جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

غلَب في تشكيلته الأخيرة الفكر الفني والفلسفي على الفكر التجاري

 كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
TT

جون غاليانو يعود من الانكسار ليُحقق الانتصار

 كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)
كان عرضاً جريئاً بإثارته الأنثوية وتقنياته الفلسفية (ميزون مارجيلا)

في الـ8 من شهر مارس (آذار) المقبل، سيصدر وثائقي عن المصمم جون غاليانو بعنوان High & Low—John Galliano، (جون غاليانو... الانتصار والانكسار) للمخرج كيفن ماكدونالد. الفيلم يتطرق لحياته ومسيرته الفنية بكل حلوها ومرها. كيف كانت البدايات، وكيف تحول بين ليلة وضحاها من مُدلل عالم الموضة إلى منبوذ يبحث عن بيت يحتضنه ليمارس فيه شغف الإبداع.

وبينما يشير الفيلم إلى عبقرية فرضت نفسها على ساحة الموضة وتجاوزت ثقافة الإلغاء بعد عملية إنقاذ تكاثفت فيها عدة جهات مؤمنة به، فإن أسبوع الأزياء الراقية «الهوت كوتور» الأخير شهد أخيراً تسلطنه على الساحة مرة أخرى منذ خروجه «مطروداً» من دار «ديور» في الواحد من شهر مارس 2011.

كان إلى عام 2011 مدلل الموضة. عرضه لـ«ديور» الأكثر إثارة وتشويقاً (صورة أرشيفية)

كان حديث أوساط الموضة وعشاقها ليس لغرابة العرض وفانتازيته فحسب، بل لأنه ذكَر الجميع بالأساسيات التي بُني عليها هذا الموسم. بالنسبة لزبوناته فهو موسم الأحلام، وتصاميمه الفريدة هي التي تُضفي على الأفراح والليالي الملاح جمالاً وتميزاً. أما بالنسبة للمصممين فهو مختبر الأفكار، الذي يمنحهم مساحة يشطحون فيها بخيالهم وأفكارهم من دون رقيب أو قيود. حتى من الناحية التسويقية، كان إلى نهاية القرن الماضي «بريستيجا» ما دام خط الأزياء الجاهزة يُترجم فنيته بأسلوب واقعي يحقق الربح إلى جانب الإكسسوارات والعطور ومستحضرات التجميل.

في العقدين الأخيرين، تغير هذا المفهوم. أصبحت المجموعات المالكة لبيوت الأزياء الكبيرة تتوقع أن يحقق لها الربح، وتتعامل معه بوصفه استثماراً يجب أن تحصد ثماره في آخر السنة. لم يكن أمام المصممين سوى الإذعان. متنفسهم الوحيد كان أن يُحققوا المعادلة الصعبة بين رؤيتهم الفنية وإرضاء متطلبات السوق. معادلة أكدت صعوبتها، وربما هذا ما جعل عرض جون غاليانو بمثابة «فلتة» أيقظت الحلم والأمل من جديد.

وراء الدراما المسرحية كانت هناك حرفية لن تلمسها سوى زبونة من زبونات الـ«هوت كوتور» (ميزون مارجيلا)

لا يختلف اثنان على أنه من الصعب أن يرى الإنسان العادي نفسه في أغلب الإطلالات التي اقترحها لربيع وصيف 2024. فهي تحتاج إلى الكثير من الترويض للتخفيف من جموحها الفانتازي وجُرأتها، حيث ظهرت العارضات وكأنهن دمى متحركة بأشكال تلعب على تضاريسهن الأنثوية بالكثير من المبالغة. يشرح المصمم أن المصور الفوتوغرافي براساي كان مُلهمه. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأخير مصور هنغاري تخصَص في التقاط صور لرواد المقاهي الفرنسية نهاراً وبائعات الهوى ليلاً، وهي صور تم تجميعها في كتاب بعنوان «الحياة الخفية في باريس الثلاثينات».

