«غوتشي كوسموس»... معرض ممتد وعابر للأجيال

يستعيد بدايات مؤسس «غوتشي» في لندن... حمّالَ أمتعة ويُلوِن المستقبل بالأحمر

غرفة «جنة عدن» تعبر عن اهتمام غوتشيو غوتشي وكل من خلفوه بالطبيعة (غوتشي)
غرفة «جنة عدن» تعبر عن اهتمام غوتشيو غوتشي وكل من خلفوه بالطبيعة (غوتشي)
TT

«غوتشي كوسموس»... معرض ممتد وعابر للأجيال

غرفة «جنة عدن» تعبر عن اهتمام غوتشيو غوتشي وكل من خلفوه بالطبيعة (غوتشي)
غرفة «جنة عدن» تعبر عن اهتمام غوتشيو غوتشي وكل من خلفوه بالطبيعة (غوتشي)

​وصل «غوتشي كوسموس GUCCI COSMOS» إلى لندن في 11 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وسيبقى فيها إلى آخر يوم من شهر ديسمبر (كانون الأول). أتى من شنغهاي منتعشاً ومطعماً بأفكار تناسب الثقافة البريطانية، ومرتكزاً على علاقة قديمة ربطت مؤسس الدار غوتشيو غوتشي بها. فأهم ما يُسلط عليه المعرض الضوء أن البدايات كانت هنا في لندن منذ 102 عام.

حقيبة في خزانة الروائع نادراً ما يتم عرضها (غوتشي)

تبدأ القصة في فندق «سافوي» تحديداً، حين أتى الشاب غوتشيو غوتشي في عام 1897 للعمل فيه حمّال أمتعة وصبي مصعد. كان شاباً في مقتبل العمر، لا يتعدى عمره 18 عاماً، مسكوناً بالفضول والرغبة في التعرف على ثقافات الغير وأهوائهم. كانت وظيفته تقتضي حمل أمتعة الضيوف عبر أبواب المدخل الدوّارة، ومرافقتهم إلى غرفهم أو أجنحتهم، في رحلة تستغرق 7 دقائق تقريباً على المصعد الكهربائي. كان هذا المصعد الأول من نوعه في لندن آنذاك، وكان يُطلق عليه اسم «الغرفة الصاعدة».

حذاء يجسد العلم البريطاني في غرفة «خزانة الروائع» (غوتشي)

لم تكن الرحلة فيه مريحة. كان ضيقاً ومُغلقاً. لم تُجد لا الموسيقى، ولا تقديم المشروبات في تجنيب بعض مستعمليه نوبات الإغماء أو الفوبيا. الشاب غوتشيو كان يقوم بهذه العملية عدة مرات في اليوم؛ لهذا كان يُشغل نفسه بتجاذب أطراف الحديث مع الضيوف، وهو يتمعَّن في حقائبهم الأنيقة بفضول وانبهار. لهذا كان أول شيء قام به عندما عاد إلى فلورنسا في عام 1921، أن افتتح مَشغلاً لصناعة الأمتعة بالمواصفات التي كان يُعبر له هؤلاء الضيوف عن حاجتهم إليها.

بيد أن السرد القصصي ل «غوتشي كوسموس» لا يتوقف عنده؛ بل يمتد إلى كل من خلفوه، بدءاً من أبنائه: ألدو، وأدولفو، إلى ساباتو دي سارنو، مصممها الجديد، مروراً بتوم فورد، وفريدا جيانيني، وأليساندرو ميكيلي. فالمعرض حسبما قالت المشرفة والقيّمة عليه، ماريا لويزا فريزا، في حفل الافتتاح: «ليس استعادياً... بل هو عن تاريخ ممتد وعابر للأجيال». تكتشف سريعاً أنه فعلاً يحتفل بالماضي والحاضر والمستقبل.

أول غرفة بعد الخروج من المصعد هي «البوابات»... حقائب متنوعة لكل واحدة قصة ووظيفة (غوتشي)

