«أطلق لها العنان»... من الرياض إلى مدريد

مجموعة «بيستر» تحتفل بصانعات المستقبل من أميركا اللاتينية لعام 2024

شانتال خويري تتوسط المرشحات الثماني قبل الإعلان عن الفائزات (خاص)
شانتال خويري تتوسط المرشحات الثماني قبل الإعلان عن الفائزات (خاص)
TT

«أطلق لها العنان»... من الرياض إلى مدريد

شانتال خويري تتوسط المرشحات الثماني قبل الإعلان عن الفائزات (خاص)
شانتال خويري تتوسط المرشحات الثماني قبل الإعلان عن الفائزات (خاص)

«عندما تؤمن المرأة بالمرأة وتدعمها فإن الفائدة تعم كل المجتمع؛ لأن المرأة بطبعها معطاءة ومستعدة أن تنقل خبراتها، وتشارك محيطها في نجاحاتها وإنجازاتها. في هذه الحال، نحن لا نساعد امرأة بوصفها فرداً، بل نضع لبنة أساسية لبناء المستقبل». هذا ما قالته اللبنانية شانتال خويري، الرئيسة التنفيذية لشؤون الثقافة في مجموعة «بيستر» في حفل «أطلق لها العنان» لعام 2024. مبادرة أطلقتها منذ عام ضمن برنامج «دو غود» (Do Good) الذي ترعاه تحت راية مجموعة «بيستر كوليكشن».

شانتال خويري مع المرشحات الثماني ومديرة قرية «لاس روزا» بمدريد (بيستر كوليكشن)

في كل عام تنتقل إلى منطقة معينة، تفتح فيها للمرأة أبواب المشاركة في مسابقة «أطلق لها العنان» لينتهي المطاف بثماني فائزات يجري اختيار ثلاث من بينهن لنيل الجوائز الكبرى في حفل كبير. الدورة الأولى كانت في الرياض. كان اختيارها بوصفها أول محطة مهمة له أسباب عدة، منها جذور شانتال خويري العربية، إلى جانب الطفرة التي تشهد دخول المرأة العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجالات الأعمال، وإحرازها كثيراً من النجاحات فيها. كانت دورة ناجحة أكدت فيها المرأة العربية أنها ذات كفاءة عالية.

يكون التركيز عموماً على رائدات ناشئات يتمتعن بأفكار مبتكرة، ورغبة صادقة لوضع بصماتهن الإيجابية على محيطهن «هؤلاء لا يحتجن إلا إلى دفعة بسيطة تمكّنهن من إطلاق العنان لقدراتهن»، حسب قول شانتال.

أهم شرط في المسابقة هو امتلاك شركة ناشئة لا يتجاوز عمرها 3 سنوات من العمل، تستهدف إحداث تأثير اجتماعي أو ثقافي أو بيئي إيجابي، ويتماشى عملها مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.

شانتال خويري الرئيسة التنفيذية لشؤون الثقافة في مجموعة «بيستر»

وتؤكد شانتال: «الفكرة من المبادرة ليست استثماراً مادياً بقدر ما هي استثمار في المستقبل». كل فائزة ستحصل على مكافأة قدرها 100000 دولار أمريكي لتمكينها من توسيع شركتها، وتطوير الفكرة التي تقدمت بها، بالإضافة إلى حصولها على برنامج تعليمي مفصل مع شريك إقليمي وتوجيهات قيمة من مؤسسة «أشوكا» في المنطقة التي توجد فيها الفائزة.

جرى تلقي هذا العام ما لا يقل عن 954 طلباً للمشاركة من مجموع أميركا اللاتينية. وبعد كثير من المشاورات والنقاشات، جرى اختيار 8 متسابقات. بدأ تأهيلهن بخضوعهن لدروس وتوجيهات في معهد مونتيري للتكنولوجيا في مكسيكو سيتي. بعدها انتقلن إلى ساو باولو للوقوف أمام لجنة تحكيم لتقديم أفكارهن وثمار ما تعلمنه في ريادة الأعمال، لكن ككل المسابقات، لا بد من غربلة الأهم من المهم، حسب نوعية المشروع، ومدى توافقه وخدمته للمجتمع.

