داميان برتراند لـ«الشرق الأوسط»: أفضّل أن أجرِب وأفشل على ألا أحاول أبداً

الرئيس التنفيذي لدار «لورو بيانا» عازم على قيادتها بحسه التجاري وحواسه الخمس

واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)
واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)
TT

داميان برتراند لـ«الشرق الأوسط»: أفضّل أن أجرِب وأفشل على ألا أحاول أبداً

واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)
واجهة «دبي مول» يزينها سيراميك التراكوتا بتماوج مستوحى من الكشمير (لورو بيانا)

لن نبالغ إن قلنا إن دايمون برتراند، هو رجل الساعة في عالم الترف والفخامة، ليس لأن اسم «لورو بيانا» يرتبط بالنخبة من العاشقين لصوفها الناعم المعروف بـ«صوف الملوك»، ولا لأنه مرادف للأناقة الرفيعة والعملية على حد سواء، بل لأنه ومنذ التحاقه بالدار الإيطالية رئيساً تنفيذياً وهو لا يكف عن ضخِها بجرعات حيوية وديناميكية تناسب تطورات العصر.

كل هذا من دون أن يمس بأساساتها. بالعكس فتاريخها القائم على الألياف النادرة مثل الكشمير والفيكونا، خط أحمر بالنسبة له. في لقاء خص به «الشرق الأوسط» قال: «أعد نفسي حارساً أميناً على تقاليدها الحرفية؛ فـ«لورو بيانا» بالنسبة لي مصدر إلهام علَمتني أنك يمكن أن تخترق أقصى حدود الابتكار ما دامت جذورك راسخة وعميقة».

داميان برتراند الرئيس التنفيذي (لورو بيانا)

لم يكن الاتفاق على موعد للقائه سهلاً؛ فبحكم أسفاره الكثيرة تغير الموعد مرات عدة. كثرة أسفاره ما بين أقاصي جبال البيرو ومزارع منغوليا ونيوزيلندا وأستراليا جعلت منه عُملة نادرة في أوساط الموضة ووسائل الإعلام، فحتى الآن لم يُجر سوى عدد قليل من اللقاءات الصحافية التي تُعدّ على أصابع اليد الواحدة.

كان من المفترض أن يحدث لقاؤنا في ميلانو بعد زيارة لمعامل الدار الواقعة شمال إيطاليا، لكن تحقق أخيراً في محلها الفخم الواقع بـ«أفينو مونتين» بباريس. بمجرد أن تصافحه وتتبادل معه المجاملات الأولية التي عادة ما تسبق أي حوار لإذابة الجليد، تشعر بأنك أمام رئيس تنفيذي غير عادي. يكشف لي أنه يعشق السفر والترحال والانغماس في ثقافات الآخرين. تلمع عيناه أكثر وهو يضيف أنه متعطش للتعرف على المملكة العربية السعودية من قُرب، «فقد سمعت عنها الكثير ومشروعاتنا فيها مهمة».

واجهة محل «لورو بيانا» في «دبي مول» بعد التجديدات (لورو بيانا)

وُلد داميان برتراند في مرسيليا، لكنه عاش أكثر سنوات حياته خارجها متنقلاً بين أستراليا وكندا ولندن والبرازيل ونيويورك، والآن يوزع وقته بين فرنسا وإيطاليا. ربما هذا ما يجعل شخصيته تفوح بنكهة عالمية، «فكل مكان وكل تجربة أضافا إليَّ أشياء غيَّرتني على المستويين الشخصي والمهني على حد سواء» وفق قوله، مضيفاً: «من أهم عناصر النجاح في صناعة الترف فهْم ثقافات الآخرين واحترامها. إذا لم يتمتع الواحد منا بهذا فإنه في الوظيفة الخطأ».

من تصاميم الدار لربيع وصيف 2024 حيث تظهر بصمات داميان برتراند الحيوية عليها (لورو بيانا)

كان شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2021 هو تاريخ تسلمه مقاليد الدار، أي في أوجّ جائحة «كورونا»، ومع ذلك حوَّل كل تبعاتها وسلبياتها إلى مكاسب. خلال عامين فقط تجلّت بصمته ورؤيته في خطوط محددة وإطلالات متكاملة تتراقص على كلاسيكية معاصرة لا تعترف بزمن.