طبعاً لم يُكذِب غاليانو خبراً. فالحياة الخفية والتابوهات المسكوت عنها ملعبه، وهو ما جسَده بسريالية ورومانسية مثيرة. لكن من أهم شروط اللعبة، هو تجاوز أحجامها الكاريكاتورية، واستقبال كم المشاعر والعواطف التي تضمَنتها، لأنها ببساطة كانت بمثابة مسرحية تغوص في السيكولوجية الإنسانية وما يعتمل بداخلها ويُحركها من أفكار وغرائز. أقمشة أعاد تدويرها باحترافية وأشكال مبتكرة كانت لُغتها. مثلاً ظهر فستان من الموسلين تم تطريز حواشيه بالأحجار. عوض أن تتلألأ هذه الأحجار وتبرق إلى الخارج، دمجها مع خيوط لتخفي أي أثر للحياكة فيه، وكأن لسان حاله يقول إن ما خفي أعظم. هناك أيضاً معطف يبدو مصنوعاً من الصوف، يتبين أنه نتيجة طبقات متعددة من التول والأورغنزا تم مزجهما بطريقة أضفت عليه خشونة قبل أن يغلفه بالموسلين. فليس كل ما يُرى يُصدَق حتى نتأكد.

ميل المصمم إلى التاريخ كان واضحاً في الكثير من الإطلالات... أحياناً من خلال الماكياج وتسريحات الشعر (ميزون مارجيلا)

هذه التقنيات والتفاصيل التي لا تراها العين للوهلة الأولى تؤكد ما وراء الدراما المسرحية من حرفية لن تحظى بها أو تلمسها سوى قلة من النساء هن زبونات الـ«هوت كوتور».

أما بالنسبة للمتابع العادي، فقد عاد به غاليانو إلى التاريخ. إلى التسعينات وبداية الألفية، عندما كانت عروض «ديور» الأكثر إبهاراً في هذا الموسم. يخرج المرء منها وشريط من الصور والأفكار يمر ويتضارب بدرجة يحتاج فيها إلى أيام، إن لم نقل شهوراً، لكي يفك طلاسمها، ويتخفف من قوتها الآسرة.

كان واضحاً هنا أن غاليانو حصل على بطاقة بيضاء من «أونلي دي برايف» Only The Brave، المجموعة المالكة لـ«ميزون مارجيلا». ربما لأنها تريد أن تحتفل معه بمرور 10 سنوات على توليه قيادتها، أو ربما لأنها شجاعة كما يوحي اسمها.

ردود الفعل التي استقبلت بها التشكيلة حققت للمجموعة ما لم تكن تتوقعه. قد لن تُترجمها أرقام المبيعات وهي على شكلها الحالي، لكنها حتماً سلّطت الأضواء مرة أخرى على الدار التي أسسها مصمم رفض تماماً أن يكشف عن نفسه ووجهه طوال فترته فيها، ويتولاها الآن مصمم يحترم المؤسس، ولا يظهر حتى لتحية الضيوف في آخر العرض، وهو الذي كان يعشق الاستعراض وحب الظهور.

كان ينهي عرضه بتقمصه شخصيات متنوعة، فهو نابليون تارة أو قرصان أو رائد فضاء مرة أخرى (من الأرشيف)

كان يُتحفنا بتقمصه شخصيات غريبة أو بطولية خلال عهده في «ديور». لم يكن أي من الحضور يُفكر ولو لثانية في مغادرة القاعة بعد انتهاء العرض بسرعة لتجنب الازدحام. كانوا ينتظرون بصبر وترقب الجُزء الثاني من العرض، وهو خروجه لتحية ضيوفه. لم يخذلهم أبداً. كان يطل عليهم تارة في صورة نابليون، وتارة في صورة رائد فضاء أو مصارع ثيران أو قرصان. يختال على المسرح لدقائق مثل الطاووس، مقارنة بغيره من المصممين الذين يظهرون لثوانٍ ويختفون.