الفائزة بالجائزة في العام الماضي العراقية سارة علي لالا واللبنانية نور جابر (بيستر كوليكشن)

في العام الماضي مثلاً فازت العراقية سارة علي لالا، لابتكارها سوق إيكوسينتريك المستدامة عبر الإنترنت، التي تقوم على مفهوم الاقتصاد الدائري للحد من النفايات البلاستيكية وتلوث الأغذية الناتج عن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة.

كذلك اللبنانية نور جابر مؤسسة منصّة «نواة» الرقمية، التي تهدف إلى تعزيز الصحة الجنسية والإنجابية للمرأة، والتوعية بأهميتها ضمن مساحة رقمية آمنة وسهلة الوصول وباللغة العربية.

أما الجائزة الثالثة فتقاسمتها كل من الجزائرية فلة بوتي، التي أطلقت مبادرة إيكوتاشيرا لتوفير حلول ري منتظمة واقتصادية ومتكاملة وفق نظام إنشاء بيئي شامل يحسن جودة الهواء، ويخفض درجات الحرارة في المدن الكبيرة، والإماراتية نُهير زين تقديراً لمشروعها لوكذر، وهو عبارة عن مادة نباتية مصنوعة من قرون النباتات المجففة تراعي التزامات الاستدامة والمبادئ الأخلاقية.

جانب من الحفل الذي اقيم في مدريد

هذا العام، تغير المكان وتفاصيل الحفل، ولم تتغير المبادئ التي تأسست عليها المبادرة؛ حيث أقيمت في «غاليريا دي كريستال» بمدريد. كان الاختيار هنا لدواعٍ عملية، من الناحية اللوجيستية والثقافية على حد سواء، لارتباط دول أميركا اللاتينية بإسبانيا لغةً وتاريخاً، من دون أن ننسى الانتعاش الذي تشهده مدريد على مستوى الخدمات السياحية، من فنادق ومطاعم، في شتى الفنون، وهو ما ينعكس على التسوق عموماً، وتلمسه قرية «لاس روزا» الواقعة على مسافة نحو 30 دقيقة بالسيارة من وسط مدريد.

أهداف الجائزة

تعد جائزة «أطلق لها العنان» (Unlock Her Future) جزءاً أساسياً من برنامج مجموعة «بيستر» العالمي للأعمال الخيرية بعنوان «دو غود (Do Good)»، الذي أطلقته شانتال خويري منذ 7 سنوات تقريباً. وقد بدأ بإعادة تدوير فساتين الزفاف بتوفيرها لفتيات من مجتمعات فقيرة لإدخال السعادة إلى قلوبهن، وفي الوقت نفسه ترسيخ فكرة الاستدامة وتدوير السلع. مع الوقت تطور البرنامج إلى ما هو أكبر: العمل على فتح أبواب الإبداع والاختراع أمام شريحة أكبر من النساء بغض النظر عن أعمارهن وجنسياتهن. المهم أن تتوفر لديهن الموهبة والرغبة في خدمة الغير. لا يختلف اثنان أن الجائزة التي تُقدمها مجموعة «بيستر» قيّمة ويمكن أن تُغير حياة ومصائر الفائزة والمحيطين بها، إن لم نقل العالم، كما هي الحال بالنسبة للكولومبية فالنتينا أغيدولو، التي فازت هذا العام بجائزة لاختراعها جهازاً محمولاً يساعد على كشف سرطان الثدي مبكراً، وهو ما يمكن أن يُغير مصائر كثير من النساء في القرى والأماكن البعيدة اللواتي يصعب عليهن إجراء فحص الماموغرام. أما ثاميريس بونتيس من البرازيل ففازت بجائزة على ابتكارها تقنيات متطورة لاستعمال الأعشاب البحرية بديلاً للمواد البتروكيماوية.

