معرض «كريستيان ديور... مصمم الأحلام» يحط الرحال في السعودية لأول مرة

لقاء تاريخي بين الأناقة الباريسية وطبيعة العلا الخلابة

رغم توالي كثير من المصممين على «ديور» بعد وفاة مؤسسها فإنهم احترموا مبادئه وأفكاره (هيئة الترفيه)
رغم توالي كثير من المصممين على «ديور» بعد وفاة مؤسسها فإنهم احترموا مبادئه وأفكاره (هيئة الترفيه)
TT

معرض «كريستيان ديور... مصمم الأحلام» يحط الرحال في السعودية لأول مرة

رغم توالي كثير من المصممين على «ديور» بعد وفاة مؤسسها فإنهم احترموا مبادئه وأفكاره (هيئة الترفيه)
رغم توالي كثير من المصممين على «ديور» بعد وفاة مؤسسها فإنهم احترموا مبادئه وأفكاره (هيئة الترفيه)

يواصل معرض «كريستيان ديور: مُصمم الأحلام (Christian Dior: Designer of Dreams)»، الذي افتُتح في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في المتحف الوطني السعودي بمدينة الرياض، استقبال زواره في لقاء ثقافي وفني بين التراث والإبداع. فالمعرض يُقدِّم تجربةً إبداعيةً فريدةً من نوعها لمُصمِّمٍ عَشِقَ الموضة والطبيعة، وكرَّس مهاراته للاحتفال بأنوثة المرأة. قدِّم لها تصاميم رومانسية سخية بكل أنواع الترف، ولم يبخل عليها بالأكسسوارات والعطور وكل ما تحتاج إليه لإبراز جمالها. وحتى بعد وفاته بعقود لا يزال حاضراً في أعمال كل مَن توالوا على الدار من بعده. كلهم، من إيف سان لوران إلى ماريا غراتسيا كيوري، يلتزمون بمبادئه الفنية.

جانب من المعرض (هيئة الترفيه)

لأول مرة في السعودية، سيكتشف زائر المعرض أكثر من 200 فستان «هوت كوتور»، أغلبها من الأرشيف، إلى جانب الأكسسوارات، ووثائق أصلية تعزِّز مكانة «ديور» بوصفها واحدةً من أهم دور الأزياء العالمية المتخصصة في الأزياء الراقية وأسلوب الحياة المرفهة. جاءت الدار إلى السعودية بخيارات وتصاميم تأخذ بعين الاعتبار منطقة تربطها بها علاقة طويلة، لهذا فإن الأجواء الغالبة تعكس الروح الثقافية للسعودية، لا سيما من خلال ألوان الذهب والرمال الصحراوية.

جولة في المعرض ستتيح لعشاق الموضة والفن فرصة لقراءة تاريخ الدار (هيئة الترفيه)

جولة في المعرض ستتيح لعشاق الموضة والفن، على حد سواء، فرصةً لقراءة تاريخ الدار واستكشاف إبداعاتها والتأثيرات التي شكَّلت مسيرة عمرها أكثر من 75 عاماً. كتب كثير من المصممين الكبار الذين توالوا عليها فصولاً مهمةً في تاريخها، لكنهم ظلوا أوفياء دائماً لمبادئ المؤسِّس، العاشق للفن. فهي لا تزال لحد الآن، مثلاً، تتعامل مع فنانين من كل أنحاء العالم، تُدخلهم عالمها الخاص وتمنحهم حرية إضافة لمساتهم الخاصة على أيقونتها «لايدي ديور»، إلى جانب عناصر أخرى أرساها ولا تزال راسخة.

أشرف على إعداد المعرض، الذي يأتي بوصفهً إعادة ابتكار لسيرة «ديور» الفنية، المؤرخ الفني فلورنس مولر، ومصممة السينوغرافيا ناتالي كرينير. حرص الاثنان على أن تعكس كل جوانبه وإضاءاته أهمية إرث بدأ في عام 1947 ولا يزال مستمراً. فعنوان الدار في جادة «مونتين 30» أصبح معلمة للسياح ومزاراً لعشاق الموضة، يتعرَّفون فيه على التأثيرات التي شكَّلت أسلوبها، بدءاً من شغف مؤسِّسها بالحدائق والطبيعة الخلابة، وصولاً إلى إعجابه بقصر فرساي، وعصر التنوير، من دون أن ننسى عشقه للطبخ.

