سياحة أجنبية ناشئة في أفغانستان تحت حكم «طالبان»

سائحة من تايلاند في كابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)
سائحة من تايلاند في كابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)
TT

سياحة أجنبية ناشئة في أفغانستان تحت حكم «طالبان»

سائحة من تايلاند في كابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)
سائحة من تايلاند في كابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)

قد لا تكون أفغانستان الوجهة السياحية الأولى التي تتبادر إلى الأذهان عند اختيار مكان لتمضية عطلة، غير أنّ عدداً متزايداً من الأجانب يختارون زيارة هذا البلد الذي تسيطر عليه حركة طالبان.

إلى مزار شريف، جاء الفرنسي ديدييه غودان، والأميركي أوسكار ويلس، لاكتشاف المسجد الأزرق الذي يعود إلى القرن الخامس عشر والذي يعدّ جوهرة المدينة الشمالية بجدرانه المكوّنة غالباً من الخزف الملوّن بالأزرق.

كذلك، قاما بزيارة بقية المواقع السياحية في ولاية بلخ التي تتميّز بماضيها العريق، وهما يرتديان الشالوار كاميز أي السترة الأفغانية والسراويل الفضفاضة، بينما وضعا القبعة الأفغانية المصنوعة من اللباد.

إنها الزيارة الثانية التي يجريها المحامي الفرنسي غودان (57 عاماً) إلى أفغانستان، الوجهة التي لا تشجّع الدول الغربية على زيارتها. ويقول «يجب أن نكون متحفّظين بعض الشيء». ويضيف، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «أول ما يقوله لك أقرباؤك هو: أنت مجنون للذهاب إلى هناك!».

سائحة من تايلاند في كابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)

يُستقبل المسافر في أفغانستان بالفقر المدقع، في ظلّ غياب البنى التحتية السياحية وندرة المواقع الثقافية بعد الدمار والنهب اللذين دامن أربعة عقود من الحرب.

ويتوجّب عليه التسجيل لدى السلطات عند وصوله إلى كلّ ولاية والالتزام بقواعد اللباس الصارمة. كما يخضع للتفتيش من قبل رجال مسلّحين ببنادق كلاشنيكوف لدى مروره في عدد لا يُحصى من نقاط التفتيش.

ولا تقتصر التهديدات في هذا البلد على عمليات الخطف، بل تتعدّاها إلى احتمال شنّ هجمات من قبل جهاديي تنظيم «داعش»، رغم عودة الأمن عموماً بعد استعادة طالبان الحكم في أغسطس (آب) 2021. ولكن تبقى جاذبية أفغانستان كامنة في جمال طبيعتها وفي التواصل مع السكان المضيافين.

«صورة سيئة»

كان المسافران قد تزلّجا للتو في باميان (وسط) مع قرويين، خلال أسبوع نظّمته وكالة «Untamed Borders» البريطانية التي أحضرت حوالي مائة سائح إلى أفغانستان العام الماضي.

ويشير ديدييه غودان إلى أنّ السيّاح «مثلنا فضوليون ويريدون التواصل مع السكان، ومحاولة مساعدتهم قليلاً». ويضيف أنّه أحضر هذه السنة «130 كيلوغراماً من لوازم التزلّج» إلى باميان.

سائحون من تايلاند في مزار كارتي ساخي بكابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)

بالنسبة لويلس (65 عاماً) المزارع الآتي من الغرب الأوسط الأميركي، فهذه زيارته الثالثة إلى أفغانستان. ويقول إنّه يحب هذا البلد «الفريد» و«جباله الرائعة» و«شعبه الذي يعيش كما في العصور القديمة».

من جهته، يشير مؤسس وكالة «Untamed Borders» جايمس ويلكوكس، إلى أنّه في ظلّ عودة طالبان، «يمكننا القيام بمزيد من الأمور، مثل الذهاب نحو الجنوب». لكنّه يضيف أنّ «هذا الأمر أحدث أيضاً اضطراباً، إذ كان على مرشدتنا (الأفغانية) أن تذهب وتعيش في إيطاليا».

