كيف تحول حذاء الـ«غومينو» في «بينالي البندقية» إلى تحفة فنية؟

هدف دييغو ديلا فالي صاحب مجموعة «تودز» كان تجميل الحِرف اليدوية لإغراء الشباب

استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)
استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)
TT

كيف تحول حذاء الـ«غومينو» في «بينالي البندقية» إلى تحفة فنية؟

استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)
استعرضت ورشات محلية حرفيتها المتجذرة في التاريخ مثل صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك (تودز)

في نهاية الأسبوع الماضي، حطّت العشرات من العلامات التجارية الفاخرة في مدينة البندقية. كعادتها، تريد أن يكون لها «في كل عُرس قرص». المناسبة هذه المرة كانت النسخة الستين لـ«بينالي البندقية 2024». بيد أن حضور دار «تودز» كان له ما يُبرّره ويمنحه صبغة شرعية. فهو هنا شريك ومموِل للجناح الإيطالي، والأهم من هذا مُنظّم لفعالية مهمة بعنوان: فن الحرفيّة اليدوية... مشروع من توقيع كبار حرفي البندقية Venetian Masters.

شارك في الفعالية 11 ورشة منها صناع الأقنعة لأهميتهم وكونهم جزءاً من ثقافة مدينة البندقية (سيرجيو بولدرين)

يحتفل هذا المشروع، كما يشير عنوانه، بالحرفية الإيطالية وتقاليدها الفنية المتوارثة. أيقونة دار «تودز»، وهو حذاء الـ«غومينو» ذو النعل المزين بحبيبات، كانت المحور. 11 ورشة محلية متخصصة في مجالات متنوعة شاركت في هذه الفعالية، مستعملة أدواتها وموادها الخاصة في صياغته من دون المساس بأساسياته. كانت النتيجة استعراضاً مثيراً لمهارات وتقنيات تعكس روح وشخصية مدينتهم المتجذرة في التاريخ، شارك فيها صناع الجندول والزجاج والخشب والموزاييك وأيضاً صناع الأقنعة والقبعات وغيرهم.

دييغو ديلا فالي الرئيس والمدير التنفيذي وأندريا ديلا فالي نائب رئيس مجموعة «تودز» مع التينور أندريا بوتشيللي في حفل خاص بمناسبة افتتاح «بينالي البندقية» ومشروع «تودز» (خاص)

دييغو ديلا فالي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «تودز» هو العقل المُدبّر لهذا المشروع. كان حاضراً في كل الفعاليات. يتفقد كل صغيرة وكبيرة، وكأنه جنرال يتفقد ثكناته العسكرية. يُوزِع الابتسامات والقبلات على ضيوفه، ويتجول بينهم وهو يشرح بلكنته الإيطالية وصوته الخافت تفاصيل المشروع ومدى إيمانه بكل ما هو مصنوع باليد في إيطاليا. لا يُخفي أنه يُدرك، كرئيس مجلس إدارة ورئيس تنفيذي، أن تحقيق الأرباح من أوليات أي شركة «لكن هذا لا يأتي على حساب مسؤوليتانا نحو المجتمع، وهذه ما تعكسه هذه المبادرة بتركيزها على الجودة والحِرف اليدوية واهتمامها بحياة الحرفيين ومستقبلهم»، حسب تصريحه.

يعدّ ديلا فالي نفسه أحد حُراس الفنون الإيطالية. في عام 2011 تبرّع بنحو 28 مليون دولار لترميم الكولوسيوم. في العام نفسه، أصبحت «تودز» عضواً دائماً في مؤسسة مسرح لا سكالا بميلانو، ساهم فيها في تغطية تكلفة الكثير من الإنتاجات الأوبرالية. هذا عدا عن تمويل مدارس جديدة وترميم قصور قديمة وما شابه.