آني روزا من المكسيك فازت بالجائزة مناصفة مع ليدي كروز من بوليفيا (بيستر كوليكشن)

مثل العام الماضي، حصلت مشاركتان على الجائزة الثالثة مناصفة: آني روزا من المكسيك، وقد أسست شركة تستعمل تقنيات تنظيف مياه المحيطات والأنهار، وتقوم بتشجيع الاستدامة باستعمال مواد قابلة للتدوير من شأنها توفير مصادر عيش للعاملين في جمع القمامات. أما ليدي كروز من بوليفيا، ففازت بابتكار تقنية تساعد صغار المزارعين على التكيف مع تغير المناخ من خلال الاشتراك في البيانات المتخصصة والخدمات الاستشارية؛ ما يمكّنهم من تحسين ممارساتهم الزراعية في إدارة الري، ومن ثم تحقيق غلات أعلى.

ما يُحسب لمجموعة «بيستر» التي تضم 12 وجهة تسوق في أوروبا والصين أنها لم تبق رهينة فكرة واحدة وهي توفير سلع ومنتجات فاخرة بأسعار مخفضة. تكيَّفت مع الأوضاع، وتوسعت لتكون هذه القرى تجربة حياة تشمل كل ما لذ وطاب من متع؛ فهي قريبة من المدن في البلدان التي توجد فيها مثل لندن وباريس وميلانو وبرشلونة ومدريد ودبلن وبروكسل وميونيخ وفرنكفورت وشنغهاي وسوجو. «بيستر فيلج» وحدها تضم أكثر من 1300 متجر، إلى جانب مطاعم عالمية ومتاجر مؤقتة حسب المواسم، لكن اللبنانية ديزيريه بولييه، رئيسة وكبيرة مسؤولي التجارة العالمية لمجموعة «بيستر» ترى أنه من أجمل ما حققته المجموعة لأكثر من ربع قرن هو عملها على تحسين حياة الآخرين انطلاقاً من مبدأ «رد الجميل» بتحفيز التغيير الاجتماعي، وتشجيع الممارسات المستدامة لدعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، إلى جانب التركيز على رسم ملامح مستقبل مزدهر للنساء والأطفال في جميع الأماكن.

ماذا يحدث بعد عام من تسلم الجائزة؟

توفير التمويل الأولي أو رأس المال الأساسي ينقل ما كان مجرد فكرة إلى كيان تشغيلي كامل، بإنشاء البنية التحتية، وتوظيف موظفين جديد وتدريبهم. وفي لقاء جانبي مع نور جابر، مؤسسة منصّة «نواة» الرقمية قالت إنها كانت تملك خبرة واسعة في مجال الصحة العامة بفضل دراستها، لكنها لم تكن تمتلك المعرفة والمهارات الملائمة والكافية في مجال الشركات والتمويل وريادة الأعمال؛ «لهذا لعبت الشراكة مع مجموعة (بيستر) دوراً أساسياً في تعزيز فهمي لاستراتيجيات الأعمال الفعالة وريادة الأعمال الاجتماعية والممارسات المستدامة؛ ما عزز الجدوى التجارية لمنصة (نواة) الرقمية للصحة على المدى البعيد». هناك أيضاً جانب آخر لا يقل أهمية، وهو ربط شبكة علاقات عامة مكونة من خبراء أعمال ومتخصصين.

من جهتها، قالت العراقية سارة علي لالا، مؤسسة سوق إيكوسينتريك إن هذه الجائزة «كانت نقطة تحول بالنسبة لنا؛ حيث أسهمت في التحقق من فكرة مشروعنا، ومنحتنا الثقة لإحداث تأثير أكبر في مجال الأسواق المستدامة، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار التكاليف الباهظة». الجائزة مكنت سارة وغيرها من بناء المشروع دون الحاجة إلى قروض عالية الفائدة.


