مصممة المجوهرات عزة القبيسي: لم تواجهني تحديات لكوني امرأة... فأول الداعمين كانوا رجالاً

يلهمها الحرف العربي والفروسية

 التصميم عند عزة القبيسي هو أيضاً مشاعر (خاص)
التصميم عند عزة القبيسي هو أيضاً مشاعر (خاص)
TT

مصممة المجوهرات عزة القبيسي: لم تواجهني تحديات لكوني امرأة... فأول الداعمين كانوا رجالاً

 التصميم عند عزة القبيسي هو أيضاً مشاعر (خاص)
التصميم عند عزة القبيسي هو أيضاً مشاعر (خاص)

راحت علاقة يدَي مصممة المجوهرات والمنتجات الإماراتية عزة القبيسي بالأشياء تنمو منذ الصغر، فالتحقت بصفوف الرسم استجابة لنداء يلحّ على تعلّم مهاراته. أكثر ما استمالها في الرحلات البحرية والبرية، هو جَمْع الغرائب. تعمّق حبها للأشياء ثلاثية البُعد، ولم تفقه مفهوم الفن أو تدرك أنّ ثمة في العالم فنانين يصقلون مواهبهم ويتعيشون منها. في لقائها مع «الشرق الأوسط»، تقول إنّ امتلاكها شغف الرسم والتلوين ولمس السطوح كان ضبابياً، فهي لم تلتقِ فنانين ولم تعلم أنّ إمكان الالتحاق بعوالمهم يلوح في الأفق.

عزة القبيسي تؤمن بأنّ الفرص تُؤخذ ولا تُعطى (خاص)

في لندن حيث سافرت للدراسة، عام 1997، تفتحت عيناها على الاحتمالات. اتّضح ميلها إلى تصميم المجوهرات والمنتجات أضعافَ الميل إلى النحت رغم تعلّقها بكل ملمس. خشيت من أبواب قد تفتقد مفاتيحها، فتُخبر: «لم أُرد خوض مجال لا أستطيع الاعتماد فيه على نفسي. قررتُ إنجاز عملي الفني من الألف إلى الياء. رفضتُ حاجتي إلى آخرين أو مكان يقيّدني». عادت من بريطانيا بعد 5 سنوات لتحضير معرضها الأول.

عرفت باكراً أنّ الشغف هو الدافع نحو التقدّم. تملك عزة القبيسي جرأة الاعتراف بأنها لم تشعر في البداية بوهج موهبتها، «مثل الذين نشاهدهم في التلفزيون ونُبهر برسمهم وتصاميمهم». كان لديها الأهم: «الرغبة في التعلّم».

جعلت من تعاقب فصول الصيف فرصاً للتسجيل في دورات تُطوّر مهارتها. نشأت وفي ذهنها صورة مضخّمة عن الموهوب: «هو كائن خارق في الرسم. ينسخ طبق الأصل لفرط اجتهاده. موهبتي فطرية وثلاثية البُعد أكثر مما أجدني رسامة، هذا التوصيف أدق».

من أعمال عزة القبيسي (خاص)

الأماكن تؤثر في المرء وقلّما ينجو من الغَرْف منها. سنواتها اللندنية منحتها «تأثيراً مختلفاً»: «اكتشفتُ ذاتي وشغفي بصحراء بلادي وشمسها خلال وجودي في عاصمة الضباب. ملأني الشوق، فكنتُ أركبُ الطائرة في أول إجازة لأبلغ منتصف الرمال. بدأتُ أدرك مَن أنا. رحتُ أتساءل عن هويتي. لم يسبق أن خطرت لي هذه الإشكالات. بُعدي عن أرضي خلق وجهة نظر مختلفة وحرّضني على الاكتشاف».

علاقتها بالأرض حميمية، مُستمدَّة من أبٍ تشغله قضية التغيّر المناخي. ظلت اللغة المشتركة مع جميع البشر تؤرقها، فأرادت تعبيراً لا حدود جغرافية له ولا يرتبط بأصوات معينة: «كان الفن منفذاً لطاقتي».

