ماريا غراتزيا تشيوري تقدم درساً في كيفية «المسك بالعصا من المنتصف»

«ديور» لخريف وشتاء 2024-2025... المعاصر والمضمون

لقطة جماعية في آخر العرض (تصوير: أدريان ديران)
لقطة جماعية في آخر العرض (تصوير: أدريان ديران)
TT

ماريا غراتزيا تشيوري تقدم درساً في كيفية «المسك بالعصا من المنتصف»

لقطة جماعية في آخر العرض (تصوير: أدريان ديران)
لقطة جماعية في آخر العرض (تصوير: أدريان ديران)

تقول القصة إن السيد كريستيان ديور كان متعلقاً بأخته كاترين، ومن أشد المعجبين بشخصيتها القوية. كانت كاترين مستقلة في أفكارها متمسكة بقناعاتها. شاركت في المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية باسم «كارو» الرمزي. مثل أخيها كانت تعشق الورود وزرعها. لهذا عندما قدم ديور مجموعته الثورية «ذي نيولوك» في عام 1947، أرفق عرضه بعطر «ميس ديور»، الذي ابتكره ليحمل اسمها. كان يريدها أن ترافقه في كل خطواته ونجاحاته، وهذا ما جعل تأثيرها عليه، أو بالأحرى حبه لها، واضحاً في الكثير من عروضه. بعد وفاته بأكثر من عقد، احترمت دار «ديور» هذه العلاقة، و في عام 1967 أطلقت على أول محل للأزياء الجاهزة اسم «ميس ديور».

كان الأول من نوعه وجاء في فترة بدأ فيها خط الأزياء الجاهزة ينتعش مع ظهور جيل من الشابات في الستينات طالبن بموضة ديمقراطية يمكنهن الحصول عليها مباشرة عوض تفصيلها على المقاس وانتظارها ستة أشهر كما هو الحال بالنسبة للـ«هوت كوتور». مصمم الدار آنذاك، مارك بوهان، أوكل مهمة تصميم هذا الخط لمساعده فيليب غبورجيه. كان يريد التفرغ للأزياء الراقية التي كانت تستنزف كل جهده ووقته.

صورة كاثرين ديور وهي عضو في المقاومة الفرنسية ظهرت في العرض بشكل مباشر وغير مباشر (ديور)

هذا التاريخ والعلاقة بين كريستيان وكاترين ديور، هما اللذان استندت عليهما مصممة الدار الإيطالية ماريا غراتزيا تشيوري في تشكيلتها الأخيرة لخريف وشتاء 2024-2025. طبعاً بأسلوبها الذي لا يتغير. لم تقدم تشكيلة ثورية ولم تتقيد بحقبة الستينات بطرح تنورات قصيرة أو تمرد على المتعارف عليه وما شابه. ظلت وفية لوصفتها المضمونة واكتفت بأخذ رموز محددة من هذه الحقبة سلطت الضوء عليها.

تقول الدار إنها استلهمت من الحقبة الانتقالية في أواخر الستينات، الفترة التي أبصرت «ميس ديور» Miss Dior فيها النور، التحدي الذي واجهته صناعة الموضة والأزياء في ذلك الوقت، ويتطلب التكيف مع الواقع الجديد بإنتاج الأزياء والإكسسوارات بكميّات كبيرة، وبتصاميم تلائم، قبل كلّ شيء، ظروف المرأة وإيقاع الحياة المتسارع في كل أنحاء العالم.

كان التايور المكون من سترة وبنطلون جديداً وثورياً نوعاً ما في الستينات وهذا ما حاولت ماريا غراتزيا تذكيرنا به (ديور)

افتتحت تشيوري العرض بتايور مكون من جاكيت وبنطلون. قطعة كانت ثورية في أواخر الستينات، وأثارت حينها الكثير من الجدل في أوساط النساء والرجال على حد سواء. أتبعته بمجموعة من الإطلالات المكونة من تنورات وجاكيتات بتصاميم تتراوح بين المفصل على الصدر والمستوحى من البليزر الرجالي، إلى جانب فساتين سهرة هي أيضاً منسدلة. كان ضرورياً في تلك الحقبة مراعاة أسلوب جديد لشابة متحررة وواثقة بدأت تقتحم أماكن عمل لم تكن تتخيل امرأة الجيل الذي سبقها دخولها إليها. هذه التركيبة الديناميكية الجديدة لمجتمع مُتغيّر يُسمع فيه صوت المرأة، جعل المصممين يخضعون لطلباتها. تجاوزوا التركيز على الجسد ويتبنون لغة خطاب عالمية وفنية في الوقت ذاته. وهكذا، شهدت الثقافة البصرية الجمع بين الفن، والموضة، والهندسة، والموسيقى وغيرها من الفنون. أمر لم يغب على ماريا غراتزيا.

