أكثر أنوثة، بتنورته الواسعة المدعومة إما بطبقات متعددة من القماش، أو بحشوات داخلية مثل الأطواق أو الكرينولين الخفيفة. وغالباً ما كانت تتميز بخط خصر طبيعي أو منخفض قليلاً يمنح صاحبته الراحة وفي الوقت ذاته يتمرد على الكورسيه. ظهر في عرض «سان لوران» كما ظهر في عرض «فيراغامو»، الذي التقط فيه مصممها ماكسيميليان ديفيس، هذا الخيط ونسج منه تشكيلة عاد فيها إلى بداية القرن الماضي، مبرراً ذلك بأن «العشرينات كانت لحظة تحرر، تمرد فيها الناس على التقاليد وخلقوا مساحات لأنفسهم». كانت هذه نقطة انطلاقه لتقديم فساتين من حرير وأخرى مزينة بتطريزات دانتيل على الخصر المنخفض، أو مغطاة بشرائط من الفرو، بينما استعمل تفاصيل على الجلود تستحضر تلك الحقبة.

ومضات من الماضي ظهرت في كثير من التفاصيل وعززها المصمم بالابتكار (سالفاتوري فيرغامو)

لم يتوقف ديفيس عند حقبة العشرينات وحدها. انتقل أيضاً إلى السبعينات والثمانينات على أساس أنها «هي الأخرى كانت فترة تحرر وحب»، وفق تصريحه. تفاصيل كثيرة من أرشيف الدار تظهر على شكل زهور زينت قطع من الأورجانزا والجلد والساتان، كما تناثرت عبر أحذية تستوحي سلاستها وعمليتها من أعمال سالڤاتور فيراغامو في منتصف القرن الماضي. وبما أن حقائب اليد هي المنجم الذي يحقق الربح لصناع الموضة عموماً، طرحها بأشكال مثيرة تجمع المسرحي والسريالي. فقد كان من المهم بالنسبة له «أخذ أشياء يومية عملية وجعلها تبدو مشوشة قليلاً» حتى تثير جدلاً فنياً وفكرياً في الوقت ذاته.

جيفنشي

سارة بيرتون قدمت أول تشكيلة لها لدار «جيفنشي» بعد التحاقها بها في بداية العام. لم تُخف احترامها للماضي وقالت إنه كان من الطبيعي بالنسبة لها أن تعود إلى جذور الدار «للمضي قدماً». قبل أن تتخذ أي خطوة، قضت وقتاً لا يستهان به في دراسة الأرشيف وأسلوب مؤسسها هيبار دي جيفنشي. اكتشفت أن هناك قواسم مشتركة بينها وبينه، مثل حبهما للتفصيل والحرفية، وهو ما كانت ثمرته تشكيلة تجمع دقة الأساليب التقليدية البسيطة والتفاصيل الأنثوية الانسيابية. وهكذا أكدت مقولة يكررها العديد من المصممين أن من يتحكّم في الماضي يتحكم في المستقبل؛ ومن يتحكمّ في الحاضر يتحكم في الماضي.

ديمنا عاد إلى مؤسس الدار كريستوبال بالنسياغا ليعيد لنا قدرته الفذة في التفصيل (بالنسياغا)

بالنسياغا

ديمنا مصمم دار «بالنسياغا» هو الآخر ركب الموضة وتوجه إلى الماضي، مستوحياً من إبداعات مؤسسها، كريستوبال بالنسياغا في الخمسينات والستينات. هذه الإبداعات جسدها في معاطف بأحجام كبيرة إضافة إلى فساتين جريئة وقطع منفصلة كثيرة ومتنوعة، دمج فيها الخطوط الكلاسيكية مع عناصر من أزياء الشارع والأسلوب «السبور». وصفة أتقنها جيداً وتحقق مبيعات عالية لمجموعة «كيرينغ» المالكة للدار.


مقالات ذات صلة

النجوم يستعينون بالمجوهرات الثمينة لمزيد من البريق

لمسات الموضة زادت أناقة النجوم ومعها جرأتهم (أ.ف.ب)

النجوم يستعينون بالمجوهرات الثمينة لمزيد من البريق

إلى عهد قريب كانت إطلالات النجوم على السجادة الحمراء متكررة وتفتقد إلى أي خيال إبداعي مقارنة بإطلالات النجمات. كانت دائماً عبارة عن بدلة سوداء مع قميص أبيض،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من عرض الدار لخريف وشتاء 2025 حيث تكمن قوتها في التصميم والأقمشة (غيتي)

غداً الموعد مع «زينيا» في دبي

موعد لافت يجمع غداً عُشاق الموضة وعلامة «زينيا» ZEGNA في دبي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة تؤمن ياسمين بأن الأزياء الراقية يجب أن تكون متميزة بفنيتها وتفردها مهما كلف الثمن (خاص)

