كهوف الباحة... وِجهة سياحية سعودية بمواصفات عالمية

موقعها وطبيعتها جعلاها مغناطيس الزوار من مختلف دول العالم

أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
TT

كهوف الباحة... وِجهة سياحية سعودية بمواصفات عالمية

أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)
أحد الكهوف المنتشرة في الباحة بعد أن جرى تهيئته (الشرق الأوسط)

قبل سنوات عدة كانت الكهوف المنتشرة في السعودية والتي تزيد عن 300 كهف، حالة قائمة بذاتها لمعرفة التاريخ وتوابعه من عمليات التكوين واختلافها من موقع إلى آخر، دون الغوص في تفاصيل كثيرة مثل كيفية الاستفادة منها في المسارات السياحية الاقتصادية، خاصة تلك الكهوف القابعة في جنوب السعودية لما تحتويه من امتيازات مرتبطة بالطبيعة.

ومع مرور السنوات اختلفت الحال، حتى أخذت الكهوف منحى آخر خاصة في منطقة الباحة، لتخرج من المفهوم التقليدي إلى أنماط جديدة في عالم السياحة الريفية التي يقبل عليها الزوار من مختلف دول العالم، وعلى وجه الخصوص أوروبا والصين للاستمتاع بها وبالخدمات اللوجستية التي تقدم لزوار هذه المواقع، بخلاف الطبيعة في المنطقة واعتدال مناخها في فصل الصيف.

كهوف الباحة تجد رواجاً وإقبالاً من السياحة لما تحتويه من آثار وخدمات (الشرق الأوسط)

ويشكل «جبل شدا» في الأسفل، إحدى أبرز الوجهات السياحية لما يعرف بـ«الكهوف» في منطقة الباحة؛ لأنه يتيح للزائر والسائح فرصة التعرف على الكهوف القديمة التي كانت مساكن السكان الأصليين منذ آلاف السنين، كما أن «جبل شدا» بتشكيلاته الجيولوجية التي تعود لطلائع التكوينات المبكرة في الأرض، يُعد نمطاً جديداً من أنماط السياحة الجيولوجية التي تجد إقبالاً كبيراً من مختلف طبقات المجتمع لتحقيقها الكثير من أهداف الزائر من نواحٍ معرفية وثقافية ورياضية.

وينقسم هذا الجبل إلى قسمين «الأسفل»، و«الأعلى»، ويقع بين مدينتي قلوة والمخواة، ويقدر ارتفاع قمة الجبل عن مستوى سطح البحر بـ2200 متر، وتغلب على تضاريس الجبل الصخور الملساء، كما أنه يشكل أهمية تاريخية لينضم فيما بعد إلى قائمة المحميات الطبيعية في المملكة؛ كونه مسكناً لعدد من الكائنات الحية النادرة والطيور المهاجرة.

ومع هذا التنامي والتنسيق الدائم بين الجهات المعنية، تكون الكهوف في السعودية دخلت منعطفاً جديداً مع زيادة أعمال الاكتشاف؛ إذ يترقب المجتمع السعودي والأوساط العالمية المهتمة بعلوم الجيولوجيا وزيارة الكهوف، المزيد من الاكتشافات في عالم الكهوف والأحافير التي ستسهم في نمو هذا النوع من السياحة على المستويين الداخلي والخارجي.

كهف أبو الوعول الذي اكتُشف مؤخراً من قبل هيئة المساحة الجيولوجية (هيئة المساحة)

وتقوم هيئة المساحة الجيولوجية بدور بارز في هذا الاتجاه، ولعل من أبرز الكهوف المكتشفة التي تضاف إلى 300 كهف، كهف أم جرسان، وكهف عين الهيت، وكهف شغفان حيث بلغ طوله كيلومترين وارتفاعه ثمانية أمتار، وهي كهوف تمتاز بعمقها وطولها مع اختلاف درجات الحرارة فيها، وهذه المقومات يبحث عنها المختصون ومحبو المغامرات، وخاصة أن الكهوف عُرفت من قديم الزمن وتستهوي الكثير للاكتشاف والبحث للمعرفة العلمية ولجماليات الكهف.

العناية بالكهوف وترميمها جعلاها هدفاً للزوار (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى كهوف تهامة، فيبدو أنها أخذت مساراً مختلفاً في عملية الترويج لزيارة هذه الكهوف، من خلال تهيئة الموقع وتوفير كافة المتطلبات فيه، مع اختيارها بعناية ودقة عالية بهدف توفير حالة متفردة للراغبين في الإقامة والاستمتاع بالنقوش داخل الكهف والطبيعة من كل الاتجاهات.