استدعيت لعرض منتجاتها وتصاميمها ضمن معارض تمثّل الإمارات داخل الدولة وخارجها. لعقدين، وهي تحاول تغيير فكر استهلاكي يستورد أكثر مما ينتج: «نشأنا في مجتمعات لا تُصنّع. كان صعباً تغيير هذا الواقع؛ تطلّب ذلك مني جهداً طوال عشرين عاماً. الإيمان بقدرتنا على الارتقاء بهويتنا شكل همَّي».

ليس الحظّ، وفق تأكيدها، ما جعلها مدعومة طوال مشوارها من الرجل، إنما قرارها إثبات نفسها من دون إتاحة المجال لتطفو الفوارق، انطلاقاً من منزل لم يميّز بين أنثى وذكر حين دعمها وأعطاها الثقة: «لم تواجهني تحديات لأني امرأة. أول الداعمين لي كانوا رجالاً. قطعاً، هذه ليست صدفة. أنا فنانة لم تنتظر المتحف لعرض أعمالها. أحدثتُ ثقباً في الجدار حتى أصل».

من أعمال عزة القبيسي (خاص)

تحملها الذاكرة إلى معارض لم تُتَح للنساء، مثل معرض «الصيد والفروسية» حيث السيطرة للرجل: «كنتُ أول إماراتية أشارك فيه عام 2005. أردتُ إثبات نفسي وأعمالي في أماكن أفتح من خلالها حواراً مع مجتمعي. أجدني فنانة مجتمع أكثر من كوني محصورة بالنخبة. يمدّني لقاء جميع أصناف البشر بوعي وانفتاح، فأطوّر نفسي. لم أنتظر أحداً للأخذ بيدي والقول لي: سوف أمنحكِ فرصة. أنا خلقتُ فرصي».

شاركت في معارض تصفها بـ«الغريبة»، مثل «المعرض العسكري»، وفرضت على الآخرين التطلّع إليها بجدّية... «هنا لا يُنظر إلي على أنني امرأة، بل فنانة تعرض أعمالاً يجد كثيرون رغبة في دعمها والاقتناء منها».

تقارن بين تجربتها وتجارب مصممي اليوم: «هم يُدعمون ويُدرَّبون، وبرامج عدة تطلقهم نحو الضوء. أنا خلطتُ الرمل مع الإسفلت لبناء رصيف أشقّ عبره طريقي». لا تتذمّر ولا تشكو. تفضّل الوصول الصعب.

قصَّر الانفتاح وفهم الذات، وهما خلاصة سفرها إلى لندن، فترة بلوغها هدفها. تُعيد المسائل إلى الأرضية المتينة للأشخاص، بوصف المكان مهماً في التأثّر والإدراك، لكنّ الفشل أيضاً قد يتربّص: «ثقة العائلة هي الأهم، كالوقوف بعد كل وقوع. أؤمن بأنّ الإنسان وإن تعلّم؛ فلن يصل لولا وضوح الهدف والرؤية».

اختارت الخروج من الصندوق بلا انتظار اليد «المُنقذة». زرع فيها والدها الأهمية، وبقي صوته المُشجّع صلاة في رأسها. هذا الوالد الذي حلم بابنة تتخصص في العلوم البيئية، فلم تحُل خيبته بقرارها الانتقال إلى المجال الفني، دون تمنّي التوفيق لها. تذكر جملته: «(إذا فشلتِ فلا تلومي إلا نفسك). إحساس داخلي جزم: لن أفشل!».

محيطون رشقوا تخصّصها الفني بنظرات سلبية، ولم تهتزّ. تدرك أن لا شيء يبقى على حاله، والمجتمع، كما العادات والأفكار... تخضع للتطوّر.

الحرف العربي أساس في أعمالها الفنية، مثل «الفروسية» و«صيد اللؤلؤ». تجرّب الخامات جميعها؛ من زجاج ورمل وإسفلت وطين، ولا تشترط بالضرورة عرض الأعمال: «الأهم أنني أعيش من خلالها تجارب فنية». المادة بالنسبة إليها بمثابة اللون عند الرسام. يسألونها كيف تنتقلين من ألماس وذهب إلى حديد ورمل؟ جوابها يختزل ارتقاءها الفكري: «أراها بالقيمة نفسها. لا أعني الجانب الاقتصادي. تقدير قيمة المشاعر هو ما أصبو إليه».


