عُرس أمباني... انتقادات كثيرة وإيجابيات كبيرة

كيف حرّك عرس العام الاقتصاد الهندي وأنعش الموضة والمجوهرات؟

صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)
صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)
TT

عُرس أمباني... انتقادات كثيرة وإيجابيات كبيرة

صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)
صورة جماعية لعائلة أمباني (أ.ب)

انتهت أخيراً مراسم زواج أنانت أمباني (29 عاماً)، نجل أغنى رجل في آسيا موكيش أمباني، على راديكا ميرشانت (29 عاماً)، وبينما عدّه البعض زواج الأحلام بتفاصيله وجواهره وألوانه، وصفه البعض الآخر بالسيرك أو فيلم بوليوودي.

الفئة الأولى أثارها بذخه، وبهرها استقطابه لعدد كبير من نجوم هوليوود وبوليوود والسياسيين، فهذا يشير إلى مكانة الهند المتنامية على الساحة العالمية، اقتصادياً وسياسياً، ولو من خلال قوة أحد أبنائها ورجال أعمالها، أما الفئة الثانية فصرّحت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنها أصيبت بالتخمة من كثرة برامجه وطول أيامه، حتى الأزياء الزاهية والمجوهرات البراقة قالوا إنها أصابت عيونهم بالزغللة وعمى الألوان.

الممثلة البوليوودية لوليا فانتور لدى وصولها حفل الزفاف (رويترز)

والحقيقة أن الأزياء تصارعت مع المجوهرات، بدرجة حوّلت الأقمشة في الكثير من الإطلالات إلى مجرد أرضية مهمتها الأولى إبراز جمال وغلاء الأحجار الكريمة التي رُصّعت بها، مثل فستان مرصع كامله باللؤلؤ، وجاكيت مطرّز بخيوط ذهبية، ويُعقد بأزرار من الزمرد أو الياقوت، أما المجوهرات بمفهومها التقليدي كأقراط وعقود وخواتم وإكسسوارات شعر فحدّث بلا حرج، حيث كانت بأحجام ضخمة، ضاربةً عرض الحائط بأيّ عمليات حسابية عن التوازن والتناسق، فهي هنا تحاول سرقة الأضواء من صاحبتها، والحصول على لقب الأكثر جمالاً وبريقاً.

الممثلة مادهوري ديكسيت في ساري مرصع بالأحجار لدى وصولها الحفل (رويترز)

في قاموس الثقافة الغربية فإن المبالغة كانت السائدة، لكن هذه المبالغة في الثقافة الهندية تعكس ثقافة عامة، تعشق الألوان والزينة، وتتشبّث بالهوية والتقاليد، كما أنها لا تشعر بالحرج من استعراض وجاهتها أمام الملأ، وبالتالي فإنه بغضّ النظر عن أي انتقادات نابعة من اختلاف الثقافات والأذواق، فإن هذا البذخ له إيجابياته، والمعروف عن الأعراس الهندية أنها تضخ في اقتصاد البلاد بالمليارات سنوياً، ووفق البعض فإنها صناعة مضادة للركود، لا سيما إذا أقيمت في الهند، وهذا ما يجعل عُرس أمباني مهماً، فبالرغم من أن تكلفته تقدّر بمئات الملايين، فإنه حرّك اقتصاد البلاد، وخلق فرص عمل للمواطنين من شتى التخصصات والمجالات؛ من الحراس الشخصيين الذين رافقوا الضيوف، إلى الفنادق والمطاعم، ومصمِّمي الرقصات والأغاني، ومصمِّمي الحفلات وبطاقات الدعوة وديكورات قاعات الأعراس، مروراً بخبراء الإضاءة، وتنسيق الزهور، والطهاة المتخصصين في مآدب الأعراس، وهلم جرّاً.