يشرح: «كانت الدار تحوي مساحة كبيرة للإبداع. كان عليّ فقط التسلح ببعض الشجاعة لأقودها إلى المرحلة التالية». أسأله عما إذا خامره أي شعور بالقلق بحكم أن إرث «لورو بيانا» غني، ومن شأنه أن يثقل كاهل أي قادم جديد، فيرد سريعاً: «أفضّل بطبعي أن أجرِب وأفشل على ألا أحاول أبداً». من حسن حظ الدار أنه جرَب ونجح.

من تصاميم الدار لربيع وصيف 2024 التي جسدت رؤية داميان برتراند للدار (لورو بيانا)

استغل داميان الجائحة لقراءة تحولات السوق. وقد أدرك مثلاً أنه من الصعب على المرأة أن تعود إلى الحذاء ذي الكعب المدبب والعالي بعد أن ذاقت واستحلت طعم الراحة. وفي الوقت نفسه لا تريد التنازل عن مظهر أنيق وراقٍ يحقق المعادلة الصعبة بين الاثنتين. عمل مع استوديو التصميم على طرح أزياء وإكسسوارات تعكس هذه المطالب، وهو ما تجسد في أحذية مبتكرة ومريحة من دون كعب، وقطع أزياء اشتهرت باسم «كوكونينغ» نفدت من الأسواق في غضون أسابيع قليلة لنعومة الكشمير الذي استُعمل فيها.

كانت الغرفة التي أجري فيها اللقاء في محل «لورو بيانا» بـ«أفينو مونتين» الباريسي، خاصة بالشخصيات المهمة. تناثرت على جوانبها دمى في إطلالات متناسقة من الرأس إلى أخمص القدمين، بما في ذلك الأحذية وحقائب اليد. كان هذا التنسيق مقصوداً؛ فهو يوضح الصورة التي سيكون عليها مستقبل الدار الإيطالية من وجهة نظره. كانت صورة مفعمة بالحيوية تتحدى سنوات عمرها التي ستُكمل المائة في 2024. يقول بتواضع إنه لم يحتج إلا لتغييرات بسيطة ارتقت بها إلى مستواها الديناميكي الحالي، سواء تعلق الأمر بالأزياء الرجالية أم النسائية. كلما أسهب في شرح رؤيته وتفاصيلها، تستنتج أن الرسالة التي يُريد إيصالها هي أنه لم يقم بعملية تجميل جذرية، ولا قدَّم لها قُبلة حياة، فـ«لورو بيانا» كانت دائماً متحركة تُطوِر من تقنياتها، لكن بأسلوب كلاسيكي إن لم نقل «ذكوري» من ناحية أن الأزياء النسائية لم تكن تحظى بنفس الأهمية، وهو ما عمل على تغييره.

من يعرفون داميان برتراند توقعوا منه هذه النقلة؛ فهو ليس غريباً على عالم الجمال والأناقة. مسيرته بدأت في شركة «لوريال» التي قضى فيها نحو 18 عاماً قبل أن ينضم إلى «ديور كوتور» في عام 2016 مديراً عاماً لجميع الأقسام. وربما هنا تكمن قوته رئيساً تنفيذياً؛ فهو هنا يعتمد على كل حواسه وليس على حسه التجاري والإداري فحسب.

هناك حركة دائماً لاكتساب مهارات جديدة تُثمر عن تقنيات متطورة في معامل الدار (لورو بيانا)

يتذكر أنه عندما رُشِّح رئيساً تنفيذياً لـ«لورو بيانا» الإيطالية لم يتردد، رغم اختلاف ثقافتها تماماً مع ما تَعَوَّدَ عليه في «ديور» الفرنسية. توقَع كل شيء إلا أن يقع في حبِها من أول زيارة إلى معاملها الواقعة في شمال إيطاليا. يقول: «أصابني الذهول. كانت عبارة عن خلية نحل يعمل فيها أكثر من 1000 حرفي بأعمار متفاوتة. بعضهم بدأ حياته في المعمل منذ 50 عاماً أو أكثر، ولا يزال يتمتع بحماس الشباب والاندفاع لاكتشاف تقنيات جديدة تزيد من رقة الألياف ونعومتها مع الحفاظ على عنصري الدفء والانتعاش».