إلى جانب البنطلون سيكون للتنورة حضور قوي في الموسمين المقبلين (ديور)

بيد أنها بحسها التجاري، لم تُتعب نفسها بتطبيقه على أسلوب اختبرت فعاليته وتأثيره الإيجابي على زبوناتها كما على المبيعات. أدركت منذ البداية أن قوته تكمن في أنه مضمون ومطمئن في كل الخطوط التي تشرف عليها، من الـ«هوت كوتور» إلى الأزياء الجاهزة والـ«كروز» وغيرها. اكتفت بتوظيف الفنون في الديكورات بتعاونها في كل موسم مع فنانة عالمية جديدة. أما التصاميم فتبقى باريسية تتراقص على الكلاسيكي والمعاصر. لمنح وصفتها عنصر الإبهار تستند على حرفية ورشات الدار التي لا يعلى عليها، وعلى هؤلاء الفنانات لإضفاء اللمسة الفنية، والأهم من كل هذا، تلك اللمسة «النسوية» التي ترفع شعارها منذ أن دخلت الدار.

فساتين السهرة والمساء جاءت مفعمة بأنوثة بعيدة كل البعد عن الإثارة الحسية (ديور)

المثير في هذه التشكيلة أيضاً ألوانها التي تميل إلى القتامة باستثناء الأبيض. تقول الدار إن هذه الألوان القاتمة والترابية لها ما يبررها. كانت المفضلة للمصمم مارك بوهان الذي مسك مقاليد الدار الإبداعية في الستينات والسبعينات، من الأبيض، والبرتقالي، والزهريّ إلى الأخضر النيونيّ إلى جانب الدرجات التي تتكيّف مع مستحضرات الماكياج التي تطرحها «ديور». وهو ما ظهر هنا في المعاطف المصنوعة من الكشمير الناعم أو الغاباردين أو الدينم، وكذلك الفساتين المفعمة بالأنوثة رغم ابتعادها كلياً عن الإثارة الحسية.

تظهر العارضات وخلفهن أعمال الفنانة الهندية شاكونتالا كولكارني بأجساد ذات تضاريس ضخمة (ديور)

واستكمالاً للتقليد الذي بدأته تشيوري منذ عام 2016 تقريباً، دعت المصممة الفنانة الهندية «شاكونتالا كولكارني» لتصميم مكان العرض. تركت لها مهمة استكشاف جسد المرأة بتضاريسه وعلاقته بالمساحات المختلفة، وركزت هي على ضخ 72 إطلالة بأنوثة يغلب فيها التجاري على الفني بشكل مثير وجذاب.

هذا الحس التجاري للمصممة لم يقتصر على العملي والمضمون، بل أيضاً على طريقة استعمالها اسم «ميس ديور». جعلته يظهر بشكل غير مباشر من خلال قبعة الـ«بيريه» مثلاً، لتذكرنا بكاترين ديور المقاومة، أو بشكل مباشر بكتابة اسم Miss Dior على سترات وجاكيتات وتنورات بالبنط العريض.

اسم «ميس ديور» ظهر في العديد من الإطلالات (ديور)

لا يختلف اثنان أنها لفتة تُكرِم كاترين، إلا أنها أيضاً حركة ذكية من قبل مصممة تُتقن قراءة نبض السوق. تعرف تماماً أن الموضة الراقية والهادئة تعيش عصراً ذهبياً جديداً في هذه الفترة وهو ما تقدمه من خلال تصاميم راقية. تعرف أيضا أن «اللوغو» بكل صخبه وإيحاءاته السلبية لم يفقد وهجه بعد، ولا يزال له زبائنه من الطبقات المتوسطة أو المتطلعة لدخول نادي الأناقة العالمية. والنتيجة كانت تشكيلة تعطي لباقي المصممين درساً في كيف تُمسك العصا من المنتصف.