لا تحظى حكومة طالبان باعتراف أيّ دولة، ومع ذلك، ارتفع عدد السياح الأجانب في أفغانستان بنسبة 120 في المائة إلى حوالي 5200 سائح في العام الماضي على أساس سنوي، وفقاً للأرقام الرسمية.

وفي هذه الأثناء، أعادت كابل افتتاح معهد السياحة وإدارة الفنادق، حيث يقول وزير الإعلام والثقافة خير الله خيرخواه إنّه تمّ اتخاذ هذه الخطوة حتى يتوقف «أعداء أفغانستان عن رسم صورة سيئة».

السفر منفرداً

يثير انعدام الأمن قلق نايوري تشاينتون، وهي امرأة تايلاندية تبلغ (45 عاماً) تملك وكالة سفر في بانكوك وجاءت لاستكشاف المناطق الأفغانية مع مجموعة من مواطنيها.

وتقول في أثناء زيارتها مسجد كارتي ساخي في كابل «لم نكن نعرف كثيراً عن الوضع هنا... ولكن أشعر بالأمان على الرغم من كلّ نقاط التفتيش». وتضيف: «عند عودتنا سنعمل على الترويج لأفغانستان» بوصفها وجهة سياحية.

سائحون من تايلاند في مزار كارتي ساخي بكابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)

إلى جانب الرحلات المنظمة، التي تعدّ الصيغة الغالبة والباهظة الثمن، يسافر البعض إلى أفغانستان بمفردهم وبتكلفة صغيرة، بمن في ذلك النساء.

ومن هؤلاء، الأميركية ستيفاني ماير (53 عاماً) التي سافرت إلى أفغانستان لمدّة شهر من دون أن تواجه أي مشكلة أو حادثة، وانتقلت من كابل إلى قندهار (جنوباً) عبر باميان ثمّ هرات (غرباً).

تقول هذه المهندسة مازحة إنّ كلّ شيء يسير على ما يرام «طالما أنّك تدرك أنّ الأمر سيكون فوضوياً». لم تواجه هذه المواطنة الأميركية «أيّ صعوبات لدى سفرها بمفردها»، وتوضح أنّها باتت ليلتها مرّتين في منزل أحد السكان المحلّيين.

كما تقول «التقيت أناساً أخبروني عن حياتهم، لكنّها كانت تجربة حلوة ومرّة». وتضيف: «تساءلت كيف يمكن (للأفغان) أن يعيشوا في الفقر والبطالة، ومع حرمان الفتيات من التعليم ومن دون مستقبل».

سائحون من تايلاند يغادرون مزار كارتي ساخي بكابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)

ميزانيات صغيرة

توفّر شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً تطبيق «واتساب»، مساعدة قيّمة للسياح الذين يسافرون إلى أفغانستان بمفردهم وبميزانيات صغيرة.

وعلى هذا التطبيق، تضم مجموعة «تجربة السفر الأفغانية» (Afghanistan Travel Experience) النشطة للغاية، أكثر من 600 سائح من المكسيك وكندا والهند وأستراليا وإيطاليا، موجودين في أفغانستان أو غادروها.

يتبادل هؤلاء السياح النصائح بشأن حالة الطرق والسلامة وسعر سيارات الأجرة المشتركة. كما يبحثون عن رفاق سفر أو فندق رخيص يوفر ماء ساخناً إذا أمكن.

سائحون من تايلاند في مزار كارتي ساخي بكابل 25 مارس (آذار) 2024 (أ.ف.ب)

ويفضّل هؤلاء الحافلة على الطائرات للتنقل بين المدن الكبرى، ولا يترددون في القيام برحلة تستغرق 20 ساعة بين كابل وهرات، وتمتدّ على مسافة 850 كيلو متراً.

على نحو مماثل، لا يوجد سوى طريق واحدة تستغرق أربع أو خمس ساعات لوديان باميان المهيبة، التي تعدّ الوجهة السياحية الأولى وحيث المواقع الفارغة لتماثيل بوذا العملاقة التي فجّرتها حركة طالبان في عام 2001.

