سارة شرايبي لـ«الشرق الأوسط»: أنا شرقية ولست مستشرقة

المصممة التي حوَلت هويتها وتشبثها بالجذور إلى ورقتها الرابحة

لقطة من مشاركتها في أسبوع دبي للموضة (خاص)
لقطة من مشاركتها في أسبوع دبي للموضة (خاص)
TT

سارة شرايبي لـ«الشرق الأوسط»: أنا شرقية ولست مستشرقة

لقطة من مشاركتها في أسبوع دبي للموضة (خاص)
لقطة من مشاركتها في أسبوع دبي للموضة (خاص)

سارة شرايبي من بين قلة من المصممين العرب تستضيفهم الفيدرالية الفرنسية للأزياء الراقية في ناديها النخبوي، وأول مصممة مغربية تدخله حاملة شعار «الأصالة والمعاصرة». قدمت خلال أسبوع باريس الأخير لربيع وصيف 2024 ثالث تشكيلة لها بصفتها ضيفة «بعد أن أقنعت كل الأطراف المسؤولة برؤيتها الفنية وأسلوبها»، حسب قولها.

سارة شرايبي تحيي ضيوفها بعد انتهاء عرضها الأخير في باريس (أ.ف.ب)

يبدأ الحديث معها لتؤكد أن اعتزازها بشرقيتها وأصالتها المغربية لا يتعارضان مع انفتاحها على العالم. إتقانها لأربع لغات: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية وطبعاً العربية، ساعدها على مخاطبة كل الأذواق والجنسيات بسلاسة لكن دائماً بـ«لكنة» عربية قوية. بيد أنها تشير في حديثها مع «الشرق الأوسط» إلى أن التوقيت كان في صالحها وبأنها محظوظة مقارنة بغيرها من المصممين الذين سبقوها. انطلاقتها تزامنت مع انتشار ثقافة تقبل الآخر والانفتاح عليه بدرجة تصل أحياناً إلى الفضول. لم تحتج كونها مصممة عربية إلى التخفي بأسلوب غربي. بالعكس كانت هويتها مكمن قوتها. اعتمدتها بأناقة وبساطة، ففتحت لها أبواب العالمية.

أسألها كيف أقنعت الفيدرالية الفرنسية للـ«هوت كوتور»، وهي التي تعمل بهدوء وصمت في مدينة الرباط؟ فيأتيني صوتها عبر الهاتف، إن ما أسعدها أكثر عندما قدمت طلبها أنه لم يعترض أحد على مشاركتها. كانت متخوفة أن تكون العلاقة الحميمة التي تربطها بجذورها المتمثلة في تقاليد الصنعة المغربية عائقاً، لكن العكس حصل. تقول: «باريس ساحة فنية لها خصوصيتها وتاريخها، ولا أخفيك أني كنت متخوفة من نظرة صناع الموضة فيها لأسلوبي، كونه مختلفاً عما تعودوا عليه. المفاجأة أن كل الأطراف المعنية تحمَست لمشاركتي، والأسباب التي كنت متخوفة منها كانت هي نفسها الدافع لسرعة قبولي».

التزمت المصممة بموضوع العرض بإدخال ألوان الأخضر والأزرق المائي تعبيراً عن جوهر الحياة على الأرض (أ.ف.ب)

يوم 5 فبراير (شباط) الحالي وفي الساعة 8.30 قدمت تشكيلتها في دبي. كانت المناسبة أسبوع دبي للموضة في نسخته الثالثة. كانت هذه أول مرة تقابل فيها جمهوراً عربياً. لم تكتف بالتصاميم التي قدمتها خلال أسبوع الأزياء الراقية (هوت كوتور) بباريس لربيع وصيف 2024. أضافت خمس قطع جديدة. تعترض بشدة عندما أسألها عن السبب الذي يجعل المصممين يفكرون في تصميم أزياء خاصة بالمنطقة العربية، وتُذكرني بأنه من شيم العرب أن يقدموا هدايا لمستضيفيهم «وهذا أقل ما يمكن أن أقوم به». تتابع: «أريد أن أنوِه هنا بأني شرقية ولست مستشرقة. تصاميمي محتشمة بالأساس لا تحتاج إلى إضافة أي تغييرات عليها لكي تناسب المرأة العربية. لهذا كان هدفي الأول والأخير من هذه الإضافة أن أُكرِم المنطقة وأهديها تصاميم أعبر من خلالها عن اعتزازي وامتناني لها».

