عرض «فندي»... زواج الأزياء والمجوهرات

المصمم كيم جونز يُنهي أسلوب الأزياء الراقية بأسلوب هامس

استغرقت بعض الأحجار عقوداً لجمعها والفساتين آلاف الساعات لتنفيذها (أ.ب)
استغرقت بعض الأحجار عقوداً لجمعها والفساتين آلاف الساعات لتنفيذها (أ.ب)
TT

عرض «فندي»... زواج الأزياء والمجوهرات

استغرقت بعض الأحجار عقوداً لجمعها والفساتين آلاف الساعات لتنفيذها (أ.ب)
استغرقت بعض الأحجار عقوداً لجمعها والفساتين آلاف الساعات لتنفيذها (أ.ب)

كان عرض «فندي» مسك الختام لأسبوع باريسي صاخب بالأحداث والإبداعات على حد سواء. كان أيضاً عُرساً احتفلت فيه الدار بزواج الأزياء والمجوهرات. فالدار الرومانية التي أُسست في عام 1925 واشتهرت بالفرو، دخلت أخيراً عالم الماس والأحجار الكريمة على يد سليلتها مصممة المجوهرات المعروفة ديلفينا ديليتريز فندي، التي أبدعت مجموعة من الخواتم والعقود وأقراط الأذن، كما رصَعت حقائب يد خاصة بالمساء والسهرة بالأحجار المتلألئة والثمينة.

كان عرض «فندي» مسك الختام لأسبوع باريسي صاخب كما كان عُرساً احتفلت فيه الدار بزواج الأزياء والمجوهرات (فندي)

بدأ العرض على نغمات موسيقى ‘The Cold Song وهي أغنية استوحاها كلاوس نومي عام 1981 من لحن باروكي من القرن الـ17 لهنري بورسيل، ومزج فيها كلاوس موسيقى الأوبرا بإيقاعات الروك أند رول. يتضح في ما بعد أن اختيار الموسيقى له دلالاته، وأنها كانت تُحضَر الأجواء لتشكيلة مزج فيها كيم جونز، مصمم الدار الفني، التقاليد الحرفية القديمة بالحداثة مراعاة لتطورات العصر.

ثم توالى ظهور العارضات وهن يتهادين في أزياء مفعمة بالأنوثة والحداثة، تتزيَن إحداهن بعقد من الماس وأخرى بخاتم من الإسبينيل تحاول أن تلفت الأنظار إليه، أو تعانق أخرى حقيبة مرصعة بالأحجار البراقة قريباً من الصدر. رغم جمالها لم تسرق الأضواء من الأزياء بقدر ما عزَزت فخامتها وزادتها بريقاً. ما أكَده كيم جونز في هذه المجموعة الخاصة بخريف وشتاء 2023 - 2024 أنه تمكَن من أدواته منذ أن تسلم مقاليد الدار بعد وفاة كارل لاغرفيلد. تبارز مع ديلفينا بمهارة وعقلية تليق بالكبار. كل منهما قام بدوره من دون أي منافسة على سحب الأضواء من الآخر. يعترف كيم جونز بدور ديلفينا قائلاً: «حتى في الإطلالات التي لم تُزينها المجوهرات، كانت إيحاءاتها حاضرة كفكرة تظهر حيناً في الألوان وحيناً في الزخارف والنقشات، حيث تماهى الاثنان معاً».

استوحى المصمم كيم جونز بعض ألوان تشكيلته من المجوهرات (فندي)

ما يُحسب له أيضاً أنه لم يقع في مطب الاستسهال باستعمال تطريزات غنية لمحاكاة المجوهرات. بالعكس كان واعياً أن زبونة الـ«هوت كوتور» اليوم تريد أناقة تصرخ بالرقي والفخامة لكن بصوت هادئ بعيد كل البعد عن أي مبالغات وشطحات مسرحية، علماً بأن هذه الرؤية يشاطره فيها العديد من المصممين الكبار، من ماريا غراتزيا تشيوري مصممة دار «ديور» وفيرجيني فيارد مصممة دار «شانيل» وبيير باولو بيكيولي من فالنتينو. كلهم ركزوا خلال أسبوع باريس لـ«الهوت كوتور» الأخير على أساسياتها وبداياتها عندما كانت تلبي متطلبات المرأة التي تريد أن تعيش الأناقة في كل الأوقات، وبالتالي لا تحتاج إلى تفاصيل تُعيق حركتها وحريتها. ديور مثلاً قدمت تشكيلة بخطوط بسيطة وواضحة تعتمد على الحرفية المبطنة، و«شانيل» خزانة متكاملة مفعمة بأناقة يطبعها الأسلوب الباريسي المنطلق، بينما نظمت «فالنتينو» قصيدة شعر بعنوان السهل الممتنع أدخلتنا عالم القصور.