مقالات ذات صلة

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

لمسات الموضة شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

بدايات جديدة في «جيڤنشي» و«دريز فان نوتن» و«توم فورد» تُوقظ الأمل بولادة عهد جديد

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة المصمم ديمنا عند تلقيه جائزة أحسن مصمم للأزياء الجاهزة في عام 2016 في لندن (أ.ف.ب)

ديمنا مديراً فنياً لدار «غوتشي»... هل ينجح في تلميعها؟

بعد قرابة 10 سنوات، سيغادر المصمم الجورجي ديمنا دار «بالنسياغا» لينضم إلى دار «غوتشي» ابتداءً من شهر يوليو (تموز) المقبل. كان الخبر مفاجئاً إلى حد ما. فرغم أن…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة اجتازت دوناتيلا العديد من الأزمات لكنها لم تصمد أمام قوة العاصفة الاقتصادية الأخيرة (أ.ف.ب)

دوناتيلا تتنحى عن منصبها في دار «فيرساتشي» وتسلم المشعل لداريو فيتالي

ابتداء من الشهر المقبل سيتسلم داريو فيتالي الإدارة الإبداعية لعلامة الأزياء الفاخرة «فيرساتشي» من دوناتيلا فيرساتشي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ديمي مور وجين فوندا في حفل توزيع جائزة نقابة ممثلي الشاشة (رويترز)

ديمي مور وجين فوندا... قصة إدمان على التجميل كلّلها «الزمن» بالنجاح

اللقطة التي جمعت ديمي مور وجين فوندا، تؤكد أنه برغم فارق 25 سنة بينهما، فإن ما يجمعهما أكبر من مجرد رقم. هوسهما في مرحلة من حياتهما بالتجميل أمر معروف ومسجل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة من إبداعات شيمينا كامالي مصممة دار «كلوي»... (أ.ف.ب)

الفراء الاصطناعي يعود لعروض الأزياء أعلى نعومة وفخامة

لا تستغني عنه الموضة ولا المرأة المقتدرة، مهما تصاعدت نسبة مناهضي استعمالاته وتهديداتهم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
TT

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»
شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

تسعة أيام هي المدة التي استغرقها أسبوع باريس لخريف وشتاء 2025-2026. كان مسك ختام لدورة سنوية تبدأ في نيويورك وتمر بلندن وميلانو وتنتهي بباريس. لكنك لو سألت أي شخص حضر فعالياته بالكامل، لجاءك الرد، ومن دون تردد، بأنه طول مدته مبالغ فيها، مقارنة بغيره من أسابيع الموضة العالمية. لندن مثلاً لم يعد يتعدى أسبوعها الأربعة أيام. لكن منذ سنوات وباريس تتعمد وضع برنامج يجعل من الصعب على ضيوفها من عشاق الموضة مغادرتها قبل انتهائه. فـ«ديور» تقدم عرضها في الأيام الأولى و«شانيل» و«لويس فويتون» و«سان لوران» في الأواخر وبينهم إيلي صعب وفالنتينو وهرميس وستيلا ماكارتني وبالمان وآخرون لا يقلون أهمية. الأسباب مكيافيلية. فكلما امتدت إقامتهم، انتعشت الفنادق والمطاعم وتحركت المحلات ووسائل النقل.

اختتمت دار «سان لوران» الأسبوع ودورة الموضة العالمية في باريس (أ.ف.ب)

ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن هناك إجماعاً على أن باريس ليست مثل غيرها وتستحق العناء والجهد. لا تزال عاصمة الموضة بلا منازع، إبداعاً وعروضاً، بفضل بيوت الأزياء ذات الإمكانات الضخمة التي تمدَها بكل ما يعزز سحرها ويرسخ مكانتها.