كان المصمم الجديد ساباتو دي سارنو حاضراً في يوم الافتتاح بلندن، كما كان حاضراً في المعرض، من خلال غرفة خاصة به بعنوان «أنكورا» كانت حواراً فلسفياً وفنياً وأدبياً بينه وبين الفنانة البريطانية المعاصرة إس ديفلين. هذه الأخيرة يعود لها الفضل في منح المعرض بُعداً تفاعلياً مثيراً، دمجت فيه التثقيف والترفيه، كما حققت فيه توازناً مدهشاً بين العناصر الصوتية والمرئية والحركية. غلب على القسم الخاص بمصمم الدار الجديد، اللون الأحمر. استوحاه من لون المصعد القديم، وسيحمل -حسب تصريحه- بصمته الخاصة. فكما كان لتوم فورد أسلوبه الأنثوي الصارخ في التسعينات من القرن الماضي، وأليساندرو ميكيلي أسلوبه المتخم بـ«الماكسيماليزم»، وقبلهم غوتشيو غوتشي وأبناؤه: ألدو، وورودولفو، بانتباههم لأدق التفاصيل الحرفية، ستكون درجة الأحمر هاته خاصة به. تشير ماريا لويزا فريزا إلى أن اختيار لندن محطةً ثانية بعد شنغهاي، لم يكن سببه فقط بدايات غوتشيو في فندق سافوي؛ بل أيضاً لتأثيرها الثقافي على مصمميها وعلاقتهم بها بوصفها عاصمة ملهمة وديناميكية. وهو ما ترجمته في المعرض من خلال «إطلالة مميزة ظهر بها المغني هاري ستايلز في مهرجان كوتشيلا سنة 2022، وسترة من قماش الـلاميه للسير التون جون، أعاد أليساندرو ميكيليه تصميمها في مجموعة ربيع وصيف 2018. هذا عدا بدلات صممها توم فورد وارتدتها كايت موس وغيرها.

غرفة «كاروسيل» تاريخ مفعم بالأناقة والإبداع من كل المصممين الذين توالوا عليها (غوتشي)

تبدأ الجولة في «غوتشي كوسموس» قبل دخول مبنى «180 دي ستراند» الذي لا يبعد عن فندق «سافوي» سوى بضع دقائق. فواجهته الخارجية تأخذنا إلى فلورنسا من خلال صورة تمثل «ديومو»، كاتدرائية سانتا ماريا ديل فيوري التي بناها فيليبو برونليسكي في القرن الخامس عشر. هذه الخيوط

بين الماضي والحاضر هي التي انطلقت منها ماريا لويزا فريزا، لخلق تسلسل متناغم بين الأقسام، أو بالأحرى الغُرف العشر في المعرض. تشرح: «إنّ العمل على معرضٍ يتطوّر بناءً على مساحات مختلفة، ويراعي أجواء المدن التي تستضيفه كان تحدّياً يتطلّب التفكير فيما يربط بين لندن والأزياء المنتقاة. على هذا الأساس جاء المعرض بمثابة تجربة غامرة تتزاوج فيه حكايات الماضي وتخيّلات المستقبل بشكل متواصل». يدخل الزائر المبنى، فيجد نفسه محكوماً بسلسلة من الأبواب الدوارة، تدخله 10 غرف، لكل واحدة منها عالمها الخاص. في «غوتشي- ردهة سافوي» مثلا صُممت نسخة من المصعد القديم يتحرك افتراضياً في رحلة لا تستغرق أكثر من دقيقة، لا يُمل منها بفضل صوت يشرح تاريخه والغرض منه. كان انطلاقة الجولة عبر سلسلة من العوالم. لكل عالم اسمه وخاصيته، وُظِفت فيه التكنولوجيا لسرد السيناريوهات المختلفة.

غرفة «بورتالز» أو البوابات

عبارة عن مساحة بيضاء تُستعرض فيها حقائب وصناديق سفر بكل شكل ولون. هناك مثلاً حقائب من الكنفاس بطبعة «GG»، صممها ألدو غوتشي في الستينات تكريماً لوالده، وحقيبة سفر بطبعة «ديزني» صممها أليساندرو ميكيليه عام 2020 بوصفها أسلوباً يمزج بين الطابع المنمّق وثقافة البوب، وهلم جراً، علماً بأنه ليست كل الحقائب هنا للسفر. فمنها ما هو خاص بحمل عصي الغولف، أو أدوات لنزهة برية، أو لحمل قبعات الرأس وما شابه من مستلزمات الحياة المرفهة، كما علقت في ذهن غوتشيو غوتشي وهو شاب يراقب حقائب المسافرين من النخبة.

غرفة الزويتروب Zoetrope

تُسلط هذه الغرفة الضوء على علاقة «غوتشي» بعالم الفروسية. تدخلها فتجد مساحة دائرية تحيطها شاشات كبيرة الحجم، تعرض لقطات لخيول تركض، وطقطقة حوافرها تتعالى من كل جنب عوض الموسيقى. كل التصاميم هنا مستوحاة من عالم الفروسية، سواء تعلَق الأمر بقطعة كاملة أو بإبزيم حزام أو حذاء. اللافت أن تأثير الفروسية كان حاضراً في كل مرحلة من تاريخ الدار، بدءاً من غوتشيو وأبنائه: ألدو، ورودولفو، إلى توم فورد، وفريدا جياني، وأليساندرو ميكيله، وأخيراً وليس آخراً ساباتو دي سارنو.