كلما زادت ألياف الصوف نعومة ورقّة كان الأمر سبقاً لكن من دون التأثير على عنصريْ الدفء والانتعاش (لورو بيانا)

يتذكر أيضاً كيف أنهم، وبقدر ما كانوا مُتلقين متلهفين على اكتساب الخبرات، كانوا سعداء وهم يشرحون له كل صغيرة وكبيرة تتعلق بتخصص كل واحد منهم. «بين ليلة وضحاها شكَلنا فريقاً متناغماً بأهداف واحدة». من بين الابتكارات التي يفخر بها داميان وتمخَّض عن هذه النقاشات نوع من الدنيم تعاونت فيه «لورو بيانا» مع شركة يابانية متخصصة في هذا القماش، مُزِج بـ40 في المائة من الكشمير، الأمر الذي أكسبه مرونة ودفئاً لا يتوفران في الدنيم العادي. أطلق عليه اسم «كاش دينم (Cash Denim)»، ولم يُنْتَج سوى نحو 70 قطعة منه، لما يتطلبه من جُهد ودقة؛ فإنتاج 50 متراً منه فقط يستغرق يوماً كاملاً لإنتاجه. مجموعات كثيرة أخرى مثل «Cashmere Storm System®» حُرِصَ فيها على أن تتوافر على كل عناصر الترف والعملية، من مقاومة الماء ومنح الدفء إلى إضافة جيوب داخلية بوظائف متعددة، وغُلِّف بعضها بطبقة خاصة تقي من إشعاعات الهاتف. أما القاسم المشترك بينها حالياً، فهي التصاميم المُلتفة على الجسم بنعومة معاصرة.

نجح داميان في رسم صورة أنيقة لامرأة «لورو بيانا» من دون حاجة إلى «لوغو» (لورو بيانا)

لا يُخفي داميان أنه من بين الأشياء التي جعلته يتحمس لقيادة الدار الإيطالية، إلى جانب تاريخها الراسخ في أفخم أنواع الصوف بأنواعه، أنها كانت بمثابة صفحة بيضاء في مجال التصميم، ما يُتيح له أن يرسم عليها رؤيته بحرّية مطلقة بعيداً عن إملاءات الموضة الموسمية. الصورة التي رسمها يمكن أن يتعرف عليها الناظر بسرعة من خلال خطوطها وملمسها وألوانها الهادئة. يقول بنبرة يقين: «مستحيل مثلاً أن نضع أي (لوغو) على قطعة تخرج من معاملنا. وحتى في الحالات التي نضع فيها توقيعنا، فنحن نضعه بالداخل، وتحديداً في جهة القلب، بحيث لا يراه أو يشعر به سوى صاحب القطعة».

خطوط رشيقة وأنيقة في تشكيلة الدار لربيع وصيف 2024 (لورو بيانا)

يُكرر داميان مرات عدة أن «لورو بيانا» ليست دار أزياء، وبالتالي ليس مفروضاً عليها أن تواكب توجهات الموضة؛ فالأولوية تبقى دائماً للخامات والمواد، تليها التصاميم، وليس العكس: «نريدها أن تبقى في القمة كما عهدناها، تتوجه بصوفها النادر للعارفين وأصحاب الذوق الرفيع؛ فنحن لا ننسى في أي مرحلة من مراحل التصميم والإنتاج أن صوفنا هو (هدية للملوك)».