مصور هنغاري تخصَص في التقاط صور لرواد المقاهي الفرنسية نهاراً وبائعات الهوى ليلاً حيث كان ملهم هذه التشكيلة الجريئة (ميزون مارجيلا)

لكن يبدو جون غاليانو «ديور» وجون غاليانو «ميزون مارجيلا»، وكأنهما من عالمين متوازيين. على الأقل لحد شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. صحيح أنه لم ولن يظهر بحكم الثقافة التي أرساها المؤسس مارجيلا بأن الأزياء واختبار الأفكار هما النجم الأول والأخير، إلا أننا رأينا بوادر عودة روحه الجانحة لاستعراض أفكاره بأي ثمن. لعشاقه على الأقل، كان الفارس الذي سيعيد لخط الـ«هوت كوتور» عُنصر الحلم، الذي قام عليه هذا الخط وذوَبته ثقافة العصر والعولمة بالتدريج.

في أحد لقاءاته الصحافية، صرح المصمم بيير باولو بكيولي، مصمم دار «فالنتينو»، بحسرة، بأن «المال فاز وفرض نفسه»، مضيفاً أنه «بغض النظر عن شكل التعبير الفني، أصبح المنتجون أقوى من الموسيقيين، والمعارض أقوى من الرسامين، والمجموعات الكبيرة أقوى من المصممين».

بيير باولو بكيولي وقبله المصمم راف سيمونز والراحل ألبير إلبيز كلهم صرحوا بقلقهم من ترجيح كفة الجانب التجاري، وكيف سيُفقد الموضة شيئاً أساسياً يصعب استعادته. قبلهم عبَر الراحل إيف سان لوران عن غضبه من سطوة المجموعات الكبيرة، عندما أعلن تقاعده، قائلاً إن الزمن تغير، وبأنه مُحبط لأن الـ«هوت كوتور» باتت تعتمد على العطور للبقاء.

في خضم كل هذا التضارب، كان جون غاليانو أكثر شجاعة ورغبة في إيقاظ الأحلام وفتح جدالات فكرية فلسفية وفنية، وهو ما تابعناه من خلال تشكيلة تغلَب فيها الفكر الفني على الفكر التجاري.

ترجم غاليانو الرومانسية ومفهوم الأنوثة بأسلوبه الخاص وبجمالية علينا تجاوز أحجامها الكاريكاتورية (ميزون مارجيلا)

ثم لا ننسى عامل التوقيت. صحيح أن احتفالية الدار بـ10 سنوات على توليه منصب مديرها الإبداعي هي السبب الظاهر، لكن هناك سبباً آخر وقوياً يُمثله وهو الزمن. كان كفيلاً بأن يُضمد جراح الماضي ويُنسيه آلام الإلغاء التي تعرَض لها لسنوات بسبب تفوهه بعبارات مضادة للسامية في فبراير (شباط) من عام 2011. كانت لحظة «شيطان» أدت إلى سقوطه وطرده من دار «ديور» في شهر مارس، تلاها إغلاق الدار التي كانت تحمل اسمه. فقد كانت هي الأخرى تابعة للمجموعة نفسها «إل في إم إش» التي تنضوي تحتها «ديور». تمت محاكمته ومعاقبته وإلغاؤه، واضطر للاعتذار والخضوع لدروس تأهيلية مع حاخام وغاب عن الساحة لسنوات. كان يمكن ألا يعود. لكنه عاد بفضل حب وسائل الإعلام والعاملين في مجال الموضة وإيمانهم بعبقريته، كان لها الدور الأكبر في عدم إلغائه تماماً.

كان أوسكار دي لارونتا أول من منحه طوق النجاة، ورانزو روسو من سلمه مقاليد «ميزون مارجيلا» في عام 2014. وهكذا تغلبت عبقريته على ثقافة الإلغاء. حتى سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لـ«ديور» آنذاك، الذي كان واحداً من بين الأشخاص الذين اضطروا لاتخاذ قرار الطرد في حقه، اعترف بأنه عندما خرج غاليانو منها في شهر مارس من 2011، انطفأ شيء ما.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.