توفير البنية التحتية لكهوف الباحة أسهم في قيمتها السياحية (الشرق الأوسط)

في حديث لـ«الشرق الأوسط» قال ناصر الشدوي، الباحث في التاريخ والمهتم بالسياحة، إن سياحة الكهوف في تهامة بدأت في الظهور قبل 10 أعوام وارتفعت وتيرتها والإقبال عليها في الآونة الأخيرة، وأصبحت تشكل هدفاً للراغبين في السياحة الريفية والإقامة داخل الكهوف، لما تتمتع به من خصائص طبيعية. وساعد موقعها الجغرافي في نمو هذا النوع من السياحة.

وتكلم الشدوي عن تجربته في هذا القطاع حيث جاء إلى مسقط رأسه «جبل شدا» في الباحة بعد رحلة طويلة لإحياء مزارع العائلة خاصة تلك التي تنتج البن، ليقوم فيما بعد بترميم منزله ويتبعه بترميم وتوسيع المساكن الكهفية، موضحاً أن هذا العمل كان له ردة فعل إيجابية لدى العامة، ومن ثم بدأ يفد إلى المكان العديد من الشخصيات والسياح، ما انعكس على باقي السكان الذين قاموا بإعادة إحياء مزارعهم ومساكنهم بعد أن هُجرت تماماً ورحل الناس من الجبل برمته.

ومن تلك الواقعة، ومن طلب الكثير من قاطني الجبل تحويل وترميم تلك الكهوف والاهتمام بالأراضي الزراعية، اختلف مفهوم ونوع السياحة في المنطقة، كما يقول الشدوي، الذي وصف جبل «شدا الأسفل» في منطقة الباحة بأنه إحدى أجمل الوجهات السياحية في المملكة، وأنه يستقبل الوفود السياحية من مختلف دول العالم، بل بدأ يلقى اهتماماً كبيراً من المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الباحة كغيره من مناطق الجذب في المنطقة؛ كونه يصلح للكثير من جوانب التنمية السياحية طبيعية كانت أو علمية أو رياضية، وغير ذلك من أنماط السياحة المختلفة.

تزيين الكهوف في «جبل شدا» ورفع الخدمات زادا من إقبال السياح عليها (الشرق الأوسط)

ويجد السائح غايته وهو يتنقل بين «جبل شدا»، خاصة عشاق ممارسة رياضة الهايكينغ؛ إذ يعد الجبل من أهم الوجهات المناسبة لهذه الرياضة، وذلك لجمال الموقع واعتدال المناخ في فصلي الخريف والشتاء، إضافة إلى توفر العديد من المغامرات التي تقام وتكون عاملاً مضافاً لعملية جذب السياح للكهوف بشكل عام ومكونات الجبل الذي يشتهر بزراعة البن وأنواع مختلفة من المحاصيل الزراعية.


مقالات ذات صلة

«الاتحاد السعودي» و«نيكو بارتنرز» يقودان استراتيجية توطين الألعاب بالمنطقة

رياضة سعودية تزايد عدد المستخدمين للألعاب الإلكترونية في المنطقة يتطلب استراتيجية مثالية لتلبية رغباتهم (الشرق الأوسط)

«الاتحاد السعودي» و«نيكو بارتنرز» يقودان استراتيجية توطين الألعاب بالمنطقة

تعاونت شركة «نيكو بارتنرز» مع الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية لمساعدة الشركات على فهم خصوصية منطقة الشرق الأوسط في مجال توطين الألعاب.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان (واس)

القيادة السعودية تعزي أمير الكويت في وفاة «عميد آل الصباح»

بعث خادم الحرمين الشريفين وولي العهد برقيتي عزاء ومواساة لأمير دولة الكويت في وفاة عميد أسرة آل الصباح.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق في القِدم اهتمت القرى والمدن بتزيين أبوابها بفن الرق (الشرق الأوسط)

الرق... ظاهرة فنية تراثية تعود للحياة في السعودية بعد مئات السنين

تتميز كل مدينة سعودية بهويتها التي تتفرد بها عن قريناتها. هوية ضاربة في التاريخ، تشكل جزءاً من النمط اليومي لقاطني تلك المدن والقرى في حقبٍ زمنية مختلفة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج حضور أكثر من 60 وزيراً وشخصية دينية (وزارة الشؤون الإسلامية)