عندما أشير إلى أن التوقيت كان في صالحه بحكم أن الموضة الحالية ترفع شعار الفخامة الهادئة الخالية من أي «لوغو» أو زخارف، يرد بسرعة: «هذا الأمر لا ينطبق على (لورو بيانا) على الإطلاق، لأنها لم تركب أي موجة طوال تاريخها، وما يطلق عليه حالياً الفخامة الهادئة هو موجة مثلها مثل غيرها، تأتي وتذهب، بينما يبقى أسلوبنا نفسه... راقياً وحيوياً مهما تغيرت المواسم والفصول».

هناك شغف يُحرك كل العاملين في معامل الدار بإيطاليا لإكساب ألياف الصوف مزيداً من الفخامة والنعومة (لورو بيانا)

كان داميان طوال الحديث حريصاً أن يُذكرني بأنه حارس لتقاليد وحرفية الدار وليس ثورياً يرغب في التغيير. 3 خطوات يستند إليها لتحقيق معادلة مبنية على احترام شخصيتها وجيناتها الوراثية وقيادتها نحو المستقبل؛ أولاها التحفيز على مزيد من البحوث والابتكارات، وثانيتها الاهتمام بجانب الإكسسوارات لترسيخ تلك الإطلالة المتكاملة التي رسمها للدار. وأخيراً وليس آخرًا الإشراف شخصياً على ديكورات كل محلات الدار العالمية؛ فـ«لورو بيانا» قبل عامين ليست هي «لورو بيانا» الآن، وفق قوله: «أصبح لها الآن أقسام جديدة كالإكسسوارات، من حقها نيْل مساحة تليق بها».

منطقة الشرق الأوسط على رأس أولوياته. جدَّد محلات قديمة فيها، وينوي افتتاح أخرى. في دبي مثلاً قام بعمل تجديدات شاملة في محلي الدار في «دبي مول» و«مول أوف إمارات» استغرقت أكثر من عام لتأتي بشكل يتماهى مع البيئة المحيطة وثقافة المنطقة. من بعيد تتراءى واجهاتها كأنها مغطاة بأنسجة متماوجة بلون التراكوتا. تقترب أكثر فتكتشف أنه سيراميك صِيغَ بشكل إبداعي في مشغل متخصص في توسكاني وليس من الصوف، أو ما شابه من ألياف يسهل تطويعها بهذا الشكل. يلفت داميان نظري إلى أنه بقدر ما كان الملمس الناعم مهماً، كان عنصر الدفء في الأهمية نفسها حتى يناسب البيئة المحيطة». الاعتبارات نفسها أُخذت في تصميم المتجر الجديد في الكويت الواقع بمجمّع «أفينو مول». وطبعاً القادم في السعودية لن يقل قوة وفق قوله: «فهناك علاقة عابرة للأجيال تربطنا بها منذ زمن. وبتنا نلاحظ في الآونة الأخيرة أن الإقبال بات يشمل الأبناء والأحفاد أيضاً»؛ فالتصاميم الحيوية الآن انضمت إلى الألياف النادرة لتُعزز عنصر الفخامة المستدامة. وربما يكون هذا هو الإرث، أو بالأحرى البصمة التي يريد داميان أن يُخلَّفها في دار عمرها 100 عام.


مقالات ذات صلة

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

لمسات الموضة بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بين ماركل وجينر، إلى جانب الجدل الذي تثيرانه بسبب الثقافة التي تُمثلانها ويرفضها البعض ويدعمها البعض الآخر.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
TT

ميغان ماركل وكايلي جينر والصراع على المرتبة الأولى

بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)
بين ميغان ماركل وكايلي جينر قواسم مشتركة وفوارق عديدة في الوقت ذاته (أ.ف.ب)

ما الذي يمكن أن يجمع دوقة ساسكس، ميغان ماركل وكايلي جينر، صُغرى الأخوات كارداشيان؟ فالأولى ترتبط بالعائلة المالكة البريطانية بحكم زواجها من الأمير هاري، والثانية تنتمي إلى عائلة بَنَتْ شهرتها على تلفزيون الواقع. خبراء الموضة يجيبون بأن هناك فعلاً مجموعة من القواسم المُشتركة بينهما؛ فإلى جانب الجدل الذي تثيرانه لدى كل ظهور لإحداهما، بسبب ما تُمثلانه من ثقافة يرفضها بعض الناس ويدعمها بعضهم الآخر، فإن تأثيرهما على صناعة الموضة من الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان. ما تلبسه ميغان يتصدر العناوين وصفحات المجلات البراقة وقد ينفد من المحلات، وما تنشره كايلي جينر على صفحاتها ينتشر انتشار النار في الهشيم، في دقائق، ويلهب رغبة متابعاتها في الشراء.