تميزت التشكيلة بتفاصيل غير مبالغ فيها احتراماً لامرأة لا تريد أي شيء يعيق حركتها (فندي)

كيم جونز انضم إلى هؤلاء وقدّم تشكيلة أرادها كما قال «أن تكون مرنة وتُركِز على الانسيابية». استعمل لهذه الغاية أقمشة غنية أبدع فيها ثنيات وطيات بتقنيات تلتقي فيها الحرفية بمتطلبات العصر. أهم ما فيها أنها تفككت من أي تفاصيل لا تخدم المرأة واستعاض عنها بلمسات واضحة بناها كما يبني المهندس قصراً فخماً أو نحاتاً منحوتة فنية.

في الكثير من الإطلالات ظهرت العارضات وكأنهن منحوتات متحركة بخصورها المحددة التي زينتها طيات مبتكرة يستحضر بعضها أحزمة الأوبي اليابانية، فضلاً عن أكتافها التي لعبت على كشف جزء واحد أو على أكمام طويلة ومنسدلة على طول الفستان، مستوحاة من «الكاب»، إضافة إلى أقمشة تلمع ببريق الأحجار الكريمة وتتماوج مع كل حركة.

رافقت العديد من الأزياء إكسسوارات مرصعة بالأحجار من تصميم ديلفينا (فندي)

تشكيلة ذكرت الحضور بعد ثلاثة أيام من العروض المتتالية، أن الـ«هوت كوتور» لا يزال خط الأحلام والمجال الذي يشطح فيه البعض إلى آفاق وفضاءات خيالية، ويكتب فيها آخرون القصائد والملحمات بخيوط من ذهب. ومع كل هذا لم ينس كيم جونز أن المعادلة الصعبة تكمن في البساطة وليس في صراخ الألوان والإكسسوارات. ولتحقيق هذا الهدف، لعب كما يقول على الأحجام التي تخدم جسم المرأة مستغلاً إتقانه لتقنيات الدرابية، لفُها حول أجزاء معينة من الجسم، مثل الخصر لتخفي أي بروز غير مرغوب فيه أو تُبرز نحوله. فعندما تسلم مقاليد دار فندي في عام 2019 بعد وفاة كارل لاغرفيلد لم تكن المهمة سهلة أمامه. فلاغرفيلد تسلط في الدار لعقود طويلة وكانت له بصمة قوية.

لهذا حرص البريطاني جونز أن يرسم له أسلوباً مختلفاً يواكب فيه تطورات العصر الجديدة وفي الوقت ذاته يُجنِبه أي مقارنات مع سلفه. كانت تقنية الدرابية وسيلته وسلاحه، ونجح فيها بدليل أن تشكيلات الدار الأخيرة سجلت مبيعات عالية. بالنسبة له وكما يوضح، فإن في هذه التقنية وهذه التشكيلة تحديداً «شيء مني ومن تاريخ فندي والكثير من ديلفينا... بتُ أعرف ما أريد وما يناسب المرأة، فغايتها تتلخص في الحصول على أناقة راقية إلى جانب الراحة والتميز».

تتقن الدار تطويع الفرو بحيث يبدو في خفة الريش أحياناً (فندي)

للوصول إلى هذه النتيجة تقول الدار إنها اعتمدت في حياكة كل قطعة هنا على تقنية دقيقة تُعرف بـ«الدرزة الواحدة» لا تظهر فيها الخيوط ولا الخطوط. وهكذا جاءت فساتين الحرير تتماهى مع الجسم، وتلك التي طوعها من نيوبرين اللامع تلف الجسم وتمنحه رشاقة عوض أن تزيده حجماً، إضافة إلى معاطف من الفرو تُنافس المجوهرات النفيسة جمالاً. فالفرو رمز من رموز الدار ولا يمكنها الاستغناء عنه مهما ندَد المناهضون وهددوا. منذ عام 1925 و«فندي» تطوره وتطوِعه إلى أن أصبح بين أيادي حرفييها مثل الحرير يُشكِلونه في تصاميم مبتكرة ويصوغونه بألوان تزيدها التطريزات بهاء. في هذه التشكيلة طبعته نقشات «هيرنغبون» ناعمة وورود طُرِزت كجزء منه.