يشكل حذاء الـ«غومينو» لـ«تودز» ما تمثله حقيبة «البيركين» لدار «هيرميس» لحرفيته وتميزه (تودز)

كل هذا بفضل ما يحققه من مبيعات الإكسسوارات، وتحديد حذاء الـ«موكاسان» المعروف بحبيبات تزين نعله. أقبل عليه الرجال والنساء من الطبقات الأرستقراطية والمالكة والنجوم على حد سواء، ليُشكّل اليوم لـ«تودز» ما تُشكله حقيبة الـ«بيركين» لدار «هيرميس» أو الجاكيت الأسود لـ«شانيل» أو ساعة «سابمارينر» لـ«روليكس. يشرح ديلا فالي: «هذه المنتجات تثير الحلم ولم تفقد بريقها في أي مرحلة من المراحل لأنها أيقونات». حذاء الـ«غومينو» نجح في ترسيخ مكانته العالمية لما «يختزنه من تقاليد حرفية عمرها عشرات السنين».

بالنسبة لديلا فالي، مهما تطورت الأفكار وتقدمت الصناعات، لا شيء يقارن بمفهوم «صُنع باليد». «هذه الحرفية اليدوية فن قائم بذاته، ومن الواجب علينا الحفاظ عليه والاحتفال بها كأي فن آخر» حسب قوله. لا يفرق إذا كانت العملية تتعلق بترميم آثار ومعالم تاريخية ضخمة، أم دعم ورشة صغيرة تتخصص في صناعة أدوات صغيرة تساعد الفنانين على رسم أو نحت أعمالهم. «هذه الأدوات مهمة وأساسية، لكن لا يمكن أن تؤدي مهمتها من دون أيادٍ خبيرة وماهرة تُطوِعها».

وهذا ما أثبتته فعاليته: «الحرفيّة اليدوية... مشروع من توقيع كبار حرفي البندقية Venetian Masters التي استعمل فيها كل من الـ11 من الحرفيين المشاركين الأدوات والمواد التي يُتقنونها.

لم تكن صياغة حذاء الـ«غومينو» من الزجاج سهلاً... لكنه كان تحدياً فنياً لصناع زجاج المارينو (روبرتو بيلترامي)

يصل الزائر إلى «أرسينالي» بواسطة تاكسي مائي. ليس ببعيد عن الجناح الإيطالي، يتراءى مبنى بمساحة لا يستهان بها يحتضن مشروع «تودز»، وتوزع بداخله 11 حرفياً، كل حول طاولة يستعرض فيها تخصصه، فيما توزعت صور لحذاء الـ«غومينو» في كل المكان. ثلاثة أحذية من هذا التصميم على الأقل توسطت المكان. واحد منها من الجلد باللون الأحمر والثاني مُغلف بالذهب والثالث من الزجاج. روبرتو بلترامي، وهو صانع الزجاج من جزيرة مورانو، علّق على عمله قائلاً إن «صُنع حذاء من الزجاج واستنساخ كل التفاصيل بما في ذلك الحبيبات التي تميز نعله، لم يكن سهلاً، لكن صعوبته هي ما جعلت العمل تحدياً لذيذاً وممتعاً... فالأمر بالنسبة لنا جديد وغير مسبوق... إنه بمثابة عمل فني».

من بين المشاركين ورشة إنتاج ورق ذهبي يستعمل في الديكورات والأعمال الفنية وأيضاً في الإكسسوارات (ماريو بيرتا باتيلورو)

على بُعد أمتار منه، انكبّت سارة مينيغازو، وهي من العائلة الوحيدة التي لا تزال تمارس الضرب التقليدي على الذهب في البندقية. تعلمت من والدها مارينو مينيغازو كيف تُقطّع وتُرص صفائح من أوراق الذهب. جلست على طاولة تُقطِع أوراقاً ذهبية ناعمة جداً تتطاير مع نسمات هواء باردة كانت تتسلل بين الفينة والأخرى. تُرتّبها على شكل مربعات صغيرة بدقة وبصبر قبل أن تضعها جانباً. فهي هنا أصبحت جاهزة للاستعمال في الديكورات المنزلية، مثل ورق الجدران، أو لإبداع تحف ولوحات فنية، وأيضاً في تغليف علب لحفظ الأحذية وغيرها. بالقرب منهما كان حذاء «غومينو» يلمع ذهباً ويدور حول نفسه داخل إطار زجاجي لوقايته من الغبار. غني عن القول أنه كانت ثمرة هذا العمل.

