أسابيع الموضة العالمية لربيع وصيف 2025 ترقص على حبال السهل الممتنع

حافظ أسبوع باريس على مكانته بثقة رغم أنه لم ينج تماماً من تبعات الأزمة الاقتصادية (لويفي)
حافظ أسبوع باريس على مكانته بثقة رغم أنه لم ينج تماماً من تبعات الأزمة الاقتصادية (لويفي)
TT

أسابيع الموضة العالمية لربيع وصيف 2025 ترقص على حبال السهل الممتنع

حافظ أسبوع باريس على مكانته بثقة رغم أنه لم ينج تماماً من تبعات الأزمة الاقتصادية (لويفي)
حافظ أسبوع باريس على مكانته بثقة رغم أنه لم ينج تماماً من تبعات الأزمة الاقتصادية (لويفي)

اختُتمت اليوم دورة الموضة لموسمي ربيع وصيف 2025. انطلقت من نيويورك وانتهت في باريس بعد أن مرَت بلندن وميلانو. الأجواء في العواصم الأربع تشابهت إلى حد كبير، حيث فرض الواقع السياسي والاقتصادي نفسه. أول محطة كانت في نيويورك. باءت محاولات المصممين المشاركين في أسبوعها بعدم الخوض في السياسة بالفشل. أعلنوا تضامنهم مع مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس بوضوح. فعلاقتهم بغريمها دونالد ترمب كانت ولا تزال متوترة، من جهة، وعرابة الموضة ورئيسة تحرير مجلة «فوغ» النسخة الأميركية أنا وينتور تدعم كامالا بكل ثقلها من جهة ثانية.

مصممو نيويورك حافظوا على شخصية أسبوعهم فحضر الأسلوب «السبور» إلى جانب الأنثوي الكلاسيكي (كارولينا هيريرا)

فيما يخص الأزياء، نجحت محاولاتهم في الإبقاء على شخصية أسبوعهم متميزة. غياب الابتكار الفني عوَضت عنه تصاميم أنيقة و«سبور» يسهل تسويقها للعالم. المحطة الثانية كانت في لندن. أسبوعها احتفل بـ40 عاماً على ميلاده وسط أزمة اقتصادية خانقة وأجواء سياسية متوترة. فهو لا يزال يعاني من تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والحرب الأوكرانية وما نجم عنهما من ركود. بيد أن ما يُحسب له أنه لا يزال صامداً ومتحدياً. فالأزمات ليست جديدة عليه، وطالما تغلَب عليها، بحكم أنه ومنذ تأسيسه في عام 1984، الحلقة الأضعف مادياً من بين كل عواصم الموضة العالمية. بيد أنه عوض عن هذا النقص بجنون الابتكار، النابع من جموح أبنائه لخض المتعارف عليه.

كيم جونز عاد إلى عام 1925 تاريخ تأسيس دار «فندي» لينسج منها خيوطاً عصرية (فندي)

أسبوع ميلانو في المقابل، جاء مسالماً، أو بالأحرى «يتوخى السلامة». فضل التجاري المطعم بالأسلوب الإيطالي على الدخول في أي جدالات جانبية، سياسية كانت أم فنية ثورية، وبالنتيجة نجح في تقديم تشكيلات متنوعة يمكن لأي امرأة أن تجد ما يناسبها منها. الحنكة التجارية ظهرت في عدة عروض منها عرض «فندي». مصممها البريطاني كيم جونز، بعد ثلاث أعوام من دخولها نجح في فهم جيناتها، الأمر الذي أكسبه الرضا والثقة في الوقت ذاته. في هذا الموسم، قدم تشكيلة تشير إلى أنه تجاوز مرحلة إثبات الذات، أولى فيها للأكسسوارات أهمية قصوى. فهو يعرف مثل غيره من المصممين أن نجاحه سيُقاس بأرقام المبيعات، وهذه الإكسسوارات، هي التي تحقق الإيرادات.