مقالات ذات صلة

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

لمسات الموضة صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

أعلنت دار «سيلين» اليوم خبر مغادرة مديرها الإبداعي هادي سليمان بعد ست سنوات. لم يفاجئ الخبر أحداً، فإشاعات قوية كانت تدور في أوساط الموضة منذ مدة مفادها أنه…

لمسات الموضة حافظ أسبوع باريس على مكانته بثقة رغم أنه لم ينج تماماً من تبعات الأزمة الاقتصادية (لويفي)

الإبداع... فن أم صناعة؟

الكثير من المصممين في موقف لا يُحسدون عليه، يستنزفون طاقاتهم في محاولة قراءة أفكار المسؤولين والمستهلكين، مضحين بأفكارهم من أجل البقاء.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

تشعر أحياناً أن مصمميه يتلذذون بالأزمات ويستمدون منها أكسجين الابتكار. هذا العام يحتفل بميلاده الـ40 مؤكداً أن الأزمات لم تقضِ عليه بقدر ما زادته عزماً.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اكتسب الريش هذه المرة مرونة وديناميكية شبابية (آسبري لندن)

الأميرة نورة الفيصل تضخ «آسبري لندن» بالحيوية

تأمل «آسبري» أن تحقق لها هذه المجوهرات نفس النجاح المبهر الذي حققته كبسولة الحقائب في العام الماضي. كانت الأسرع مبيعاً في تاريخها الممتد لأكثر من 200 عام.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

بنطلون الجينز الواسع... كيف تلبسينه على طريقة النجمات؟

يجمع الأناقة بروح بوهيمية، لكن للأسف لا يناسب الكل؛ لهذا يحتاج إلى بعض الحيل كي تتمكن صغيرات الحجم تحديداً من الاستمتاع به، مثلهن مثل عارضات الأزياء.

جميلة حلفيشي (لندن)

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)
TT

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

أعلنت دار «سيلين» اليوم خبر مغادرة مديرها الإبداعي هادي سليمان بعد ست سنوات. لم يفاجئ الخبر أحداً، فإشاعات قوية كانت تدور في أوساط الموضة منذ مدة مفادها أنه سيغادرها وسط توقعات بأن محطته المقبلة ستكون دار «شانيل». وهذه الأخيرة لم تُعلن حتى الآن عمن سيخلف مصممتها السابقة فيرجيني فيار.

صورة أرشيفية لهادي سليمان وهو يحيي الحضور بعد عرضه لربيع وصيف 2023 في عام 2022 (أ.ف.ب)

في اليوم نفسه أعلنت «سيلين» تعيين مايكل رايدر خليفة لسليمان، وهو ما يؤكد أن الأمر كان مقرراً منذ فترة، وأن الإعلان عنه كان مسألة وقت فقط.

على العكس من هادي سليمان، الذي يثير كثيراً من الجدل بين معجب بأسلوبه الرشيق وبين منتقد له، فإن القليل من الناس سمعوا باسم مايكل رايدر من قبل، رغم أنه بدأ مسيرته المهنية في دار «بالنسياغا» قبل أن ينتقل إلى دار «سيلين» للعمل مع المصممة فيبي فيلو، وهو ما جعله خياراً مناسباً؛ وفق سيفيرين ميرل، الرئيسة التنفيذية التي صرّحت بأنه «يعرف جينات الدار وإرثها جيداً».

مايكل رايدر مصمم «سيلين» الجديد (سيلين)

وخلال أسبوع باريس الأخير، كان الكل ينتظر إعلان «شانيل» عن اسم مصممها الجديد، خصوصاً أن تشكيلتها لربيع وصيف 2025 تم تصميمها وتنفيذها على يد فريق في غياب مدير إبداعي. وبما أن التجارب أكدت أنه لا دخان من دون نار، فإن الإشاعات بأن اختيارها وقع على سليمان ربما تتأكد قريباً. إذا صح الأمر، فإنه سيصبح أكثر مصمم تنقل بين بيوت الأزياء الكبيرة، حيث سبق له العمل مع «ديور»، و«سان لوران»، و«سيلين».