أسبوعها الأخير اختتم بعروض كل من «ميو ميو» و«سان لوران» و«شانيل». كان حافلاً بالأحداث، كما كان مثيراً ما بين انتظار بدايات مصممين تم تعيينهم مؤخراً ولم يسعفهم الوقت لكي يباشروا العمل ويتحفونا بما جادت به مخيلتهم، وبين متابعة عروض مصممين سجلوا بداياتهم فعلياً هذا الموسم لأول مرة بعد التحاقهم ببيوت عريقة.

اعتمدت «شانيل» مرة أخرى على فريق قسمها الإبداعي في انتظار أول تشكيلة لمصممها الجديد ماثيو بلايزي (شانيل)

«شانيل» مثلاً، ومعها أوساط الموضة، لا تزال تنتظر ما سيقدمه المصمم ماثيو بلايزي في الموسم المقبل. اعتمدت مرة أخرى على فريقها الإبداعي لتقديم تشكيلة تلعب على أيقوناتها، بينما اكتفت «لويفي» بتقديم عرض أصغر مما عوّدتنا عليه بسبب انتقال مصممها جوناثان أندرسون إلى «ديور».

لكن بالنسبة لـ«جيڤنشي» و«توم فورد» و«دريز فان نوتن» فإن الانتظار انتهى. «جيڤنشي» قدمت أول تشكيلة لها من إبداع سارة بيرتون، و«توم فورد» أول تجربة لحيدر أكرمان و«دريز فان نوتن» أول عرض لجوليان كلوسنر. ثلاثة أسماء لم تخيب الآمال بقدر ما أيقظت الأمل بولادة عهد جديد.

سارة بيرتون

من عرض سارة بيرتون لدار جيڤنشي (جيڤنشي)

المصممة التي التحقت بدار «جيڤنشي» مؤخراً، جاءت بعد تجربة عقود مع المصمم الراحل ألكسندر ماكوين. خلفته في الدار التي أسسها ولا تزال تحمل اسمه حتى الآن، والطريف في التعيين الأخير أن بداية رفيق دربها الراحل ماكوين، كانت أيضاً في «جيڤنشي». سارة بيرتون برهنت على مدى عقود أنها تحترم إرث المؤسسين. لا تحاول أن «تتشاطر» عليهم بقدر ما توظف بصمتها للإبقاء على إرثهم حياً. وهذا تحديداً ما قامت به في هذه التشكيلة التي قالت إنها عادت فيها إلى الجذور. برَرت ذلك قائلة: «للمضي قدماً، لا بدّ من العودة إلى الجذور. وبالنسبة لي، تبدأ الحكاية دائماً من المشغل. هو القلب النابض والملهم».

من إبداعات سارة بيرتون (جيڤنشي)

حاولت استكشاف شخصية الدار من خلال قراءة شخصية صاحبها الراحل هيبار دي جيڤنشي. كان يحب الخطوط الواضحة التي تبرز تضاريس الجسم وجمالياتها من دون مبالغات أو تفاصيل لا داعي لها. أثارها هذا الأمر وخلال بحثها في الأرشيف قالت إنها اكتشفت طروداً مغلَّفة بورق بني، تضم قصّات من قماش الكاليكو من مجموعته الأولى لعام 1952.

درستها وسرعان ما اكتشفت أنها، مثل هيبار دي جيڤنشي، تعشق التفصيل وتقدر العلاقة بين عملية الابتكار التي تولد في الاستوديو، والحرفية التي تُنفذ في المشغل.

