علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

مشاركاتها في المحافل العالمية ترسخها سفيرة للتراث السعودي

مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)
مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)
TT

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)
مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

تقول المصممة علياء السالمي لـ«الشرق الأوسط» إن من أهم اللحظات التي أثّرت فيها مؤخراً وزادت من عزيمتها واعتزازها على حد سواء، كانت ظهور البعثة السعودية والمشاركين في العرض الافتتاحي لـ«أولمبياد باريس 2024» بتصاميمها، وحديثاً إطلالة ديما بن باز في «روائع الأوركسترا السعودية» التي أقيمت في لندن.

تصميم ارتدته ديما بن باز خلال حفل «روائع الأوركسترا السعودية» في لندن (الشرق الأوسط)

رغم هذه اللحظات الثمينة، فإن علياء ليست جديدة على عالم الإبداع. في قلب المملكة العربية السعودية، حيث تتلاقى الأصالة مع الحداثة، تبرز بصفتها من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء التراثية. وهذا ما يجعلها تتعدى مجرد أنها مصممة، إلى سفيرة للتراث والثقافة.

تقول علياء إنها ومنذ صغرها كانت مفتونة بجمال الأزياء التراثية، والسبب يعود إلى صالون الأزياء النسائية الذي افتتحته جدتها لوالدها في نهاية الثمانينات، وشاركت فيه بحب التصميم مع والدتها. كان من الطبيعي أن تختار التخصص في الأزياء التراثية.

فقد تشبّعت بفكرة أن «لكل تصميم قصة، وكل قصة تحمل في طياتها جزءاً من الهوية السعودية، ونجحت في التقاطها وترجمتها بأسلوب يضمن استمرارها».

تشرح أنها استوحت تصاميم البعثات السعودية «الأولمبية» و«البارالمبية» للنساء، من ثوب «النشل» الذي عكس فخامة الهوية الثقافية بلونه الذهبي ونقوشه الدقيقة، وللرجال من الثوب والبشت، مع اختلاف الألوان وفق أيام الاحتفال؛ وفقاً لبروتوكول لبس البشت في المملكة العربية السعودية.

تصاميم النساء للبعثة السعودية الأولمبية والبارالمبية من ثوب النشل باللون الذهبي (الشرق الأوسط)

لكنها لا تتقيد بالماضي وتقاليده بشكل حرفي، فتصاميمها تعكس التراث والثقافة السعودية في سياق عصري يتناسب مع الفعاليات العالمية ويواكب التطورات فيما يخص النقوش والقصات والخامات، وحتى الألوان، التي تجاري فيها توجهات الموضة العالمية.

لمسات من التراث على تصاميم عصرية تواكب أحدث التصاميم العالمية (الشرق الأوسط)

فهي تؤكد أنها توازن بين التراث والابتكار... الأول يظهر في اهتمامها بالنقوش، التي تعدّها جزءاً أساسياً من تصاميمها، والثاني يظهر في القصات والخامات، «وهذا ما يجعلها غنية بالتفاصيل ومتنوعة وفق كل منطقة تستلهم منها... فلكل منطقه ثقافتها وتطريزاتها وألوانها. حتى الأقمشة المستخدمة تختلف في حياكتها من منطقة إلى أخرى وفق المناخ»؛ ففي المناطق الباردة، كانت تصنع من الصوف والفراء، وفي المناطق الصحراوية والساحلية كانت تحاك بالحرير والقطن صيفاً.

الممثلة السعودية إلهام علي بتصميم بخامة التل من توقيع علياء السالمي (الشرق الأوسط)

ومع تنوع الأقمشة، تنوعت أيضاً الأزياء، ووفق علياء السالمي، فإن «هناك أزياء خاصة بالمناسبات والأفراح، وأزياء خاصة بالعمل، فأزياء المناسبات تكون مزخرفة بخيوط حريرية أو معدنية من الذهب أو الفضة بشكل أكبر من الأزياء العملية اليومية، وتصنع من أفضل أنواع الحرير والصوف والقطن وبألوان مختلفة. وبما أن العروس في الأفراح، مثلاً، ترتدي أكثر من زي، فهناك زي خاص بليلة الحناء يختلف تماماً عن زي يوم الزفاف، كما يجري العمل به في كثير من الثقافات».

تصاميم رجالية شاركت فيها علياء السالمي مع منسق المظهر طارق يحي (الشرق الأوسط)

بعد مشاركتها الأخيرة في «أولمبياد باريس» ونجاحها في جذب الأنظار، تتطلع علياء إلى دخول عوالم أزياء الرجل، لا سيما أن تجربتها لن تكون جديدة؛ فقد سبق أن تعاونت في عام 2022 مع منسق المظهر طارق يحيى عبر مجموعة محدودة كانت ردود الفعل عليها جد إيجابية.

هي الأخرى لن تخلو من اللمسات التراثية التي ترى علياء أنها «ما تُميز المصممين السعوديين، وتظهر في أغلب ما يطرحونه. كل واحد منهم يلتقط خيطاً ينسج منه أساليب مبتكرة بأحدث التقنيات».