تستمد التشكيلة إلهامها من تفاصيل الأرض الدقيقة مثل الشقوق الأرضية والرواسب الملونة والعروق البارزة والمنحنيات (أ.ف.ب)

تُكرر سارة شرايبي كثيراً أنها مصممة تحتضن عُروبتها بفخر، وبأنها تعشق الشرق عموماً والثقافة المغربية خصوصاً. «هناك عدة نقاط التقاء واختلاف بينهما» حسب قولها «على رأسها الانتماء والارتباط بالأرض». هذا التشبُث جعلها تطلق على التشكيلة التي قدمتها خلال أسبوع باريس للـ«هوت كوتور» وبعده أسبوع دبي الذي ينظمه حي دبي للتصميم ومجلس الأزياء العربي، «الأرض» عنواناً. قالت إنها تأثرت فيها بالزلزال الذي تعرضت له منطقة الحوز بالمغرب في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. عاشته بكل تفاصيله. «المصمم ابن بيئته ولا يمكن أن يعيش بمنأى عنها»، وفق قولها: «كنت في المغرب عندما حصل الزلزال... عشناه جميعاً بكل قصصه المأساوية والمُلهمة إنسانياً. لا أنسى أبداً تشبث المتضررين بأرضهم. فقدوا بيوتهم وكل ما يملكون، ومع ذلك رفضوا تركها، وأصروا على البقاء فيها، ولو في العراء. كانوا عفويين وإيجابيين في الوقت ذاته، وهو ما حاولت ترجمته بأسلوب بسيط يعكس رُقي نفسياتهم».

تدرجات الألوان الترابية تماوجت مع الأرغواني الداكن والأزرق والذهبي والبرونزي والنحاسي (أ.ف.ب)

كل تصميم في هذه التشكيلة أكد أنه من رحم الفوضى والألم يمكن أن يولد الجمال. أكدت فيها شرايبي أنها ليست ابنة بيئتها فحسب، بل أيضاً ابنة عصرها «لأن التشبُت بالأرض معركة اليوم» حسب رأيها. جاءت بعض التصاميم منسدلة بألوان دافئة أو ذهبية، فيما جاء بعضها الآخر مطعماً بتفاصيل هندسية. لكن أغلبها حمل بصمات أيادي حرفيين تشرَبوا الصنعة المغربية أباً عن جد. ظهرت في «عُقد» زينت فستاناً، وخيوط من ذهب غزلتها يد «معلم» أو صبيه بدقة. بيد أنها وبالرغم من هذه الخيوط التي تربطها بالحرف التقليدية، لم تقع في مطب الفولكلور «فأنا أدرك أهمية الفصل بين الفولكلور بمعنى التراث والتصاميم العصرية. أرفض تماماً أن أستند على الماضي وحده، لأني أعتبره تواكلاً غير مشرف بحقي كمصممة عليها التجديد والإبداع». وتتابع: «الاعتزاز بالهوية لا يعني الإغراق في الغرف منها. عندما نتكلم عن الحضارة، فإنها من فعل حضر، وهذا يعني بالنسبة لي أن توجد في الحاضر. كيف لنا أن نتقدم ولحضارتنا أن تستمر من دون اختراعات وابتكارات؟».

