«برادا» تصل إلى القمر... فعلياً

شراكتها مع «ناسا» تُنتج بدلة بـ175 مليون جنيه إسترليني تجمع الأناقة بالتكنولوجيا الحديثة

استغرق العمل على هذه البدلة سنوات طويلة تفرغ لها 10 عاملين في دار «برادا» (أ.ف.ب)
استغرق العمل على هذه البدلة سنوات طويلة تفرغ لها 10 عاملين في دار «برادا» (أ.ف.ب)
TT

«برادا» تصل إلى القمر... فعلياً

استغرق العمل على هذه البدلة سنوات طويلة تفرغ لها 10 عاملين في دار «برادا» (أ.ف.ب)
استغرق العمل على هذه البدلة سنوات طويلة تفرغ لها 10 عاملين في دار «برادا» (أ.ف.ب)

إلى عهد قريب جداً، كانت ملابس رائد فضاء لا تحتاج سوى إلى تكنولوجيا متطورة، تُمكنه من الحركة والعيش في أي أجواء غير طبيعية ومتوقعة، وأن تتيح له طبعاً حرية الحركة. فمن لا يتذكر نيل آرمسترونغ ورفاقه وغيرهم من الرواد إلى الفضاء بعدهم في بدلات بالمواصفات نفسها، رغم أنها مفصلة على مقاس كل واحد منهم بشكل خاص.

كل هذا سيتغير بعد أن تم الكشف أن دار «برادا» للأزياء تولت تصميم بدلة الرحلة المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026، لتكون هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الفكرة من هذا التعاون أن تُلهم الرحلة أكبر شريحة من الناس وتؤجج رغبتهم في استكشاف الفضاء في المستقبل، في ظل الآمال أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

ما أكدته رحلة «أرتميس 3» المرتقبة في النصف الثاني من عام 2026 أن التكنولوجيا وحدها لم تعد كافية (أ.ب)

ما أكدته رحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في النصف الثاني من عام 2026 أن التكنولوجيا وحدها لم تعد كافية، وأن الموضة وسيلة إغراء قوية، لهذا تريد «ناسا» أن يلبس روادها أحلى وأجمل ما يمكن للموضة إنتاجه، أو على الأقل أن تُشرك اسماً عالمياً مثل «برادا» لتسليط المزيد من الأضواء على مهمتها. بالنسبة للبعض، فإنها حركة ذكية؛ كون الموضة تُعزز الثقة بالنفس وتحفز هرمون السعادة ومن ثم الرغبة في المغامرة، كما أنها عملية تسويقية ذكية منها لاستقطاب شرائح أكبر للاهتمام بالبرامج الفضائية. أما بالنسبة لـ«برادا» فإنها ضربة حظ تُحسد عليها. فهي هنا تحقق أقصى الأحلام: الوصول إلى القمر. الإيجابي في الأمر أيضاً أن اختيار «برادا» بالذات يعكس اهتماماً بالمرأة بشكل عام. فالرحلة ستشمل «برادا» وأيضاً أول رائدة فضاء.

في المؤتمر الدولي للملاحة الفضائية في ميلانو الإيطالية، تم الكشف عن أن الفكرة ولدت منذ سنوات طويلة، قبل تفشي جائحة كورونا في عام 2020، وأنها استغرقت سنوات من النقاشات والمفاوضات، انتهت بتفرغ 10 من موظف دار «برادا» للعمل عليها. تنقلوا ما بين معاملها في ميلانو ومدينة هيوستن الأميركية، حيث توجد قاعدة «أكسيوم»، حتى تستوفي البدلة متطلبات الأناقة والتكنولوجيا الحديثة، وهو ما وصفه راسل رالستون، نائب الرئيس التنفيذي لشركة «أكسيوم سبيس»، قائلاً إن هذه الشراكة «تمزج بين الهندسة، والعلم، والفن».