يذكِّر المعرض بأسلوب المؤسس كريستيان ديور ورومانسيته (هيئة الترفيه)

من هذا المنظور، يتتبع المعرض إرثاً غنياً يُقدِّم من خلاله سيرة عن عالم «ديور»، وإبراز تأثير كل واحد من المديرين الفنّيّين الذين توالوا على الدار. كما يحتفي بأول مجموعة من الملابس الجاهزة تم إطلاقها، بالإضافة إلى تخصيصه قاعة للأقمشة يمكن للزائر أن يعاين فيها خبرة المشاغل الفنية، ومهارات الأيادي الناعمة التي تنفذ فيها كل التفاصيل بدقة.

الالتزام بالجمال والكمال

وبين تفاصيل ساحرة وقطع مميزة تظهر حقيبة «لايدي ديور» الشهيرة. تختزل كل معاني الجمال كما تَصوَره كريستيان ديور، حتى قبل أن يصبح مصمّم أزياء. فقد كان قبل ذلك صاحب معرض فني، كرّس حياته للاحتفاء بالفنّ واكتشاف الفنانين الجدد. كان هذا الفن هو الطريق الذي أدى به إلى الموضة.

حقيبة «لايدي ديور» خضعت لإضافات فنية عدة لم تغير أساسياتها (هيئة الترفيه)

أما كيف يحتفي المعرض بحقيبة «لايدي ديور»، فعبر الأعمال الفنية التي جابت العالم ضمن 9 نسخ من مشروع «ديور لايدي آرت»، ومن بينها عمل من تصميم الفنانة السعودية منال الضويان، مستوحى من التراث السعودي والجمال الأصيل.

وتعدّ منال الضويان، أوّل فنانة سعودية تصمّم حقيبة «ديور لايدي آرت» في عام 2021. نجحت التجربة خصوصاً أن الضويان استعانت بوسائط مختلفة كالصور الفوتوغرافية، والتركيبات، والفيديو، والمنحوتات؛ لاستكشاف موضوعات متعلّقة بالهوية الأنثوية، والتفاعل بين التقاليد السعودية والثقافات العالمية.

«ديور» ومنطقة العلا

يتتبع المعرض تاريخاً عمره أكثر من 75 عاماً (هيئة الترفيه)

لم يكن من الممكن أن يحط معرض «كريستيان ديور: مصمم الأحلام» في المتحف الوطني السعودي بالرياض، من دون أن يشيد بجمال واحة العُلا، إذ تم تخصيص قسم فني مستوحى من تكوينات المنطقة الصخرية وواحاتها الخضراء وتركيباتها الفنية الطبيعية بألوانها الذهبية. وكانت النتيجة، تجربة تجمع بين إرث الماضي وأصالة الطبيعة وأناقة باريس. فالزائر سيستمتع برحلة بصرية غامرة من عمق أجواء المنطقة وطبيعتها. كما سيلمس التقارب بين تضاريس واحة العُلا وجغرافيتها، والتصاميم التي أبدعها مصممو «ديور» عبر سلسلة من الفساتين الدرامية بأشكال معمارية تشع بدفء ينبعث من أشعة الشمس الذهبية وأحياناً الحارقة.

فقد خصَّص المعرض قاعةً بعنوان «جمال الصحراء» تُكرِّم الطبيعة الصحراوية تحديداً بكل تعقيداتها، وجمال كثبانها الرملية، وتفاعل الضوء والظلال.