أغدق المصمم كيم جونز على المرأة بكم هائل من حقائب اليد المغرية (فندي)

عاد بأنظاره إلى تاريخ تأسيسها، وهو عام 1925، لينسج خيوطها بالحاضر من خلال فساتين تستحضر عشرينات القرن الماضي، أغدق عليها بالتطريزات والزخرفات. ورغم أنه جعل الأزياء ملعبه الإبداعي، فإن ما قدَمه من حقائب يد وأحذية وغيرها من الإكسسوارات، أكد أنه يعرف سوقه وقرأ نبض الشارع جيداً.

بعد شهر طويل، تستخلص مما تم تقديمه في كل عواصم الموضة، أن الإبداع يحتاج إلى مساحة من الحرية وأيضاً إلى الكثير من الجرأة والشجاعة، وهذا ما افتقده موسم ربيع وصيف 2025. تكاد تشم رائحة الخوف تنبعث من بين ثنايا وطيات أعمال العديد من المصممين. فالفشل يعني بالنسبة لهم استغناء المجموعات الضخمة عن خدماتهم. فهي لم تعد تمنحهم الوقت الكافي لتدارك أي خسارة أو كبوة، بعد أن تحولت ثقافة الموضة من فن إلى صناعة.

«فيرساتشي» هي الأخرى عادت إلى قديمها تستقي منه (فيرساتشي)

هذا الخوف أو الرهبة جعل العودة إلى الماضي، التيمة الغالبة على معظم الأسابيع. يغرفون من أيقوناته الناجحة ما يمكن تجديده، وبالتالي لم يكن استلهامهم هذه المرة حنيناً، بقدر ما كان تشبُثاً بالبقاء والاستمرار.

«فيرساتشي» عادت إلى عام 1997، ودولتشي غابانا إلى عام 1991، وميسوني إلى «تسعينياتها» و«فندي» إلى 1925. حتى التصاميم الخمسة والأربعون التي تضمنتها تشكيلة ميوتشا برادا وشريكها الفني راف سيمونز عبَرت هذه المرة عن رؤية مختلفة استوحتها من أزياء الدار «القديمة»، أوضحت أنها نتاج «مزج الماضي والحاضر».

ماريا غراتزيا تشيوري مصممة «ديور» قدمت تشكيلة مستوحاة من امرأة قوية ومستقلة (أ.ف.ب)

في باريس لم تختلف القصة كثيراً. ماريا غراتزيا تشيوري، مصممة دار «ديور» لعبت كعادتها على مفهوم النسوية الذي استنزفته منذ أن دخلت الدار في عام 2016.

لربيع وصيف 2025، لعبت على صورة كلاسيكية للمرأة الأمازونية حيث جمعت قصّات مختلفة من الأرشيف وأعادت ابتكارها. كان فستان «أمازون» Amazon الذي صمّمه «كريستيان ديور» لموسم خريف وشتاء 1951-1952، نقطة مرجعيّة لمفهوم الأنوثة المستقلّة والشجاعة بالنسبة لها.

غلبت على معظم العروض تصاميم يسهل تسويقها (إيترو)

وبما أن الحنين تكون له عادة نبرة رومانسية حالمة، فإن تكراره واجترار نفس الأفكار من الماضي هنا، يُذكرنا بمقولة أفلاطون بأن الإبداع الفني ما هو إلا شكل من أشكال التقليد. لكن المشكلة في صناعة الموضة لا تكمن في الاستلهام أو في نسج خيوط قديمة بأخرى جديدة، بل عندما يأتي على حساب دور المصمم الفني في وضع بصمات شخصية على ما يقترحه من منتجات.

التفسير الذي يتبادر إلى الذهن أن هذه الفئة من المصممين في موقف لا يُحسدون عليه، لأنهم غالباً ما يأتمرون بما تُمليه عليهم المجموعات الضخمة التي يعملون معها، وتقيس قدراتهم الفنية بما يحققونه من إيرادات في آخر السنة. لهذا السبب، فإنهم يستنزفون طاقاتهم في محاولة قراءة أفكار الغير، لإرضاء المسؤولين والمستهلكين على حد سواء، مُضحين بأفكارهم الشخصية.