استغرق العمل على هذه البدلة سنوات طويلة تفرغ لها 10 عاملين في دار «برادا» (أ.ف.ب)

للوهلة الأولى، قد لا تبدو البدلة، التي تُقدر بنحو 175 مليون جنيه إسترليني، مختلفة عما تعودنا عليه في مثل هذه المهمات الفضائية، بحجمها ولونها الأبيض وإكسسواراتها الوظيفية، لكن بقليل من التمحيص، نلاحظ أنها إلى جانب الأبيض مطعمة بلمسات رمادية وخطوط حمراء، تستحضر أحمر «لونا روسا» الذي يرتبط بالدار الإيطالية وبأسلوب ميوتشا. فهذه الأخيرة مصممة معروفة بثقافتها، وبأنها لا تطرح أي شيء قبل أن تدرسه من كل الجوانب، كما لا تقدم شيئاً لا تكون له فكرة أو رمزية. الرمادي الذي زين المرفقين والركبتين، وخطوط حمراء على الساعدين والخصر، كانا بمثابة توقيعها الخاص في غياب أي «لوغو» أو شعار يشير إليها. أما الأبيض، فكان ضرورياً كذلك المادة التي صنعت منها البدلات، وهي مادة قادرة على عكس الحرارة لتوفير الحماية من درجات الحرارة المرتفعة أو الباردة للغاية، فضلاً عن غبار القمر.

لم تركِز ميوتشا برادا على الجانب الجمالي للتصميم، فالعملية هنا ليست فرصة تستعرض فيها نفسها أو علامتها. كان لا بد أن يأتي التصميم مريحاً وعملياً، لأن رواد الفضاء سيلبسونها وهم يسيرون في الفضاء لمدة 8 ساعات يومياً.

يتوقع أن تنطلق مهمة «أرتميس 3» التابعة لوكالة «ناسا» في النصف الثاني من عام 2026، وستكون أول رحلة هبوط لرواد فضاء على سطح القمر منذ مهمة «أبولو 17» في عام 1972، وفيها سيُكتب في تاريخ الموضة أن «برادا» أول دار وصلت إلى القمر.


مقالات ذات صلة

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق بدلة فضاء صُممت بالتعاون مع «برادا» ستستخدمها «ناسا» بدءاً من عام 2026 (أ.ب)

في رحلتهم عام 2026... روّاد الفضاء العائدون إلى القمر يرتدون بزّات من «برادا»

يرتدي رواد فضاء رحلة «أرتيميس3» من «وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)» إلى القمر، التي حُدِّدَ سبتمبر (أيلول) 2026 موعداً لها، بزّات فضائية من دار «برادا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
لمسات الموضة تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

البدلة تسترجع شخصيتها الذكورية

كانت البدلة في الثمانينات أداة استعملتها المرأة لفرض نفسها في عالم المال والأعمال. الآن هي وسيلة لفرض شخصيتها وثقتها بنفسها

جميلة حلفيشي (لندن)

تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025
TT

تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

تصاميم بنسبة تستوستيرون عالية لربيع وصيف 2025

كم تغيَرت صورة المرأة بين الأمس واليوم، وكم زادت ثقتها ووضوحها في مواجهة المجتمع. مصطلحات مثل الجنس اللطيف والجنس الخشن أصبحت تبدو من الكليشيهات القديمة، في عالم الموضة على الأقل. صحيح أن المرأة لم تصل بعد إلى تلك المرحلة التي تقرِر فيها مصيرها بالمطلق، إلا أنها حالياً تعيش حياتها بعيداً عن إملاءات المجتمع والثقافة الذكورية التي كبَلتها لقرون. فهذه كانت حتى منتصف القرن الماضي، تفرض عليها العيش بازدواجية، لتُخفي إما ميولاً شخصية، أو لفرض نفسها في وظائف وأعمال كان يُنظر إليها أنها تقتصر على الرجل وحده ولا تؤخذ فيها هي على محمل الجد. الدليل؟ أديبات تخفين وراء أسماء مستعارة من ماريان إيفانز التي اشتهرت باسم جورج إليوت، وأمانتين أورو لوسيل التي تخفّت وراء اسم جورج ساند وشارلوت برونتي التي كانت تكتب تحت اسم كوريل بل، وأختها إميلي برونتي وغيرهن كثيرات.