تأثير الصحراء

رغم توالي كثير من المصممين على «ديور» بعد وفاة مؤسسها فإنهم احترموا مبادئه وأفكاره (هيئة الترفيه)

لا يقتصر تجسيد جمال الصحراء في التصاميم فحسب، بل أيضاً في الألوان المعدنية الذهبية مع درجتَي البيج والبني. فهذه تُعدّ بالنسبة للدار رمزاً للرقيّ والأناقة المرهفة، حيث تلوَّنت بها إطلالات مختلفة تحمل أسماء مثل أرابي، وأوازيس (الواحة)، وديزير (الصحراء)، وسابل (الرمل). مصممة الدار الحالية ماريا غراتسيا كيوري تستكشف دائماً في تشكيلاتها هذا اللون، لقدرته على إبراز دقة تفاصيل الفساتين المنسدلة بأسلوب درابيه، ورداءات الكاب، والمعاطف المزودة بقلنسوات.

في القسم المخصص للعطور نكتشف عطر «دون (Dune)» المستوحى اسمه من كثبان بيلا الرمليّة (هيئة الترفيه)

تأثير الصحراء أكد عليه أيضاً القسم المُخصَّص للعطور، إذ نكتشف أن الدار أطلقت في عام 1991، عطر «دون (Dune)». وكما يشير اسمه فهو مستوحى من كثبان بيلا الرمليّة الواقعة على الساحل الأطلسي الفرنسي. كان مهماً حينها أن تعبِّر القارورة التي ابتكرتها الفنانة فيرونيك مونو، عن الانسجام العميق بين الإنسان والطبيعة.

ولتطوير هذا التصميم، يكشف المعرض أنها استخدمت تقنيات زجاجية تقليدية معقدة، على غرار نفخ الزجاج والضغط اليدوي، من خلال دمج الذهب والمعادن في الزجاج مع تدرجات لونية تتراوح بين البرونزي والذهبيّ لتتماهى مع جمال الصحراء.

بدأ المعرض، الذي يحتضنه المتحف الوطني السعودي بمدينة الرياض ويُنظَّم ضمن فعاليات «موسم الرياض»، استقبال زواره في نوفمبر الماضي، ويمتد حتى 2 أبريل (نيسان) المقبل.


مقالات ذات صلة

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

لمسات الموضة شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

بدايات جديدة في «جيڤنشي» و«دريز فان نوتن» و«توم فورد» تُوقظ الأمل بولادة عهد جديد

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة اجتازت دوناتيلا العديد من الأزمات لكنها لم تصمد أمام قوة العاصفة الاقتصادية الأخيرة (أ.ف.ب)

دوناتيلا تتنحى عن منصبها في دار «فيرساتشي» وتسلم المشعل لداريو فيتالي

ابتداء من الشهر المقبل سيتسلم داريو فيتالي الإدارة الإبداعية لعلامة الأزياء الفاخرة «فيرساتشي» من دوناتيلا فيرساتشي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ديمي مور وجين فوندا في حفل توزيع جائزة نقابة ممثلي الشاشة (رويترز)

ديمي مور وجين فوندا... قصة إدمان على التجميل كلّلها «الزمن» بالنجاح

اللقطة التي جمعت ديمي مور وجين فوندا، تؤكد أنه برغم فارق 25 سنة بينهما، فإن ما يجمعهما أكبر من مجرد رقم. هوسهما في مرحلة من حياتهما بالتجميل أمر معروف ومسجل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من إبداعات شيمينا كامالي مصممة دار «كلوي»... (أ.ف.ب)

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لا تستغني عنه الموضة ولا المرأة المقتدرة، مهما تصاعدت نسبة مناهضي استعمالاته وتهديداتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
TT

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

تسعة أيام هي المدة التي استغرقها أسبوع باريس لخريف وشتاء 2025-2026. كان مسك ختام لدورة سنوية تبدأ في نيويورك وتمر بلندن وميلانو وتنتهي بباريس. لكنك لو سألت أي شخص حضر فعالياته بالكامل، لجاءك الرد، ومن دون تردد، بأنه طول مدته مبالغ فيها، مقارنة بغيره من أسابيع الموضة العالمية. لندن مثلاً لم يعد يتعدى أسبوعها الأربعة أيام. لكن منذ سنوات وباريس تتعمد وضع برنامج يجعل من الصعب على ضيوفها من عشاق الموضة مغادرتها قبل انتهائه. فـ«ديور» تقدم عرضها في الأيام الأولى و«شانيل» و«لويس فويتون» و«سان لوران» في الأواخر وبينهم إيلي صعب وفالنتينو وهرميس وستيلا ماكارتني وبالمان وآخرون لا يقلون أهمية. الأسباب مكيافيلية. فكلما امتدت إقامتهم، انتعشت الفنادق والمطاعم وتحركت المحلات ووسائل النقل.