كايلي في فستان «فريز» من «غالفان» (خاص) وميغان في حفل بلوس أنجليس (أ.ب)

وهذا ما يجعل المصممين لا يمانعون ظهورهما بتصاميمهم، بغض النظر عما إذا اتفقوا مع الثقافة التي ترتبط بهما أم لا، على أساس أنه مهما وصلت نسبة الجدل والانتقادات؛ فهي نافعة تعود عليهم بالربح. أو، على أقل تقدير، تسلِّط الضوء عليهم.

في عام 2018، ظهرت كل منهما بفستان مستوحى من «التوكسيدو» باللون نفسه، ومن الماركة النيوزيلندية نفسها، ماغي مارلين. ظهرت به ماركل في زيارتها الرسمية لأستراليا ونيوزيلندا رفقة زوجها الأمير هاري، من دون أكمام، بعد أن طلبت من المصممة تعديله خصيصاً لها. كايلي، وبعد مدة قصيرة، ارتدته كما هو بأكمام، الأمر الذي يشي بأنها اشترته جاهزاً. في الحالتين، أسعدتا المصممة ماغي هيويت، التي تغنَّت بهما على صفحتها بالصورتين معبرة عن إعجابها بالشخصيتين؛ خصوصاً أن المبيعات زادت بشكل ملحوظ.

الجانب التجاري

لكن هناك أيضاً اختلافات بينهما؛ فكايلي تستفيد مادياً وترويجياً، لأنها تتلقى مبالغ طائلة لقاء منشور واحد، على العكس من ميغان التي لا تستطيع ذلك، لحد الآن على الأقل، لدواعي الحفاظ على صورة راقية تعكس لقبها كدوقة بريطانية، مع العلم بأن هذا اللقب لم يمنعها من دخول مضمار أعمال تجارية لم تحقق النجاح الذي تطمح إليه.

تغريدة واحدة من كايلي جينر تحقق ما لا يحققه عرض بكامله من ناحية تسليط الأضواء (رويترز)

في المقابل، فإن كايلي جينر، ورغم سنها الغضة، تجاوزت في فترة من الفترات حاجز المليار دولار لتُصبح واحدة من أصغر سيدات الأعمال بفضل علامتها «كاي (KHY)» لمستحضرات التجميل والعناية بالبشرة. أكدت، منذ بدايتها، أن الحس التجاري يجري في دمها؛ إذ شقت لنفسها خطأً مختلفاً عن أخواتها، ربما لأنها كانت تعرف أن منافستهن صعبة. ما نجحت فيه أنها استغلَّت اسم العائلة وشهرة أخواتها لتخاطب بنات جيلها بلغة تُدغدغ أحلامهن وطموحاتهن. وسرعان ما أصبحت نجمة قائمة بذاتها على وسائل التواصل الاجتماعي. تغريدة واحدة منها يمكن أن تغير مسار علامة تماماً.

زِيّ من ماركة «ألتوزارا» الأميركية ظهرت بها خلال مناسبة خاصة بالصحة النفسية والعقل اعتبره كثيرون غير مناسب للمكان والزمان (رويترز)

ميغان ماركل، رغم استثماراتها ومغازلتها صُنَّاع الموضة، لا تزال تستمد بريق صورتها من ارتباطها بالأمير هاري. على المستوى الربحي، لم تنجح في أن تنتقل من رتبة مؤثرة إلى درجة سيدة أعمال، كما لم تنجح في كسب كل القلوب، وهذا ما يجعل شريحة مهمة ترفض وصفها بأيقونة موضة، وتصف اختياراتها بـ«غير الموفقة». هذه الشريحة تستشهد إما بارتدائها تصاميم بمقاسات أكبر أو أصغر من مقاسها الحقيقي، أو تصاميم من ماركات عالمية لا تناسب شكلها أو طولها، وهلمّ جرّا.