كانت عارضات «سان لوران» يستحضرن صورة إيف نفسه (سان لوران)

من هذا المنظور تغيرت الصورة والثقافة على حد سواء، وهو ما التقطته مجموعة من المصممين في هذا الموسم بدءاً من أنطوني فاكاريللو، مصمم دار «سان لوران» وإيرديم وماثيو بلايزي مصمم دار «بوتيغا فينيتا»، الذي استضاف إيمان خليفة بطلة الملاكمة، وكأنه يريد أن يعيد لها اعتبارها لما تعرَضت له من تنمُر. وطبعاً لا يمكن عدم التطرق هنا لجيورجيو أرماني، الذي منح المرأة أهم أداة لتدخل بها عالم الرجل في الثمانينات، البدلة النسائية أو التايور، والذي لا يزال يطرحها في كل موسم بشكل ولون.

«سان لوران» تستعيد إيف

اللعب على الازدواجية بين الذكورة والأنوثة ليس جديداً على الدار لكن أنطوني فاكاريللو رفع من نسبة هرمون الذكورة هذه المرة (سان لوران)

بالنسبة لأنطوني فاكاريللو، الذي حقن هذه القطعة بجُرعة عالية من هرمون التستوستيرون، فإن العملية كانت طبيعية بحكم جينات الدار التي قدّم فيها الراحل إيف سان لوران، إبداعات يختلط فيها الذكوري بالأنثوي بأسلوب كان ثورة في عصره. في السبعينات مثلا، وعندما قدم «التوكسيدو» للمرأة، اعتبره الرجال غزواً لتصميم يخصهم. قاوموا لكي لا يخرج عن سيطرتهم، إلا أن رغبة المرأة فيه، غلبت. فقد أضفى عليها قوة وأنوثة لم تستشعرهما من قبل. هذه المرأة بالنسبة لفاكاريللو ليست عادية. بالعكس هي ذات شخصية متناقضة ومتمردة، تميل إلى خض المتعارف عليه. وحسب الدار «تميل إلى المخاطر وكل ما يمنحها المتعة غير آبهة بآراء الغير» وهذا ما ترجمه في هذه التشكيلة، من خلال عدد هائل من التايورات بصفوف مزدوجة أو بصف أزرار واحدة، وبأكتاف عريضة تلعب على الجانب الذكوري للمرأة.

كانت عارضات «سان لوران» يستحضرن صورة إيف نفسه (سان لوران)

والحقيقة أنها لم تكن سوى مرآة تعكس صورة إيف نفسه، بالنظر إلى ألوانها وقصاتها والنظارات الطبية ذات الإطارات السميكة وربطات العنق، التي ظهرت بها العارضات، إضافة إلى شعرهن المصفوف إلى الوراء أو المنسدل على الأكتاف.

كان واضحاً أن المصمم لم يستلهم من نساء احتضن البدلة الرجالية والتوكسيدو من مثيلات مارلين ديتريش أو كاثرين هيبورن وغيرهما، بل من صورة إيف سان لوران نفسه. أفليس هذا الأخير من قال: «أنا امرأة سان لوران؟». التقط فاكاريللو هذا التصريح ولعب عليه بأريحية. استحضر أسلوبه الخاص وجعل كل عارضة تبدو وكأنها بطلة تمسك بزمام أمور حياتها وفي الوقت تُذكرنا بالراحل إيف.

منذ أن طرح إيف التوكسيدو والمرأة تتمسك بالأسلوب الذكوري لما يمنحها من أنوثة لا تثير الغرائز (سان لوران)

بيد أنه في قوة هذه الصورة التي رسمها فاكاريللو يكمن ضُعفها أيضاً. جرعتها القوية لا تناسب كل امرأة أو مناسبة. وهذا ما أكده ماثيو بلايزي، مصمم دار «بوتيغا فنيتا» الإيطالية الذي قدم لها هو الآخر مجموعة من البدلات الرجالية، مُعلِقاً أنها خاصة بتلك المناسبات الخاصة جداً، التي ترغب فيها المرأة أن تكشف عن جانبها الجريء.