استعرض فنان طباعة الشاشة جيانباولو فالاني مهارته في رسم ملصقات تجسّد الأدوات المستخدمة في صنع حذاء الـ«غومينو» بألوان آندي وارهول المتوهجة (جيانباولو فالاني)

من جهته، استعرض جيانباولو فالاني، الفنان في الطباعة، مهارته في رسم ملصقات تُجسّد الأدوات التي تُستخدم في صناعة الإكسسوارات، مثل حذاء الـ«موكاسان» وحقائب اليد. استعمل أسلوب الـ«بوب آرت» المستمد من ألوان آندي وارهول المتوهجة، مثل اللون الأصفر والأزرق المائي والوردي الساخن والبنفسجي؛ الأمر الذي جعل مطبوعاته تبدو وكأنها لوحات تهافت عليها الضيوف في نهاية اليوم. كانت بالنسبة لهم مكسباً للذكرى. أما سيرجيو بولدرين، الذي صنع أقنعة فيلم ستانلي كوبريك «Eyes Wide Shut»، فنجح في صناعة ثمانية أقنعة باستخدام قصاصات وعينات من الجلد وفّرتها له «تودز».

تم خلال الفعالية تقديم عرض حي في صناعة مجذاف خشبي يعمل كنقطة الارتكاز العمودية لمجداف الجندول (دري باستور)

ولأن الجندول مثل الأقنعة، جزء لا يتجزأ من الحياة في مدينة البندقية، كان لا بد أن يكون لصناعه مكان بين هؤلاء الحرفيين العمالقة. وهكذا قدّم سافيريو باستور وبييرو دري، اللذان يعملان في ورشة محلية متخصصة، عرضاً حياً شمل صناعة مجذاف خشبي، يعمل كنقطة الارتكاز العمودية لمجداف الجندول.

ما أكده هذا المشروع ليس فقط مدى اهتمام «تودز» وحرصها على استعمال تقاليد قديمة بأسلوب معاصر، بل أيضاً تطلعها للإبقاء على الحرفية ونقلها إلى المستقبل. يشير ديلا فالي إلى أن هذه التقاليد استمرت لحد الآن بفضل آباء توارثوها عن الأجداد، إلا أن عزوف الشباب عنها وتفضيلهم وظائف أخرى، يُهدد استمراريتها. مجرّد التفكير في هذه الاحتمالية يثير مخاوف الإيطاليين. دييغو ديلا فالي واحد منهم. يفرُق عنهم أنه لا يقف مكتوف اليدين. يعمل كل جهده لتجميل صورة هذه الحرف التقليدية على أمل إغراء الأحفاد لدخول مجالاتها. يشرح: «هذه الحرف تحتاج منا إلى دعم لجذب الشباب، لهذا كان مهماً أن يتضمّن المشروع رسالة مفادها أن العمل الحرفي مهنة نبيلة، وليس خياراً من الدرجة الثانية».

ستبقى كل الترجمات التي صاغها هؤلاء الحرفيون شاهداً على قدراتهم في متحف دار «تودز» بما في ذلك هذا الحذاء المصنوع من زجاج مورانو (روبرتو بيلترامي)

تجدر الإشارة إلى أن القطع التي تم صُنعها بالتعاون مع هؤلاء الحرفيين الـ11، ستبقى شاهداً تاريخياً على هذه المبادرة، حيث ستُنقل إلى مقر «تودز» الرئيسي أو على الأصح إلى متحفها الواقع بالقرب من مصنعها في منطقة «ماركي». هناك سيستمتع بها الموظفون. لكن دييغو يريد أكثر من ذلك. يريدهم في كل مرة تقع أعينهم عليها، أن يتأكدوا أنه من الممكن الجمع بين العمل كوظيفة وكثقافة وفن.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

