بحيرة «عين الصيرة» التي تزين قلب القاهرة التاريخية باتت مقصداً سياحياً بعد عملية تطوير شهدتها مؤخراً جعلتها تعزف سيمفونية من الجمال والتناغم مع المعالم السياحية المحيطة بها ما بين «المتحف القومي للحضارة» وقلعة «صلاح الدين» ومساحات خضراء ممتدة
بحيرة «عين الصيرة»، التي تزين قلب القاهرة التاريخية، باتت مقصداً سياحياً، بعد عملية تطوير شهدتها مؤخراً، جعلتها تعزف سيمفونية من الجمال والتناغم مع المعالم السياحية المحيطة بها؛ ما بين «المتحف القومي للحضارة»، وقلعة «صلاح الدين»، ومساحات خضراء ممتدة.
عندما تزورها سيروي لك المرشد السياحي حكايتها، وسيشرح لك كيف اختلفت آراء المؤرخين والعلماء حول نشأتها، إذ يرى البعض أن البحيرة الطبيعية ظهرت في عشرينات القرن الماضي، وبالتحديد 1926، بعد زلزال كبير ضرب القاهرة؛ في حين يتمسك آخرون بأنها كانت موجودة قبل الزلزال، وأنها أقدم من هذه الحقبة بعشرات السنين.
وبعيداً عن نشأتها، فإن الثابت أن المياه الكبريتية للبحيرة كانت تستخدم في علاج الأمراض الجلدية المختلفة، فضلاً عن كونها مقصداً للسياحة العلاجية.
بعد تطويرها وتغيير اسمها إلى «بحيرة القاهرة»، غيرت المكان في منطقة الفسطاط بالكامل، وأصبحت متنزهاً تستريح بين أرجائها الواسعة من السير طويلاً، والتنقل بين المقاصد التاريخية المختلفة في الفسطاط، أو أنك تعدّها نقطة انطلاق إلى هذه الأمكنة المتنوعة؛ فتتحرك من البحيرة نحو وجهتك السياحية نشيطاً يقظاً، بعد أن تكون أشبعت عينيك بقسط وافر من الجمال ومنظر الماء والخضرة بها.
يحيط بالبحيرة مشروع ترفيهي متكامل على مساحة 63 فداناً، يضم ممشى سياحياً حولها بطول 2500 م طولي، ولاند سكيب ونخيلاً وأشجاراً، إضافةً إلى نوافير مائية تضيء بعدة ألوان بعد غروب الشمس؛ فيتملكك الإحساس بأنك أمام عدة لوحات فنية.
وسيثير انتباهك وجود مبنى ضخم يستقر أمامها هو المتحف القومي للحضارة الذي ستستمتع بإطلالته، وحتماً سيدعوك لزيارته؛ لتعيش لحظات تجمع بين التاريخ والتراث بين أكثر من 50 ألف قطعة أثرية، تروي قصة تطور الحضارة من قديم الأزل وحتى عصرنا الحالي.
لو أردت قضاء وقت هادئ في البحيرة، والتمتع في الوقت نفسه بمشاهدة بانورامية للمكان، فتوجه إلى «جزيرة الشاي» المصنوعة من الخشب الداكن؛ حيث تستطيع داخلها رؤية البحيرة بأكملها، أو تتوجه إلى أحد المطاعم أو الكافيهات المنتشرة على أطرافها؛ حيث يتميز بعضها بإطلالة خاصة؛ لا سيما أنها مصنوعة من الزجاج؛ لمنع حجب رؤية البحيرة عند الجلوس داخلها.
وبعد أن تتناول الطعام بمنطقة المطاعم أنصحك بالتوجه إلى الجزيرة الاستوائية وسط البحيرة، وإذا كانت أشعة الشمس قوية فاحتمِ بإحدى البرجولات الخشبية، وهكذا تُعد البحيرة وجهة مثالية للتنزه وسط الطبيعة بالنسبة للأسر، وكذلك هي مقصد مناسب للرحلات الشبابية؛ حيث تتنوع الأنشطة التي يمكن ممارستها هناك، ومنها لعبة التسلق بالحبال الممتعة، ولعبة «Zipline» وفيها يتم ربط الشباب بالحبل على مرتفعات ليقوموا بالتزحلق، و«Climbing wall» أو تسلق الجدران.
أما التنزه في مركب ملكية مستلهمة من الحضارة المصرية القديمة داخل البحيرة، والقيام بجولة تستغرق نحو نصف الساعة، فيمثلان خياراً مناسباً وممتعاً للشباب والأسر على السواء، لا سيما إذا كنت ترغب في عمل جلسة تصوير مميزة، فستكون القلعة ومتحف الحضارة والبيوت القديمة والجديدة والمياه والخضرة بعض عناصرها الأساسية.
وليست الأمكنة الحديثة مثل المتحف، أو تلك العتيقة مثل القلعة، وحدها هي ما ستأخذك إليه إطلالة «بحيرة القاهرة» أو «عين الصيرة»؛ فأنت هنا في حضرة منطقة الفسطاط، بكل زخمها التاريخي العريق، وهي واحدة من أقدم العواصم الإسلامية؛ إذ بنيت بعد الفتح الإسلامي لمصر في عام (21هـ - 641م)، واتخذها عمرو بن العاص العاصمة الجديدة، وأطلق عليها اسم «الفسطاط» أي الخيمة.
من هنا يضم المكان كثيراً من المواقع الأثرية التي ينبغي أن تتوجه إليها إذا ما زرت بحيرة «عين الصيرة»، منها جامع «عمرو بن العاص» وكنائس مصر القديمة، وحفائر أطلال مدينة الفسطاط، ومنطقة المراسم ومركز الفسطاط للحرف التراثية.
أما إذا كنت تبحث عن الأجواء الروحانية؛ فإنك ستجد ضالتك حين تزور البحيرة، حيث يمكنك أن تشاهد أثناء وجودك بها قبة مسجد وضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه، إذ تطل عليك من خلف المباني العتيقة هذه القبة التاريخية الضخمة التي ستناديك للتوجه إليها، وإذا قررت أن تستجيب وتزور المسجد فسيكون في انتظارك مبناه ذو الطراز المميز، والشاهد على عظمة سيرة من يرقد داخله، حيث يضم رفات محمد بن إدريس بن العباس الشافعي القرشي، صاحب ثالث المذاهب الإسلامية الذي تنتهجه مصر منذ أن حط رحاله فيها عام 199 هجرية.
وإذا حالفك الحظ وقمت بزيارة البحيرة يوم الجمعة على وجه الخصوص، فتمسك أكثر بزيارة المسجد؛ لأنك ستشاهد لحظات روحانية خاصة مفعمة بالإرث الإنساني؛ حيث يحرص كثير من المصريين على زيارة مسجد الإمام الشافعي في هذا اليوم، وستراهم وهم يقدمون شكواهم للإمام، وسترقبهم وهم يكتبون خطابات تحمل شكواهم وأمنياتهم، أو يتحدثون بصوت صامت أو مسموع إليه، وقد تجد قطعاً من القماش معلقة، وهذا ما يطلق عليه العامة «الأثر».