ميغان ماركل رغم تأثيرها تثير كثيراً من الجدل بين رافض ومعجب (كارولينا هيريرا)

بيد أن قوتها، بالنسبة للمعجبات بها، كانت، ولا تزال، تكمن في عيوبها؛ فلأنها لا تتمتع بمقاييس عارضات الأزياء، ولا تشبه «كنَّتها»، أميرة ويلز، كاثرين، رشاقةً وطولاً، فإنها تُعبِّر عنهن. كل فتاة أو امرأة، بغض النظر عن عيوبها ومقاييسها، ترى نفسها في إطلالاتها. فعندما ظهرت بصندل من شركة «كاستنر» الإسبانية مثلاً ارتفعت مبيعاتها بنسبة 44 في المائة مباشرة، لأنها خاطبت شرائح من الطبقات المتوسطة، نظراً لأسعارها المعقولة. علامات محلية كثيرة لم تكن معروفة اكتسبت عالمية بمجرد أن ظهرت بها، لا سيما في السنوات الأولى من زواجها، حين كانت بالنسبة للبعض بمثابة «سندريلا» معاصرة. ساهمت أيضاً في تسليط الضوء على علامة «Club Monaco»، بعد ظهورها بفستان مستوحى من القميص، أي بإزار من الصدر إلى الأسفل، حين ظهرت به أول مرة خلال زيارتها الرسمية لجنوب أفريقيا.

لم يكن التصميم ثورياً أو جديداً، لكنه فتح عيون المرأة عليه، ليزيد الإقبال عليه بنسبة 45 في المائة وينفذ من الأسواق خلال 24 ساعة. كان لها نفس التأثير الإيجابي على علامات مثل «جي كرو» و«جيفنشي» و«ستيلا ماكارتني» وغيرهم. منصة «ليست»، وهي أيضاً شركة تسوُّق أزياء عالمية تربط العملاء بتجار تجزئة الأزياء رشحتها «كأهم مؤثرة لعام 2018». بيد أن تأثيرها ظلَّ مستمراً حتى بعد خروجها من المؤسسة البريطانية في عام 2020، وإن خفَّ وهج صورتها بعض الشيء.

البحث عن الجاكيت الذي ظهرت به ميغان في ألمانيا لدى حضورها ألعاب «إنفيكتوس» عطل موقع «جي كرو» (رويترز)

موقع «جي كرو» مثلاً تعطَّل في سبتمبر (أيلول) 2023، بسبب البحث عن سترة بيضاء ظهرت بها لدى مرافقتها زوجها، الأمير هاري، إلى ألمانيا، لحضور ألعاب «إنفيكتوس».

ولأنها باتت تَعرِف قوة تأثيرها على الموضة، استثمرت مؤخراً في علامة «سيستا كوليكتيف»، وهي علامة حقائب تصنعها نساء من رواندا، وتكتمل تفاصيلها في إيطاليا، لتحمل صفة «صُنع باليد». قالت إنها اكتشفتها بالصدفة وهي تقوم بعملية بحث عبر الإنترنت على حقائب مستدامة. ظهرت بالحقيبة أول مرة في مايو (أيار) من عام 2023 لدى حضورها حفل عشاء مع كل من غوينيث بالترو وكاميرون دياز في لوس أنجليس.

عروض الأزياء العالمية

ومع ذلك، لم نرَ ميغان ماركل بأي عرض أزياء في نيويورك أو في باريس أو ميلانو حتى الآن، باستثناء حضورها في عام 2018 حفل توزيع جوائز الموضة البريطانية ضيفةَ شرفٍ لتقديم جائزة العام لمصممة فستان زفافها، كلير وايت كيلر، التي كانت مصممة «جيفنشي» آنذاك. لكن كان هذا حفلاً وليس عرض أزياء.