فاكاريللو وافقه الرأي رغم أنه لم يُعبِر عنه علانية، وذلك بطرحه مجموعة موازية رسمها ببوهيمية، هي أيضاً تُمثِل جانباً من عالم إيف سان لوران وعشقه لألوان مدينة مراكش. تنورات قصيرة وأخرى بكشاكش وأقمشة جاكار مطرزة كلها بألوان تستمد نكهتها من التوابل الدافئة.

إيرديم... قصة قديمة جديدة

في تشكيلة إيرديم اجتمع الذكوري بلمسات أنثوية خفيفة تتجلى أحياناً في الورود والتطريزات (إيرديم)

إيرديم مصمم عودنا على أن يسرد لنا قصصاً وحكايا مقتبسة من التاريخ يُلوِنها بالورود ويطرزها بشتى التفاصيل التي تزيد من إثارتها وتجعلها واقعاً حالماً. لعب هو الآخر في تشكيلته لربيع وصيف 2025 على الازدواجية بين الذكورة والأنوثة من خلال تايورات مفصلة بنعومة، وفساتين تتداخل فيها الرقة بالصرامة. مصدر إلهامه مختلف. يشرح لنا في بيانه الصحافي أنه استلهمها من «بئر الوحدة» The well of Loneliness للكاتبة رادكليف هول. رواية تحكي قصة امرأة عاشت كرجل طوال حياتها. تلبس ملابسه وتتصرف مثله. أتقنت دورها وتعايشت مع وضعها إلى حد أنه لا أحد كشف أمرها.

استعان إيرديم بخياط في سافيل رو للتأكد من كل التفاصيل الدقيقة (إيرديم)

إيرديم لم يكتف بالإيحاءات التي فصلها وطرزها للعصر الحديث، بل كتب أيضاً عنوان الرواية على حاشية البدلة. قال إن من بين الأشياء التي حفَزت فضوله وعلقت في ذهنه بعد قراءة الرواية أن البطلة كانت تُفصل بدلاتها في شارع سافيل رو الشهير بالتفصيل الإنجليزي، الأمر الذي جعله يستعين بالخياط المعروف إدوارد سيكستون للتأكد من أن البدلات مفصلة على أحسن وجه. ومع ذلك لم يتقيد إيرديم تماماً بالأسلوب القديم الذي صورته الرواية. طعَمه بخفة، منحته نعومة. ولأن الرواية نشرت في 1928، فإنه لم ينس أن هذه الفترة شهدت بداية تحرر المرأة من بعض القيود مثل الكورسيهات وظهور تصاميم أكثر اتساعاً تمنحها حرية أكبر للحركة والتعبير عن نفسها. ترجم هذا في فساتين تستحضر تلك الحقبة بخصورها المنخفضة وألوانها الهادئة وتطريزاتها التي تجعلها تبدو مثل لوحات مائية تتماوج مع أي خطوة وحركة.

جيورجيو أرماني يرسم مستقبلاً مثالياً

جيورجيو أرماني كان من أدخل البدلة عالم المرأة اليومي تزامناً مع اقتحامها عالم الرجل في العمل (إمبوريو أرماني)

إذا كان إيف سان لوران أهدى المرأة التوكسيدو، فإن جيورجيو أرماني هو من أهداها بدلة العمل. كان ذلك في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما اقتحمت أماكن العمل لتتبوأ مناصب مهمة كانت حكراً على الرجل.

قدمها لربيع وصيف 2025، بأسلوب قديم جديد، بمعنى أنه لم يُخضعها لتغيير جذري. فالصورة الرمزية لعارضة مرتدية بدلة رجالية مع ربطة عنق تجسد قوة الأنوثة لأنها «خلاصة ما تم إنجازه من قبل، وفي الوقت نفسه إعلان صريح لما سيأتي». ربطة العنق، مثلاً، قد تؤكد المساواة بين الجنسين، إلا أنها ستكون إحدى صيحات الموضة تُضيف بعض الشقاوة و«خفة الروح» على السترات المفصلة والسراويل الفضفاضة أو سراويل ركوب الخيل.