مقالات ذات صلة

في حفل افتتاح «أولمبياد باريس 2024» أكدت الموضة أنها الوجه الجميل لفرنسا

لمسات الموضة إطلالة لايدي غاغا وفريقها صُممت ونُفذت في ورشات «ديور» لتعكس أجواء ملاهي باريس الراقصة (صوفي كار)

في حفل افتتاح «أولمبياد باريس 2024» أكدت الموضة أنها الوجه الجميل لفرنسا

كانت تصاميم ماريا غراتزيا تشيوري، المديرة الإبداعية لـ«ديور»، أنيقة، لكنها افتقرت للقوة الكافية لكي تسرق الأضواء من النجمات.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أقراط أذن من مجموعة «شوتينغ ستار» من الماس والذهب الأصفر والجمشت (تيفاني أند كو)

«تيفاني أند كو» تُشعل مجوهراتها بالنيران والشهب

للكثير من بيوت الأزياء أو المجوهرات ولادتان: ولادة تأسيسية؛ بمعنى تاريخ انطلاقها، وولادة ثانية تكون في الغالب إبداعية تبث فيها روحاً فنية تغير مسارها وتأخذها…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة حشد من رجال الشرطة والجيش لتأمين العاصمة الفرنسية قبل افتتاح ألعاب باريس (رويترز)

ماذا أرتدي في الأولمبياد؟ كن أنيقاً وابقَ مرتاحاً

الإرشادات المناسبة للملابس لتحقيق التوازن بين الأناقة والراحة عند حضور الألعاب الأولمبية الصيفية هذا العام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
لمسات الموضة من مجموعة "عريس صيف 2024" للمصمّم اللبناني نمر سعادة (دار أزياء نمر سعادة)

«عرسان» نمر سعادة يرتدون البدلة الملوّنة

ذهب مصمّم الأزياء اللبناني المتخصّص في الموضة الرجاليّة إلى أقصى الجرأة، عندما قرّر أن يُلبِس عريس الموسم بدلة ملوّنة.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة يقدر سعرها بأكثر من مليون دولار والأحجار هي السبب (فابيرجيه)

بيضة «فابيرجيه» الجديدة بمليون دولار… فمن يشتري؟

بيضة بمليون دولار.

جميلة حلفيشي (لندن)

كيف زاوج برونيللو كوتشينيللي بين الأعمال اليدوية والتكنولوجيا

أشرف على المشروع فريق  من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)
أشرف على المشروع فريق من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)
TT

كيف زاوج برونيللو كوتشينيللي بين الأعمال اليدوية والتكنولوجيا

أشرف على المشروع فريق  من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)
أشرف على المشروع فريق من الباحثين من مختلف المجالات وكبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي، واستغرق العمل عليه 3 سنوات (برونيللو كوتشينيللي)

من المفترَض ألا يفاجئنا المصمم برونيللو كوتشينيللي، وهو يقدم لنا درساً عن الزواج المثالي بين الإبداع البشري وقدرات الذكاء الاصطناعي، وهو الذي يبيع لنا بدلات بـ4000 دولار ومعاطف أغلى بكثير. نشتريها ونحن في قمة السعادة لأننا نعرف أنها من أجود أنواع الكشمير والصوف، ومنفَّذة في معامل إيطالية على يد حرفيين من الطراز الأول.

برونيللو كوتشينيللي وعمران أميد خلال مؤتمر «فويسز» لعام 2023 (BOFVOICES)

في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وخلال مؤتمر «بي أو إف فويسز (BOF VOICES)»، الذي يُقام سنوياً في منطقة أكسفودشاير بحضور نخبة من المبدعين المؤثرين وأصحاب القرار العالميين، حلَّ برونيللو ضيفاً على المؤتمر. أجرى معه مؤسس هذه الفعالية، عمران أميد، حواراً تطرق فيه إلى الأسباب التي تُميز علامته عن غيرها وأسباب نجاحها، في وقت تعاني فيه بيوت أزياء أخرى من بعض الخمول. يذكرنا بأن الدار لا تبخل على زبائنها بأي شيء يمكن أن يضفي عليهم الأناقة والرقي، بغض النظر عن التكاليف. يتشعب الحديث بينهما ويتطرق إلى مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على صناعة الموضة، وتبعاته على اليد العاملة. يأتي رد برونيللو مفاجئاً. لم يكن ضد ذلك. بالعكس كان متفائلاً ومطمئناً، يؤكد أن الذكاء الاصطناعي من شأنه أن يخدم الموضة والبشرية في حال تم التعامل معه بشكل صحيح. المفاجئ في ردِّه أيضاً لم يكن لأن الأغلبية يخامرها بعض القلق والتوجُّس من اقتحام الذكاء الاصطناعي مجالات الإبداع تحديداً، ولا لأنه من الرعيل الإيطالي القديم، بل لأن علامته مبنية على مفهوم «صُنِع في إيطاليا» وتعتمد على الحرفية اليدوية. مفاهيم تضعه في مصاف الكبار، وتجعله من بين بيوت أزياء قليلة تُعدّ على أصابع اليد الواحدة تحقق الأرباح رغم تذبذبات الأسواق والاضطرابات الاقتصادية التي لمست مجالات الترف بشكل خاص.