غرفة «جنّة عدن» Eden

عالم مختلف تماماً في هذه الغرفة. فيه ورود وأزهار وحيوانات أليفة وعصافير تُزين أوشحة وفساتين تعبق بالفنية. وشاح من الحرير مثلاً يعود إلى عام 1966، ابتكره الفنان والرسام الإيطالي فيتوريو أكورنيرو دي تيستا، بتكليف من رودولفو غوتشي لغرايس أميرة موناكو، يتوسط الغرفة، ألهم فيما بعد تشكيلة عرضتها «غوتشي» في عام 1981 بفلورنسا، ولا يزال تأثيره واضحاً إلى الآن. فالطبيعة كانت ولا تزال رمزاً مهماً غرف منه كل مصمميها من دون استثناء.

غرفة «الثنائي» Duo

عند مغادرة «جنّة عدن»، يدخل الزائر إلى عالم «الثنائي»، وهي مساحة يطوف فيها تمثالان ضخمان بطول 10 أمتار على جدارين متواجهين. تتلوَّن ملابسهما وتتغير تصاميمها بفضل التكنولوجيا بشكل مثير. أغلب هذه الملابس عبارة عن بدلات شهيرة، مثل بدلة حمراء مخملية ابتكرها توم فورد عام 1996؛ وأخرى من تصميم فريدا جيانيني بالنقشة المربّعة والخصر الضيّق؛ فضلاً عن تصاميم مختلفة لأليساندرو ميكيليه مطبوعة بنقشات سخية. القاسم المشترك بينها كلها أنها سابقة لأوانها من ناحية مخاطبتها للجنسين، حتى قبل أن يُصبح هذا الأمر ظاهرة في عالم الموضة.

غرفة «الأرشيف» Archivio

الدخول إلى غرفة «الأرشيف» في Gucci Cosmos يعني التعمّق في تاريخ الحقائب الأكثر شهرة، ضمن مساحة واسعة بسقف مزيّن بالمرايا يوحي باللانهاية. هذا العالم الشبيه بالمتاهة مستوحى من أرشيف غوتشي في فلورنسا. فالجدران تزخر بالخزائن والأدراج، وتشمل مجموعة من الحقائب التاريخية الكلاسيكية، منها حقائب ظهرت بها الأميرة ديانا، وجاكي كينيدي في عام 1961، و«بامبو 1947» التي عادت لها الدار في الستينات، ثم في التسعينات، وغيرها من الأيقونات التي لا تزال تتمتع بجماهيرية إلى اليوم.

«خزانة العجائب» Cabinet of Wonders

في قلب عالم «خزانة العجائب» الدائري، تتربّع خزانة دوّارة مطلية باللون الأحمر الداكن على ارتفاع 3 أمتار، بها عدة أدراج وحجيرات تنزلق ميكانيكياً إلى الداخل والخارج، لتظهر منها قطع ثمينة، مثل زي من مجموعة توم فورد لسنة 2001، وفستان سهرة ذهبي من تصميم فريدا جيانيني عام 2006، وحقيبة «GG» المخملية، بمقبض معدني مزيّن بحجر الراين، وهلم جرا من الإبداعات

غرفة «كاروسيل» Carousel

في هذه الغرفة يتمتع الزائر بما يشبه عرض أزياء من سبعينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، من خلال 25 تمثالاً ترافقهم موسيقى تصويرية لآلات الخياطة وضوضاء المشغل. ويُقدّم هذا العالم إطلالات كاملة من مواسم مختلفة، يتمّ ترتيبها وفقاً للّون ومصدر الوحي بدلاً من التسلسل الزمني، مما سمح بإنشاء روابط جديدة، وذلك الجدل الفني المُستمرّ للدار مع قيَمها وقناعتها بأن «الموضة» يمكن أن تقود التغيير الجمالي والاجتماعي.

تشعر هنا بأن كل مصمم في الدار فتح حواراً مع سابقيه. لم تكن بينهم منافسة بقدر ما كان هناك تواصل واستمرارية. يتردّد صدى هذه الحوارات التي لا تُعدّ ولا تحصى بشكل أكبر، مع وجود 3 إطلالات من مجموعة ساباتو دي سارنو لربيع وصيف 2024، تتميز بتفاصيل جريئة ولونه الأحمر الجديد، الذي يتوهج أكثر في غرفة

«روسو أنكورا» Rosso Ancora

حيث تنتهي الجولة. فكما تبدأ في المصعد الملون بالأحمر تنتهي بهذا اللون، وصوت المصمم ساباتو يتردد وهو يبوح للفنانة إس ديفلين عن عشقه للشعر والأدب.