اختتمت دار «سان لوران» الأسبوع ودورة الموضة العالمية في باريس (أ.ف.ب)

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن هناك إجماعاً على أن باريس ليست مثل غيرها وتستحق العناء والجهد. لا تزال عاصمة الموضة بلا منازع، إبداعاً وعروضاً، بفضل بيوت الأزياء ذات الإمكانات الضخمة التي تمدَها بكل ما يعزز سحرها ويرسخ مكانتها.

أسبوعها الأخير اختتم بعروض كل من «ميو ميو» و«سان لوران» و«شانيل». كان حافلاً بالأحداث، كما كان مثيراً ما بين انتظار بدايات مصممين تم تعيينهم مؤخراً ولم يسعفهم الوقت لكي يباشروا العمل ويتحفونا بما جادت به مخيلتهم، وبين متابعة عروض مصممين سجلوا بداياتهم فعلياً هذا الموسم لأول مرة بعد التحاقهم ببيوت عريقة.

اعتمدت «شانيل» مرة أخرى على فريق قسمها الإبداعي في انتظار أول تشكيلة لمصممها الجديد ماثيو بلايزي (شانيل)

«شانيل» مثلاً، ومعها أوساط الموضة، لا تزال تنتظر ما سيقدمه المصمم ماثيو بلايزي في الموسم المقبل. اعتمدت مرة أخرى على فريقها الإبداعي لتقديم تشكيلة تلعب على أيقوناتها، بينما اكتفت «لويفي» بتقديم عرض أصغر مما عوّدتنا عليه بسبب انتقال مصممها جوناثان أندرسون إلى «ديور».

لكن بالنسبة لـ«جيڤنشي» و«توم فورد» و«دريز فان نوتن» فإن الانتظار انتهى. «جيڤنشي» قدمت أول تشكيلة لها من إبداع سارة بيرتون، و«توم فورد» أول تجربة لحيدر أكرمان و«دريز فان نوتن» أول عرض لجوليان كلوسنر. ثلاثة أسماء لم تخيب الآمال بقدر ما أيقظت الأمل بولادة عهد جديد.

سارة بيرتون

من عرض سارة بيرتون لدار جيڤنشي (جيڤنشي)

المصممة التي التحقت بدار «جيڤنشي» مؤخراً، جاءت بعد تجربة عقود مع المصمم الراحل ألكسندر ماكوين. خلفته في الدار التي أسسها ولا تزال تحمل اسمه حتى الآن، والطريف في التعيين الأخير أن بداية رفيق دربها الراحل ماكوين، كانت أيضاً في «جيڤنشي». سارة بيرتون برهنت على مدى عقود أنها تحترم إرث المؤسسين. لا تحاول أن «تتشاطر» عليهم بقدر ما توظف بصمتها للإبقاء على إرثهم حياً. وهذا تحديداً ما قامت به في هذه التشكيلة التي قالت إنها عادت فيها إلى الجذور. برَرت ذلك قائلة: «للمضي قدماً، لا بدّ من العودة إلى الجذور. وبالنسبة لي، تبدأ الحكاية دائماً من المشغل. هو القلب النابض والملهم».

من إبداعات سارة بيرتون (جيڤنشي)

حاولت استكشاف شخصية الدار من خلال قراءة شخصية صاحبها الراحل هيبار دي جيڤنشي. كان يحب الخطوط الواضحة التي تبرز تضاريس الجسم وجمالياتها من دون مبالغات أو تفاصيل لا داعي لها. أثارها هذا الأمر وخلال بحثها في الأرشيف قالت إنها اكتشفت طروداً مغلَّفة بورق بني، تضم قصّات من قماش الكاليكو من مجموعته الأولى لعام 1952.