نجمة بوليوود أيشواريا راي باشان مع ابنتها لدى وصولهما حفل الزفاف (أ.ف.ب)

والأهم من هذا، أنه أنعش ورشات الصاغة والحرفيين والمصمّمين الهنود، الذين كان لهم نصيب كبير من كعكة العرس هاته، بالنظر إلى أن «الساري» بأشكاله هيمن على المشهد، كذلك المجوهرات التي تزيّنت بها العروس والحاضرات، أغلبها جاء بنكهات هندية، أو مستوحاة من الحضارة الهندية. المثير فيها أنها كشفت كيف يتعامل الهنود مع الذهب والأحجار الكريمة خزينةً أولاً وزينةً ثانياً، وليس العكس، وهذا ما تقرأه من خلال أحجام الأحجار، وكيف تراصّت شلالاتٍ تنساب من العنق إلى الصدر، كل ما فيها يؤكد أنها اقتُنِيت بنيّة الاستثمار، بما في ذلك استعراضها في الأعراس والمناسبات الكبيرة، كلما كانت سخية عدداً وحجماً، ارتفعت أسهم ومكانة أصحابها، من النساء والرجال على حد سواء.

من ناحية أخرى، فإن أي جدل أثاره بذخ عرس عائلة أمباني، يبقى غير شخصي، بمعنى أنه موجّه له؛ لأنه بكل بساطة ليس جديداً، سبق أن تعرضت صناعة الأعراس المكلّفة لنقاشات وصلت إلى قبة البرلمان في عام 2016، تطالب بسنّ تشريعات لتقنينها، وأحد المسؤولين على هذا الاقتراح هو رانجيت رانجان، عضو برلماني من بيهار، قدّم مشروعه تحت عنوان «حفلات الزفاف - تسجيل إجباري ومنع إهدار النفقات».

أراده أن يُلزم من ينفق على حفلات الزفاف أكثر من 7.500 دولار بالتبرع بنسبة 10 في المائة من المال إلى الحكومة، التي سوف تستغله في تمويل زواج الفتيات الفقيرات، كذلك يستهدف التشريع وضع حد لعدد الضيوف المدعوين، والأطباق التي يتم تقديمها في حفلات الزفاف، وقد وافق مجلس الوزراء والرئيس على هذا المشروع، طبعاً لم يؤثر هذا المشروع على مليارديرات الهند، فحفلات الزفاف مناسبة لا مكان فيها للتقشف، وبالتالي فإن أي مصاريف جانبية هي مصاريف هامشية مقدور عليها، المهم ألّا تهتز مكانتهم الاجتماعية، وقوتهم الاقتصادية أو السياسية.

من بين أغلى الأعراس في الهند

العريس أنانت أمباني وعروسه راديكا ميرشانت (أ.ف.ب)

- في عام 2004، أقام لاكشمي ميتال قطب الأعمال الشهير، حفل زفاف ابنته في قصر فرساي بفرنسا، بتكلفة قيل حينها إنها بلغت نحو 60 مليون دولار، وسرعان ما دخلت عوائل هندية أخرى من الطبقات الاجتماعية العليا المنافسة.

- وفي عام 2007، أقام رجل الأعمال الهندي - الأميركي، فيكران تشاتوال، حفل زفاف في دلهي، أثار اهتمام قناة «ديسكفري» الوثائقية، التي أنتجت فيلماً عنه بعنوان «زفاف هندي رائع». وفي نفس العام، 2007، أقيم حفل زفاف آرون نايار وإليزابيث هيرلي، الذي استمرت الاحتفالات به طيلة 8 أيام عبر قارتي أوروبا وآسيا، وتحديداً ما بين قلعة «سوديلي» في غلوسسترشاير ببريطانيا، وقصر «أوميد بهاوان» في جودهبور في الهند.

- وفي عام 2016، أقام الوزير السابق جاناردان ريدي حفل زفاف ابنته في مدينة بنغالور، بتكلفة بلغت حوالي 75 مليون دولار.


مقالات ذات صلة

محمد آشي يحكي تفاصيل رحلة روحانية تتشابك فيها الظلمة بالنور

لمسات الموضة تيمة الظلمة والنور ظهرت في إطلالات هندسية وأخرى مفصلة   (آشي استوديو)

محمد آشي يحكي تفاصيل رحلة روحانية تتشابك فيها الظلمة بالنور

لم تكن فكرته الانفصال التام عن الواقع، بل فقط الابتعاد «ولو بأرواحنا وجوارحنا» عن إيقاع الحياة السريع الذي نعيشه اليوم.