ياسمين منصور الفائزة بجائزة «فاشن ترست أرابيا»... كيف حوَلت معاناتها إلى إبداع؟

يجمع أسلوب ياسمين تقاليد قديمة بصياغة حديثة لا تعترف بزمان أو مكان. هذا ما أقنع لجنة تحكيم «فاشن ترست أرابيا» المكونة من أسماء عالمية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة كان حجمه مناسباً ومتناسقاً مع كثافة شعرها (خاص)

تمساح ماسي يجمع المصممة بيبي فان دير فلدن والنجمة بيونسيه

كانت مصممة المجوهرات الهولندية الأصل، بيبي فان دير فلدن، في قمة السعادة، وهي تكشف عن قرط «Queen B» الماسي الذي تألقت به بيونسيه في جولتها «Cowboy Carter».

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة في مجموعة الأزياء الرجالية تتّسم الإطلالات بالرزانة والتصميم المُريح (برونيلو كوتشينيلي)

اقتراحات «برونيلو كوتشينيلي» لصيف 2025... منعشة بخاماتها وتصاميمها

لم تحتج دار «برونيلو كوتشينيلي» إلى تنظيم عرض أزياء ضخم في وجهة سياحية كما تفعل معظم دور الأزياء العالمية خلال شهر مايو (أيار) من كل عام، فهذا هو شهر مجموعات…

«الشرق الأوسط» (لندن)

النجوم يستعينون بالمجوهرات الثمينة لمزيد من البريق

زادت أناقة النجوم ومعها جرأتهم (أ.ف.ب)
زادت أناقة النجوم ومعها جرأتهم (أ.ف.ب)
TT

النجوم يستعينون بالمجوهرات الثمينة لمزيد من البريق

زادت أناقة النجوم ومعها جرأتهم (أ.ف.ب)
زادت أناقة النجوم ومعها جرأتهم (أ.ف.ب)

إلى عهد قريب كانت إطلالات النجوم على السجادة الحمراء متكررة وتفتقد إلى أي خيال إبداعي مقارنة بإطلالات النجمات. كانت دائماً عبارة عن بدلة سوداء مع قميص أبيض، وربطة عنق ومنديل جيب في أحسن الحالات. نادراً ما كنا نرى رجلاً يغامر خارج هذه الحدود وكأن هناك شبه إقرار بأن الأناقة امتياز أنثوي لا يخصهم.

لويس هاملتون في كامل أناقته بحفل الميتروبوليتان الأخير (أ.ف.ب)

لكن رياح التغيير بدأت تهب منذ فترة، ومع كل موسم تتبدّل المعادلة، سواء على منصات الموضة الرجالية أو المهرجانات الفنية. في عروض الأزياء شهدنا عودة منديل الجيب إلى مكانه الطبيعي يزين البدلات الرشيقة والمفصلة ويخاطب رجلاً أنيقاً لكن يميل إلى الرسمية وبعض التحفظ، وفي المهرجانات الفنية، مثل «الأوسكار» و«الغولدن غلوب» وحفل «الميت»، وغيرها، بدأت مجموعة كبيرة من النجوم يكتبون سيناريو جديد، يشجع على معانقة الموضة لا كما تُملى عليهم، بل كما يُحبّون أن يُعبّروا عن أنفسهم. والنتيجة أنهم لم يتلاعبوا بالأقمشة وحدها ولا خالفوا قواعد الألوان فحسب بل تزينوا بالذهب والماس وكل ما يخطر على البال من أحجار نفيسة. لسان حالهم يقول إن الأدوار الثانوية بوصفهم مرافقين للنجمات على السجاد الأحمر لم تعد تُعبِر عنهم أو تُشبع تلك الرغبة الاستعراضية التي ظلت كامنة بداخلهم بسبب التقاليد والمتعارف عليه.

الممثل البريطاني ريجي جان بيج في حفل الميتروبوليتان 2025 (أ.ف.ب)

رغم أن بعضهم بالغ بعض الشيء من ناحية أنهم نسقوا إطلالتهم مع سلاسل من ذهب وساعات فخمة وخواتم ضخمة، ظل البروش بكل أحجامه، القاسم المشترك بينهم جميعاً. كان أيضاً مركز الجذب، لأنه لم يكن مجرد قطعة مجوهرات نفيسة، بل يحاكي التحف الفنية بتصاميمه النابضة بالأناقة والجرأة. لا يفرق إن كان بتصاميم كلاسيكية مستوحاة من حقب فنية ماضية، أو معاصرة، النتيجة واحدة. من جهة يعكس ثقة بالنفس يعيد فيها الرجل اكتشاف الموضة عبر تغيير قواعدها وإعادة كتابة تفاصيلها الصغيرة بأسلوبه الخاص، ومن جهة أخرى تعكس مكانته الاجتماعية وذوق يواكب تغيرات العصر. وهذا ما يجعله مناسباً للكل ويرتقي بأي إطلالة في حال استعمل لوحده. إطلالة النجم أدريان برودي، خير دليل حيث اختار «بروشا» على شكل طاووس من المصممة إلسا جين ارتقت باللون الأسود وأضفت عليه التميز.