استغرقت بعض الأحجار عقوداً لجمعها والفساتين آلاف الساعات لتنفيذها (أ.ب)

انتهى العرض وأكد أن زواج الأزياء والمجوهرات مكتوب له النجاح لتوافره على كل عناصر الفخامة والبريق. فكما استغرقت مجموعة أحجار الإسبنيل الزهرية والنادرة التي تظهر في طقم «Undarum» أربعين عاماً لجمعها، استغرقت الإطلالة الأخيرة لفستان يتألق بالوردي اللامع 1200 ساعة من العمل اليدوي لتأتي بالشكل المطلوب.


مقالات ذات صلة

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الأميرة المغربية لالة حسناء تتوسط الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فاريس والفائزين بجوائز 2024 (خاص)

7 فائزين بجوائز «فاشن تراست آرابيا» ومراكش ثامنهم

على الرغم من عدم فوز أي مغربي أو مغربية بأي جائزة هذا العام، فإن مراكش كانت على رأس الفائزين.

جميلة حلفيشي (مراكش)
لمسات الموضة ناعومي كامبل في أكثر من عقد من المجموعة (بولغري)

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

احتفلت «بولغري» مؤخراً بطرح نسخ جديدة من مجموعة «توبوغاس» عادت فيها إلى البدايات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق من ألف ليلة (المعرض)

معرض عن ليزا بِين أول عارضة أزياء في العالم

قد لا يبدو اسمها مألوفاً للأجيال الجديدة، لكن ليزا فونساغريفس (1911 ـ 1992) كانت واحدة من أيقونات الموضة في النصف الأول من القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ماريا كالاس والموضة... كيف تحول حب من طرف واحد إلى عشق عابر للأجيال

كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)
كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)
TT

ماريا كالاس والموضة... كيف تحول حب من طرف واحد إلى عشق عابر للأجيال

كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)
كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

عقود مرت على وفاتها، ولم تُسدل الستارة بعد عن السوبرانو ماريا كالاس. لا يزال صوتها يصدح فيُثير مشاعر تثير المواجع حيناً والسعادة حيناً آخرا. قصة حياتها أيضاً لا تقل إلهاماً. تحاكي في الكثير من تفاصيلها تراجيدية الشخصيات التي تقمصتها.

كل هذا يؤجج فتيل الافتتان العالمي بها، سواء في السينما أو الموضة. تقول النجمة أنجلينا جولي التي تؤدي شخصيتها في فيلم «ماريا» الصادر حديثاً، إنه يتناول المرحلة الأخيرة من حياتها. مرحلة جد معقدة من حياتها عاشت فيها وحيدة في شقتها بباريس، تجتر ذكريات الماضي، بين الأمراض وانحسار الأضواء والحب، الذي كان إثر زواج حب عمرها، الملياردير أرسطوطل أوناسيس من غريمة لم تكن في الحسبان، جاكلين كينيدي. توفيت ماريا شابة بالمعايير الحالية عن عمر لا يتعدى الـ53. ومع ذلك خلّفت لنا أرشيفاً ضخماً، صوتاً وصورة.

لا تزال تُلهب خيال المصممين بأسلوبها على المسرح وخارجه (غيتي)

وإذا كان الصوت لا نقاش عليه، فإن الصور تؤكد مدى تطور أسلوبها من مجرد عاشقة للموضة إلى أيقونة تلهم المصممين على مدار السنوات.