جميلة حلفيشي (باريس)
لمسات الموضة عروسه لخريف وشتاء 2024-2025 تميل إلى الفني والتفرد (ستيفان رولان)

كيف نجح المصمم ستيفان رولان في الجمع بين النعومة والإثارة بخيط رفيع؟

إذا كان هناك شيء واحد تخرج به بعد عرض ستيفان رولان لخريف 2024 وشتاء 2025، الذي قدمه في أسبوع باريس للـ«هوت كوتور»، فهو أن الوفاء من شيمه؛ إنه عاشق وفيٌّ لباريس.

جميلة حلفيشي (باريس)
لمسات الموضة استُلهمت من ثلاثينات القرن الماضي الذي انتعشت فيه حركة الطيران والسفر (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تطير بتحفة ساعاتية للكبار

بسعر 42 ألف دولار، يمكن لعشاق التحف الساعاتية والطيران، على حد سواء، اقتناء هذه القطعة المبتكرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من القطع التي صممتها الدار في عام 1907 لأحد هواة اقتناء التحف (فان كليف آند آربلز)

«فان كليف آند آربلز» تستعرض إرثها بكتاب للتاريخ ومجوهرات لملكات مصر

في بداية الشهر الماضي، أعلنت مجموعة «ريشمون»، المالكة لعدة دور ساعات ومجوهرات، تعيين كاثرين رينييه، الرئيس التنفيذي السابق في دار «جيجير لوكولتر» رئيساً…

جميلة حلفيشي (باريس)
لمسات الموضة أكشاتا ميرتي تستمتع إلى زوجها وهو يلقي خطاب الوداع خارج 10 داونينغ ستريت (أ.ب)

فستان زوجة رئيس الوزراء السابق ريتشي سوناك يثير موجة من التهكم والتعليقات السلبية

إذا كان الرابع من شهر يوليو (تموز)، يوماً تاريخياً على المستوى السياسي في بريطانيا، فإن الخامس من الشهر نفسه سيبقى مرسوماً في ذاكرة الموضة من خلال فستان مقلم…

جميلة حلفيشي (لندن)

فستان زوجة رئيس الوزراء السابق ريتشي سوناك يثير موجة من التهكم والتعليقات السلبية

أكشاتا ميرتي تستمتع إلى زوجها وهو يلقي خطاب الوداع خارج 10 داونينغ ستريت (أ.ب)
أكشاتا ميرتي تستمتع إلى زوجها وهو يلقي خطاب الوداع خارج 10 داونينغ ستريت (أ.ب)
TT

فستان زوجة رئيس الوزراء السابق ريتشي سوناك يثير موجة من التهكم والتعليقات السلبية

أكشاتا ميرتي تستمتع إلى زوجها وهو يلقي خطاب الوداع خارج 10 داونينغ ستريت (أ.ب)
أكشاتا ميرتي تستمتع إلى زوجها وهو يلقي خطاب الوداع خارج 10 داونينغ ستريت (أ.ب)

إذا كان الرابع من شهر يوليو (تموز)، يوماً تاريخياً على المستوى السياسي في بريطانيا، فإن الخامس من الشهر نفسه سيبقى مرسوماً في ذاكرة الموضة من خلال فستان مقلم بخطوط العلم البريطاني فشل هو الآخر في الحصول على نقاط إيجابية. ففي الوقت الذي كانت فيه الآذان مصغيةً لرئيس الوزراء السابق ريتشي سوناك وهو يعلن استقالته من رئاسة الوزارة ومن زعامة حزب المحافظين في مؤتمر صحافي من مقر الحكومة في داوننغ ستريت، كانت كل الأنظار مصوبة نحو زوجته، أكشاتا ميرتي.

أكشاتا خلف ريتشي سوناك وهو يعلن استقالته من رئاسة الوزارة ومن زعامة حزب المحافظين في مؤتمر صحافي من مقر الحكومة في داوننغ ستريت (إ.ب.أ)