درستها وسرعان ما اكتشفت أنها، مثل هيبار دي جيڤنشي، تعشق التفصيل وتقدر العلاقة بين عملية الابتكار التي تولد في الاستوديو، والحرفية التي تُنفذ في المشغل.

عادت بيرتون لأرشيف الدار لتستلهم منه خطوطاً أنثوية واضحة وسلسة (جيفنشي)

أما كيف جسَّدت القواسم المشتركة بينها وبين المؤسس، فمن خلال أساليب تقليدية وكلاسيكية قامت بتفكيكها بتنعيمها، وإضافة تفاصيل أنثوية. والنتيجة أن المرأة تبدو في الظاهر ناعمة إلا أن خلفها تكمن قوة لا تظهر إلا عند الحاجة، وهو ما جسّدته أيضاً في مزجها بين الكلاسيكي والانسيابي، من خلال الأكتاف البارزة بشكل مبالغ فيه أحياناً، والخصور المحددة، والفساتين المكونة من أمتار من القماش، ومع ذلك تكشف عن الظهر، بحيث تبدو من الأمام محتشمة ومن الظهر بلمسات أنثوية مثيرة. الفكرة هنا مرة أخرى كانت اللعب على القوة الكامنة بداخل كل أنثى.

عادت سارة بيرتون إلى أرشيف الدار وأخذت منه عدة عناصر لعبت عليها مثل القميص الأبيض (جيڤنشي)

أسلوب هيبار دو جيڤنشي يُطِل في الكثير من الإطلالات، مثل فساتين قصيرة مصنوعة من دانتيل شانتيلي وأخرى مستلهمة من الملابس الداخلية تطبعها حسِية الخمسينيات من دون أن ننسى القميص الأبيض، الذي أخذ عدة أشكال. كل هذا ترجمته سارة بيرتون برؤية معاصرة ذكرتنا إلى حد ما بعهدها في دار «إلكسندر ماكوين».

توم فورد:

جمع حيدر أكرمان في تشكيلته الأولى بين جرأة توم فورد وبين أسلوبه الخاص لدار (توم فورد)

كان كل ما في العرض أشبه بلقاء دافئ بين جرأة المصمم المتقاعد توم فورد ورومانسية خليفته الحالي حيدر أكرمان. يشرح هذا الأخير بعد عرضه هذه العلاقة قائلاً: «عند دخولي عالم السيد توم فورد، شدّني أن شخصيته تنعكس في كل شيء. ثم انتبهت أنه يمثل حياة الليل والسّهر، بينما أنا أمثّل صباح اليوم القادم، وهو ما كان بداية رقصتنا مع بعض». من هذا المنظور لم يُغيِب أسلوب سلفه المثير، بالعكس أعاده إلى الواجهة بعد أن ضخه بجرعة ديناميكية من الرومانسية والأنوثة المفصلة. هذا التفصيل ساهم في التخفيف من جرعة الإثارة الحسية التي برع توم فورد فيها والتصقت به منذ أن كان في دار «غوتشي».

من أول عرض يقدمه حيدر أكرمان لدار «توم فورد» (توم فورد)

هذه العلاقة بين الأمس الذي يمثله توم فورد والحاضر الذي يمثله أكرمان «مبنية على الحب. فأنا أرى أن الحب جوهر كل شيء» وفق ما قاله هذا الأخير. تخيل هذه التشكيلة كقصة حب، تبدأ بنظرة وابتسامة، ثم التعرّف على الاختلافات بهدف استكشاف القواسم المشتركة للبناء عليها.

وهذا ما كان. فرغم شخصيته الجادة، لم يرفض أكرمان أن الحواس تلعب دورها في التقريب بين الأشخاص، كما على اختياراتنا فيما يخص الأزياء. كلاهما يبدأ بحاسة النظر ويتطور إلى رغبة ملحة في الحصول على الشيء والحفاظ عليه.