في «موسكينو» لم تغب الشقاوة وروح الدعابة (موسكينو)

هذا لا يعني أن الإبداع والجمال غابا تماماً، فهناك فئة أخرى نجحت لحد ما، في وضع بصماتها الشخصية على أيقونات قديمة، بدءاً من كيم جونز في دار «فندي» أو فيليبو غرازيوللي، مصمم دار «ميسوني»، أو ماتيو تامبوريني مصمم دار «تودز» الجديد. هذا الأخير يعتبره نقاد الموضة الرجل المناسب في المكان المناسب. نجح لحد الآن في ترجمة الأسلوب الإيطالي بأسلوب بسيط ينضوي تحت مفهوم السهل الممتنع. في تشكيلته لربيع وصيف 2025، قالت الدار إنه احتفل بالذكاء الحرفي (Artisanal Intelligence)، علماً أن الدار كانت قد بدأت هذه الاحتفالية منذ فترة طويلة، كان آخرها في النسخة الستين لـ«بينالي البندقية 2024» الذي حضرته «تودز» كشريك وممول من خلال فعالية: فن الحرفيّة اليدوية... مشروع من توقيع كبار حرفي البندقية Venetian Masters.

تشتهر «تودز» بتطويع الجلد الطبيعي. يتحول على أيدي حرفييها بملمس الحرير (تودز)

مشروع يحتفل كما يشير عنوانه، بالحرفية الإيطالية وتقاليدها الفنية المتوارثة. لهذا كان من الطبيعي أن يُذكرنا المصمم تامبوريني في كل قطعة بأن الحرفية هي أساس الابتكار.

ما يُحسب له أنه وظف خياله ليأخذنا في رحلة متوسطية، لا تتطلب سوى أزياء منطلقة بتفصيل إيطالي مريح وألوان هادئة. من هذا المنظور، اقترح العديد من القطع المنفصلة يمكن أن تدخل خزانة أي امرأة في العالم. استعمل أقمشة صيفية تبث الانتعاش، لكن القطع المصنوعة من الجلد، من فساتين وتنورات بالبليسيهات، هي التي خطفت الأنظار. فالدار لها باع طويل في تطويع الجلود الطبيعية وجعلها في ملمس الحرير، وهذا ما أكدته في هذه المجموعة. أما بالنسبة لجرأة تامبوريني، فتمثلت في الأحجام السخية، التي كان المراد منها، كما شرح، خلق مساحة كافية بينها وبين الجسد لمنح المرأة الراحة وليس لخلق صدمات بصرية.

جيجي حديد في عرض «فيرساتشي» (فيرساشي)

دوناتيلا فيرساتشي، عبَرت عن حنينها للماضي بعفوية، شرحت أنها «تعبير تفاعليٌّ عن الحرّية». قامت بجولة في أرشيف الدار، قائلة إنه «منبع خبرة ومعرفة». وهكذا جاءت أزياء النّهار تحاكي لوحات رسمتها بعفوية طفولية، لعبت فيها على أيقونات قديمة، مثل طبعة «ميدوزا» ذات اللّمسات الذّهبية نسَقتها مع لوحة من الألوان البنّية. رسمت أيضاً زهورها البرِية المفضلة على الأقمشة، إما بألوان الباستيل الهادئة أو بالأحمر كما هو الحال بالنسبة لورود الخشخاش التي أخذت شكلاً ثلاثيّ الأبعاد في قماش جاكار. ظهرت هذه الورود أيضاً في حواف فساتين وقمصان رجالية. القاسم المشترك بين أغلبها أن البني كان الأرضية التي استندت عليها.