«مؤتمر مكة» يؤكد ضبط الفتوى ومحاربة الغلو والتطرف والتصدي للطائفية

خرج المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية بدول العالم الإسلامي بثماني توصيات، ركزت على منهج الوسطية والاعتدال وتصحيح فهم الخطاب الديني ومحاربة الغلو.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق مباني ذي عين تحفة معمارية على أعتاب التراث العالمي (الشرق الأوسط)

49 تحفة معمارية تحكي قصة قرية على مشارف التراث العالمي

تبهرك قرية ذي عين الواقعة على مرتفعات تهامة بخصائصها ومكوناتها وأنت تجوب شوارعها وأزقتها الممهدة، وتحكي لك وأنت تناظر هذا الجمال عن تاريخها الهندسي

سعيد الأبيض (جدة)

بحيرة «عين الصيرة»... إطلالة استثنائية على معالم مصر الأثرية

فرصة للاستجمام وسط الطبيعة (تصوير: محمد يحيى)
فرصة للاستجمام وسط الطبيعة (تصوير: محمد يحيى)
TT

بحيرة «عين الصيرة»... إطلالة استثنائية على معالم مصر الأثرية

فرصة للاستجمام وسط الطبيعة (تصوير: محمد يحيى)
فرصة للاستجمام وسط الطبيعة (تصوير: محمد يحيى)

بحيرة «عين الصيرة» التي تزين قلب القاهرة التاريخية باتت مقصداً سياحياً بعد عملية تطوير شهدتها مؤخراً جعلتها تعزف سيمفونية من الجمال والتناغم مع المعالم السياحية المحيطة بها ما بين «المتحف القومي للحضارة» وقلعة «صلاح الدين» ومساحات خضراء ممتدة

بحيرة «عين الصيرة»، التي تزين قلب القاهرة التاريخية، باتت مقصداً سياحياً، بعد عملية تطوير شهدتها مؤخراً، جعلتها تعزف سيمفونية من الجمال والتناغم مع المعالم السياحية المحيطة بها؛ ما بين «المتحف القومي للحضارة»، وقلعة «صلاح الدين»، ومساحات خضراء ممتدة.

عندما تزورها سيروي لك المرشد السياحي حكايتها، وسيشرح لك كيف اختلفت آراء المؤرخين والعلماء حول نشأتها، إذ يرى البعض أن البحيرة الطبيعية ظهرت في عشرينات القرن الماضي، وبالتحديد 1926، بعد زلزال كبير ضرب القاهرة؛ في حين يتمسك آخرون بأنها كانت موجودة قبل الزلزال، وأنها أقدم من هذه الحقبة بعشرات السنين.

تتيح للزائر القيام بجولات في مياهها لمشاهدة الأماكن التاريخية (تصوير: محمد يحيى)

وبعيداً عن نشأتها، فإن الثابت أن المياه الكبريتية للبحيرة كانت تستخدم في علاج الأمراض الجلدية المختلفة، فضلاً عن كونها مقصداً للسياحة العلاجية.

بعد تطويرها وتغيير اسمها إلى «بحيرة القاهرة»، غيرت المكان في منطقة الفسطاط بالكامل، وأصبحت متنزهاً تستريح بين أرجائها الواسعة من السير طويلاً، والتنقل بين المقاصد التاريخية المختلفة في الفسطاط، أو أنك تعدّها نقطة انطلاق إلى هذه الأمكنة المتنوعة؛ فتتحرك من البحيرة نحو وجهتك السياحية نشيطاً يقظاً، بعد أن تكون أشبعت عينيك بقسط وافر من الجمال ومنظر الماء والخضرة بها.

يحيط بالبحيرة مشروع ترفيهي متكامل على مساحة ‏63 فداناً، يضم ممشى سياحياً حولها بطول 2500 م طولي، ولاند سكيب ونخيلاً وأشجاراً، إضافةً إلى نوافير مائية تضيء بعدة ألوان بعد غروب الشمس؛ فيتملكك الإحساس بأنك أمام عدة لوحات فنية.

البحيرة تطل على قلعة صلاح الدين والبيوت العتيقة (تصوير: محمد يحيى)

وسيثير انتباهك وجود مبنى ضخم يستقر أمامها هو المتحف القومي للحضارة الذي ستستمتع بإطلالته، وحتماً سيدعوك لزيارته؛ لتعيش لحظات تجمع بين التاريخ والتراث بين أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، تروي قصة تطور الحضارة من قديم الأزل وحتى عصرنا الحالي.