التجديد لا يجب أيضاً أن يأتي على حساب الماضي، بإلغائه تماماً، والمعادلة تتحقق حسب رأيها «عندما نصوب الأنظار نحو المستقبل ونحترم الماضي وما خلَفه الأجداد من دون تقديس». فما يبدو قديماً اليوم كان تجديداً يعكس عصرهم. تستدل على هذا بالقفطان المغربي «إنه قطعة ثقافية لها معانٍ كثيرة في الوجدان المغربي خصوصاً والعربي عموماً. لا يمكن المساس بأساسياته وما يتضمنه من جمال وأناقة ملتزمة، لكن امرأة عام 2024 ليست هي امرأة القرن الرابع عشر مثلاً. الظروف تغيَرت وكذلك إيقاع الحياة».

امرأة اليوم تحتاج إلى قفاطين بخطوط وتفاصيل عصرية، وهذا يعني منحها خفة وتفاصيل تُسهل الحركة فيها. تستطرد: «لا يجب تغيير ملامحه تماماً بحجة التجديد، كأن نقدمه بتنورة قصيرة أو مكشوفاً يخدش المشاعر، فهذا ينبع عادة من تصور خاطئ لمعنى التجديد والمعاصر».

بينما كانت التفاصيل تعبِر عن انتمائها الشخصي ظلت الخطوط عالمية تخاطب كل الأذواق (أ.ف.ب)

سارة شرايبي مثل غيرها من المصممين المغاربة، لها خط خاص بالقفطان. قطعة لا يمكن تجاهلها بالنسبة لأي مصمم مغربي. فهو متجذر في الثقافة والحياة اليومية. لا تستغني عنه المرأة المغربية في الأعراس والحفلات والمناسبات الدينية وغيرها. لكنها تحرص أن تُطعِمه بلمسات تحاكي الـ«هوت كوتور». فالمسألة هنا بالنسبة لها «لا تتعلق بالاعتزاز بقطعة أيقونية ولا هي معركة هوية بقدر ما هي معركة أناقة... لا يفرق لدي أن أصمم قفطاناً أو فستاناً، المهم أن يكون مبتكراً وراقياً يتكلم لغة مغربية وشرقية سليمة وأنيقة».


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة دخول ماريا مصممةَ أزياءٍ إلى دار جواهر بادرة رحبت بها أوساط الموضة (بولغاري)

ماريا كاترانتزو تستوحي من حمامات كاراكالا مجموعة «كالا»

لم تستغرق كاترانتزو طويلاً لتتأكد أن حمامات كاراكالا وزهرة الكالا بشكلها العجيب نبعان يمكن أن تنهل منهما.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

اختتمت نجمة البوب البريطانية أديل سلسلة حفلاتها الموسيقية في لاس فيغاس، نيفادا، بالدموع. كانت آخِر ليلة لها على خشبة مسرح «الكولوسيوم» بقصر سيزار في لاس فيغاس،…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
TT

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)
كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

انتهى عرض إيلي صعب في الرياض، أو الأحرى احتفالية «1001 موسم من إيلي صعب» بمرور 45 على انطلاقته في بيروت، ولم تنته ردود الأفعال. فالعرض كان خيالياً، شارك فيه باقة من نجوم العالم، كان القاسم المشترك بينهم إلى جانب نجوميتهم وشعبيتهم العالمية، حبهم لإيلي صعب... الإنسان.

كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع. طبعاً تقديم العرض الضخم بدعم الهيئة العامة للترفيه ضمن فعالية «موسم الرياض 2024» كان له دور كبير في إنجاح هذه الفعالية. فقد توفرت كل اللوجيستيات المطلوبة لتسليط الضوء على أيقونة عربية لها تأثير كبير على الساحة العربية والعالمية، نذكر منها:

1-أول عربي يقتحم باريس

عرضه لخريف وشتاء 2024 ضمن عروض «الهوت كوتور» كان لوحة رومانسية من «ألف ليلة وليلة» (إيلي صعب)