كانت عروض باريس أكثر ثقة وهو ما ظهر في عدة عروض مثل «لويفي» (لويفي)

في كل الأحوال، ورغم أن هذه الدورة لم تقدم أي جديد بالمعنى الثوري، فإنها التزمت بالواقع وما تُتقنه كل عاصمة. نجحت نيويورك في الحفاظ على جيناتها السبور إلى جانب تصاميم تتراقص على كلاسيكية معاصرة. ولندن رغم أزمتها حاولت تحقيق المعادلة بين التجاري والفني، بينما كانت ميلانو مقنعة بالتزامها بالحرفية وعلاقتها الطويلة بصناع الأناقة والجمال. أما باريس، وهي مسك الختام، فربما تكون هي الأكثر حظاً وحفاظاً على بريقها. صحيح أنها هي الأخرى لم تنجُ من سلبيات الأزمة الاقتصادية العالمية، إلا أنها برهنت أنها الأكثر قدرة على تجاوزها، وهو ما تجلّى في جرعة أكبر من التفنن في الكثير من العروض، نذكر منها «سكاباريللي» و«لويفي» و«شانيل» وغيرها.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

إيلي صعب لـ «الشرق الأوسط»: «موسم الرياض» جسّد حلماً عربياً

مطلع العام الحالي، بدأت القصة تنسج خيوطها في لندن، وفي الرياض اكتملت في ليلة استثنائية بعنوان «1001 موسم من إيلي صعب»، تحتفل بمسيرة مصمم أصبح فخر العرب.

جميلة حلفيشي (الرياض)
لمسات الموضة سيلين ديون وإيلي صعب وعلاقة عمرها 25 عاماً (رويترز)

الرياض تشهد عناق النجوم ببريق الترتر واللؤلؤ

بعد عام تقريباً من التحضيرات، حلّت ليلة 13 نوفمبر (تشرين الثاني). ليلة وعد إيلي صعب أن تكون استثنائية ووفى بالوعد. كانت ليلة التقى فيها الإبداع بكل وفنونه.

جميلة حلفيشي (الرياض)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
TT

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)
اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون كشفها. هدفه أن يُشكِلها بأسلوب يمنح المرأة الثقة من دون أن يحرمها من إحساسها بأنوثتها. صحيح أن بعضها يتسم ببعض الجرأة، إلا أن ما يشفع له فيها أنه نجح في ضخها بحقنات مناسبة من العصرية والديناميكية من خلال فنية تظهر حيناً في الأكمام وحيناً آخر في التنورات والجوانب وغيرها.

لعب المصمم على الأنوثة ليرسم لوحة مفعمة بالأنوثة الطاغية والراقية في الوقت ذاته (خاص)

اللافت فيها أيضاً أنها بالرغم من تفاصيلها وكشاكشها وطياتها، مريحة. يشرح المصمم أنه راعى فيها أن تمنح المرأة حرية الحركة «فمن دون حركة وراحة لا يمكن للمرأة أن تبدو ساحرة وواثقة من نفسها» حسب رأيه. ويُبرر أن الجرأة التي اعتمدها محسوبة، بدليل أنها قد تقتصر على الأكمام ولا تركز على إبراز مفاتن الجسد بشكل واضح.

اعتمد المصمم على الألوان الأحادية المتوهجة وكأنه يريد استعمالها بوصفها مضاداً لرمادية الشتاء (خاص)

اختارها ألا تكون صادمة، بل فنية لإضفاء مزيد من الأناقة الفنية على كل قطعة. فكل قطعة في التشكيلة لها شخصيتها الخاصة. أرداها أن تتكلم بلغة تفهمها المرأة التي ستختارها، معتمداً كلياً على التفاصيل، سواء كانت هذه التفاصيل على شكل طيات من لون القماش، أو ثنايا تتلوى على جانب معين، أو فتحات تغازل العين.

يكمن جمال الفساتين في تفاصيلها وأنوثتها من دون أن تكشف الكثير من مفاتن الجسد (خاص)

هذه الرؤية، ينفذها المصمم فؤاد سركيس بألوان متوهجة وواضحة، تكسر الصورة النمطية التي ارتبطت بألوان الخريف والشتاء. بالنسبة له، فإن الألوان الغنية تلعب دوراً محورياً في ضخ التصاميم بالديناميكية التي ينشدها. «فكل لون هنا يضفي قيمته على الزي، سواء تلوّن بالأخضر الزمردي أو الفوشيا النابض بالحياة أو الأحمر الناري أو الأزرق النيلي أو الأسود وغيرها من الألوان الطبيعية الأخرى».