الممثل أدريان برودي في إطلالة أنيقة (أ.ف.ب)

الملاحظ أن اهتمام النجوم بالبروش كقطعة فنية في المناسبات الكبيرة بدأ يستقوى منذ عام 2019، لكنه بلغ أوجه هذا العام، بعد أن انتبهت بيوت المجوهرات الكبيرة مثل «كارتييه» و«بوشرون» و«شوميه» و«ميسيكا» وغيرها، أن زبونهم الشاب والمقتدر لم يعد يكتفي بساعة يد أو أزرار أكمام، بل أصبح أكثر جرأة ورغبة أن يدخل عالم المجوهرات مستثمراً ولاعباً قوياً، إذ لا يمكن تجاهل أن الهدف من استعمال هذا الإكسسوار ليس التألق على السجاد الأحمر فحسب، بل أيضاً طريقة ذكية لربط علاقات جيدة مع بيوت المجوهرات الكبيرة، قد تنتهي بتوقيع عقود عمل مجدية على المدى البعيد.

الموسيقي الأميركي عمر أبولو وإطلالة جريئة (أ.ف.ب)

فالاهتمام بالمجوهرات الرجالية بين عامي 2022 و2023 تجاوز النمو السنوي المتوقع وفقاً لشركة «يورومونيتور إنترناشيونال» لأبحاث السوق. هذا النمو أثبتته أيضاً دار «سوذبيز» للمزادات بتنظيمها أول معرض بيع مخصص للمجوهرات الرجالية في نيويورك في سبتمبر من عام 2023، بعد أن لمست رغبة الرجل في الارتقاء ببدلته في المناسبات المهمة إلى مستوى جديد.

المجوهرات... من المهراجات إلى المهرجانات

قد لا يستسيغ البعض إقبال الرجل على المجوهرات بهذا النهم، كما قد يستغربه البعض الآخر على أساس أنه بدعة دخيلة على الصورة الذكورية المترسخة في المخيلة الشعبية، بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً.

فلا هو يتعارض مع مفهوم الرجولة ولا هو جديد. حين نعود بالزمن إلى الوراء، نجد أنه لم يرتبط بالمرأة وحدها بل عزَّز مكانة الرجل كقوة اجتماعية وسياسية.

معرض «كارتييه» الذي يحتضنه متحف «فكتوريا أند ألبرت» بلندن هذه الأيام مثلاً يؤكد بالصور والدلائل أنه كان رفيق درب الملوك والنبلاء.

مهراجات الهند أكثر من حملوا بريقه بوصفه رمزاً للسلطة والثراء وتعاملوا مع أحجاره كتعويذات حماية وقوة. كان بعضهم يتدخل حتى في تصميم القلادات والتيجان ويتناقش مع بيوت الأزياء حول طرق تقطيع ما بحوزتهم من أحجار نادرة.

الممثل أدريان برودي أدمَنَ «البروش» وأصبح رفيقه في كل المناسبات المهمة (أ.ف.ب)

التغيير الذي حصل أن الثقافة الشعبية تغيرت، وخرج الرجل المقتدر وكذلك النجوم من ذوي الإمكانات العالية؛ من أمثال لاعب الكرة السابق ديفيد بيكهام، والمنتج الموسيقي ومصمم دار «لوي فويتون» حالياً فاريل ويليامز، وهاري ستايلز، وتيموثي شالاميه، وغيرهم، من المنطقة الآمنة التي تكتفي بخاتم زواج وأزرار أكمام وساعة يد. لم تعد المجوهرات بالنسبة إليهم تفصيلاً إضافياً، بل محور أساسي للتعبير عن ذواتهم.

بروش على شكل وردة من «كارتييه» معروض في متحف «فكتوريا أند ألبرت» حالياً ضمن معرض «كارتييه»... (خاص)

لكن الملاحَظ أنه بينما لا تزال السلاسل وأقراط الأذن والخواتم الضخمة لصيقة بمغني الراب أو الهيب هوب، فإن البروش الرجالي اكتسب حضوره الاجتماعي ومكانته الثقافية من فنية تصاميمه وأيضاً من قدرته على قلب الموازين، بأن يُحوِل توكسيدو تقليدي إلى قطعة معاصرة، ويُضفي على سترة غير رسمية هالة من الجرأة والشخصية.