مقالات ذات صلة

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة استغرق العمل على هذه البدلة سنوات طويلة تفرغ لها 10 عاملين في دار «برادا» (أ.ف.ب)

الموضة تصل إلى القمر

ما أكدته رحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في النصف الثاني من عام 2026 أن التكنولوجيا وحدها لم تعد كافية وأن الموضة وسيلة إغراء قوية.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق بدلة فضاء صُممت بالتعاون مع «برادا» ستستخدمها «ناسا» بدءاً من عام 2026 (أ.ب)

في رحلتهم عام 2026... روّاد الفضاء العائدون إلى القمر يرتدون بزّات من «برادا»

يرتدي رواد فضاء رحلة «أرتيميس3» من «وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)» إلى القمر، التي حُدِّدَ سبتمبر (أيلول) 2026 موعداً لها، بزّات فضائية من دار «برادا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
لمسات الموضة تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

البدلة تسترجع شخصيتها الذكورية

كانت البدلة في الثمانينات أداة استعملتها المرأة لفرض نفسها في عالم المال والأعمال. الآن هي وسيلة لفرض شخصيتها وثقتها بنفسها

جميلة حلفيشي (لندن)

تشكيلة «نارما» تستمد من العقال قوة أنوثتها

تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)
تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)
TT

تشكيلة «نارما» تستمد من العقال قوة أنوثتها

تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)
تجمع نوف الابتكار بلمسات تراثية خفيفة جداً لتخاطب الساحة العالمية (تصوير: إيلي رزق الله)

في عرض أقيم في لندن منذ أيام، قدمت المصممة نوف الراشد، وهي أيضاً مؤسسة استوديو التصميم «نارما» أول مجموعة نسائية لها بعنوان العقال. قالت إنها تعكس شغفها بالموضة والثقافة والاستدامة. في كل قطعة، يظهر العقال في جزء منها يُزينها ويحدد شخصيتها من جهة، ويؤكد على فكرة الشمولية من جهة أخرى. تقول المصممة إنها برغم ما قد يعنيه عنوانها من إيحاءات تقليدية أو ذكورية، فإنها بعيدة كل البعد عن ذلك. فهي «تلبي أحدث صيحات الموضة»، وفي الوقت ذاته تستند على رؤيتها الفنية في التصميم من ناحية تقديرها للمواد.

استعملت العقال كضفائر شعر لتخرجه من عالم الرجل وتقدمه لشريحة أكبر من الناس (تصوير: إيلي رزق الله)

تضيف قائلة: «صحيح أن العقال كان تاريخياً لصيقاً بالرجل ولم يدخل عالم المرأة من قبل، لكني حرصت على تقديمه على شكل ضفائر طويلة تُزين رأس المرأة». وتشرح أنها لعبت على هذا الرمز الثقافي لتثير فضول محبات الموضة من النساء «فهذه مجموعة (تُعبِر عن امرأة يُحرِكها الفضول والمرح، قبل أن تعكس تناغم الطبيعة والثقافة معاً). من هذا المنظور جعلته أكثر شمولية على أمل أن يصل هذا الإكسسوار المكتنز بالدلالات والرموز الثقافية إلى أكبر شريحة من الناس ويترك بصمته على الساحة العالمية».

هدفها ليس إحداث الصدمات بل فتح آفاق جديدة قوامها التوازن والانسجام (تصوير: إيلي رزق الله)

أكثر ما تعتمد عليه نوف للتميز، اعتمادها على مواد غير تقليدية، تُوظِفها بشكل فني لكسر المتعارف عليه وخض التقاليد. لكنها تؤكد أن هدفها ليس إحداث الصدمات بل فتح آفاق جديدة قوامها التوازن والانسجام. فهذا ما تقوم عليه «نارما» بالأساس بحسب رأيها. اسم لم يتم اختياره لسهولته بل لدلالاتها؛ كونه يدمج كلمتي «نار» و«ما» أي (الماء) في اللغة العربية، وبالتالي يعكس فلسفة الدار في خلق تناغم من حُضن التناقض مستلهم من نسيج ثقافي غني وتعبيرات فنية متنوعة.

قطعت نوف على نفسها وعداً بأن تقدم كل ما هو مستدام ورفيع المستوى (تصوير: إيلي رزق الله)

وبما أن الاستدامة من المبادئ الأساسية التي تحرص عليها المصممة، فقد قطعت وعداً على نفسها لإنتاج ملابس متينة وأنيقة في الوقت ذاته، تحقق للمرأة العصرية تطلعها لأزياء تتميز بذوق رفيع ووعي بيئي في الوقت ذاته. وهذا ما تعكسه مجموعة العقال بكل تفاصيلها، وفق تصريح نوف الراشد.

بعد لندن، ستحمل نوف الراشد تشكيلتها إلى الشرق الأوسط لتحتفل مع أكبر عدد من الأنيقات بالتراث والابتكار والاستدامة في أجمل حالاتهم.