عادت بيرتون لأرشيف الدار لتستلهم منه خطوطاً أنثوية واضحة وسلسة (جيفنشي)

أما كيف جسَّدت القواسم المشتركة بينها وبين المؤسس، فمن خلال أساليب تقليدية وكلاسيكية قامت بتفكيكها بتنعيمها، وإضافة تفاصيل أنثوية. والنتيجة أن المرأة تبدو في الظاهر ناعمة إلا أن خلفها تكمن قوة لا تظهر إلا عند الحاجة، وهو ما جسّدته أيضاً في مزجها بين الكلاسيكي والانسيابي، من خلال الأكتاف البارزة بشكل مبالغ فيه أحياناً، والخصور المحددة، والفساتين المكونة من أمتار من القماش، ومع ذلك تكشف عن الظهر، بحيث تبدو من الأمام محتشمة ومن الظهر بلمسات أنثوية مثيرة. الفكرة هنا مرة أخرى كانت اللعب على القوة الكامنة بداخل كل أنثى.

عادت سارة بيرتون إلى أرشيف الدار وأخذت منه عدة عناصر لعبت عليها مثل القميص الأبيض (جيڤنشي)

أسلوب هيبار دو جيڤنشي يُطِل في الكثير من الإطلالات، مثل فساتين قصيرة مصنوعة من دانتيل شانتيلي وأخرى مستلهمة من الملابس الداخلية تطبعها حسِية الخمسينيات من دون أن ننسى القميص الأبيض، الذي أخذ عدة أشكال. كل هذا ترجمته سارة بيرتون برؤية معاصرة ذكرتنا إلى حد ما بعهدها في دار «إلكسندر ماكوين».

توم فورد:

جمع حيدر أكرمان في تشكيلته الأولى بين جرأة توم فورد وبين أسلوبه الخاص لدار (توم فورد)

كان كل ما في العرض أشبه بلقاء دافئ بين جرأة المصمم المتقاعد توم فورد ورومانسية خليفته الحالي حيدر أكرمان. يشرح هذا الأخير بعد عرضه هذه العلاقة قائلاً: «عند دخولي عالم السيد توم فورد، شدّني أن شخصيته تنعكس في كل شيء. ثم انتبهت أنه يمثل حياة الليل والسّهر، بينما أنا أمثّل صباح اليوم القادم، وهو ما كان بداية رقصتنا مع بعض». من هذا المنظور لم يُغيِب أسلوب سلفه المثير، بالعكس أعاده إلى الواجهة بعد أن ضخه بجرعة ديناميكية من الرومانسية والأنوثة المفصلة. هذا التفصيل ساهم في التخفيف من جرعة الإثارة الحسية التي برع توم فورد فيها والتصقت به منذ أن كان في دار «غوتشي».

من أول عرض يقدمه حيدر أكرمان لدار «توم فورد» (توم فورد)

هذه العلاقة بين الأمس الذي يمثله توم فورد والحاضر الذي يمثله أكرمان «مبنية على الحب. فأنا أرى أن الحب جوهر كل شيء» وفق ما قاله هذا الأخير. تخيل هذه التشكيلة كقصة حب، تبدأ بنظرة وابتسامة، ثم التعرّف على الاختلافات بهدف استكشاف القواسم المشتركة للبناء عليها.

وهذا ما كان. فرغم شخصيته الجادة، لم يرفض أكرمان أن الحواس تلعب دورها في التقريب بين الأشخاص، كما على اختياراتنا فيما يخص الأزياء. كلاهما يبدأ بحاسة النظر ويتطور إلى رغبة ملحة في الحصول على الشيء والحفاظ عليه.

إيحاءات رجالية ظهرت في عرض «توم فورد» عبارة عن بدلات وتوكسيدو (توم فورد)

صبَ كل هذه الأفكار والأحاسيس في تشكيلة غلبت عليها تصاميم مستوحاة من عالم الليل بإيحاءات رجالية، مثل سترة توكسيدو اكتسبت طولاً يصل إلى الكاحل وبدلات ناعمة بألوان فاتحة، وفساتين مفصلة بأسلوب سهل لكن ممتنع. خلا أغلبها تقريباً من أي تفاصيل لا داعي لها، واعتمد فيها فقط على التفصيل والأقمشة لإبراز قدراته.