إيحاءات رجالية ظهرت في عرض «توم فورد» عبارة عن بدلات وتوكسيدو (توم فورد)

صبَ كل هذه الأفكار والأحاسيس في تشكيلة غلبت عليها تصاميم مستوحاة من عالم الليل بإيحاءات رجالية، مثل سترة توكسيدو اكتسبت طولاً يصل إلى الكاحل وبدلات ناعمة بألوان فاتحة، وفساتين مفصلة بأسلوب سهل لكن ممتنع. خلا أغلبها تقريباً من أي تفاصيل لا داعي لها، واعتمد فيها فقط على التفصيل والأقمشة لإبراز قدراته.

جوليان كلوسنر

جوليان كلوسنر احترم جينات «دريز فان نوتن» في تشكيلته الأولية (أ.ب)

مصمم آخر شهدت باريس بدايته هذا الموسم. عمل مع المصمم البلجيكي الأصل دريز فان نوتن لست سنوات. تعلم فيها أسلوبه وحرفته، قبل أن يتسلم منه المشعل إثر تقاعده المُبكِر. تُطل أول عارضة على المنصة، فتشعر بأن جينات الدار في مأمن من أي تغييرات جذرية. أسلوب دريز حضر في النقشات الغنية والتفاصيل الباروكية وتضارب الأقمشة التي تحمل لمسات «فينتاج». تنتابك طوال العرض مشاعر متضاربة ما بين إطلالات تُنسي بأن دريز فان نوتن ترك الدار، وبين أخرى دمج فيها الكلاسيكي بالرياضي تُذكر بأن فصلاً جديداً بدأ يُكتب بهدوء. فالمصمم الجديد اجتهد في وضع لمسات تترجم رؤية خاصة به. كل ما في الأمر أنها لا تزال خجولة بعض الشيء.

من عرض «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

في لقاء جانبي له، شرح كلاوسنر رؤيته قائلاً: «أردت أن أطلق العنان لخيالي قليلاً، بأن أجعل بعض القطع أكثر قوة وتأثيراً، لكن كان لدي دائماً ما يُذكِرني أن الأمر يتعلق بخزانة متكاملة يجب أن تضم قطعاً تناسب حياة المرأة في الواقع، وهذا يعني أنها يجب أن تكون مرنة».

اختيار «أوبرا غارنييه» مسرحاً لعرضه، لم يكن فقط ملائماً لتشكيلة غنية بالتفاصيل. كان يشي بالعهد الجديد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عروض الدار كانت تقام سابقاً في أماكن أكثر وظيفية ذات أرضيات أسمنتية. طبعاً لا يمكن أن نتجاهل أنه يعكس أيضاً شغف المصمم الجديد بالمسرح، وهو ما ظهر حيناً في أقمشة تستحضر ستائر المسارح وحيناً آخر في شراشيب زينت جاكيتات بوليرو وأكمام فساتين. لكن هل كانت التصاميم مسرحية؟ أبداً. كل ما فيها كان واقعياً حتى في أقصى حالاته الفنية.

أقمشة متنوعة في الإطلالة الواحدة مع نقشات متضاربة في عرض «دريز فان نوتن» (أ.ب)

إذا كان لا بد من المقارنة بين جوليان وبيرتون وأكرمان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنه أفضل حظاً منهما، لأنه تسلم الدار من دريز فان نوتن، وهي في وضع جيد. فتقاعُد دريز وهو في عز تألقه، كان باختياره لكي يعيش «حياة ويمارس هوايات أجَّلَها طويلاً بسبب استنزاف العمل لوقتي وجهدي» وفق تصريح سابق له، وبالتالي لم يكن مفروضاً على جوليان أن يعود إلى منتصف القرن الماضي لرسم بداية جديدة كما هو الحال بالنسبة لسارة بيرتون، ولا أن يصحح ما خلَفه مصممون سبقوه على الدار من آثار لم تحقق المطلوب كما هو الحال بالنسبة لأكرمان.

تضارب الألوان والنقشات في تشكيلة «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

من جهة أخرى، يمكن أن نرى أن مهمة جوليان التي تبدو أسهل ولا تتطلب منه سوى ضمان استمرارية ما بناه سلفه، هي في الحقيقة صعبة، لا سيما في حال لم يُتقن توجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، ومن ثم الإخلال بالتوازن العجيب الذي خلقه دريز فان نوتن وأغوى به عالم الموضة.