اختتمت عرض «كوبرني» كسندريلا في فستان من التافتا أسود (رويترز)

كايلي جينر، ورغم رفض الثقافة التي تمثلها هي وأخواتها من قبل شريحة مهمة، أصبحت في السنوات الأخيرة وجهاً مألوفاً في عروض باريس. تُستقبل فيها استقبال نجمات الصف الأول. في الموسم الماضي، وخلال «أسبوع باريس لربيع وصيف 2025»، سجَّلَت في 3 ظهورات لها فقط ما يوازي ما قيمته أكثر من 20.3 مليون دولار، حسب بيانات «إنستغرام» وحده، إذا أخذنا أن «لايك» واحداً يساوي دولاراً.

لهذا ليس غريباً أن يتهافت عليها المصممون. نعم، هي مثيرة للجدل وأسلوبها لا يروق لكل الزبونات، لكنها في آخر المطاف توفر المطلوب من ناحية تسليط الضوء عليهم. ففي عالم الموضة والتجارة «أي دعاية حتى وإن كانت سلبية هي دعاية مجدية وأفضل من لا شيء». لم يقتصر حضورها في الموسم الباريسي ضيفةً فحسب، بل عارضة في عرض «كوبرني» المستلهم من عالم «ديزني». كانت هي مَن اختتمته في فستان من التافتا بإيحاءات قوطية تستحضر صورة «سندريلا».

تأثير إيجابي

3 مقاطع فقط من فيديو العرض، ولقطات من خلف الكواليس حققت 14.4 مليون مشاهدة؛ ما جعل علامة «كوبرني» تحقق 66 في المائة من إجمالي قيمة التأثير الإعلامي. كانت مشاركتها مخاطرة، لكنها أعطت ثماراً جيدة حسب تصريح الدار. تجدر الإشارة إلى أن «كوبرني» لمست تأثيرها القوي في عام 2022، عندما ظهرت في دعاية لمستحضرات التجميل الخاصة بها، وهي تحمل حقيبة من «كوبرني». ما إن نُشرت الصور، حتى زادت مبيعات الحقيبة بشكل كبير. في عرض الدار لخريف وشتاء 2023. لم تتمكن كايلي من الحضور إلى باريس، لكنها لم تغب؛ إذ نشرت صورة لها في زي من التشكيلة المعروضة، شاهدها الملايين من متابعيها، وحقَّقت ما لم يحققه العرض بالكامل من ناحية المشاهدات و«اللايكات».

كايلي جينر لدى حضورها عرض «سكاباريلي» بباريس (سكاباريلي)

وإذا كان الشك لا يزال يراود البعض على مدى تأثيرها على أساس أن علامة «كوبرني» لها شعبيتها الخاصة التي تستمدها من قدرة مصمميها على الإبداع وخلق الإثارة المسرحية أمام الضيوف، فإن تأثيرها الإيجابي على علامة «أتلين» الفرنسية الناشئة تُفند هذه الشكوك. وجودها في عرضها لربيع وصيف 2025 كان له مفعول السحر؛ حيث حققت لها ما يوازي 11.6 مليون دولار من المشاهدات واللايكات. طبعاً لا ننسى حضورها عرض «سكاباريلي» بتصميمٍ أثار انتباه العالم لغرابته وسرياليته.

رغم محاولاتها أن تُصبح أيقونة موضة لا تزال ميغان تستمد بريقها وقوة تأثيرها من ارتباطها بالأمير هاري (أ.ف.ب)

«كايلي» لا تقوم بأي حركة أو فعل من دون مقابل. حتى عندما تختار علامات ناشئة للتعاون مع علامتها الخاصة «كاي (Khy)»؛ فهي تؤمن بأنه لا شيء بالمجان. وهذا تحديداً ما يجعلها تتفوق على ميغان ماركل من ناحية التأثير التجاري حسب الأرقام والخوارزميات. الفضل يعود أيضاً إلى نجاحها في استقطاب شريحة مهمة من بنات جيلها تخاطبهن بلغة تُدغدغ أحلامهن. ماركل في المقابل لم تنجح لحد الآن في الخروج من جلباب لقبها كدوقة ساسكس.