كيف يُخطط النجم نوا لايلز ليصبح أيقونة موضة؟

اهتمامه بالموضة واضح من تسريحته التي أصبحت بمثابة ماركته المسجلة (أ.ب)
اهتمامه بالموضة واضح من تسريحته التي أصبحت بمثابة ماركته المسجلة (أ.ب)
TT

كيف يُخطط النجم نوا لايلز ليصبح أيقونة موضة؟

اهتمامه بالموضة واضح من تسريحته التي أصبحت بمثابة ماركته المسجلة (أ.ب)
اهتمامه بالموضة واضح من تسريحته التي أصبحت بمثابة ماركته المسجلة (أ.ب)

انتهت الأولمبياد باريس لعام 2024، مخلفة صوراً وإنجازات ملهمة. المشاركون من كل أنحاء العالم تنافسوا للفوز بلقب الأقوى والأسرع والأعلى، لكن كانت هناك منافسة أخرى تُرى بالعين أكثر مما تُحتسب. هذه المنافسة تطمح للفوز بصفقات مع صناع الموضة. فقليلون هم من لا يراودهم حلم الحصول على عقود مع أحد بيوت الأزياء أو المجوهرات والساعات.

بجرأة مظهره من تسريحته وإكسسواراته يستهدف لايلز صناع الموضة (أ.ف.ب)

هذا ما صرح به العداء الأميركي نوا لايلز، بعد أن ضمن الميدالية الذهبية في سباق 100 متر رجال، قائلاً إن الفوز بالنسبة له مجرد وسيلة لما هو أكبر: «أن يُصبح أيقونة موضة تتسابق الشركات العالمية للتعاقد معه»، مع العلم أنه متعاقد مع شركة «أوميغا» للساعات، التي ظهر بها خلال نهائي سباق 100 متر وتبلغ قيمتها 13500 جنيه إسترليني، كما حصل على صفقات رعاية مع «أديداس» وشركات أخرى.

كما ذكر نوا لايلز في مؤتمره الصحافي بعد فوزه بالسباق، أنه يود أن تفتح له ذهبيته الأولمبية أبواب الموضة، مثل لاعبة التنس البريطانية، إيما رادوكانو، التي بمجرد أن فازت ببطولة أميركا المفتوحة لعام 2021، حصلت على عقود مع كل من «ديور» و«تيفاني أند كو» للمجوهرات.

تختلف صفحته على «الإنستغرام» عن معظم الرياضيين باستعراضه للموضة (من صفحته الخاصة)

ما يحسب لـ«لايلز» أن نياته واضحة ولا يحاول إخفاءها، سواء بالصور والأقوال. خلال أولمبياد باريس، لفت الانتباه بساعة يديه، وأظافر أصابعه المطلية بفنية وضفائر شعره الملفوفة باللؤلؤ، التي أصبحت بمثابة ماركته المسجلة. هذه النيات أيضاً مسجلة بالصور على صفحته على الـ«إنستغرام»، التي يستعملها كمنصة للتعبير عن مدى اهتمامه بعالم الأزياء والساعات. فبينما معظم الرياضيين يخصصون صفحاتهم لنشر صور تدريباتهم أو إنجازاتهم الرياضية، تزخر صفحته هو بجلسات تصوير خاصة بعلامة ما، أو استعراض لأناقته في حفلة خاصة أو عامة.

وحتى إذا لم تكن هناك حفلة، فإنه ينظمها لنفسه. بمناسبة يوم ميلاده مثلاً، احتفل بنفسه بتنظيم جلسة تصوير يظهر فيها بأزياء من دار «لويس فويتون» الفرنسية. واللافت أنه دائماً يحرص على وضع «وسم» شركة الأزياء التي يرتدي من إبداعاتها.

يحرص على أن يضع وسم الشركة التي يظهر بإبداعاته لكي يجذب انتباهها (صفحته الخاصة)

هذه الجولة السريعة على صفحته، تؤكد كذلك أنه لا يضاهي سرعته وتميزه في مضامير الركض سوى ثقته بنفسه واعتداده بأسلوبه.

تستشف فيها أنه لن يكتفي بأن يكون مجرد سفير لعلامة أزياء أو صديق لأخرى، فهو يرى نفسه يستحق أن تُبتكر له منتجات خاصة تحمل اسمه، مستشهداً بلاعب الدوري الأميركي لكرة السلة مايكل جوردان، الذي صُمم له حذاء إير جوردان الرياضي حصرياً في أوائل عام 1984، وسُمي باسمه.

وإذا كان لايلز صريحاً وواضحاً، فإن الواقع يقول إن حلم الحصول على صفقات كبيرة مع صناع الترف عموماً والموضة خصوصاً، لا يقتصر عليه. فهو يراود العديد من الرياضيين الشباب، بسبب الإغراءات المادية الكثيرة إلى جانب أن ظهورهم في حملات ترويجية أو ارتباط اسمهم باسم أي دار أزياء أو ساعات ومجوهرات يزيد من جماهيريتهم ويعزز مكانتهم كنجوم.