لو أردت قضاء وقت هادئ في البحيرة، والتمتع في الوقت نفسه بمشاهدة بانورامية للمكان، فتوجه إلى «جزيرة الشاي» المصنوعة من الخشب الداكن؛ حيث تستطيع داخلها رؤية البحيرة بأكملها، أو تتوجه إلى أحد المطاعم أو الكافيهات المنتشرة على أطرافها؛ حيث يتميز بعضها بإطلالة خاصة؛ لا سيما أنها مصنوعة من الزجاج؛ لمنع حجب رؤية البحيرة عند الجلوس داخلها.

توفر إطلالة هادئة لزائر المتحف القومي للحضارة (تصوير: محمد يحيى)

وبعد أن تتناول الطعام بمنطقة المطاعم أنصحك بالتوجه إلى الجزيرة الاستوائية وسط البحيرة، وإذا كانت أشعة الشمس قوية فاحتمِ بإحدى البرجولات الخشبية، وهكذا تُعد البحيرة وجهة مثالية للتنزه وسط الطبيعة بالنسبة للأسر، وكذلك هي مقصد مناسب للرحلات الشبابية؛ حيث تتنوع الأنشطة التي يمكن ممارستها هناك، ومنها لعبة التسلق بالحبال الممتعة، ولعبة «Zipline» وفيها يتم ربط الشباب بالحبل على مرتفعات ليقوموا بالتزحلق، و«Climbing wall» أو تسلق الجدران.

أما التنزه في مركب ملكية مستلهمة من الحضارة المصرية القديمة داخل البحيرة، والقيام بجولة تستغرق نحو نصف الساعة، فيمثلان خياراً مناسباً وممتعاً للشباب والأسر على السواء، لا سيما إذا كنت ترغب في عمل جلسة تصوير مميزة، فستكون القلعة ومتحف الحضارة والبيوت القديمة والجديدة والمياه والخضرة بعض عناصرها الأساسية.

هنا يستقر الماء والخضرة والحضارة (تصوير: محمد يحيى)

وليست الأمكنة الحديثة مثل المتحف، أو تلك العتيقة مثل القلعة، وحدها هي ما ستأخذك إليه إطلالة «بحيرة القاهرة» أو «عين الصيرة»؛ فأنت هنا في حضرة منطقة الفسطاط، بكل زخمها التاريخي العريق، وهي واحدة من أقدم العواصم الإسلامية؛ إذ بنيت بعد الفتح الإسلامي لمصر في عام (21هـ - 641م)، واتخذها عمرو بن العاص العاصمة الجديدة، وأطلق عليها اسم «الفسطاط» أي الخيمة.

من هنا يضم المكان كثيراً من المواقع الأثرية التي ينبغي أن تتوجه إليها إذا ما زرت بحيرة «عين الصيرة»، منها جامع «عمرو بن العاص» وكنائس مصر القديمة، وحفائر أطلال مدينة الفسطاط، ومنطقة المراسم ومركز الفسطاط للحرف التراثية.

أما إذا كنت تبحث عن الأجواء الروحانية؛ فإنك ستجد ضالتك حين تزور البحيرة، حيث يمكنك أن تشاهد أثناء وجودك بها قبة مسجد وضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه، إذ تطل عليك من خلف المباني العتيقة هذه القبة التاريخية الضخمة التي ستناديك للتوجه إليها، وإذا قررت أن تستجيب وتزور المسجد فسيكون في انتظارك مبناه ذو الطراز المميز، والشاهد على عظمة سيرة من يرقد داخله، حيث يضم رفات محمد بن إدريس بن العباس الشافعي القرشي، صاحب ثالث المذاهب الإسلامية الذي تنتهجه مصر منذ أن حط رحاله فيها عام 199 هجرية.

وإذا حالفك الحظ وقمت بزيارة البحيرة يوم الجمعة على وجه الخصوص، فتمسك أكثر بزيارة المسجد؛ لأنك ستشاهد لحظات روحانية خاصة مفعمة بالإرث الإنساني؛ حيث يحرص كثير من المصريين على زيارة مسجد الإمام الشافعي في هذا اليوم، وستراهم وهم يقدمون شكواهم للإمام، وسترقبهم وهم يكتبون خطابات تحمل شكواهم وأمنياتهم، أو يتحدثون بصوت صامت أو مسموع إليه، وقد تجد قطعاً من القماش معلقة، وهذا ما يطلق عليه العامة «الأثر».