على مجموعة «واتساب»، تظهر أحياناً أسئلة غير متوقعة. مثلاً، يريد ألبرتو أن يعرف ما إذا كان السفر مع كلبه «محرّماً»، بينما يريد سو معرفة ما إذا كان «هناك مساحة عمل مشتركة في مزار شريف».


مقالات ذات صلة

القضاء الأوروبي: كل النساء الأفغانيات يحق لهن طلب وضع لاجئ في دول الاتحاد

أوروبا امرأة أفغانية تدفع عربة يد خارج مدينة مزار شريف (أ.ف.ب)

القضاء الأوروبي: كل النساء الأفغانيات يحق لهن طلب وضع لاجئ في دول الاتحاد

قضت محكمة العدل الأوروبية، الجمعة، بأن الجنسية والجنس «كافيان» لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي لمنح حق اللجوء للنساء الأفغانيات بسبب «الإجراءات التمييزية».

«الشرق الأوسط» (فيينا)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن (ا.ف.ب)

توجيه اتهامات لبلينكن بازدراء «الكونغرس»

يستعد الجمهوريون في الكونغرس لمواجهة جديدة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والسبب هذه المرة أفغانستان.

رنا أبتر (واشنطن)
آسيا يرى أفغان كثر أن مشروبات الطاقة وسيلة لسد النقص في الأنظمة الغذائية (أ.ف.ب)

مشروبات الطاقة ملاذ الأفغان بمواجهة ضغوطات الحياة

يُنتج مستودع في غرب أفغانستان 24 مشروباً للطاقة كل ثانية، لتلبية حاجات السكان المتعطشين لهذه المنتجات المنشطة التي يتهافتون على شرائها لتناسي مصاعب الحياة.

«الشرق الأوسط» (هرات (أفغانستان))
الخليج لانا نسيبة مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية ورينا أميري مبعوثة الولايات المتحدة للمرأة والفتاة الأفغانية وحقوق الإنسان (وام)

الإمارات والولايات المتحدة تجددان التزامهما بحماية حقوق النساء والفتيات في أفغانستان

جددت الإمارات والولايات المتحدة الأميركية التزامهما بتعزيز وحماية حقوق النساء والفتيات في أفغانستان، وأكدتا أن هذه القضايا حاسمة من أجل إيجاد بلاد مستدامة.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
آسيا يحذر الخبراء من الكوارث الصحية التي قد تنتج عن الإكثار من استخدام مثل هذه الأواني (أرشيفية- رويترز)

التسمم الصامت: أواني الطهي القاتلة تهدد حياة الأفغان

تستخدم العائلات أواني طهي تقليدية تحمل في طياتها سموماً بطيئة تقودهم نحو الموت.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«القاصوف»... صفحات من تاريخ لبنان الذهبي

فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)
فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)
TT

«القاصوف»... صفحات من تاريخ لبنان الذهبي

فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)
فيروز حاضرة في ثنايا فندق القاصوف (الشرق الاوسط)

يُعدُّ فندق «القاصوف» في بلدة ضهور الشوير، من الأقدم في لبنان والشرق الأوسط، شهرته ملأت الدنيا، وشغلت الناس على مدى سنوات طويلة، قبل أن تدمّره الحرب.

يُشرف الفندق على منظر طبيعي خلّاب، يقع بين شجر الصنوبر، تم بناؤه في عام 1923 من قِبل جان القاصوف؛ أحد أبناء البلدة. شهد مناسبات ونشاطات سعيدة ازدحمت بها قاعته الكبرى وجدرانها المقصّبة، غنّت في رحابه كوكب الشرق أم كلثوم، وكذلك محمد عبد الوهاب، ونزلت في رُبوعه أهم الشخصيات السياسية والفنية من لبنان والعالم العربي، وفي مُقدّمتهم الملك فاروق.

فندق القاصوف من الخارج (الشرق الاوسط)

اليوم يقف الفندق مهجوراً بعد أن دمَّرته الحرب في السبعينات، صار يملكه الوزير السابق إلياس بوصعب، فحِصَّته منه تبلغ 1200 سهم تماماً، كما حصة المالك الآخر للفندق إيلي صوايا، حُكي كثيراً عن إعادة ترميمه، لينتصب من جديد مَعلَماً سياحياً في بلدة ضهور الشوير، ولكن بسبب أزمات اقتصادية وأوضاع غير مستقرة في لبنان بقي على حاله.