كانت تقف خلفه على بُعد أمتار، كما جرت العادة في مثل هذه المناسبات. لم يكن منظرها وهي تقف وحيدة، هو ما أثار الأنظار، بل فستانها. كان من تصميم «أومي نا نا»، وهي ماركة هندية، سعره يُقدر بنحو 510 دولارات. مبلغ بسيط بالنسبة لمليارديرة ابنة ملياردير، وبالتالي لم يتوقف المنتقدون كثيراً عند هذه النقطة، على العكس من تصميمه وألوانه. أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه كان جريئاً بخطوط المتلونة بألوان العلم البريطاني: الأبيض والأحمر والأزرق. سرعان ما انتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات سلبية أقرب إلى التهكم. منهم من قال إنها بخطوطها التي تتجه نحو الأسفل كانت مؤشراً على الضربة القاضية التي تلقاها زوجها من غريمه زعيم حزب العمال، فيما شبهها البعض الآخر بإشارات المرور وغيرها من التعليقات والتشبيهات التي لم تتعرض لها أي من زوجات الرؤساء السابقات من قبلها، رغم أن أغلبهن لم يتمتعن بأناقتها.

لدى حضورها قمة «جي 7» التي حرصت فيها على أن تمثل بريطانيا أحسن تمثيل (أ.ب)

هذه التعليقات تثير أيضاً تساؤلات عن سبب عدم حصولها على الاهتمام نفسه من عالم الموضة، الذي حصلت عليه غيرها. فنحن نذكر الاحتفال بتريزا ماي، رئيسة الحكومة السابقة، وإشادة المجلات البراقة بأسلوبها الذي تغلب عليه الجرأة من حيث ألوانه ونقشاته، وقبلها سامنثا كاميرون، رغم أسلوبها الكلاسيكي المتحفظ. لكنها كانت طرفاً من أطراف الموضة، حيث كانت تعمل مصممة في دار «سميثسون» آنذاك، قبل أن تطلق خط أزياء خاص بها.

أكشاتا ميرتي أيضاً مهتمة بالموضة، وكان لها خط أزياء أطلقته في عام 2007 باسمها «أكشاتا» لم يستمر سوى ثلاث سنوات. في شهر يوليو من عام 2023، حصلت على لقب أكثر النساء أناقة في بريطانيا وتم تشبيهها بجاكلين أوناسيس، ومع ذلك ظلت تجاوب الموضة هادئاً تجاهها، إن لم نقل فاتراً، فما الأسباب؟

1- قد يكون السبب الأول أن التوقيت لم يكن في صالحها، بالنظر إلى أن الفترة التي وصل فيها زوجها ريتشي سوناك إلى الرئاسة، كانت ولا تزال مضطربة اقتصادياً وسياسياً.

2- قد يعود الأمر أيضاً إلى عدم اقتناع عالم الموضة بسياسات ومواقف زوجها كرئيس حكومة. فالموضة ليست مجرد أزياء وإكسسوارات وترف. إنها قراءة لثقافة المجتمعات وانعكاس لما يجري في الشارع... هي أيضاً مشاعر ومواقف إنسانية.

3- بعد وصول زوجها إلى الرئاسة، وحتى قبل ذلك بفترة، بدأت التخلي عن أسلوبها القديم، الذي كانت تظهر فيه بأغلى الأزياء والإكسسوارات، وتبني أسلوب أكثر بساطة حتى تتقرب من الناس أكثر. لم تنجح محاولاتها في إقناع الناس. كل ما يتذكرونه هو ثروة عائلتها.

ظلت وفية لأصولها الهندية ولا تفوت أي مناسبة للاحتفال بالمصممين والحرفيين الهنود (أ.ف.ب)

4- بينما كانت سيدات 10 داونينغ ستريت السابقات يدعمن المصممين البريطانيين بشكل واضح، ظلت هي وفية لجذورها الهندية، وكانت في مناسبات عديدة تختار تصاميم هندية. صحيح أنها كانت تحرص في بعض الأحيان على تنسقها مع تصاميم أوروبية أو بريطانية، إلا أن النكهة الهندية كانت طاغية

5- المعروف عن الموضة، أو بالأحرى الأناقة، أنها أسلوب يولد مع الإنسان كما قالت دايانا فريلاند، أقوى امرأة في عالم الموضة في القرن الماضي: «إن الأناقة فطرية. لا علاقة لها بكونك ترتدي ملابس غالية». وأكشاتا رغم نعومتها ومحاولاتها الجادة في تبني أسلوب يجمع الراقي بالبسيط، افتقدت إلى كاريزما تُلهب خيال المصممين وتُلهمهم كما كان الأمر بالنسبة لمارغريث ثاتشر مثلاً.