بداية حُب من طرف واحد

بدأت علاقة الحب بينها وبين الموضة فاترة، إلى حد القول إنه كان حباً من طرف واحد. فقد ظلت تعاني من الوزن الزائد طوال سنوات الصبا. فقط في الخمسينات، نجحت في إنقاص وزنها بنحو 30 كيلوغراماً لتفتح صفحة جديدة مع الموضة. في هذه الفترة تسابق مصممون شباب من عصرها، مثل كريستيان ديور والراحل إيف سان لوران لكسب ودها ورضاها. إيف تحديداً ربطتها به علاقة صداقة، إلى حد أنها قدمت له دعوة شخصية لحضور أول حفل لها في أوبرا غارنييه عام 1958. من جانبه كان مبهوراً بها. وصفها في أحد تصريحاته بـ«ديفا كل الديفات». كان قصده إيجابياً وليس سلبياً، لما كانت تتمتع به من أسلوب درامي لكن يشي بحس فني أنيق.

هذا الأسلوب التقطه كثير من المصممين عبر التاريخ، بدءاً من فالنتينو و«دولتشي أند غابانا» وجون غاليانو، ومؤخراً «إيرديم» وستيفان رولان، وحتى دار «شانيل» في تشكيلاتهم لخريف 2024 وشتاء 2025.

إيرديم، مثلاً قدم تشكيلته بعنوان «تعيش الديفا» (فيفا لاديفا). قال إنه تخيَّل فيها ماريا، في حياتها الخاصة والعامة، وهو ما جسده في مجموعة من الفساتين ومعاطف على شكل «كاب» بأحجام هندسية كبيرة تعانق الجسم. الفرنسي ستيفان رولان هو الآخر أحيا ذكراها في موسم الـ«هوت كوتور»، بشكل أكثر وضوحاً، فيما اكتفت «شانيل» مثل إيرديم بإيحاءات صريحة.

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بجانبها الدرامي، وتحديداً بذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» حسب قول المصمم إيرديم.

علاقة ماريا بالموضة

احتضنت موضة الخمسينات المتميزة بخصرها المشدود وتنوراتها الواسعة وأقمشتها المترفة (غيتي)

لم تكن ماريا كالاس في صباها رشيقة. عانت طويلاً من السمنة إلى حد أنها عندما لجأت إلى المصممة الإيطالية إلفيرا ليوناردي بويور، المعروفة بمدام بيكي في عام 1951، نصحتها أن تعود إليها فقط بعد إنقاص وزنها الزائد. لم تكن العملية سهلة. استغرقت منها وقتاً لا يستهان به لتحقيق النتيجة المطلوبة (نحو عامين أو ثلاثة)، لكن الانتظار كان مُجزياً. فقد تمخَض تعاونها مع مدام بيكي عن خزانة متكاملة لا تزال تلهم صورها صناع الموضة، لاسيما وأنها شملت نحو 24 معطف فرو، 40 تايوراً، 200 فستان، 150 حذاءً، وما لا يقل عن 300 قبعة، وعدد لا يحصى من القفازات التي كانت تتخلص منها بعد ارتدائها مرة واحدة لكثرتها.

بيد أن مدام بيكي لم تحتكرها. بالعكس فتحت شهيتها على المزيد. فقد تعاونت فيما بعد مع مصممين باريسيين شباب في زمنهم مثل؛ كريستيان ديور وإيف سان لوران، وآخرين من إيطاليا مثل فالنتينو وغيره.

ستيفان رولان... يستنسخ صورتها

ظهرت ماريا بكُحل عينيها وبكل دراميتها في عرض ستيفان رولان (ستيفان رولان)

لخريف وشتاء 2024 وفي موسم «الهوت كوتور» بباريس، رسم ستيفان رولان صورة درامية مفعمة بالأناقة، اقشعرت لها أبدان الحضور. شعروا كما لو أنها آتية من زمنها تحوم في مسرح العرض بصوتها، الذي يبلغ 6.7 أوكتافات يتردد في جوانبه.

وضوح صورتها يعود أيضاً إلى المكياج وفخامة التصاميم وأبهة المكان: قصر غارنييه، بمعماره الباروكي وزخارفه الذهبية، الذي أحيت فيه ثلاث حفلات مهمة، كانت أول مرة في عام 1958، وآخر مرة في عام 1964.

كُحل عينيها الدرامي ظهر في معظم الإطلالات منذ بداية العرض إلى نهايته. كذلك القفازات الطويلة، مما لا يترك أدنى شك أن المصمم كان مفتوناً بها كما هي، ولم يرَ داعياً لتغيير أي شيء فيها.