جوليان كلوسنر

جوليان كلوسنر احترم جينات «دريز فان نوتن» في تشكيلته الأولية (أ.ب)

مصمم آخر شهدت باريس بدايته هذا الموسم. عمل مع المصمم البلجيكي الأصل دريز فان نوتن لست سنوات. تعلم فيها أسلوبه وحرفته، قبل أن يتسلم منه المشعل إثر تقاعده المُبكِر. تُطل أول عارضة على المنصة، فتشعر بأن جينات الدار في مأمن من أي تغييرات جذرية. أسلوب دريز حضر في النقشات الغنية والتفاصيل الباروكية وتضارب الأقمشة التي تحمل لمسات «فينتاج». تنتابك طوال العرض مشاعر متضاربة ما بين إطلالات تُنسي بأن دريز فان نوتن ترك الدار، وبين أخرى دمج فيها الكلاسيكي بالرياضي تُذكر بأن فصلاً جديداً بدأ يُكتب بهدوء. فالمصمم الجديد اجتهد في وضع لمسات تترجم رؤية خاصة به. كل ما في الأمر أنها لا تزال خجولة بعض الشيء.

من عرض «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

في لقاء جانبي له، شرح كلاوسنر رؤيته قائلاً: «أردت أن أطلق العنان لخيالي قليلاً، بأن أجعل بعض القطع أكثر قوة وتأثيراً، لكن كان لدي دائماً ما يُذكِرني أن الأمر يتعلق بخزانة متكاملة يجب أن تضم قطعاً تناسب حياة المرأة في الواقع، وهذا يعني أنها يجب أن تكون مرنة».

اختيار «أوبرا غارنييه» مسرحاً لعرضه، لم يكن فقط ملائماً لتشكيلة غنية بالتفاصيل. كان يشي بالعهد الجديد، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عروض الدار كانت تقام سابقاً في أماكن أكثر وظيفية ذات أرضيات أسمنتية. طبعاً لا يمكن أن نتجاهل أنه يعكس أيضاً شغف المصمم الجديد بالمسرح، وهو ما ظهر حيناً في أقمشة تستحضر ستائر المسارح وحيناً آخر في شراشيب زينت جاكيتات بوليرو وأكمام فساتين. لكن هل كانت التصاميم مسرحية؟ أبداً. كل ما فيها كان واقعياً حتى في أقصى حالاته الفنية.

أقمشة متنوعة في الإطلالة الواحدة مع نقشات متضاربة في عرض «دريز فان نوتن» (أ.ب)

إذا كان لا بد من المقارنة بين جوليان وبيرتون وأكرمان، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أنه أفضل حظاً منهما، لأنه تسلم الدار من دريز فان نوتن، وهي في وضع جيد. فتقاعُد دريز وهو في عز تألقه، كان باختياره لكي يعيش «حياة ويمارس هوايات أجَّلَها طويلاً بسبب استنزاف العمل لوقتي وجهدي» وفق تصريح سابق له، وبالتالي لم يكن مفروضاً على جوليان أن يعود إلى منتصف القرن الماضي لرسم بداية جديدة كما هو الحال بالنسبة لسارة بيرتون، ولا أن يصحح ما خلَفه مصممون سبقوه على الدار من آثار لم تحقق المطلوب كما هو الحال بالنسبة لأكرمان.

تضارب الألوان والنقشات في تشكيلة «دريز فان نوتن» الذي أبدعه جوليان كلوسنر (أ.ب)

من جهة أخرى، يمكن أن نرى أن مهمة جوليان التي تبدو أسهل ولا تتطلب منه سوى ضمان استمرارية ما بناه سلفه، هي في الحقيقة صعبة، لا سيما في حال لم يُتقن توجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، ومن ثم الإخلال بالتوازن العجيب الذي خلقه دريز فان نوتن وأغوى به عالم الموضة.