يشير نائب رئيس بلدية ضهور الشوير، جو شوقي صوايا، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا الفندق الذي كان يُعرف بـ«لوكندة القاصوف»، شهد أيام العِزّ للبنان، وأقامت فيه شخصيات معروفة كالملك فاروق وشارل ديغول وغيرهما. ويتابع: «اليوم يشهد نشاطات فنية وثقافية، ففي أيام عطلة الأسبوع تُقام فيه حفلات موسيقية».

وبعض الأحيان يستضيف الفندق حفلات أعراس إذا ما سمح المالكون بها، فبعض أبناء البلدة أقاموا حفلات زفافهم فيه؛ لأنه كان يمثّل لهم حلم الطفولة.

نزلت في الفندق شخصيات مهمة وملكات جمال (الشرق الاوسط)

شُيِّد «القاصوف» من الحجر الصخري المكعَّب، على مساحة تبلغ نحو 11 ألف متر مربع، ويتألف من نحو 70 غرفة، وقاعة حفلات تتّسع لـ300 مدعوّ، وهو يعود لآل القاصوف الذين بنوه في العشرينات من القرن الماضي، وقبل شرائه من قِبل مالكيه الجُدد جرى بيعه للبناني من آل الخوري، وآخر من الجنسية الأردنية.

ولم تقتصر الحفلات الترفيهية في الفندق على الغناء فقط، فاتُّخِذ منه مسرح لفنانين لبنانيين وعرب، وشكَّل ساحة لتصوير الأفلام والمسلسلات، كان من زُوّاره أيضاً أسمهان، التي صوّرت داخله لقطات من آخر فيلم لها «غرام وانتقام»، وحضن أيضاً حفلات لفريد الأطرش، ونجاح سلّام، ونور الهدى، وشادية، وغيرهم.

ويشير أحد مخاتير البلدة مخايل صوايا، إلى أن هذا الفندق، وبحسب ما كان يُخبره والداه، شهد أول مؤتمر طبي في الشرق العربي، وكذلك انتخاب أول ملكة جمال في لبنان عام 1935، وانتُخِبت يومها جميلة الخليل التي غنَّى لها الراحل محمد عبد الوهاب «الصبا والجمال بين يديك»، من كلمات الشاعر الأخطل الصغير.

واحدة من صالات القاصوف (الشرق الاوسط)

لا يزال فندق «القاصوف» قِبلة السيّاح العرب، ووجهةً مُحبَّبة للبنانيين، ولو لرؤيته من بعيد؛ كي يتعرّفوا إلى مكان يتذكّره أهاليهم بفرح، فيلتقطون صوراً تذكارية في باحته، وأمام مدخله الرئيسي. وتبلغ مساحته نحو 11 ألف متر مربع، وتحيط به أشجار الصنوبر، ويشرف على منظر طبيعي جميل.

ومن سكانه الدائمين صورتان لفيروز والراحل زكي ناصيف على مدخل قاعته الكبرى، وكانت قد شهدت في السنوات الأخيرة نشاطات فنية، كحفل انتخاب ملكة جمال المغتربين، وكذلك استضافت حفلات موسيقية بينها «تعا ما ننسى»، في تحية للموسيقار الراحل ملحم بركات، والأغنية اللبنانية، وعُزفت يومها مقطوعات لعمالقة الفن اللبناني، أمثال الراحلين: وديع الصافي، ونصري شمس الدين، وزكي ناصيف، وصباح، وفيلمون وهبي، وغيرهم.

ويتحدث أهالي بلدة ضهور الشوير اليوم بحسرة عن مَعلَم سياحي عريق ينتظرون ترميمه كي يُعِيد الحياة السياحية إلى بلدتهم، وتقول ابنة البلدة جيسي صوايا: «إنه موقع سياحي يعني لنا الكثير؛ لما شهد من مناسبات هامة في الستينات والسبعينات، ونتمنّى أن يستعيد بريقه، فنَنعَم من جديد بأيام شبيهة بالحقبة الذهبية اللبنانية».