كل إطلالة في عرض ستيفان رولان تستحضر شخصية من الشخصيات التي أدتها (ستيفان رولان)

فمرة تظهر لنا في شخصية نورما، ومرة في شخصية كارمن، أو مدام باترفلاي، أو ميديا... وهلم جراً من الشخصيات التي جسدتها عبر مسيرتها الغنية. اقتصار التشكيلة على الأبيض والأسود، وفستانين وحيدين بالأحمر، له أسبابه حسب تصريح المصمم. فهو يشير إلى بداياتها في زمن الأسود والأبيض قبل أن تتلون الصورة، وأيضاً حتى لا تتضارب فنية التصاميم مع زخرفات أعمدة القصر وأسقفه الذهبية الغنية.

«شانيل»... تلميحات وإيحاءات

لأول مرة تعرض «شانيل» في قصر غارنييه الذي غنت فيه ماريا 3 مرات (تصوير كريم سادلي لشانيل)

في قصر «غارنييه» أيضاً قدمت دار «شانيل» تشكيلتها لخريف وشتاء 2024. كانت هذه أول مرة تختار فيها الدار هذا المكان لعرضها، الأمر الذي لم يترك شكاً أن «الأوبرا» ستكون النغمة التي ستعزف عليها. ما أكد هذا الإحساس أن الضيوف تلقوا بطاقات الدعوة في علب مغلفة بالمخمل الأحمر مرفوقة بنظارات أوبرا.

«الكاب» ظهر في تشكيلة «شانيل» مستحضراً صورة السوبرانو بأسلوب معاصر (شانيل)

على العكس من ستيفان رولان، جعلت الدار ماريا كالاس، بطلة صامتة. لم يصدح صوتها في القصر، ولم تستنسخ صورتها. خفَفت من المكياج والتفاصيل الدرامية، وكأن فريقها الإبداعي المسؤول عن هذه التصاميم، تعمَّد أن يُقدِّم لنا صورة ماريا معاصرة تعيش بيننا اليوم، وبالتالي تميل إلى أناقة فخمة وهادئة في الوقت ذاته. ومع ذلك، لم تكن لتتخلى عن «الكاب» والفساتين الفاخرة ولا الجاكيتات التي تُظهر نحول خصرها أو التنورات الأنثوية، لكنها كانت ستختارها بأناقة رومانسية تعكس إيقاع العصر المتسارع.

إيرديم... عاشت الديفا

معاطف مستديرة بياقات مبتكرة وورود رومانسية (إيرديم)

استهل إيرديم موراليوغلو، عرضه بمعطف أوبرا باللون الأخضر بتصميم مستدير وياقة عالية. كان هذا كل ما يحتاج إليه لخلق الدراما المطلوبة والإعلان عن مُلهمته. أنهى العرض أيضاً بإطلالة مماثلة من الساتان المبطن، وصوت السوبرانو البريطانية نادين بنيامين يصدح في القاعة.

اهتمام المصمم بماريا بدأ بتشكيلة سابقة من خط الـ«بري فول»، غاص فيها في كل مناحي حياتها الشخصية والعامة، أي أنه ركَز على الملابس التي كانت تظهر بها في المسرح، من دون أن يتجاهل أزياءها في مناسباتها الخاصة بخصرها الضيق وتنوراتها المستديرة والمعاطف الواسعة بأقمشتها الغنية. كانت صورتها في شخصية ميديا في عام 1953 النقطة التي انطلق منها. ترجمها في فستان بتنورة طويلة باللون الأحمر يُشبه ذلك الذي ارتدته كالاس في هذه الأوبرا، إضافة إلى معاطف أوبرا مزينة بريش المرابو. يقول إيرديم: «كنت مشدوداً إلى تلك العلاقة المثيرة بين الشخص والشخصية». كان هناك تداخل عجيب بينهما.

أحذية مستلهمة من الورود التي كان الجمهور يُلقيها عند أقدامها (إيرديم)

حتى الإكسسوارات لم تسلم من تأثير كالاس عليه، وليس أدل على هذا من الأحذية التي رافقت الكثير من الإطلالات. جاءت مزينة بورود تم تشكيلها من الساتان، وتلامس الأرض بحجمها الكبير، قال إنها استُلهمت من الورود التي كان الجمهور يُلقيها عند أقدامها على خشبة المسرح بعد كل أداء.