الرياض تستعد لرحلة في أساطير ألف ليلة مع المصمم العالمي إيلي صعب

إيلي صعب (رويترز)
إيلي صعب (رويترز)
TT

الرياض تستعد لرحلة في أساطير ألف ليلة مع المصمم العالمي إيلي صعب

إيلي صعب (رويترز)
إيلي صعب (رويترز)

حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع لنجوم عرب توافدوا على الرياض لحضور عرض أزياء استثنائي للمصمم اللبناني العالمي إيلي صعب ونشرت صفحة المصمم على «إنستغرام» لقطات من حفل العشاء الذي أقيم الليلة الماضية وحضره العديد من النجوم، منهم النجمة يسرا وكنده علوش وأمينة خليل وسلافة معمار وسيرين عبد النور وهند صبري وماريتا ودانا الحلاني وأندريا طايع، ومن المتوقع أن تغني نانسي عجرم وعمرو دياب وأسماء كبيرة من النجوم العالميين لم تتأكد أسماؤهم بعد، ولكن الجمهور سيشاهد كل التفاصيل عبر البث المباشر للعرض على منصة المصمم على «إنستغرام» وغيرها من المنصات العربية.

ويتوقع الجميع أن يتحول عرض إيلي صعب ضمن موسم الرياض 2024 إلى احتفالية بمسيرة عمرها 45 عاماً لمصمم وضع الموضة العربية على قائمة الخريطة العالمية فاتحاً الأبواب للعديد من المصممين الشباب. بعنوان «1001 موسم من إيلي صعب» خلال موسم الرياض 2024، سيشمل العرض الضخم، عروضاً ترفيهية وموسيقية حية على الهواء. فمنذ أن تم التوقيع على الشراكة بين المصمم ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه المستشار تركي آل الشيخ، وبالتنسيق مع وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأزياء، بالتوقيع على مذكرة التعاون، والنية كانت تنظيم حدث يتكلم عنه كل العالم، ويتجاوز كونه مجرد عرض أزياء ضخم إلى ليلة لا تنسى تحتفل بمدينة الرياض بوصفها حاضنة للفنون كما لصناعة الأزياء.

من أحد عروض المصمم العالمي إيلي صعب (رويترز)

من المتوقع أن يبدأ العرض في الساعة 8 مساءً في «ذا ڤينيو»، إحدى المناطق الجديدة في موسم الرياض. وقد تعاون المصمم مع أشهر الخبراء الإبداعيين من جميع أنحاء العالم لتنسيق مجموعة من العروض الفنية وعروض الأداء والموسيقى ليدخل الحضور تجربة غامرة لا مثيل لها. كان واضحاً أنه أراد أن يحتفل العرض بعالم الأزياء، كما برؤية المملكة لتطوير صناعة الأزياء، وتعزيز مكانة الرياض بصفتها وجهة عالمية للفخامة والإبداع واستضافة أكبر الفعاليات التي تجمع بين التراث الأصيل والتوجهات العصرية. كما تساهم الفعالية في تعزيز جهود المملكة في تنويع مصادر الاقتصاد من خلال دعم قطاعي الترفيه والأزياء.

ثم لا ننسى أن لتزامن إطلاق مجموعة إيلي صعب لخريف وشتاء 2025، مع مرور 45 عاماً على بدايته دوراً كبيراً في طريقة تنظيم هذا الحدث، أو بالأحرى تقديمه، وكأنه رحلة عابرة للمواسم، استوحيت تفاصيلها من عالم ألف ليلة وليلة، حيث تعيد تقديم الحكايات وقصص الأساطير بلمسة عصرية تبرز براعته في سرد القصص بلغته الخاصة.