هو أول من وضع الموضة العربية ضمن الخريطة العالمية بوصفه أول مصمم عربي يخترق العالمية وينافس كبار المصممين بأسلوب شرقي معاصر. استقبلته باريس بالأحضان ودخل البرنامج الرسمي لـ«هوت كوتور» من باب الفيدرالية الفرنسية للموضة كأول مصمم عربي مُبدع. فالصورة المترسخة في أذهان خبراء الموضة العالميين عن المصممين العرب في الثمانينات من القرن الماضي أنهم مجرد خياطين يقلدون إصداراتهم. كان عز الدين علايا الاستثناء الوحيد قبله.

2-احترام المرأة العربية

من تشكيلته لخريف وشتاء 2024... أزياء تتميز بالرومانسية وسخاء التطريز (إيلي صعب)

هو من فتح عيون الغرب، ليس على قدرة المرأة العربية الشرائية فحسب، بل وعلى تأثيرها على المشهد الإبداعي، بالتالي رد لها اعتبارها. فرغم أنها ومنذ السبعينات تُنعش قطاع «الهوت كوتور» كزبونة متذوقة ومقتدرة، فإنها لم تحصل على الحظوة نفسها التي كانت تتمتع بها مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية مثلاً. نجاحه في الثمانينات وبداية التسعينات يعود إلى هذه المرأة، التي أقبلت على تصاميمه، وهو ما استوقف باقي المصممين، وفتح شهيتهم لدخول «الهوت كوتور» ومخاطبتها بلغة أكثر احتراماً. دار «فيرساتشي» مثلاً أطلقت خطها في عام 1989، فيما أطلق جيورجيو أرماني خطه «أرماني بريفيه» في عام 2005 إلى جانب آخرين وجهوا أنظارهم شرقاً متسابقين على نيل رضاها.

3- ارتقى بمهنة التصميم

تحول إلى مدرسة قائمة بذاتها، كما تخرج على يده العديد من المصممين الشباب الذين نجحوا (إيلي صعب)

نجاحه غيّر النظرة إلى مهنة تصميم الأزياء في الوطن العربي، من المغرب الأقصى إلى الشرق. بدأ الجميع يأخذها بجدية أكبر، فلا المجتمع بات يراها قصراً على المرأة أو على الخياطين، ولا الرجل يستسهلها. أصبحت في نظر الجميع صناعة وفناً يحتاجان إلى صقل ودراسة وموهبة.

4-قدوة للشباب

من تشكيلته لـ«هوت كوتور خريف وشتاء 2024» (إيلي صعب)

تخرج على يده العديد من المصممين الشباب. كان قدوة لهم في بداية مشوارهم، ثم دخلوا أكاديميته وتعلموا على يده وفي ورشاته. كلهم يشهدون له بالإبداع ويكنون له كل الاحترام والحب. من بين من هؤلاء نذكر حسين بظاظا ورامي قاضي وغيرهم كثيرون.

5-اقتناع برؤيته الفنية

لم يغير جلده أو أسلوبه رغم كل التحديات. كان له رؤية واضحة تمسك بها وكسب (رويترز)

أكد للجميع أنه يمتلك رؤية خاصة لم يغيرها في أي مرحلة من مراحل تطوره. حتى الانتقادات التي قُوبل بها في باريس في البداية، واجهها بقوة وتحدٍ، ولم يخضع لإملاءاتهم لإرضائهم أو لتجنب هجماتهم الشرسة على شاب عربي يتكلم لغة فنية جديدة في عُقر دارهم. بالعكس زاد من جرعة الرومانسية وسخاء التطريز، وأعطاهم درساً مهماً أن الرأي الأول والأخير ليس لهم، بل للمرأة عموماً، والسعودية تحديداً. كانت خير مساند له بحيث أدخلته القصور والبلاطات، وجعلته ضيفاً مرحباً به في أعراسها ومناسباتها المهمة.