ما يؤكده الموقع الجديد أن الإبداع البشري يمكن أن يستفيد من الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي (برونيللو كوتشينيللي)

لم يكن رأيه هذا مجرد كلام. في 16 من هذا الشهر وفي ميلانو، برهن للجميع كيف يمكن الاستفادة من التكنولوجيا وجعلها في خدمة البشرية.

في مؤتمر صحافي أُقيم بمسرح بيكولو، كشف هو والمهندس المعماري ماسيمو دي فيكو فالاني، وفرانشيسكو بوتيجليرو، رئيس قسم التكنولوجيا الإنسانية في دار أزياء «سولوميو»، عن إطلاق موقع الدار الإلكتروني الجديد. يعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي. وجسّد فيه المصمم ما أشار إليه خلال مؤتمر «BOF Voices» منذ أشهر؛ من أن الإبداع البشري يمكن أن يستفيد من الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، وذلك بتسخيره بشكل ذكي يُسهِّل بعض المهام التي كان تستغرق وقتاً طويلاً من دون إلغاء اللمسة البشرية. كان إطلاق الموقع الإلكتروني وتطويره على نحو مبتكر البداية. يشرح أنه حرص أن يتناسب مع إيقاع العصر ومتطلباته «فهو لا يستخدم الصفحات والقوائم التقليدية، بل يعتمد على محتوى سلس».

يوفر الموقع للمتصفح والزائر طرح أسئلة عن أي شيء يتعلق بالعلامة الإيطالية ليتلقى أجوبة فورية عنها (برونيللو كوتشينيللي)

أشرف على المشروع فريق من الباحثين من مختلف المجالات، من الرياضيات والهندسة إلى الفن والفلسفة فضلاً عن مجموعة كمن كبار الخبراء في الذكاء الاصطناعي. تجدر الإشارة إلى أن التفكير في هذا المشروع بدأ منذ مايو (أيار) 2019. واستغرق العمل عليه 3 سنوات. أما الهدف منه حسب قول كوتشينيللي فهو «الدخول إلى ثقافة الدار والغوص في محتوياتها بحرية ودون أي قيود، لكن دائماً بإعطاء الأولوية للتجربة الإنسانية». ويتابع: «حرصنا مثلاً على أن توفر منصة ( Solomei AI) نتائج بحث مرئية واضحة وفورية» تأخذ الزائر من صفحة إلى أخرى عبر رسمات لكل واحدة منها معنى خاص وعميق. في حال لم يحصل الزائر على مطلبه «بإمكانه أن يطرح أي أسئلة تراوده فيتلقى إجابات عنها من (سولومي AI)».

يشجع الموقع الشباب على البحث عن الأفضل وطرح أسئلة لا سيما أن العالم يتطور باستمرار وفق برونيللو كوتشينيللي (برونيللو كوتشينيللي)

لكن الموقع الجديد ليس منصة للتسوق الإلكتروني، بل هو للاستمتاع والاستفادة وفرصة للانغماس في عالم الدار وثقافتها. يشير كوتشينيللي إلى أن الفضول مهم للوصول إلى المعرفة، مستشهداً بالفيلسوف اليوناني زينوفانيس الذي قال ذات مرة: «من الواضح أن الآلهة لم تكشف للبشر كل الأشياء منذ البداية، فهذه احتاجت إلى وقت وأبحاث وتقصٍّ... مَن يسأل فقط يحصل على الإجابة».